تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ارتبطت نظرية الصراع، بكارل ماركس وهي نظرية اجتماعية تفترض أن المجتمع في حالة من الصراع الدائم بسبب المنافسة على الموارد المحدودة، وتؤكد النظرية أنه يتم المحافظة على النظام الاجتماعي من خلال الهيمنة والقوة، وليس من خلال الإجماع والتوافق.
وبمرور الوقت سعى الفلاسفة وعلماء الاجتماع لاستخدام نظرية الصراع في تفسير ظواهر متنوعة، بما في ذلك الحروب، والثورات، وكذلك صراعات مكان العمل وهو ما نسميه "الصراع التنظيمي".
والصراع التنظيمي يعني اختلاف الرأي بين الأشخاص أو الجماعات، أحيانًا يتسبب هذا في إبطاء عمل المنظمة وإصابتها بالترهل، ويحدث بسبب وجود مصالح متنوعة ووجهات نظر متعارضة، عامة يمكن أن يختلف الموظفون في أساليبهم ومبادئهم وقيمهم ومعتقداتهم وشعاراتهم التي تحدد اختياراتهم وأهدافهم لذا تنشأ الصراعات داخل الأعمال حينما يرى العاملين بالمؤسسة الأشياء بشكل مختلف، وعندما تتعارض الاختيارات، يؤدي هذا إلى خلق مواقف صراع.
توجد في المنظمة ثلاث علاقات رئيسية، أولها بين الأقران وبعضهم البعض، ثم بين الرئيس والمرؤوسين، وأخيرًا، بين مجموعتين أو أكثر أو بين وحدات فرعية. والمدير هو السلطة المنسقة للأعمال، وعامة، يتعين على الإدارة حل الصراع، ويفضل أن يكون ذلك في مرحلة مبكرة قبل أن تتفاقم لأن هذا يؤثر بشكل كبير على أداء المنظمة.
بعض المديرين يعملون بنظرية فرق تسد، فيسعون للوقيعة بين الموظفين وبعضهم البعض وحينما يتصارعون بينهم، يبقي المدير هو الوحيد البعيد عن الصراع من يلجؤون إليه لينصفهم، ولكن هل يمكن لشخص أن يأخذ قرارات عادلة وهو للأسف مصدر الصراع في المنظمة؟، وعامة، وبمرور الوقت يدرك المتصارعون الشخص الرئيسي في تأجيج نار الصراع، وهنا ينقلب السحر على الساحر، فمن يحفر حفرة يقع فيها.
يشكل الصراع حقيقة أساسية في حياة المنظمة، فهي تتألف من أشخاص ذوي شخصيات ووجهات نظر وقيم متباينة، ويتم تعيين هؤلاء الأشخاص في وظائف تمنحهم درجات غير متساوية من المكانة وكثيرًا ما يعزز هذا المنافسة.
وقد تنشأ مواقف الصراع بسبب اختلاف مكانة الأشخاص، فعندما يشعر الأشخاص في مستويات القيادة داخل المنظمة بتهديد من نجاح أحدهم أو خوف على الكرسي "غير الدائم"، فإن هذا يؤدي إلى إثارة الصراع، كما أن عدم شعور الموظفين بالأمان أو خوفهم بشأن مستقبلهم الوظيفي قد يكون أحد أسباب الصراع وكذلك عدم عدالة توزيع الموارد المالية.
أيضًا حينما يكون هناك تداخل في المسئوليات، فيسعي شخص للحصول على نفوذ أكبر فيتداخل في اختصاصات غيره وحينما تكون الإدارة ضعيفة يحدث الصراع. وكذلك عندما لا تكون حدود الوظائف واضحة، فإنها غالبًا ما تخلق منافسة على الموارد ومحاولة للسيطرة.
كذلك حينما يكون هناك صعوبة في التواصل أو سوء فهم وسوء نيه مبيته نحو شخص ما، ولو كان هناك حاجز بين الرئيس وأحد الموظفين في التواصل المباشر وجها لوجه قد يلعب بعض الصغار دور في توسيع الفجوة بينهما فيحدث الصراع. إن عدم كفاية التواصل يمنع التنسيق الفعال للجهود والأنشطة. كما يؤدي التفسير الانتقائي إلى تطور سوء فهم للرسائل.
ويتزايد الصراع حينما لا تكون هناك عدالة في التوزيع، سواء توزيع أعباء العمل أو الموارد المالية خاصة لو كانت هناك حالة من الشللية داخل المنظمة، يديرها الهوى "بمن معنا ومن علينا". كما تعمل الصراعات القديمة غير المحلولة على توسيع فجوات الصراع داخل المنظمة وبمرور الوقت تسبب القلق والتوتر وتفاقم الصراعات القائمة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الصراع
إقرأ أيضاً:
حينما تصبح الهوية قيدًا .. تأملات في نسب شجرة الغول لعبد الله بولا
إبراهيم برسي
٢٢ ديسمبر ٢٠٢٤
إن الكتابة عن بولا أو عن كتابات بولا نفسها تحتاج إلى جُرأة وشجاعة، وقد ترددت كثيرًا في دخول مثل هذه المقامرة. و تذكرت مقولة الفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي عن حتمية انتهاء القديم وصعوبة ولادة الجديد: “تتجلى الأزمة تحديدًا في أن القديم آيل إلى الزوال، بينما لا يستطيع الجديد أن يولد.”
هذه المقولة تتناغم مع تأملات نص بولا، حيث نتعامل مع صراع جاد حول الهوية، التاريخ، والوجود.
“نسب شجرة الغول” هو نص لا يُقرأ، بل يُستشعر. كمن ينظر إلى مرآة غامضة تعكس ظلال الروح السودانية، حيث تتداخل الذكريات بالجروح، وتتمزق الهوية بين زوايا الماضي والحاضر.
عبد الله بولا لا يكتب هنا عن أزمة سياسية أو اجتماعية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليغوص في صميم الصراع الإنساني: صراع الإنسان مع ذاته، مع الآخر، ومع المعنى الذي يصنعه أو يُفرض عليه.
الغول، الذي يتكرر ذكره في النص، ليس وحشاً أسطورياً من خيال جمعي، بل هو استعارة حية، مرنة، تأخذ شكلاً جديداً في كل مرة تُستدعى فيها.
الغول هو الهيمنة التي تختبئ وراء الأقنعة، حين تُحوّل التنوع إلى شتات، وحين تجعل من الجسد الواحد عدواً لنفسه. لكنه أيضاً الموروث الذي لم يختره أحد، الإرث الذي يُفرض علينا دون أن نستطيع التمرد عليه تماماً، تماماً كالأحلام التي تستدرج اللاوعي لتُفصح عما لا يُقال.
النص يتحدث عن السودان، لكن السودان هنا ليس مجرد بلد، بل هو صورة مصغرة للإنسانية في صراعها الأبدي مع الاختلاف. التنوع الثقافي الذي كان يمكن أن يكون ثروةً، تحوّل بفعل سياسات الهوية المهيمنة إلى عبء يثقل كاهل البلاد. ليس هذا صراعاً بين الهامش والمركز فقط؛ إنه صراع بين الأصوات التي تريد أن تتنفس، وبين سلطة تصر على أن تُعيد تشكيل كل ما حولها وفق صورتها الخاصة.
لغة عبد الله بولا تلتف حول القارئ كنسيم خفيف يخفي وراءه عاصفة. اللغة هنا ليست حيادية؛ إنها السلاح، الساحة، والجائزة.
اللغة العربية، بتغلغلها في المؤسسات التعليمية والإدارية، أصبحت كما يبدو في النص “اللغة السيدة”، بينما صارت اللغات الأخرى أصواتاً باهتة، مقيدة بالسياقات الخاصة، محرومة من الحضور الرسمي. لكن، كما أن الحلم يُظهر المكبوت، فإن النص يكشف عن مقاومة خفية، عن تلك الهويات التي لم تمت، بل تنتظر لحظة استعادة صوتها.
التاريخ في “نسب شجرة الغول” ليس سلسلة أحداث متتالية؛ إنه كيان حي يتنفس في كل زاوية من النص. يكتب عبد الله بولا عن الماضي لا ليفسره، بل ليحاكمه، ليعيد سؤاله عما فُعل باسمه.
الهوية السودانية، كما تبدو في النص، ليست حقيقة ثابتة، بل مشروعاً قيد التفاوض، مشروعاً حاولت الهيمنة أن تحسمه لصالح سردية واحدة، لكنها لم تفلح سوى في ترك جراح أعمق.
وهناك المثقفون. أولئك الذين كان يُفترض أن يكونوا حراس الوعي، لكنهم، كما يصوّرهم النص، وقعوا في فخ إعادة إنتاج الهيمنة.
في لحظات عديدة، يبدو النص كأنه حوار داخلي، حيث يتساءل الكاتب: كيف يمكن لمن يفكر أن يكون أداة في يد من يقمع التفكير؟
المثقف هنا ليس مجرد فرد، بل رمز لصراع أوسع: بين الفكر المستقل والسلطة التي تحاول أن تروضه.
ثم يأتي التحليل النفسي للهوية. في النص، الهوية ليست شيئاً نملكه، بل شيئاً يُفرض علينا. الهوية العربسلامية، كما يصورها النص، ليست مجرد اختيار، بل سلطة تحاول أن تُقصي كل ما لا يتماشى معها. إنها أشبه بظل طويل يخفي تحته التنوع، لكنه لا يستطيع محوه تماماً.
هذا الصراع بين المركز والهامش، بين اللغة السيدة واللغات المكبوتة، بين الماضي الذي يُعاد إنتاجه والحاضر الذي يبحث عن مخرج، هو ما يمنح النص قوته الفلسفية العميقة.
لكن النص ليس اتهاماً فارغاً؛ إنه أيضاً دعوة للتأمل. عبد الله بولا لا يقدم حلولاً جاهزة، لكنه يفتح نافذة على احتمالات جديدة. يدعو إلى القبول، ليس بمعنى الخضوع، بل بمعنى المصالحة مع الذات المتعددة، مع السودان كما هو، لا كما تريده السلطة أن يكون. النص يدعو القارئ إلى التوقف عن البحث عن إجابات سهلة، وإلى مواجهة التعقيد بجرأة.
“نسب شجرة الغول” هو نص يرقص على حافة الكلمة، يحفر في عمق المعنى، ويترك القارئ مسكوناً بأسئلة لا تنتهي. إنه كمن يسير على حبل مشدود بين الحلم واليقظة، بين الواقع والممكن، بين الذاكرة والنسيان. وفي النهاية، ربما لا يكون الغول إلا نحن، حين ننسى، حين نتجاهل، وحين نستسلم للهيمنة بدلاً من أن نقاومها.
zoolsaay@yahoo.com