كان المواطنون العالقون في مناطق الحرب، يتحصلون على حاجاتهم الغذائية عن طريق المطابخ الجماعية في الأحياء السكنية والآن؛ توقفت هذه المطابخ أو “التكايا” بسبب تراجع وشح الموارد المالية..

الوسومالجوع في السودان توقف المطابخ حرب الجيش و الدعم السريع.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجوع في السودان توقف المطابخ حرب الجيش و الدعم السريع

إقرأ أيضاً:

من طرف المسيد: المجاعة وإذلال الكرام

يرويها الأستاذ محمد سيد أحمد الحسن
حررها عادل سيد أحمد

حدثت هذه القصة في المويلح (غرب أمدرمان) في عام الجفاف والمجاعة 1984م.، فقد جاء خواجات صحفيون وطلبوا مني أن أصحبهم إلى هناك. ولكن الناس في المويلح كانوا قد اعتادوا على خواجات الإغاثة، فصاروا كلما يروا خواجة يتوقعون أن يكون عنده ما يغيثهم به، فيتجمعون، وفي نفس الوقت لم يكن أولئك الصحفيون يفهمون هذا التوقع. فصرت كلما يأتينا شخص ويلح في الطلب، أعطيه شيئا من عندي، جنيه أو خمسين قرش أو كذا.
وفي مرة ذهبنا إلى هناك وتجمهر الناس حولنا، ولكن كان هناك شاب يقف بعيدا عن هذه الجمهرة، يراقب ما يجري.
جاءني هذا الشاب، وتبادلنا السلام، ثم شرحت له أن الخواجات الذين يرافقونني ليسوا تبع الإغاثة وإنما هم صحفيون، يريدون أن ينشروا قضية هؤلاء الناس في الخارج، وليس في بالهم أن يعطوا شيئا لأحد.
فقال لي:
- أنا شايف إنك قاعد تديهم!
فقلت له:
- نعم، مرات كدة بحاول لمن اشوف زول ملح.
فقال لي:
- شفت الراجل القاعد هناك داك؟
قلت له:
- نعم.
فقال لي:
- إذا عندك حاجة داير تديها لزول، اديها للزول دة!
فسألته:
- لماذا؟
فقال لي:
- الزول دة لا يتهافت مع الناس ديل، وانسان كان وضعه الاقتصادي والاجتماعي متميز، وحتى في الظروف الصعبة دي لم يرضى ان ينزل لمستوى الجماعة ديل، فاذا عندك حاجة اديها ليه.
- شنو هو بالضبط؟
قال لي:
- هو كان يعني كبير قومه، وكان عنده رعاة وعنده بقر وعنده حيكورات. وزول يعني وضعه كان جيد، لكن أهي الظروف قادته فصار يجيء ويقعد هنا. الناس ديل يتهافتون في رغيف او زول جايب ليهو اكل، قليل من التمر أو كذا، ولكن هو يجي يقعد هنا ويعاين، ولمن تنتهي الهيصة يرجع بدون ما يشيل اي حاجة.
وكانت معي مائة وسبعون قرشا، فذهبت إليه، وسالمته:
- ازيك يا أستاذ.
- اهلا وسهلا.
سلمت عليه، وغمتها له في يده، وشكرا ياخي، شكرا.
وكنت مُصرا انه كلما ارجع إلى هناك، وانا لا اذكر اسمه الان، لكن كنت مُصر لو الظروف رجعتني المويلح أن احمل له بعض الحاجيات، ولكننا لم نلتقي أنا وهو مرة أخرى.
فهذه ظروف الحرب والمجاعة، وذلة اهل الشهامة والكرم، يذلوا أحياناً في مثل هذه الظروف.
وقصة رجل المويلح هذا ليست هي القصة الوحيدة في تاريخ السودانيين، فهناك أناس وقفوا، في أصعب الظروف، مواقف سجلت لهم. ومن أشهر تلك المواقف طبعا قصة ود أب سن شيخ الشكرية. فبعد موسم الحصاد في سنة المجاعة أخفى الناس العيش وأخفوا المحاصيل، وجدت الحكومة في التحصيل بلا طائل وكانت قاسية جدا مع الناس، ومن بينهم شيخ الشكريَّة ففرضت عليه مائة أردب أتاوة، وعجز هو من أن يدفعها. فقبضوه في رفاعة ورحلوه بالبنطون إلى مركز الحصاحيصا. وفي الأثناء كان معه عربي في المركب، وفرح العربي عندما رأي شيخ العرب، فصاح به:
- يا شيخ العرب حصلني!
فقال له ود أب سن:
- مالك يا رجل؟
- الناس ديل قابضني في أردب عيش، ومودني السجن.
فنادى ود أب سن على العسكري الذي كان يرافق الرجل وقال له:
- فِكُّوا، والمية بتاعاتي سَوَّهِن (مِيَّة وأردب)!
فصار قوله هذا مثلا، وظل الناس لسنين وسنين يتداولونه.
وهناك قصة الأمين ود حمد، الذي كان يحمل بذورا في يده، ووجد أناس يأكلون، فنأدوه:
- تعال أكل!
فلما ذهب إليهم وجدهم ناس كبار يتكابسون في الأكل (يتهافتون عليه). فنظر إلى بذوره التي بين يديه، وأقسم بأنه لن يأكل إلى من محصولها عندما تنتج، فيُقال إنه ربط في بطنه حجر ولم يأكل بل انتظر إلى أن أنتجت تلك البذور.
أمثالهم كثيرين، وهؤلاء هم النوع الذي قال فيه المتنبئ:

- إذا كانت النفوسُ كبارا
تعبت في مُرادها الأجسامُ

هذا النوع من السودانيين، هو النوع الذي كان يتكلم به الناس ويستمدوا منه القوة في الظروف الصعبة، وهو قدوة. وتظل سيرته موجودة بعد أن تنتهي المجاعة ويموت الناس.
يظل اسمه موجود. ويتداول الناس أقوالهم في شكل مثل أو في شكل حكاوي عن التضحية أو الشجاعة، ولكن هناك من يذل، وهناك أبطال في أسوأ الظروف يظلوا شامخين، لا ينكسرون، وهؤلاء كانوا موجودين وهم الذين بنوا الأسماء السودانية الكبيرة.
وعلق الصديق م. كمال حمزة الشفيع، وهو من أبناء دارفور، قائلاً:
- (الحقيقة كلام والدك عن المجاعة ذكرني بأشياء منها مجاعة 1984م.، التي تكلم عنها في المويلح، ويمكن يا عادل انت تذكر أننا في السنة الأولى في الجامعة، من ضمن البرنامج الذي وضع لنا ذهبنا إلى المويلح، ولا اتذكر إذا انت كنت موجود أم لا، ولكن كان الموقف كارثي جدا وهذا طبعا واحدة من القصص التي أريد أن أحكيها.
في 1984م.، كان الرئيس الأمريكي هو ريغان، ويمكن الناس حتى سموا الإغاثة بعيش ريغان يقولوا لك (عيش ريغان) وكذا، فيقال بانه في شمال دارفور في أمرأه مسنة فهمت انو الشخص الذي يُحضر الاكل هذا هو ريغان، وريغن هذا خواجة.
فجاءت إلى السوق ورأت خواجة، قد يكون صحفي كما قال والدك، قد يكون أحد العاملين في المنظمات، فهي في بالها ان ريغان هذا خواجة فجاء في بالها على الفور إن هذا هو ريغان. فجلست على الأرض وبدأت تسالمه بلهجة أهل دارفور:
- اها يا ريغن يا وليدي، كيف اخبارك وكيف أصبحت، الله يبارك فيك وكذا
الخواجة طبعا لم يفهم الحكاية، فشرح الناس له إن هذه الحاجة تعتقد إنه هو ريغان وأنه هو من جلب الإغاثة.
ويقال إنه بعد أن فهم قولها غمت له بقشيش كارب).
المحرر:
- طيب نرجع لشيخ أب سن وهو طبعا أحمد عوض الكريم، وقد شغل منصب حاكم الخرطوم وسنار في التركية، فما موقفه من المهدية؟ هل قاتلها أم قاتل معها؟
- شيوخ القبائل ناس ابو سن وهؤلاء الجماعة طبعا كانوا ناس حكماء، يعني حكمة من الله انهم كلهم كانوا واعين وكانوا يحافظون على مصالح قبائلهم، والمهدي لم يكن يثق فيهم ولا الخليفة، وهم لم يكونوا مؤيدين للخليفة ولا يثقون فيه، ولكن كان خوفا منه وحفاظا على قبائلهم كانوا يظهرون له الولاء.
أب سن (أحمد عوض الكريم) ذاع صيته في العهد الثنائي.
وطبعا من يحملون أسم أب سن كثيرون ولكن أشهرهم أحمد عوض الكريم أبو سن، وقد كان مديراً للخرطوم وسنار، وكان ناظر عموم البجا، وكان رجل حكيم ويبدو انه كان لديه حد معقول من الثقافة، يظهر ذلك في حِكمه وكلامه. وادار المنطقة إدارة كانت جيدة، في منطقة البطانة، ويقال ان الحاردلو الشاعر الكبير المعروف، أمير شعراء الشكرية، وهو إبن أحمد بكر أبو سن والذي له مسادير في الصيد ووصف الطبيعة والفُروسيَّة والغزل، هو ابن أخيه من عائلة أبو سن، وكان دائما ما يرتكب حماقات، فكان الناس يجاملونه واضعين حسابا لأحمد عوض الكريم.
من بين الروايات التي تداولها الناس أن كلمة الحاردلو أتت من قول الناس (الحار دلّو) لأنه كان رجل سريع الغضب قاسي الأحكام، فقال الناس لما أمروه عليهم الحار دلُّو إى أنزلوه، وهي إحدى الروايات المتداولة عن مصدر اسم الحاردلو.
فكان أب سن أحد شيوخ القبائل المعروفين.
طبعا هناك أحمد عوض الكريم، وعبديلا، واحمد محمد أحمد فأب سن ليس شخصا واحدا.
وظهروا في فترات مختلفة، يعني هناك أب سن في المهدية، وفي التركية، وفي أب سن في وقتنا الحاضر.
فهي أسرة ممتدة، ولكن من أشهرهم طبعا عوض الكريم أبو سن، وهو جدهم كما قال الرجل: (الدنيا زايلة بي عوض كريمها)، فهم أسرة كبيرة ولكن ليس شخص واحد أسماء متعددة من آل أبو سن. من بينهم طبعا سنينات، وسنينات هذا اشتهر بمبارزته لموسى ود جلي فارس بني جرار، وكان مشهورا، ودخل مع سنينات الشكري في صراع حول امرأة اسمها آمنة وتبارزا وقتل سنيناتٌ موسى ود جلي وموسى، ونعي ود جلي أيضا مشهور:

- حليل موسى يا حليل موسى
حليل موسى الفي الرجال خوسا
حليل موسى السيفو لاحوسه

فنعاه الناس، وكان فارس لكن سنينات استطاع ان يقتله.
قبل المشاريع كانت المنطقة مرعى، قبل الآلات والزراعة الآلية يسكنها كواهلة، كان يسكنها بنو جرار، كان يسكنها بنو رفاعة، وهكذا فقد كانت تسكنها قبائل عربية.
وكلما حدث تطور وإنشاءات كان هؤلاء الناس يرحلون منها غربا، بمعنى إن القبائل التي كانت موجودة أيام أبو سن الكبير، في الغالب هم الآن من قبائل الغرب.
طبعا الزراعة تضايقهم فيهاجروا، فكانت بهذه المنطقة قبائل وقبيلة أبو سن كانت من أكبرها، ولكن لأنهم امتدوا وتواصلوا وحمل أسم (أب سن) أكثر من شخص، صار عندهم تاريخ طويل.

amsidahmed@outlook.com  

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: سنواصل الحرب ولا نهاية لها في الأفق
  • نتنياهو: سنواصل الحرب بكثافة منخفضة.. ولا نهاية لها في الأفق
  • الحركة الشعبية لتحرير السودان تعلن المجاعة في ولاية النيل الأزرق تزامنا مع محادثات لوقف إطلاق النار
  • مقتل 68 شخص على الأقل بسبب الأمطار الغزيرة في السودان
  • غرفة طوارئ بحري: نحن على أعتاب مجاعة بعد توقُّف معظم المطابخ
  • صفقة تبادلية تلوح في الأفق بين مانشستر يونايتد وباريس سان جيرمان
  • من طرف المسيد: المجاعة وإذلال الكرام
  • السودان.. تحذيرات من أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم
  • يونيسيف: السودان يشكل أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم
  • اليونسيف: المجاعة تأكل السودانيين والعالم لا يسمع ولا يرى!