سعيد البادي

أسلوب الرئيس أو المسؤول في التعامل مع موظفيه في بيئة العمل من العوامل المهمة التي تؤثر في ارتفاع نسبة مؤشر الإنتاج المستهدف للمؤسسة، وهو أيضاً من العوامل التي تُساعد في حركة وحيوية المؤسسة واستمراريتها في نشاطها العملي والإنتاجي.

إنَّ الأسلوب الذي يستخدمه الرئيس المسؤول مع موظفيه ما هو إلا ثمرة ونتاج التربية التي نشأ عليها وانعكاس لشخصيته الحقيقية وشخصية من تربى على يديه وأداة من أدوات الكشف عن خلقه وثقته بنفسه وقدراته على اتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة دون تردد أو قلق، ويحدد شخصيته التي تعطي الانطباع عنه وتحدد صفاته التي تجعل منه الرئيس المُربي المحفز أو الرئيس المتسلط المحبِط.

فأسلوب الرئيس في التعامل مع الموظفين إما أن يعطيهم الدافع والحماس لبذل الجهود ومضاعفتها للنهوض بالمؤسسة وإنتاجها، وإما يدفعهم إلى التكاسل والإهمال والعمل بطريقة استهلاك وقت وقضاء ساعات عمل مقررة بعيداً عن مراعاة إنتاج أو عمل من رغبة ودافع ذاتي معزز بالولاء والتطلع إلى الإرتقاء بالذات والمؤسسة.

فمعاملة الرئيس المربي يحيطها الطيب والاحترام المتبادل تظللها دماثة الأخلاق والتقدير للصغير والكبير والتواضع للجميع؛ سواء في بيئة العمل أو خارجها وتثمر السمعة الطيبة للمتواضع.

تعليماته وتوجيهاته تصدر بأسلوب هادئ بعيداً عن الصريخ والتنطع والفوقية أسلوب يحفظ للموظف كرامته وكيانه الإنساني عكس الرئيس المتسلط الذي يملي تعليماته بالضجيج والصريخ والتحذير والوعيد.

الرئيس الحريص على تقدم وتطور أبنائه الموظفين يسعى لتحقيق طموحاتهم وتسهيل سبل الوصول إليها، يوفر لهم البيئة المناسبة التي من خلالها يستطيعون الوصول إلى طموحاتهم فكل ذلك يعكس التربية الحسنة والأخلاق الحميدة التي ترعرع عليها الرئيس في بيئة البيت الذي نشأ فيه ويتمتع بها أثناء تعامله مع الآخرين.

وأذكر نموذجاً للرئيس أو المسؤول المربي ذي الأخلاق العالية في تعامله مع الموظفين وغيرهم، وهو أحد رؤسائي الذين عملت تحت إمرتهم قبل تقاعدي، فقد كنت وبكل أمانة لا أخاف من أن أخطئ في العمل أمام هذا الرئيس ولا يشغل بالي ماذا سيحصل أو يصدر منه من سلوك تجاهي لو بدر مني أي تصرف أو إجراء غير المتوقع، وكانت النتيجة المحصلة عندي عادية كانت صائبة أو خاطئة لكي أتعلم منه ردة الفعل والتعامل مع الموقف وأشخاصه؛ فقد كان في غاية الرقي في الحديث والسلوك والتوجيه والتعامل، فقد ذكر لي أحد الموظفين عنه أنَّ هذا الموظف كان في أحد الأيام يمارس العمل المكلف به وكان في غاية الإرهاق وقد اقترب وقت انتهاء العمل في حدود الساعة الحادية عشرة ظهراً، وفجأة مرَّ بجانبه هذا الرئيس ورفع يده له مبتسماً فقط، ثم ذهب ولم يتكلم، وكانت رفعة اليد تشير إلى الموظف بالتقدير والتحفيز لما يقوم به من عمل والامتنان له بالجهود المبذولة، فيقول الموظف: "والله إن ما كان بي من إرهاق وتعب ذهب، ولم انتبه إلى الوقت إلا بعد ساعة من انتهاء الوقت الذي يجب أن أنهي فيه العمل".

 وهكذا يجب أن يكون طبع الرئيس أو المسؤول محفزاً للموظف في كل الأوقات لا محبطاً له. وهكذا يجب أن يكون الرئيس أو المسؤول الواثق من نفسه العارف لمهامه المُخلص لعمله ومؤسسته فيصنع بتعامله وسلوكه وتحفيزه حب الموظفين ومن يحيطون به له فيعكس حبهم له وولائهم لمؤسستهم.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أسباب انتصارات قوات الدعم السريع.!!

عندما يتنازل جيش أي بلد عن دوره، ويعتمد على الجيوش الموازية، من المؤكد أنه لن يكون في الصدارة بعد حين من الدهر، ولقد شهدت مؤسسة الجيش عبر تاريخها الطويل الممتد من حقبة الاستعمار، تغيرات عديدة، منها اختراقات الأحزاب السياسية واستقطابها للضباط كي يخدموا اجندتها، ما نتج عنه الانقلابات العسكرية المؤخرة لاستكمال نمو الدولة المدنية، وقد ولغ في إناء استخدام الجيش كذراع للوصول للسلطة أحزاب الأمة والشيوعي والبعث، وأخيراً الجبهة الإسلامية – المؤتمر الوطني – الاخوان المسلمون، الأحزاب غير الجديرة بالحديث عن التحولات المدنية وتوطين الديمقراطية، التي عملت على تكريس الدكتاتوريات العسكرية، وتآمرت مع الضباط العسكريين على إنهاء حيوات فترات الحكم المدني القصيرة الأجل، هذا السوس الذي تغلغل حزبياً وسياسياً داخل هيكل المؤسسة العسكرية، أحدث اضطراباً وتذبذباً في عقيدة العسكريين، فوزّع ولاءات الجند فيما بين هذه الاتجاهات الحزبية، وبذلك تعرّضت المؤسسة لعدد من الطعنات القاتلة والمميتة، في انقلابات نوفمبر ومايو ويونيو – عبود – نميري – البشير، وبعد هذه الجرائم الممنهجة المرتكبة بحق المؤسسة، لا يجب أن يتبنى المجرمون أمر إصلاحها أو إعادة تأسيسها، فهذه الانقلابات العسكرية بمثابة مسامير دقت على نعشها، ومن ثم لا يعقل أن يرجى منها خيراً ولا أملاً في أن تكون جسماً وطنياً، يعبر عن الأهداف المتعارف عليها للجيوش، فلم يكن جيشنا صماماً للأمان بل عمل على تلبية رغبات نخب سياسية، لا هم لها غير تسيّد المشهد العام دون رؤية تنموية تخدم الناس، وهذه الاختراقات الحزبية جعلت من المؤسسة آلية لتحقيق طموحات العاطلين والمتبطلين من الساسة.
النسخة الأخيرة للجيش جاءت بها الجبهة الإسلامية القومية – الاخوان المسلمين، فبلغت مبلغاً من العسف والتدمير المخطط والمدروس بحق المؤسسة، وهنا لسنا بحاجة لضرب الأمثلة بصناعة "الاخوان" للجيوش الموازية ابتداء من مليشيا الدفاع الشعبي وانتهاء بقوات الدعم السريع، إضافة إلى المليشيات المتمردة بدارفور وكردفان والنيل الأزرق، الداخلة مع الاخوان في شراكات سياسية في أساسها صفقات أكثر منها تفاهمات وطنية، وقامت قيامة من يعتقدون في وجود مؤسسة بمعنى كلمة مؤسسة، حينما انحازت قوات الدعم السريع لخيار الشعب في ثورته المجيدة ديسمبر، وقتها أصابت الصدمة عرّابي الجبهة الإسلامية – الاخوان، وعلموا أنهم من تسبب في الفصام بين المؤسسة والشعب، وانطلقت عاصفة الثورة بالزج بجهابذة التنظيم في السجون، وعملت لجنة إزالة التمكين، فعرف القوم أن المقاصل في طريقها لرقابهم، فانقلبوا على الوثيقة التي احتكموا إليها مدنيين وعسكريين، ولم يجدي الانقلاب، واستمر الدفع المدني، فلم يجد قوم الحسنين (حسن البنا وحسن الترابي)، غير إشعال حرب استئصال قوات الدعم السريع – شوكة الحوت، ومن الطبيعي أن يخيب فألهم وتتوالى انتصارات الأشاوس، لمبدأ أخلاقي وربّاني معلوم – (إن الله لا يحب المعتدين)، وجاء مسلسل انتصارات القوات المراد لها الإبادة، بسبب أنها غلّبت خيار الشعب، وانحازت من أول يوم لرغبة الناس في الخلاص من الطغمة الفاسدة، التي هي آخر نخب الانتهاز السياسي العائشة على جهد وعرق المقهورين، وعليه لن ينتصر الجيش الذي يقوده الفاسدون، التابعون للعهد الذي ولّى، وليس من الواقع في شيء أن يساند الناس من تسبب في مأساتهم، فالجيوش لا تحقق النصر بدون مسوغ مشروع لإشعالها الحروب، خاصة إذا كان الهدف من الحرب إعادة المفسدين الذين قضى الله أن ينتهي ملكهم.
السبب الجوهري في انتصارات قوات الدعم السريع على الجيش، من الجانب العسكري، التفوق العددي والخبرة التراكمية المكتسبة من حروب الفضاءات المفتوحة، بخلاف الجيش الذي يجيد حروب الغابات، وهذا الفارق الحرج لن يستطيع الجيش تعويضه إلّا بإعادة نفس القوات لصفه، الأمر الذي يعتبر من سابع المستحيلات، وقد رأينا إخفاق المليشيات المتمردة الخارجة عن الحياد في أن تعوّض هذا الفارق الحرج، وجاء ذلك بسبب أن الجندي في هذه المليشيات فقد بوصلة عقيدته القتالية، فما بين يوم وليلة أراد له قادته المرتزقون أن يقاتل نفس الجيش، الذي يعتبر في أدبيات هذه المليشيات التي كانت متمردة، أنه المتسبب الأول والأخير في أزمة السودان، وقد صدق طرحهم هذا حول الجيش الذي تحوّر إلى مليشيا تأتمر بأمر (أمير المجاهدين)، فالجندي المتمرد الأسبق الذي يقاتل الآن من أجل استرداد سلطة الحكم الإخواني، لا يؤمن بمبدأ هذا القتال الذي زج به فيه قادته المرتزقون عبدة الدولار، وليس لجيش سناء حمد (أميرة المجاهدين) غير الخروج عن مشروع إعادة النظام البائد حتى تئوي أفئدة السودانيين إليه، لكن طالما هو سادر في غي الجماعة المتطرفة، لن يتقدم شبراً، فخوض المعارك وانتظار نتائج جيّدة مقترن بالمسوغ المنطقي لخوضها، فحتى عصابات المافيا تحقق نصرها على حكومات القارة اللاتينية الضعيفة، بمنطق أن الجنود ورئيس المافيا يرفلون في نعيم المال المكتسب من هذه التجارة القذرة، أما في حال جيشنا ومرتزقته فيرفل القادة وحدهم تحت ظلال فلل تركيا وناطحات السحب بشرق أسيا، بينما يصطاد الجندي القطط ليشبع غريزة الجوع الكافر.

إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • التحالف الوطني ينظم حملة إغاثية شاملة بالبحيرة ضمن «إيد واحدة»
  • مقدمات النشرات المسائيّة
  • عاجل.. متحدث الحكومة: الرئيس السيسي كلف وزير الرياضة بتقييم أداء مصر في أولمبياد باريس
  • الرئيس السيسي يوجه بتقييم أداء الاتحادات الرياضية المشاركة في الأولمبياد
  • تصل لـ15 ألف درهم لمدة شهر.. تعويضات الإحصاء تشعل حرباً بين الموظفين والعاطلين عن العمل
  • ما المهلة النظامية لاستبعاد المشترك من التأمينات بعد ترك العمل؟.. وما الإجراء المتبع حال تجاوزها؟
  • الرئيس السيسي يهنئ نظيريه بالكونغو والجابون بذكرى العيد القومي
  • إبتدائية وزان على صفيح ساخن
  • أسباب انتصارات قوات الدعم السريع.!!
  • شنيب لـ المسؤول السياسي بالسفارة الأمريكية: نؤكد على دور المؤسسة العسكرية في بسط الأمن وفرض القانون