في غياب أغلبية مطلقة.. 4 فرضيات لتشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة
تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT
باريس– من سيتولى منصب رئيس الوزراء في فرنسا؟ سؤال شائك وعاجل يطرح نفسه بعد الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة والتي انتهت بنتائج مفاجئة وضعت كتلة اليسار في المركز الأول، يليها المعسكر الرئاسي ثم تحالف التجمع الوطني اليميني المتطرف.
ولأن تشكيل الحكومة الجديدة مقيد بتوازن القوى السياسية في البرلمان، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه "لم يفز أحد" بهذه الانتخابات، في رسالة موجهة إلى الفرنسيين، نشِرت الأربعاء، داعيا "القوى الجمهورية" إلى إظهار مسؤوليتها "لبناء أغلبية قوية للبلاد" وانتظار "هيكلة مجلس الأمة الجديد لاتخاذ القرارات اللازمة، وفقا للتقليد الجمهوري".
فمع عدم تمكن الجبهة الشعبية الجديدة من نيل الأصوات الكافية لفرض الأغلبية المطلقة داخل البرلمان للوصول إلى السلطة دون مواجهة أي تحديات محتملة، تحوم التساؤلات والفرضيات حول قصر ماتينيون، مقر رئاسة الوزراء، وأروقة الأحزاب السياسية، فهل تواجه البلاد انسدادا مؤسسيا في المستقبل القريب؟
وفي الوقت الذي لا تزال فيه القوى السياسية تنظم صفوفها، طلب ماكرون من رئيس وزرائه غابرييل أتال الاحتفاظ بمنصبه لمواصلة مسؤولياته من أجل "ضمان استقرار البلاد". فمن حيث المبدأ، لا يوجد ما يفرض على رئيس الجمهورية تعيين حكومة جديدة أو مطالبة الحكومة الحالية بالاستقالة.
وقد أعلن السكرتير الأول للحزب الاشتراكي أوليفييه فور، في وقت سابق، أن اليسار سيقدم "خلال الأسبوع" مرشحا لمنصب رئيس الوزراء، ويتزامن ذلك مع ضرورة توافق الجبهة الشعبية الجديدة لتقديم مرشحها بين الحزب الاشتراكي وحزب "فرنسا الأبية"، وهما الحزبان اللذان حصلا على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الثانية.
وبحسب المستشار السابق بالخارجية الفرنسية مناف كيلاني، فإن "هذا لا يعني أن ماكرون لن يطلب من أتال البقاء في منصبه لفترة أطول قليلا، لأنه إذا أردنا البدء بهذا السيناريو، فرئيس الجمهورية ليس مطلوبا منه تعيين رئيس للوزراء وفقا لنتائج الانتخابات التشريعية لأنه مجرد تقليد غير منصوص عليه في الدستور وموروث من الجمهوريتين الثالثة والرابعة".
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى كيلاني أن مطالب قادة اليسار اليوم تقتصر حول كونها تصريحات لشغل الفضاء الإعلامي "لأنهم يعلمون جيدا أنه دستوريا لا يوجد أي إلزام على الرئيس، كما لا يعرف أحد حقيقة ما يدور بين أتال وماكرون بعد أن رفض الأخير استقالته في الثامن من هذا الشهر".
وأضاف الخبير في الشأن الفرنسي أن نتائج هذه الانتخابات لم تسفر عن أي فائز، لأن مجلس الأمة منقسم بين 3 كتل سياسية كبيرة ولا تمتلك أي منها أغلبية لتمرير وعودها الانتخابية أو منظورها لرئاسة الحكومة، سوى الجهود التي قامت بها للحفاظ على أكبر عدد ممكن من المقاعد.
تشكيل ائتلاف
وفي ظل عدم وجود هذه الأغلبية، من الممكن اللجوء إلى النقاش حول تشكيل ائتلاف قادر على جمع أكثر من 50% من النواب خلف اسم مرشح واحد لمنصب رئيس الوزراء، لكن قادة اليسار استبعدوا منذ البداية التوصل إلى أي تحالف مع المعسكر الماكروني أو اليمين، بينما يجد المعسكر الرئاسي أن التحالف مع حزب "فرنسا الأبية" أمر غير وارد.
ورغم خسارة أنصار الرئيس ماكرون نحو 100 نائب، إلا أنهم استطاعوا الاحتفاظ بـ168 مقعدا ويسعى بعضهم اليوم إلى التقارب مع الجمهوريين من أجل تشكيل تحالف يمكّنهم من الحكم، لأنه يصعب إقرار القوانين بدون الأغلبية المطلقة في المجلس.
ويصف الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الشؤون البرلمانية جوليان روبين، الوضع السياسي بـ"غير المسبوق" في تاريخ الجمهورية الخامسة، لافتا إلى وجود عدة سيناريوهات على طاولة النقاش، وعلى رأسها إنشاء تحالف بين الجبهة الشعبية الجديدة وعدد من الماكرونيين الذين ابتعدوا عن حزب النهضة الرئاسي.
وذكر روبين في حديثه للجزيرة نت أن السيناريوهات الأخرى المتوفرة في الوقت الراهن تتمثل في تحالف أحزاب الجبهة ـ باستثناء حزب "فرنسا الأبية" مع نواب معينين من المجموعة الرئاسية، أو توافق الحزب الاشتراكي مع المعسكر الرئاسي وبعض الجمهوريين.
حكومة أقلية
إذا كان من السهل الإطاحة بحكومة تديرها أقلية صغيرة عن طريق تبني اقتراح بحجب الثقة في أي وقت، فإن حكومة بدون أغلبية مطلقة (289 مقعدا في البرلمان) قد تنجح في الحفاظ على مركزها لفترة أطول شرط ألا تتمكن المعارضة من توحيد أصواتها لإسقاطها.
فعلى سبيل المثال، استمرت حكومة ماكرون منذ عام 2022 بعد رفض اليمين واليسار دعم مقترحات طرح الثقة التي قدمها حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان. وهذا يعني أنه مع وجود 3 كتل كبيرة ومتساوية تقريبا، يتطلب الأمر أن يضع الثلثان أنفسهما في مواجهة الثلث الآخر لإسقاطه.
ويرى المستشار السابق مناف كيلاني أنه عندما يتم تشكيل ائتلافات، يجب أن تخدم غرضا معينا مع أو ضد سياسات معينة، متسائلا: "من لديه الشجاعة من بين جميع البرلمانيين، سواء من اليسار أو اليمين، لمعارضة أو اقتراح هذا الإجراء أو ذاك؟".
وأشار المتحدث إلى أن الأمر الوحيد الذي تم التطرق إليه مؤخرا هو تعديل قانون الانتخابات بحيث يكون متناسبا، وهو أحد وعود ماكرون منذ الولاية الثانية، معتبرا أنه "أمر تجميلي" ولا يغير أي شيء اليوم لأن الواقع الاقتصادي أهم بكثير لطمأنة المستثمرين.
بانتظار حل
وإذا لم تتحقق أي أغلبية واضحة في مجلس الأمة خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، فإن إنشاء حكومة تقنية سيكون الخيار المتبقي لاقتراح بعض الإصلاحات وإدارة الشؤون الداخلية، وسيعني ذلك تعيين شخصيات ليس لها أي انتماء سياسي في مختلف الحقائب الوزارية، تتألف في الغالب من أشخاص من المجتمع المدني أو كبار الموظفين الحكوميين.
وتحليلا لهذه الفرضية، يقول كيلاني: "إذا تم تشكيل حكومة تكنوقراط وطبقت بالضبط الإجراءات التي سيتم اتخاذها على مدى عام واحد وهي مدة قصيرة نسبيا، أتوقع أن تستمر لأكثر من عامين بحلول الوقت الذي ينهي فيه ماكرون ولايته، وآنذاك يمكن أن يقرر الإعلان عن حل جديد للبرلمان قبل نهاية ولايته الرئاسية مباشرة".
وبالمجمل، إذا لم تتمكن الأحزاب السياسية من توحيد أصواتها لاختيار رئيس الوزراء، فقد تواجه البلاد انسدادا مؤسسيا من شأنه أن يشل الميزانيات السنوية وتبني قوانين جديدة، وفق المتحدث.
ويرى المستشار السابق أن "بيت القصيد هو إبقاء الفرنسيين في حالة انتظار مدتها عامين لأنه لن تكون لدى ماكرون أي مصلحة قبل ذلك في الحصول على التصويت أو اقتراح قوانين يمكن أن تثير غضب الشارع".
ويقول كيلاني: وفي حين لن يمثل ماكرون نفسه أمام الناخبين لاحقا، فإن حالة الانتظار ستؤدي إلى السماح لرئيس الجمهورية الجديد بالحصول على أغلبية في المجلس التشريعي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات رئیس الوزراء
إقرأ أيضاً:
الطريق لا يزال طويلا.. غياب خطط الحكومة السورية لإعادة الإعمار يجعل كثيرين يفكرون قبل العودة للوطن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أشعلت نهاية الحرب الأهلية السورية التي استمرت ١٣ عامًا موجة أمل لدى ملايين النازحين السوريين الذين يتوقون للعودة إلى ديارهم. ومع ذلك، يجد العديد من السوريين أن منازلهم لم تعد موجودة أو تحولت إلى أنقاض. الواقع على الأرض قاتم، ووعد إعادة بناء الوطن يثبت أنه أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا.
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً حول هذه القضية، ذكرت فيه: عادت لبنى لبعد، مع زوجها وابنها الصغير، إلى حي القابون بدمشق. وبينما كان منزل العائلة لا يزال قائمًا، فقد تعرض للنهب وجُرّد من جميع محتوياته وخدماته. وجدت العائلة نفسها محظوظة مقارنةً بآخرين عادوا ليجدوا منازلهم مدمرة في مكانها. إن الدمار الذي خلفته سنوات الحرب، لا سيما في مناطق مثل القابون، جعل مهمة إعادة البناء بعيدة المنال ومُرهقة. فالعديد من المنازل، بما فيها منزل لبعد، لم تعد صالحة للسكن دون إصلاحات جوهرية.
إن حجم الدمار في سوريا مُذهل. إذ يُقدر أن ٣٢٨٠٠٠ منزل قد دُمرت أو تضررت بشدة، بينما يعاني ما بين ٦٠٠ ألف إلى مليون منزل آخر من أضرار متوسطة إلى طفيفة، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام ٢٠٢٢.
وتفاقمت الخسائر على البنية التحتية والمساكن في سوريا جراء آثار زلزال عام ٢٠٢٣ المدمر الذي تسبب في دمار إضافي في أجزاء من الشمال الغربي.
ومع ذلك، ورغم الدمار الهائل، فإن بعض السوريين، مثل خلود الصغير وسمير جالوت، مصممون على العودة، حتى إلى مبانٍ دُمّرت بالكامل. وأكدت خلود الصغير، التي عادت لتجد جدارًا واحدًا فقط من منزلها قائمًا، عزمها على إعادة إعماره فورًا، وقالت: "سأنصب خيمةً وأنام هنا. المهم أن أعود إلى منزلي". وبالمثل، جالوت، الذي دمرت الحرب منزله في مخيم اليرموك، يُصلح ببطء حطام منزله السابق، على أمل أن يجعله صالحًا للسكن لعائلته.
ومع تقديرات بخسائر فادحة في المساكن وحدها تُقدّر بنحو ١٣ مليار دولار، وغياب خطط واضحة من الحكومة السورية حول كيفية معالجة جهود إعادة الإعمار الضخمة، يبقى الطريق إلى الأمام غير واضح. فالحكومة السورية، التي لا تزال تُصارع عدم الاستقرار الاقتصادي والمخاوف الأمنية، لم تُبدِ بعدُ خطةً ملموسةً لدعم إعادة الإعمار أو توفير الموارد اللازمة للمواطنين العائدين. كما أن الواقع يُشير إلى أن العديد من اللاجئين، الذين أسسوا حياة جديدة في الخارج أو في مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن، يترددون في العودة دون ضمانات بإعادة بناء منازلهم ومجتمعاتهم. ولذلك، فإن العودة إلى الوطن في الوقت الحالي لا تزال بالنسبة للعديد من السوريين رحلةً يشوبها عدم اليقين والدمار، والمهمة الشاقة المتمثلة في إعادة بناء المنازل والأهم: إعادة بناء نسيج المجتمع نفسه.