خريف صلالة جمال يتجدد كل عام
تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT
م. فتحى نوار *
عندما يُذكر خريف صلالة، تتبادر إلى ذهني صور تنبض بالحياة وتأخذني إلى عوالم من السحر والجمال الذي لا يُضاهى. كمُقيم يعيش في سلطنة عُمان منذ أكثر من اثني عشر عامًا، أجد نفسي مستمتعًا بتجربة هذا الفصل الفريد، محاطًا برائحة الأرض المبتلة وأصوات الطبيعة التي تملأ الأجواء، مما يلهمني لكتابة حكاية تمتزج فيها روعة الطبيعة بصفاء الروح.
صلالة.. اللؤلؤة الخضراء لعُمان، تتحول خلال فترة الخريف إلى لوحة فنية متحركة، حيث تتراقص السحب فوق جبالها وتغمر الأمطار أرضها، لتنتعش الطبيعة وتكتسي بحلة خضراء بديعة. هذا التحول الموسمي ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل هو تجربة حسية تأخذك في رحلة بين أحضان الطبيعة، لتشعر بالسلام الداخلي والانبهار بجمال الخلق.
تبدأ الأمطار الموسمية في أواخر يونيو وتمتد حتى سبتمبر، لتضفي على صلالة طقسًا فريدًا ومنعشًا. تتفتح الأزهار البرية وتنهمر الشلالات، وتتحول الأودية إلى حدائق غناء تسر الناظرين. وادي دربات بشلالاته المتدفقة، وسهول المغسيل بشواطئها الرملية البيضاء، وكهف المرنيف بأسراره الجيولوجية، وعين آثوم بشلالاتها البديعة، وعين جرزيز، وعين صحلنوت، وعين كور بلونها الفيروزي الساحر، كلها مواقع تضيف إلى خريف صلالة سحرًا لا يقاوم.
إن خريف صلالة هو دعوة لكل من يسعى للهروب من صخب الحياة اليومية، وللبحث عن ملاذ هادئ يعيد للروح توازنها. هناك، بين ثنايا الطبيعة، يمكن للزائر أن يجد نفسه، ويستمتع بلحظات من التأمل والسكينة. التأمل في تلك المناظر الخلابة يفتح أبواب الذهن على مصراعيها، ويمنح الكاتب أو الفنان إلهامًا لا ينضب.
ولا تكتمل تجربة خريف صلالة دون استكشاف الثقافة العُمانية الغنية، التي تبرز في كرم الضيافة والتقاليد العريقة. التفاعل مع العُمانيين من سكان هذه الأماكن، والاستمتاع بالمأكولات التقليدية، كالمضابي المنتشرة في كل مكان وخاصة الموجودة في منطقة إيتين، والمأكولات البحرية الطازجة، يضفي على الرحلة بعدًا إنسانيًا يجعل الزائر يشعر وكأنه جزء من هذه الأرض الطيبة.
كمقيم، أجد نفسي مستمتعًا بكل زاوية في صلالة وكأنها قصيدة. أصف كيف يمكن للزائر أن يستيقظ على صوت رذاذ المطر، ويستمتع برائحة الهواء النقي في السهول الخضراء، وكيف يمكنه أن يقضي ساعات في استكشاف الجبال والكهوف، أو الاسترخاء على الشواطئ الممتدة على طول الساحل الجنوبي لعُمان، أو الغوص في التراث الثقافي والتاريخي للمنطقة.
ختامًا، إن خريف صلالة ليس مجرد فصل من السنة، بل هو تجربة تتجدد كل عام لتمنح الزائرين فرصة لإعادة اكتشاف جمال الطبيعة وجوهر الإنسانية. إن سحر خريف صلالة يكمن في قدرته على لمس الروح وإلهام القلوب، مما يجعله موسمًا ينتظره الجميع بشغف وشوق. إنها دعوة لكل من يبحث عن الجمال والسلام، ليأتي ويختبر بنفسه روعة هذا الفصل الفريد في واحدة من أجمل بقاع الأرض، في صلالة، أرض الأصالة وعروس عُمان بل والجزيرة العربية بلا منافس.
* مستثمر مصرى
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تجربة بدر بن عبد المحسن في "العين للكتاب"
ضمن إحدى أهم فعاليات مهرجان العين للكتاب 2024، شهدت قلعة الجاهلي ليلة من برنامج "ليالي الشعر: الكلمة المغناة"، خصصها لتناول سيرة ومسيرة أمير الشعر العربي الراحل بدر بن عبد المحسن آل سعود، ضمن محور "الغائب الحاضر".
ويعد عبد المحسن ممن قادوا ثورة الشعر الشعبي عبر قصائد خالدة توجت بالشهرة والانتشار.نظم الأمسية مركز أبوظبي للغة العربية، بمشاركة الشاعرين علي السبعان وعلي العبدان، وحاورتهما الإعلامية والشاعرة لمياء الصيقل، وتم عرض فيلم قصير لخص رحلة الأمير بدر، الذي صدحت بأشعاره أصوات أشهر المطربين العرب، وافتتاحيات أكبر المهرجانات السعودية، وأصدر دواوين شعرية عكست صورة المجتمع بعمق وشفافية، حتى منحه الملك سلمان "وشاح الملك عبد العزيز"، وكرمته "اليونسكو" في اليوم العالمي للشعر، قبل أن يودع جمهوره ومحبيه هذا العام، ويرثيه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في قصيدة مطلعها "الشعر ما يفنى ولا يموت الإبداع، لكن بدر من بدوره ترجل".
والقى الشاعر علي السبعان قصيدة "حروف الذهب"، التي نظمها الأمير الراحل، وأهداها للإمارات، قبل أن يحكي عن شخصية الأمير الإنسانية والفكرية بإسهاب، موضحاً أن تجربة الراحل الشعرية تجربة نادرة ومكتملة ومتفردة؛، فهو شاعر موسوعي لم يؤطر نفسه في إطار محدد، وأبدع في الأغنية، وجعلها تنتشر في أرجاء العالم العربي.
وذكر أن الأمير كان متميزاً بالقصيدة الكلاسيكية بعراقتها وأصالتها، وأبدع في الكلمة المغناة وخرج عن التفعيلة، مشيراً إلى أن شعره كان يشبه إنسانيته وشخصيته.
واعتبر السبعان الشاعر فدائياً في تحديث الشعر، وكان جريئاً في أشعاره، وأيضاً كان له تأثير كبير على الأغنية، فقد حدّثها ورفع سقف اللغة والفكر، واقترب إلى الفصيح لذلك تجد له مريدين كثر في العالم العربي كله.
وأضاف الشاعر والباحث علي العبدان، أن الأمير بدر أبدع في القصيدة القديمة كما أبدع في الشعر الحر. وأوضح إن "الأمير بدر يمثل شعره ويمثل قصائده، وليس غريباً أنه أدخل الحداثة إلى الشعر الشعبي، فهذا نتيجة طبيعية للحياة والبيئة التي عاشها الراحل، فقد عاش في مصر، ودرس فيها فترة الطفولة، ثم سافر إلى بريطانيا وأميركا، وتابع دراسته العليا هناك، وهذا انعكس في أشعاره، فالاغتراب والعزلة وعلاقته بأخيه الوحيد كلها عوامل صقلت نفسية الشاعر وأثرت في شعره".
وأكد أن الشاعر الشعبي عادة ما يتواجد بين شعراء شعبيين، لكن البيئة التي عاشها الأمير بدر كانت مختلفة، فقد عاش في مصر بين شعراء عرب، واطلع على الشعر الحديث، كما عاصر الغرب وبالتأكيد اطلع على أشعارهم، لذلك خلق توجهاً جديداً يتناسب مع البيئة التي عاش فيها والتنقلات التي تنقلها، كما عرف قيمة المسافات والجدار والعزلة، ثم أنتج العديد من الأغاني الخالدة مثل أغنية "الرسائل" التي غناها محمد عبده، وأغنية "وترحل" لطلال مداح، ففي فترة السبعينيات كانت الحداثة العربية موجودة في القاهرة وبيروت، وكان هو في طريق وسط بين الأصالة والحداثة، ونجح بأن يدخل الحداثة للشعر من دون أن يتخلى عن الأصالة، كما أن موهبته في الرسم ساعدته على المزيد من التألق في الشعر، فهو ينقل مشاعره سمعاً وبصراً.