بوابة الوفد:
2024-11-15@11:47:01 GMT

«مساتير» وبكوات

تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT

تخبرنا كتب التاريخ أن سكان مصر فى العهد العثمانى كانوا ينقسمون إلى ثلاث طبقات:

الأولى: الأتراك ويمثلون طبقة السيادة من الوالى وكبار موظفى الولاية الذين كانوا يحضرون من عاصمة الدولة العثمانية، الثانية: المماليك وقد اشتركوا مع الباشاوات فى حكم البلاد، وساعدت طبقة السيادة على استمرار نظام حكمهم واستغلال أبناء الأقاليم، وكانت «البكوية» أرفع منصب يتطلع إليه أكثر المماليك طموحًا، فقد كان البكوات من كبار موظفى السلطان، ويقوم «الباشا الوالي» بتعيينهم فى حفل خاص يقرأ فيه فرمان منح هذه الرتبة.

لم تكن سلطة البكوات متساوية ولم يكن نفوذهم متقاربًا، فمن بين أربعة وعشرين من البكوات كان «الدفتردار» و«أمير الحج» و«شيخ البلد» يتمتعون بالسلطة والنفوذ أكثر من غيرهم، وكان منصب «شيخ البلد» هدف جميع البكوات، حيث يسيطرعلى النصيب الأكبر من الأموال والضرائب بعد دفع جزء منها لرواتب الجند وآخر يدخل خزنة السلطان، ثم يتصرف «شيخ البلد » وأعوانه فيما يتبقى بعد ذلك.

الثالثة: طبقة المصريين، أبناء البلاد الذين يقومون بأعمال الفلاحة والزراعة والتجارة وأرباب الصناعة والحرف، كانت تلك الطبقة تشمل الأعيان ورجال العلم من أساتذة الأزهر وكانت تضم صغار الطبقة الوسطى أو«المساتير».

كانت طبقة المصريين محرومة من ممارسة السلطة السياسية التى كانت حكرًا على الحكام الغزاة وعلى أعوانهم المماليك، كانت تلك الطبقة الفريسة التى تخضع للاستغلال من أصحاب السيادة وعلى رأسهم الوالى الذى يحظى المصريون برؤيته عند ذهابه إلى صلاة العيد وخلال رئاسته للاحتفالات الرسمية، ويتجمهرون على جانبى الطريق الذى يشقه موكبه إلى القلعة.

كانت تلك الطبقة من المصريين تقع على رؤوسهم المصائب، وأكثر المتأثرين بالشدائد، يقول الجبرتى عن العام « 1207 هجرية، 1792 ميلادى »:

استهل المحرم بيوم الخميس والأمر فى شدة من الغلاء وتتابع المظالم وخراب البلاد، وشتات أهلها وانتشارهم بالمدينة، حتى ملؤا الأسواق والأزقة رجالًا ونساء وأطفالًا يبكون ويصيحون ليلًا ونهارًا من الجوع، وكان النيل قد جاء منخفضًا فزاد كرب الأهالى، واختفت الغلال من السواحل وارتفعت أسعارها عما كانت عليه، وآل الأمر إلى أن صار الناس يفتشون عن الغلة فلا يجدونها، ولم يبق للناس شغل ولا حكاية ولا سمر بالليل والنهار فى مجالس الأعيان وغيرهم إلا مذاكرة القمح والفول ونحو ذلك، وشحت النفوس واحتجب المساتير وكثر الصياح والعويل ليلًا ونهارًا فلا نكاد تقع الأرجل إلا على خلائق مطروحين بالأزمة.

وإذا كانت كتب التاريخ تخبرنا بتلك الطبقات الفائتة، فإن إعلانات اليوم تخبرنا أن سكان المحروسة ينقسمون إلى طبقات أيضًا منهم: طبقة صفوة الصفوة « كريمة المجتمع » المعنيين بإعلانات مشروعات قرى سياحية على سواحل مصر ويتزاحمون عليها، مشروعات اقترب سعر«الوحدة»البالغ مساحتها 73 مترا فيها من 13 مليونا و200 ألف جنيه، ثم تأتى الطبقة التى تليها والتى تليها لنصل إلى الطبقة المتوسطة التى تضم بداخلها فئة «المساتير»، الموظف المستور والتاجر المستور وصاحب الحرفة المستور، وصولًا إلى أعلى درجات تلك الطبقة من ميسورى الحال، تلك الفئات التى تعنيهم إعلانات الأطعمة والمشروبات وبعض السلع والخدمات، ويستطيعون بعد تفكير عميق دفع «تحويشة» العمر للحصول على وحدة سكنية فى مشروع إسكان متوسط، تلك الفئة الأكثر تفاعلًا مع رسائل التبرعات لـ « كفالة طفل يتيم.. وإنقاذ أسرة من الفقر.. وسهم الخير.. » ثم تأتى طبقات الفقراء واحدة تلو الأخرى.

فى النهاية: إن تتعدد الطبقات بين الناس فهذا طبيعى ومفهوم، أما الفجوة والتباعد والتفاوت الكبير الذى يزداد يومًا بعد آخر بين الطبقات، فهذا ليس مفهومًا ولا مرغوبًا فيه، خاصة وأن غلاء المعيشة ساهم فى عملية الانتقال السريع لكثير من فئة «المساتير» إلى طبقات الفقراء.

الخلاصة: الطبقة الوسطى دائمًا وأبدًا رمانة ميزان السلام المجتمعى، واقتصار أحاديث أهلها على الأسعار وتوحشها يحتاج مراجعة سريعة، قبل أن يختفى «المساتير» وتعود ظلال البكوات.

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أشرف عزب التاريخ سكان مصر

إقرأ أيضاً:

مصادر مصرف لبنان: الأمور عادت الى ما كانت عليه

كتبت " نداء الوطن": فيما يُتوقّع أن يصدر مصرف لبنان غداً في 16 تشرين الثاني بياناً حول وضعه المالي (يصدر كل 15 يوماً) يُرجّح أن يظهر في أرقامه تحسناً طفيفاً عما سبق نشره، فإنّ حجم الاحتياطيات المتبقية كان قد بلغ حدود 10.26 مليارات دولار. وهو أعلى مما كانت عليه تلك الاحتياطيات قبل مغادرة الحاكم السابق رياض سلامة، بنحو 1.6 مليار دولار.

وفي هذا الصدد، تقول مصادر مصرف لبنان، إنّ بداية الحرب في 17 أيلول، "عرّضت سوق القطع لضغوط كبيرة". ولولا ضعف كتلة الليرات اللبنانية الموجودة وتواضع قيمتها في السوق (قرابة 50 تريليون ليرة أو ما يعادل 560 مليون دولار) "لكان أصحاب المصلحة وهواة التخريب أكثر قدرة على اللعب بالاستقرار النقدي".

أما اليوم، فتؤكد مصادر مصرف لبنان أنّ الأمور عادت إلى ما كانت عليه ما قبل منتصف أيلول تقريباً. حيث استعاد الطلب على الليرة اللبنانية نشاطه في السوق، وأصبح الوضع "شبه طبيعي"، يعادل 80% مما كان عليه الطلب على الليرة في السابق. في نظر المصادر، فإنّ هذا الأمر "إشارة جيدة" الى أنّ الجباية (جباية وزارة المالية) أحرزت تقدماً ملحوظاً، وهذا سيدفع بمصرف لبنان نحو تعزيز فرص استعادة مراكزه السابقة، من خلال تحصيل ما تمّ إنفاقه من دولارات خلال الشهر الفائت، لكن بشكل تدريجي.

وهذا بدوره، مؤشر على أنّ الناس عادت إلى الالتزام بدفع الضرائب، ولو بشكل خجول. إذ تكشف الأرقام بحسب المصادر نفسها، أن الحركة الاقتصادية هي الأخرى تراجعت خلال الشهرين الفائتين بواقع 40%. لكن حركة الإيرادات ليست عاطلة مقارنة بظروف الحرب.
 

مقالات مشابهة

  • مصادر مصرف لبنان: الأمور عادت الى ما كانت عليه
  • حلمي النمنم: دعوة تجديد الخطاب الديني نجحت وهذا هو الدليل (فيديو)
  • حلمي النمنم: دعوة تجديد الخطاب الديني نجحت إلى حد كبير.. وأوقفت التيارات المتشددة
  • حلوى لازانيا اليقطين الخريفية
  • جمال عارف: فترة مانشيني مع المنتخب كانت ضائعة
  • شرطة مارب تشتبه في شاب عشريني وعند تفتيشه كانت المفاجأة الصادمة
  • صينية الجلاش بالجبنة والزيتون
  • نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا أعمال طبقة الأساس لعملية توسعة ورصف جسر الصليبة بشبرامنت
  • بالصور.. نائب محافظ الجيزة يتابع أعمال طبقة الأساس لعملية توسعة ورصف جسر الصليبة بشبرامنت
  • نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا أعمال طبقة الأساس لتوسعة ورصف جسر الصليبة بشبرامنت