يقدّم كتاب (خارج المنهج) للدكتور محمد الشحات الصادر عن الدار المصرية اللبنانية عام 2022م إثراءً معرفيا مهما، وقراءة ثقافية للأدب بأجناسه المختلفة، ورغم أنّ عنوان الكتاب يشير إلى عدم تقيّد المؤلف بالمناهج النقدية أو بالخروج عليها وعدم الالتزام بأدواتها النقدية؛ فإن المؤلف قام بتفكيك النصوص وقراءتها في سياقاتها النقدية المختلفة مستخدما من أدوات النقد الثقافي وتحليل الخطاب انطلاقة مهمة في تحليل النصوص وقراءة أفكارها.
يشير المؤلف في مقدمة كتابه إلى عنوان الكتاب موضحا المقصود من دلالات (خارج المنهج) التي يريدها في كتابه، ولعلّ آراءه في هذا السياق كانت كافية في استخدام المناهج النقدية الحديثة للتأويل والتحليل والنقد، يشير في مقدمته قائلاً: «لا يمثل (خارج المنهج)، كما وصفته في صدارة هذه المقدمة، هروبا من حدود المناهج النقدية أو خروجا على تقاليدها. كما أنه لا يمثل تعاليا على أطروحات هذه المناهج، ولا يعني ذلك كونه ضد المنهج أو ضد النظرية أو ضدهما معا. (خارج المنهج) كتاب نقدي يقف موقفا ما بعد حداثي أو موقفًا ما بعد بنيوي لمجابهة كل حَرْفيّة نظرية أو شكلانية منهجية إما أنها ستغدو عاجلا أو آجلا سجنا ممجوجا أو تُمسي برجا عاجيًا يؤدي إلى المزيد من عزلة الناقد (العربي) عن المجتمع والثقافة والتاريخ. (خارج المنهج) حوار متصل بين ذات الناقد وموضوعه الذي هو جزء منه، حوار بين العالم والنص والناقد الذي ينبغي له ألا يبرح عاكفا على تداول خطاب العلوم الإنسانية الذي أصبح خطابا بينيا، وإلا أصبح خارج التاريخ. وهنا يكمن رهان المستقبل الذي أكاد أراه، لا في مجال الدراسات الأدبية والنقدية العربية فحسب، بل في مجال العلوم الإنسانية العربية بصفة عامة. فالبينية أو عبر -التخصصية interdisciplinary لا تعني التعويم أو التعميم أو الأخذ من كل علم بنتف صغيرة مبتورة من سياقاتها التوليدية أو مرجعياتها الثقافية، بقدر ما تعني أولا طزاجة الطرح المعرفي (أي الخروج من أسر التقليد والتكرار) وتعني ثانيًا جدة المقاربة (أي حداثتها وما بعد حداثتها)، وتعني ثالثًا تعدّد المنظورات المنهجية دون تلفيق (أي خارجية المنهج)». لذا فإن محمد الشحات يُظهر في قراءاته للنصوص مزجاً بين أدوات التحليل السردي، والنقد الفني والثقافي والاجتماعي بلغة سلسة تعتمد التواصل بين النص والقارئ.
يحضر الأدب العماني في الكتاب عبر قراءة لرواية (سيدات القمر) لجوحة الحارثي وهي الرواية الفائزة بجائزة مان بوكر العالمية، وهنا يظهر لنا أنّ الشحات قارئ جيد للأدب العماني دون أن ننسى السنوات التي قضاها أكاديمياً في السلطنة محاضراً بجامعة نزوى، ومشاركاً في الفعاليات والمناشط الأدبية والثقافية والإعلامية المختلفة، كما لا ننسى كتابه (نحو كتابة جديدة: قراءات في الأدب العماني المعاصر) الصادر عام 2011م مقدّماً من خلاله قيمة جيدة لقراءاته للمشهد الثقافي في السلطنة والعلاقات الجيدة التي تجمعه بالمثقفين والكُتّاب العمانيين.
يتناول الكتاب رواية (سيدات القمر) ضمن القراءات الثقافية للنصوص مازجاً في هذا القسم من الكتاب أشكالاً متعددة من النصوص الإبداعية: شعرية وسردية وثقافية واجتماعية. وتفتتح المقالة موضوعها عن الرواية بإبراز علاقة الكاتب بالمثقفين العمانيين، وعن النصوص العمانية الحاصلة على جوائز مختلفة، والتي من ضمنها رواية سيدات القمر.
تنطلق القراءة من زاويتين أساسيتين: الأولى، من التعرض للحملات التي شُنّت على الرواية بعد فوزها بالجائزة، وجاءت هذه الحملات متناولة البقعة الجغرافية التي جاءت منها الرواية، أو متناولة جنس الكاتبة، أو كون الجائزة لها طبيعتها الخاصة في مسألة التنافس أو الفوز.
ورغم أنّ الشحات قد أشار أنه ليس بصدد تقديم «دفوع حجاجية بالمعنى القانوني عن رواية جوخة الحارثي»، فإنني أعدّ ما كتبه دفاعاً ليس عن الرواية فحسب، بل عن الأدب أيضا؛ فمثل التعليقات التي ضجّت بها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ليست كافية لتقديم نقدٍ منهجي عن الرواية، وعلى هذا الأساس يبني الشحات من قراءته الثقافية سوراً منيعاً للوقوف أمام الخائضين في الأدب والثقافة والنقد دون أدنى دراية أو معرفة بالمناهج النقدية والتحولات الثقافية والتاريخية للأدب، يقول في هذا المضمون: «لا أهدف مما سبق إلى أن أقدم دفوعًا حِجاجية بالمعنى القانوني عن رواية جوخة الحارثي التي أقدّر قيمتها الفنية جيدًا لأسباب عدة، سأخوض في تحليلها لاحقا. لكنني معني هنا بتحليل مفردات خطاب الأزمة التي أربكت القارئ العربي «غير المتخصص» المتابع للصحافة الثقافية العربية ومواقع التواصل الاجتماعي، وجعلته يضرب أخماسًا في أسداس، ولا يعرف كيف يحدد موقفه القرائي من الرواية. هل هي جديرة بالقراءة أم لا؟». ويقول في موضع آخر: «لعل ما يلفت نظر الباحث الثقافي في هذه الحالة هو ذلك القدر الكبير من تداول الخطابات الأيديولوجية الزاعقة (حول) رواية «سيدات القمر»؛ إذ هي ليست خطابات (في) الرواية ذاتها بالمعنى الفني أو الجمالي أو التقني. ويا ليتهم قرأوا الرواية متجردين من أيديولوجياتهم المسبقة وهي جملة خطابات مغلوطة تكشف عن أمراض شتّى استفحلت في جسد ثقافتنا العربية الراهنة، بحيث أراها - من وجهة نظري على الأقل قد تجاوزت حدود الخوض في علم الأدب وإستيطيقا الفنّ لتطال النعرات السياسية الضيقة التي لا تكرّس إلا لخطاب أيديولوجي إقصائي يتكئ على وجهة نظر ذكورية أو طبقية في التعامل مع رواية كتبتها امرأة خليجية ترتدي الحجاب «على حد وصف البعض».
الزاوية الثانية التي يبني عليها الكتاب قراءته هي قراءة الرواية قراءة فنية متناولة الجوانب المنهجية فيها، فتجده تارة يتناول «مواقع الأصوات الساردة أو يحلّل طبيعة علاقاتها ببعضها البعض»، وفي موضع آخر يتناول «طبيعة الشخصيات الروائية» وعلاقاتها فيما بينها، ونجده في موضع آخر يتناول اللغة السردية قائلا: «نظرا لكون (سيدات القمر) رواية مكثفة المشاهد، واعيةً بطبيعة اللغة السردية المركبة والمتعددة المستويات في مراوحتها بين خطابات سردية غير مباشرة أو غير مباشرة حرة، هي أقرب إلى طبيعة تكنيك تيار الوعي، وهي في الوقت ذاته لغة رشيقة تمتاح من نوادر الأمثال العامية وروائع شعر الغزل، مستلهمة بناء الجملة العامية المكثفة، فإنها سوف تؤسس مبكرًا (جدا) لطبيعة الأبعاد الثقافية لشخصياتها المحورية الثلاث تأسيسا باردًا ماكرًا منذ المشهد الأول عبر ثلاثة مستويات متقاطعة. في مستوى أول تحضر ميا بوصفها «الخياطة» الخبيرة التي تخيط الملابس بالطريقة ذاتها التي تخيط بها مشاعرها وأحاسيسها البطيئة بإبرة الزمن وعين الوعي. وفي مستوى ثان، تحضر أسماء بوصفها المثقفة أو دودة الكتب (المرجع المعرفي) التي تستحضر صورة الجارية تودّد القابعة في حكايات «ألف ليلة وليلة»، القادرة على تقليم أظافر الرجال المتغطرسين بمقص المعرفة وشفرات البلاغة. وفي مستوى ثالث، تحضر خولة بوصفها جميلة المفاتن صاحبة الجسد الذي لا يُقاوَم. أي أن سرديّة «سيدات القمر» تنحو منحى نسويا (رمزيا) ناعما نعومة الحيّة في رغبتها السامة في نقض مركزية السلطة القامعة الحرية المرأة».
إنّ القارئ للموضوع هنا يلحظ أن محمد الشحات يردّ بقوة على كل المزاعم التي تحاول تهميش العمل الروائي أو الانتقاص منه لأسباب ذُكرت أعلاه؛ فنجده في خاتمة القراءة يشدّد على الجوانب الفنية للرواية مع إبراز قيمتها ودلالاتها الجمالية، وهذا ما يدفعنا إلى التركيز على منهجية القراءة الواعية للنص الأدبي، وفك طلاسمه والبحث في مضمراته للكشف عما يريد النص قوله للقارئ، ومن ذلك: «تبدو رواية (سيدات القمر) تمثيلاً جماليا وثقافيًا دالا على تحوّلات مجتمعية وحضارية مفصلية في نسيج المجتمع العُماني على مدار المائة سنة الماضية، كما تبدو في الوقت ذاته مشدودةً إلى فض التناقض الزائف بين ثنائية الحداثة والموروث، منادية بحرية المرأة العُمانية المرتبطة بقوة الحياة وحتمية التغير المتصل بطبيعة التجربة الإنسانية، منتصرة لصوت المرأة في سرديتها التحررية التي توازي سردية مجتمعاتنا العربية ذاتها من أسر التبعية في صورها المتعدّدة (تبعية الرجل البطريرك، أو تبعية المستعمر الغاشم، أو تبعية الميثولوجي والميتافيزيقي). لذا، لم تنشغل جوخة الحارثي بغواية التجريب في الشكل الروائي، بل انشغلت بكتابة واقع ينأى بنفسه عن الأيديولوجيات السياسية المقولبة، فجاءت سرديتها عن عُمان طازجة، عفوية، مخلصة لمحليتها وجغرافيتها وهويتها الإنسانية».
من جانب آخر فإن الإشكالات التي تطرّقت لها القراءة تشير إلى وجود أزمة ثقافية جمعية في تناول النصوص سواء من قبل النخبة من المتخصصين أو من القارئ العادي، وهنا يظهر دور النقد والنقاد في محاولة تخليص النصوص الإبداعية من الشوائب وإظهار قيمتها الأدبية دون تحيّز أو ميول.
إنّ كتاب (خارج المنهج) من الكتب المهمة في تناول النصوص تناولاً ثقافياً، وفي التركيز على الملامح العامة للإطار النقدي وفق المناهج الحديثة لما بعد الحداثة وما بعد الاستعمار، وهذا ما أراده المؤلف من فصول كتابه وتقسيمها إلى قسمين أطلق على الأول: قراءات ثقافية، وعلى الثاني: هوامش ثقافية، ليعبر بنا في قراءاته حدود الجنس الأدبي سرداً وشعراً ونثراً مفككا النصوص إلى أفكار جزئية تعبّر عن المضمرات الداخلية للنص.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ما بعد
إقرأ أيضاً:
بيان لحزب الله يفند رواية الاحتلال حول كمين قتل فيه جنود وباحث توراتي متطرف (صور)
كشف حزب الله كمين أوقع به قوة للاحتلال، في إحدى بلدات جنوب لبنان، والتي أسفرت عن مقتل 4 منهم بينهم باحث آثار توراتي متطرف، دخل برفقة الجيش إلى هناك.
وقال الحزب في بيان عسكري، إنه مقاتليه رصدوا تسلل قوة للاحتلال، إلى أحد المنازل، من الجهة الغربية لبلدة طير حرفا جنوب لبنان.
وأضاف: "فتح مجاهدونها النار على المنزل، الذي تتحصن فيه القوة بالأسلحة الرشاشة، من مسافات متوسطة ثم جرى استهداف المنزل بالأسلحة المباشرة، ما أدى إلى تدمير أجزاء من المنزل على القوة".
وتابع: "حاولت قوة للاحتلال، مدعومة بآلية مدرعة، التقدم لإخلاء الإصابات من المكان، ليجري استهدافها بالأسلحة المباشرة، ما أدى إلى تدميرها وعاود المجاهدون تمشيط المكان بواسطة الأسلحة الرشاشة".
ولفت إلى أن الاحتلال اعترف بعد ساعات، بسقوط 4 قتلى، وعدد من الجرحى، مشيرا إلى أن وسائل إعلام الاحتلال تحدثت عن 6 قتلى في الكمين.
وأشار الحزب إلى أن من بين القتلى، ضابط وجندي في الكتيبة 13 غولاني، وجندي من وحدة ماغلان، باحث الآثار التوراتي المتطرف زئيف إرليك، والذي كان يرافق القوة تحت مسؤولية قائد اللواء للتعرف على المنطقة.
ويفند بيان حزب الله، الرواية التي ساقها الاحتلال أمس، والذي زعم فيه الاحتلال، أن الواقعة حدثت في بلدة شمع وتحديدا في مقام النبي شمعون.
وزعم الاحتلال، أن مقاتلين لحزب الله، نصبا كمينا داخل المقام، وفور دخول القوة إلى المكان، فتحا النار عليها، ما أدى إلى مقتل الباحث إرليك وجندي آخر وإصابة عدد آخر بين ضباط كبار بجيش الاحتلال.
لكن وفق بيان حزب الله تبين أن الكمين نصب في منزل، بقرية أخرى بعيدة عن شمع، وقتل فيها 4 من الجنود، جرى الإعلان عنهم في أوقات متفاوتة ليبدو وكأنهم قتلوا في مناطق متفرقة بمعارك جنوب لبنان.
העם כולו כואב את נפילתם של הלוחמים , רס״ל איתן בן עמי, סמל גור קהתי, רס״ל רואי ששון, רס״ל עמר גלאדור,
ורס״ן במיל׳ זאב ז׳אבו ארליך,
השם יקום דמם.
אשר נפלו בהגנה ובשמירה על ארצינו.
אני משתתפת בצערם של בני המשפחות, המכרים והחברים. יהי זכרם ברוך. pic.twitter.com/jdoMSP4xYh — ח״כ אתי חוה עטיה - MK Etty Hava Atia (@ettyatia) November 21, 2024