جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-28@10:39:56 GMT

قلعة النفاق

تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT

قلعة النفاق

 

 

محمد البطاشي

تداعت الأمم المُتحدة قولاً -المُتخالفة فعلاً- مُمثلة في مجلس الخوف الدولي المُسمى زورًا وبهتانًا بـ"مجلس الأمن الدولي" الذي انعقد وبصورة عاجلة لبحث الهجوم الروسي على مستشفى للأطفال في أوكرانيا، ورغم وجاهة الدعوة وفداحة الجريمة من الناحية القانونية والأخلاقية -إنْ صحت التهمة- فإنَّ تلك الدعوى تنطوي على تناقض ونفاق صارخ للممارسات والأفعال للدول صاحبة الدعوة، والتي نصبت نفسها خصمًا لروسيا وأعطت نفسها الحق في تقرير ماهية الجرائم التي تصنف على أنها جرائم  حرب أو ضد الإنسانية؛ ذلك أنَّ هذا المجلس ومن ورائه ذات الدول صاحبة الدعوة قد صَمَتت صمتَ القبور ولا تزال منذ تسعة أشهر على جرائم الاحتلال التي لم يُسجل لها التاريخ مثيلا؛ فمنذ السابع من أكتوبر عام 2023 والكيان المحتل يرتكب من الجرائم والمجازر ما لم يسمع به العالم من قبل؛ بحيث لم يسلم من جرائمه وشروره بشر ولا شجر ولا حجر، فمن قتل مباشر ومتعمد للمدنيين العزل، إلى تدمير المساكن على رؤوس ساكنيها وتدمير المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء والجامعات ودور العبادة وقطع المياه والكهرباء والحصار والتجويع والتنكيل بالناجين من المذابح الجماعية، وقتل الصحفيين وعمال الإغاثة والهلال الأحمر، وقصف سيارات الإسعاف، إلى آخر قائمة طويلة من جرائم الحرب التي لا تنتهي، ولكن العالم والأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يحركوا ساكنًا، وتعامَوا عن كل ذلك، ولم يكلفوا أنفسهم حتى مجرد جلسة نقاشية.

قبل ذلك، تفجرت فضيحة مدوية مجلجلة تتعلق بالحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة الجنايات الدولية بحق قادة وزعماء الاحتلال، وما صاحب هذا القرار من تنديد وهستيريا غربية، وصلت إلى حد تهديد القضاة الدوليين بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هم مضوا قُدما وأصدروا أوامر اعتقال بحق هؤلاء من عتاة الإجرام في العالم، في سقوط أخلاقي مدوٍّ للسردية الغربية والشعارات البراقة التي تلُوكها ألسنة السياسيين والإعلاميين الغربيين ليل نهار، ويتفاخرون بها أمام شعوب العالم، والتي انكشفت الغايات والمآرب الخفية من ورائها.

ولا تزال أمريكا وبريطانيا وألمانيا تتزعم المساعي الرامية إلى عرقلة العدالة الدولية وعرقلة عمل المحكمة الدولية وترهيب القضاة، وهذه جريمة شنعاء يندَى لها جبين البشرية ويسجلها التاريخ في صحائفه السوداء، وتستوجب جلب قادة هذه الدول إلى ساحة القضاء لتقول العدالة كلمتها.

لقد أزاح طوفان الأقصى الغشاوة عن أعين الأكثرية من شعوب العالم، وكشف الغطاء عن حجم النفاق والتمييز العالميين اللذين يمارسان ضد أغلب شعوب العالم، بينما تبقى دول وشعوب مُعينة فوق العرف والقانون وبعيدة عن يد العدالة والمساءلة، كل ذلك وغيره من التمييز والانحياز الأعمى يُنبِئك بمدى زيف الشعارات والادعاءات البراقة والأباطيل التي ترفعها الدول الاستعمارية والمنظمات العالمية العابرة للقارات، ومن يسيرون خلفهم بعيون عمشى وعقول صغيرة وقلوب ميتة.

يجتمع مجلس الشؤم لأجل شبهة قصف مستشفى في أوكرانيا، ويتعامى عمَّا يفعله الاحتلال في غزة والضفة الغربية، فأيُّ عار هذا وأي شنار يلتحف به المجلس المذكور؟ فأين شعارات العدالة والمساواة التي يتشدق بها المنافقون والأفَّاكون من الغرب والشرق؟ لقد تبخَّرت وذهبت أدراج الرياح ولم يعد لها من باقية، فهي مجرد شعارات يُراد توظيفها لمصلحة أهل الباطل، وورقة توت يستر بها النظام العالمي عوراته الكثيرة، ومخلب قط لترويض الأنظمة الوطنية وسيوف مسلطة على رقاب الشعوب الحرة التي تسعى للتحرر من ربقة الاستعمار والاستكبار العالمي، لتبقى الأنظمة والشعوب في بيت طاعة النظام العالمي المتوحش الذي لا يشبع من ثروات وخيرات الدول والشعوب الخانعة ويعدها سوقاً رائجة لبضائعه الكاسدة.

إنَّ ما يجري في غزة لم يكن ليحدث ويستمر لولا مشاركة ما يُسمى بـ"المجتمع الدولي" الظالم في هذه الجريمة المستمرة مشاركة مباشرة بالمقاتلين والسلاح والمال وكافة أنواع الدعم اللوجستي، عبر جسور لا تنقطع بحرا وجوًّا وبرًّا، في مقابل صمود خارق لأصحاب الأرض فاق الخيال رغم الحصار والتجويع وسياسة الأرض المحروقة،  واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، ووسط خذلان عربي يُحير أفكار العقلاء، وما وقف وثبت مع غزة وأهلها إلا ثلة من الأحرار الشرفاء من جبهة المقاومة وأحرار شعوب العالم وقادته، الذين أبصروا الحقيقة وسقطت الغشاوة عن أبصارهم، فطفقوا يجوبون الشوارع في مظاهرات حاشدة وهم اليوم يقودون تحولا فكريا عميقا ضد هذا الظلم والطغيان والتوحش الذي تمارسه الصهيونية العالمية وأتباعها على الأنظمة والحكام والسياسيين والمثقفين، وكل المؤثرين -إلا من رحم ربك- تحركٌ نَرَاه بدأ يؤتي ثماره عبر تزايد المشاركين فيه، وتحول قناعاتهم وتحررهم من غسيل الدماغ الذي مارسته عليهم وبشكل مكثف وممنهج المنظمات والمؤسسات الصهيونية والماسونية عبر عشرات السنين من التضليل والتزييف وقلب الحقائق وتزيين الباطل، وإلهاء الناس والضغط عليهم وتغييب وعيهم وإفسادهم وإشعال الفتن والحروب ونشر الأمراض الفتاكة والأوبئة، وتخريب الذوق العام وتمكين كل فاسد وجاهل ومجرم وموال لهم.

تحوُّل نراه الآن جليًّا في نتائج صناديق الانتخابات؛ تمثل في سقوط أنظمة وأحزاب عتيدة، وتبدل سياسات راسخة ظالمة استمرت لسنوات طويلة، وصعود تيارات فكرية متنورة وأحزاب تحررية ظلت حبيسة الظل لسنوات طويلة، كل هذا حدث بفعل "طوفان الأقصى"، وما كشفه من عورات النظام العالمي والتوحش الغربي والنفاق العالمي الفج، وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين والعنصرية البغيصة المترسخة في نظام القطبية الواحدة، تحول ينبئ بمستقبل مغاير سيسفر عن وجهه عما قريب، تتغير معه معالم الخارطة السياسية الحالية للعالم ويبزغ معه فجر جدبد يميل إلى العدالة والمساواة، عالم فيه مسحة من الإنسانية والعقلانية ويسعى إلى خير البشرية ورفاهها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

العالم يتعرف إلى السلطة الجديدة في دمشق

كان رئيس جهاز الاستخبارات القومي في تركيا أول الواصلين الأجانب إلى دمشق واللقاء بأحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام. ثم جاء الأوروبيون والأمريكيون والأمميون والقطريون والأردنيون والسعوديون، في حين كانت روسيا حريصة على إعلان أنها “على تواصل” مع السلطة الجديدة، وكذا فعلت إيران التي لم تكتم شعورها بالهزيمة الكبرى التي منيت بها في سوريا. أما إسرائيل ففضلت “اختبارها” باحتلال أراض سورية جديدة وقصف ما تبقى من إمكانات سوريا العسكرية وإطلاق تصريحات عدائية بحق السلطة الجديدة في دمشق.

وقررت الولايات المتحدة إزالة المكافأة الموضوعة على رأس أبي محمد الجولاني، مع “دراسة” إزالة اسم الهيئة التي يقودها من قائمة المنظمات الإرهابية والعقوبات المفروضة على سوريا في عهد النظام الهارب.

هذه إجراءات سالبة وحسب لا تعني إقامة علاقات طبيعية مع سوريا الجديدة، ناهيكم عن مساعدتها على تضميد الجراح والشروع في بناء دولة منهارة أو محاولة لجم حليفها الإسرائيلي، إضافة إلى دور واشنطن في المرحلة الانتقالية بحكم وجود قواتها على جزء من الأراضي السورية يصادف أنها تشتمل مصادر النفط والغاز.

الدول الأوروبية المعنية بسوريا من زاوية موضوع اللاجئين على الأقل ما زالت تتعامل بحذر مع السلطة الجديدة، ولم تطلق وعوداً بشأن المساهمة في إعادة الإعمار، لعلها تنتظر أن تسبقها الدول العربية الغنية المنتجة للنفط. تركيا المزهوة بإنجاز تكاد تنسبه إلى نفسها، أعني إسقاط نظام الأسد، عينها على فرص الاستثمار لشركاتها قبل كل شيء، والعين الأخرى على شمال شرق سوريا حيث تجد أن الفرصة سانحة للتخلص من قوات سوريا الديمقراطية وإدارتها الذاتية في مناطق سيطرتها قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض بعد أسابيع قليلة. ولعل طموحها يصل إلى درجة لعب دور “الأخ الأكبر” للسلطة الجديدة.

ربما كان أبرز المتوجسين بين الدول من سقوط نظام الأسد، مصر والإمارات العربية المتحدة، وسيكون عليهما التأقلم مع الوضع الجديد ولو على مضض. ربما ينطبق ذلك على الصين أيضاً التي ترى في سقوط النظام الذي واظبت على تأييده في مجلس الأمن منذ بداية الثورة مكسباً صافياً للتحالف الغربي الذي يسعى لتطويق طموحاتها.

أحمد الشرع المعروف بقدرته على الاقناع ولا يخفى طموحه السياسي على أحد، حذِرُ في تصريحاته، يتجنب الشراك التي تنصب له، ويقول ما هو مقبول في الداخل كما مع مندوبي الدول الذين يلتقي بهم أو وسائل الإعلام التي تلاحقه. أما في الإجراءات، كتشكيل حكومة تصريف الأعمال أو إعادة العمل في دوائر الإدارة العامة أو تعيين محافظين أو تنظيم العلاقة مع السكان في شؤون الأمن وغيرها، فهو يتصرف بصورة أحادية، ويبدو أنه حاسم في رفضه اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2254 أو التعاون مع أطر المعارضة المعترف بها دولياً في المهجر.

لعل أكثر ما يلفت النظر في “براغماتية” أحمد الشرع هو تعاطيه العاقل مع الاستفزازات الإسرائيلية، وانفتاحه على علاقة طبيعية مع موسكو، وتجنب إطلاق تصريحات استفزازية ضد طهران. هذه من علامات نضج سياسي بعد عمر أمضى الرجل جله في العمل الميداني الجهادي في العراق وسوريا، وفي حكم منطقة إدلب طوال السنوات السابقة والتعامل مع الفصائل الأخرى.

ويكاد يكون الشخص الوحيد الذي يمارس السياسة بمعناها الحقيقي في سوريا اليوم. هذا ما يجعل أكثر التساؤلات يدور حول مقدار سيطرته على هيئة تحرير الشام ومداها الزمني المحتمل، وعن مدى قدرته على ضبط الوضع الأمني بالعديد المحدود لقوات التحالف الذي يقوده، ومدى قدرته في الحفاظ على استقلالية القرار الوطني وسط قوى دولية عاتية تمارس على السلطة الجديدة ضغوطاً متفاوتة تحرّكها روائز مصالحها الخاصة في “الكعكة السورية”، ومدى استمرار حيازته على قبول شعبي يحتاجه في تعزيز شرعيته الثورية. وبقدر ما تتوقف هذه العناصر على استمرار أدائه الحالي، فهي ستتأثر أيضاً بمدى التجاوب المحلي والدولي مع المتطلبات العاجلة لبناء دولة جديدة من الصفر تقريباً تمثل جميع السوريين وتحظى بدعم من دول صديقة.

من مفارقات الأسبوعين الفائتين أن البيئة الموالية لنظام الأسد كانت، لأسباب مفهومة، الأكثر تجاوباً مع سياسة الهيئة تجاهها، وحين تتعرض مناطقهم لانتهاكات فهم ينسبونها إلى فصائل أخرى ويستنجدون بهيئة تحرير الشام لحمايتهم منها، بعد سنوات من شيطنتها والمساهمة الفعالة في الصراع ضدها. هذه أيضاً براغماتية مقابلة أو واقعية سياسية مطلوبة. بالمقابل ثمة أوساط تسعى ما وسعها ذلك إلى التخريب على هذا الوضع، سواء من فلول النظام المخلوع أو من أفراد من الفصائل “المنتصرة”.

وثمة أيضاً من يخلطون بين المتطلبات السياسية العاجلة ومسبقاتهم الإيديولوجية على ما شهدنا في مظاهرة ساحة الأمويين الأسبوع الماضي حين رأينا أصواتاً تنادي “علمانية! علمانية!” وكأنهم يحتجون على إقرار دستور ينص على إسلامية الدولة السورية وتطبيق الشريعة فيها. في السياق الذي ارتفع فيه هذا الشعار لا يمكن أن يعني غير “النضال” ضد السلطة الجديدة ولم يمض عليها أكثر من عشرة أيام، في الوقت الذي تحتاج سوريا فيه إلى كل شيء باستثناء الاستقطابات الداخلية الحادة.

المعارضة السياسية الموجودة خارج سوريا مرتبكة لا تجد لنفسها موقعاً في المشهد السياسي، كما لو أنها مستسلمة لانتهاء دورها بنهاية نظام الأسد. فهي تجني الحصيلة الهزيلة لعملها طوال العقد الماضي، ربما تنتظر أن تمنحها الدول الفاعلة في سوريا اليوم دوراً من خلال القرار 2254، بعدما فشلت في الحصول على أي نفوذ اجتماعي بين السوريين.

يجتهد المحللون في تحديد أبرز الرابحين والخاسرين في سوريا بعد الثامن من الشهر الجاري، فيعدّون تركيا وإسرائيل بين الأوّلين، وإيران وروسيا بين الأخيرين. ولا أحد يذكر النظام المخلوع كخاسر، فهو قد خسر مسبقاً منذ سنوات طويلة، وسقط كثمرة معفنة من تلقاء ذاته. وكذا قلما ينظر أحد إلى سوريا كدولة خسرت كل شيء لتفوز فقط بجائزة ترضية هي نافذة أمل مفتوحة على المستقبل، ويتوقف على السوريين أنفسهم أن يحولوها إلى مستقبل يستحقونه.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • العضو المنتدب للقابضة للغزل والنسيج: مصر لديها الإمكانيات التي تؤهلها للسوق العالمي
  • أهم الشخصيات التي ترسم مشهد «الذكاء الاصطناعي العالمي» عام 2025
  • انفجارات بركانية هائلة شهدها الكوكب ساهمت بالتبريد العالمي.. متى الثوران التالي؟
  • أبرز أحداث عام 2024 التي شغلت العالم
  • العالم يتعرف إلى السلطة الجديدة في دمشق
  • بوتين : دول رابطة الدول المستقلة حققت نموا اقتصاديا أعلى من المتوسط العالمي
  • خبير: الدول العربية لعبت دوراً في فضح جرائم دولة الاحتلال أمام العالم
  • أكاديمي أردني: الدول العربية لعبت دوراً في فضح جرائم دولة الاحتلال
  • أستاذ إعلام: الدول العربية لعبت دورًا في فضح جرائم الاحتلال
  • إنتاج تويوتا العالمي يتراجع للشهر العاشر رغم ارتفاع المبيعات