في الوقت الذي تستعد فيه روسيا لحرب طويلة مع أوكرانيا فإن أوامر الدولة بتسليح الجيش ووقوده وإطعامه وكسوته تضخ مبالغ هائلة من المال إلى الاقتصاد، وفق ما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز.

وأدى ذلك إلى طفرة، ففي وقت توقع كثيرون أن توجه العقوبات الغربية ضربة مؤلمة لروسيا ينتظر أن ينمو اقتصادها 3% هذا العام، وهو أعلى من الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية.

وقالت الصحيفة في تقرير للكاتبة بولينا إيفانوفا إن تأثير الحرب يظهر بصورة أوضح في المناطق الصناعية القديمة حيث تم إحياء المصانع السوفياتية التي باتت تعمل على مدار الساعة لتزويد الجيش الروسي بالإمدادات.

ونقلت الصحيفة عن عالمة السياسة إيكاترينا كوربانجاليفا قولها "بعض المناطق ذات الأداء الاقتصادي الضعيف بدأت في النمو فجأة، ولا سيما مناطق التصنيع التي توجد فيها الكثير من الصناعات الدفاعية والصناعات ذات الصلة".

تستفيد عائلات نحو مليون رجل تم إرسالهم إلى الخطوط الأمامية من رواتبهم المرتفعة (الفرنسية)

وأضافت "المناطق الأكثر تخلفا والشرائح ذات الدخل المنخفض من السكان هي الرابحة، هذا هو المكان الذي تذهب إليه الأموال".

كما نقلت الصحيفة البريطانية عن محللين قولهم إن فهم تجربة مناطق مثل تشوفاشيا أمر بالغ الأهمية للتنبؤ بقدرة روسيا على المدى الطويل على مواصلة حرب الاستنزاف ضد أوكرانيا، اقتصاديا وسياسيا.

نقطة تحول

وتقول لورا سولانكو من معهد الاقتصادات المارة بمراحل انتقالية التابع لبنك فنلندا -والتي درست تأثير الحرب على دخل الأسر- إن هذا التوقيت كان بمثابة نقطة تحول واضحة، إذ أدركت روسيا أن الحرب لن تكون قصيرة.

وبدأت المصانع في جميع أنحاء روسيا بتحويل الإنتاج إلى الاحتياجات العسكرية، ففي تشوفاشيا كانت 7 مصانع تلبي طلبات القوات المسلحة قبل الحرب، وبحلول أكتوبر/تشرين الأول 2022 ارتفع العدد إلى 36 مصنعا، وفق الحاكم المحلي.

وأظهرت البيانات المحلية أن تشوفاشيا سجلت ثاني أعلى معدل، حيث أنتجت مصانعها زيادة بنسبة 27% عن العام السابق.

تحسن سوق العمل

وتذكر الصحيفة في تقريرها أنه في جميع أنحاء روسيا سارع قطاع الدفاع إلى توظيف عاملين جدد في سوق العمل الذي يشهد قلة في المعروض من العمال.

وبحلول أغسطس/آب من العام الماضي انخفض معدل البطالة في تشوفاشيا إلى 2.2%، في حين رفعت الشركات الأجور للاحتفاظ بالموظفين.

ونقلت الصحيفة عن الخبيرة الاقتصادية ناتاليا زوباريفيتش قولها إنه لتلبية الطلب يعود البعض إلى وظائفهم التي كانوا يقومون بها آخر مرة في التسعينيات عندما انهار الاتحاد السوفياتي، مضيفة أنهم "في الستينيات من عمرهم لكنهم يعودون لأن الأمر مربح حقا".

ورجّح علماء أن يكون لتحسن سوق العمل تأثير على وجهات النظر السياسية لقطاعات كبيرة من السكان الروس، مما يعزز الدعم للحرب، في وقت كان صناع السياسة الغربيون يأملون أن يساعد تأثير العقوبات والتضخم في تأليب الرأي العام الروسي ضد الحرب.

وفي حين يعمل نحو 2.5 مليون شخص في روسيا بقطاع الدفاع فإن عددا أكبر منهم يعملون في صناعات أخرى تعززت بفعل الحرب، كالمنسوجات، بحسب الصحيفة.

كما تستفيد عائلات نحو مليون رجل تم إرسالهم إلى الخطوط الأمامية من رواتبهم المرتفعة وتعويضات القتلى والجرحى.

ومع ذلك، تدعو الخبيرة الاقتصادية زوباريفيتش إلى عدم المبالغة في تقدير تأثير الإنفاق الدفاعي في مناطق مثل تشوفاشيا، متوقعة أن يكون تأثير الحرب مؤقتا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

رحل محمد حسن وهبه، وما الذي تبقى من زيت القناديل؟

صديق عبد الهادي

(1)
للشاعر الألماني "برشت" او "بريخت" كما ينطقه آخرون، قصيدة بليغة، محتواً ونصاً، وخاصة عند الإطلاع على تلك النسخة من ترجمتها البديعة التي بذلها صديقنا ومربينا العزيز دكتور محمد سليمان. ولتلك الدرجة التي يحار فيها المرء في أي لغةٍ أصلٍ كتبها "برشت"؟! وقد جاءت القصيدة تحت عنوان "أسئلةُ عاملٍ قارئ".
إنه لمن الصعب الإقتطاف منها، لأن الإقتطاف يهدمها مبناً ومعناً، أو يكاد! ولكن، لابد مما ليس منه بد. إذ يقول/
"منْ بنى طيبة ذات الأبواب السبع
الكتب لا تحوي غير أسماء الملوك
هل حمل الملوك كتل الصخر يا ترى؟!
وبابل التي حُطِمتْ مرات عديدات
منْ أعاد بناءها كل هذه المرات؟!
وفي أي المنازل كان يسكن عمال ليما
الذهبية المشرقة؟!
وفي المساء - حين إكتمل سور الصين العظيم –
أين ذهب البناؤون؟!
روما الجبارة مليئة بأقواس النصر
منْ شيَّدها؟
وعلى منْ إنتصر القياصرة؟!
وهل كانت بيزنطة الجميلة تحوي قصوراً
لكل ساكنيها؟!".
كلما أطلَّتْ هذه القصيدة أمامي ساءلتُ نفسي، ألا تنطبق تلك التساؤلات، الثرة والغارقة في الجدل، على النشاطات الإنسانية والنضالية في حقول الحياة الأخرى؟، وبالطبع، دائماً في البال أولئك "الفعلة" "المجهولين" "تحت الأرض"، الذين كلما تحطمت "بابلنا"، أو كادت، أعادوها لنا في كامل عافيتها وبهائها!
كان الراحل محمد حسن وهبه، وعن جدارة، أحد أولئك الــــــــ"تحت الأرض"، ولشطرٍ كبيرٍ من حياته.

(2)
تعرفت على رفيقنا الراحل في تقاطعات "العمل العام"، بعد عودة الحياة الديمقرطية إثر إنتفاضة مارس/أبريل في العام 1985. فمن الوهلة الأولى لا يعطيك الإنطباع بحبه للعمل العام وحسب وإنما، وفي يسر، بأنه إنسانٌ صُمم لذلك. رجلٌ سهل وودودٌ وذو تجربة صلدة، تتقمصه روحٌ آسرة ومتأصلة لا فكاك للمرء من إيحائها، بأنك تعرفه ومنذ زمن طويل. كان يتوسل المزحة ودونما تكلف في تجاوز المواقف المربكة، وكم هي غاصةٌ بها الحياة ومسروفةٌ بها غضون العمل العام ومطارفه!
عملت في صحبته وصحبة صديقنا المناضل الراحل محمد بابكر. والأثنان كانا يمثلان مورداً ثراً في التصدي لقضايا العمل العام، وخاصةً النقابي. طاقات مدهشه يحفها تواضع جم، أكثر إدهاشٍ هو الآخر. تعرفت على الراحل محمد بابكر في قسم المديرية بسجن كوبر إبان نظام المخلوع نميري ولفترة امتدت لأكثر من عام. وهو الذي قدمني للراحل "محمد حسن وهبه"، ومنذها كانت صداقة ثلاثتنا.
جرتْ انتخابات النقابات الفرعية منها والعامة في العام 1988، وفازت "قوى الإنتفاضة"، التي كانت تضم كل الإتجاهات، ما عدا الإسلاميين الذين كانوا يمثلون او بالأحرى يطلق عليهم "سدنة مايو". فازت "قوى الإنتفاضة" بما مجموعه 48 من عدد 52 نقابة عامة لاجل تكوين الإتحاد العام للموظفين في السودان.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما تمّ بعد إنتفاضة مارس/ ابريل 1985 في شأن إستعادة النقابات وفرض شرعيتها من خلال الإنتخاب الحر والديمقراطي هو ما لم تنجح في فعله قوى الثورة عقب ثورة ديسمبر 2018 مما كان له الأثر الكبير في كشف ضعف الثورة وفي وتأكيد غفلتها. فلقد ظلت كل القوانين كما هي وكأن ثورة لم تكن!
كان "محمد حسن وهبه" أحد الذين كانوا من وراء إنجاز قيام الإتحاد العام للموظفين، والذي تمً على إثره إنتخاب الراحل محمد بابكر وبشكل ديمقراطي أميناً عاماً له. كان "محمد حسن وهبه" مسؤولنا الأول عن إدارة تلك الحملة وقيادة ذلك العمل. كان أحد المعنيين بإعادة "بناء بابل"، وقد فعل ذلك على أكمل وجه. والآن جاء يوم شكره المستحق.

(3)
لم يجمع بيننا العمل العام لوحده وإنما جمعت بيننا "البراري" بكل تفردها وزخم "قواها الإشتراكية" التليدة إن كان في ترشيحها لـ"فاطمة" أو في تكريمها لـ"سكينة عالم"، والذي كان وبعقودٍ طويلة قبل تجشم "هيلاري" و"كاميلا" لمصاعب المعاظلة مع عتاة الرأسمال!.
كنت أغشاه كثيراً، وليس لماماً، للتزود من معارفه الحياتية ومن فيض روحه السمح، ومن لطائفه كذلك. كنت أسكن "كوريا" ويقطن هو في "إمتداد ناصر". ذات مساء وجدت في معيته المناضل الراحل "يوسف حسين"، وكما هو معلوم فهو رجل صارم القسمات وللذي يراه لأول مرة لا شك أنه سيظن أن هذا الرجل بينه والإبتسام ما تصنعه القطيعة البائنة!. أنهما صديقان، ولكن للمرء أن يعجب كيف تسنى ذلك، فــ"وهبه" سيلٌ متدفق من "الحكاوي" و"المِلَح" والضحك المجلجل؟!
إن لوهبه قدرة فائقة على صناعة الأصدقاء، إن جاز القول.
وهبه حكاءٌ بإمتياز، لا يدانيه أحد. كان يبدع حين يحكي عن طُرَفِ زميله الراحل الأستاذ "أبو بكر أبو الريش" المحامي، الذي تميز هو الآخر بالحس الفكه والروح اللطيف، والطيب. كانت طرفته الأثيرة لوهبه، وهما طلاب في المدرسة الثانوية في مدينة بورتسودان، حين سأل أحد الأساتذة "ابوبكر" عن إسمه بالكامل فقال له :إسمي أبو بكر أبو الريش. فأردف الأستاذ: هل فعلاً اسم أبيك أبو الريش؟، فرد عليه أبو بكر: "بالمناسبة يا أستاذ أمي ذاتها إسمها أبو الريش!"، فإنفجر الطلاب بالضحك. حينما يحكي وهبة هذه الطرفة يحكيها وكأنها حدثت بالأمس، وحتى حينما يعيد "حكوتها" يعيدها بشكلٍ مختلف، في كل مرة، عن سابقتها. فتلك موهبة لا يتوفر عليها الكثيرون!
إن في مرافقة رواد العمل العام من أمثال وهبه، والذين يجمعون كل تلك المواهب، يصير العمل العام وبكل صعوباته وتعقيداته متعة، فضلاً عن كونه في معيتهم يمثل مدرسة حياتية نوعية ترقى إلى مستوى الرسالة المقدسة، التي يكون المرء على إستعدادٍ كاملٍ للتضحية بحياته من أجلها.

(4)
إن رفيقنا الراحل "محمد حسن وهبه" هو أحد الذين قدموا التضحيات الجسام بدون منٍ او سعيٍ مبغوضٍ للشهرة. عاش بسيطاً بين الناس وكريماً ذا "يدٍ خرقاء" حينما يطلب الناس بيته. إنه أحد أولئك الذين هم "زيت القناديل"، الذين تساكنوا، " تحت الأرض "، وتآلفوا مع الحرمان من طيب العيش والأهل، ولردحٍ طويلٍ من حيواتهم! إنه أحدُ منْ عناهم "برشت" أيضاً، حين قال/
"والعظمة تبرز من داخل أكواخٍ بالية
تتقدم في ثقة
تزحم كل الآماد
والشهرة تسأل حائرة - دون جواب –
عمنْ أقْدَمَ، أفْلَحَ، أنْجَزَ هاتيك الأمجاد!
فلتتقدم للضوء وجوهكم، لحظات
فلتتقدم هاتيك المغمورة مستورة
فلتتقدم كي تتقبل من أيدينا
كل الشكر
وكل الحب" (*)
فلك كل الشكر، رفيقنا "محمد حسن وهبه"، ولك كل الحب.
ولتخلد روحك في عليين.
___________________.
(*) من قصيدة "تقريظ العمل السري".

نقلا من صفحة الاستاذ صديق عبد الهادي على الفيس بوك  

مقالات مشابهة

  • ما هو صاروخ "أوريشنيك" الذي استخدمته روسيا لضرب اوكرانيا؟
  • بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرانية الخميس
  • رحل محمد حسن وهبه، وما الذي تبقى من زيت القناديل؟
  • إنقلاب موازين الحرب بين روسيا وأوكرانيا .. وأسعار الغاز في أوروبا تقفز لأعلى مستوياتها هذا العام
  • خبير قانوني:التعداد العام لن يكون له تأثير في ملف المادة 140 الدستورية
  • خصائص صاروخ أتاكمز الأميركي الذي قصفت به أوكرانيا روسيا
  • ما الذي نعرفه عن هجوم روسيا المضاد في كورسك؟
  • وزير قطاع الأعمال العام يستعرض مستجدات تنفيذ المشروع القومي لتطوير صناعة الغزل والنسيج
  • خبير قانوني يفصّل مديات تأثير الإحصاء السكاني على المادة 140 الخلافية
  • 1000 يوم من الحرب بأوكرانيا|المواطنون يتحدون الواقع بالفن والرياضة.. والقادة يتعهدون بعدم الاستسلام