شبكة انباء العراق:
2024-08-14@23:08:56 GMT

تاريخ ضائع لأمة فقدت بوصلتها

تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

ينظر الينا العالم منذ زمن بعيد بعين الاهتمام, لأننا ننتمي إلى الرموز الإنسانية الخالدة، إلى الرجال الأفذاذ، والقامات الشامخة. لكننا فقدنا بوصلة الانتماء، وجنحنا نحو الركود والتخلف، ولم نحقق الحد الأدنى من فكر قادتنا, الذين اختار منهم المؤلف مايكل هاملتون مورغن، في كتابه (تاريخ ضائع)، شخصيات عديدة, توقف عندهم بالشرح المفصل, من أمثال: الخوارزمي والزهراوي وابن الهيثم والإدريسي وابن سيناء والرازي والبيروني والفارابي, لكنه توقف طويلا أمام شخصية أمير المؤمنين على بن أبي طالب.

.
يرى مايكل في كتابه: أن العرب ابتعدوا كثيراً عن نهج هذا الرجل العملاق, ولم ينتبهوا إلى وهج الفنارات الأخلاقية والإنسانية والفلسفية, التي أضاءها لهم بنور عبقريته، ولم يستجيبوا لندائه الناطق بالحق, وهو الذي كان حتى يومنا هذا صوتاً مدوياً للعدالة الإنسانية, ولم يعلموا حتى الآن أن لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة اختارته عام 2002 من بين مئات الزعماء والقادة باعتباره أعدل حاكم ظهر في تاريخ البشرية على وجه العموم, مستندة في اختيارها على مئات الوثائق المكتوبة باللغة الانجليزية. ثم عادت الأمم المتحدة لتضع رسائله الموجهة إلى ولاته وعماله في المراتب العليا، وتعدها من أهم مصادر التشريع في القانون الدولي. .
يقول مايكل: لم يتح لزعيم بمستوى أمير المؤمنين أن تجتمع فيه صفات التقوى والعلم والحلم والحزم والرقي في آن واحد, ويبدي مايكل استغرابه من جهل الأمة العربية لنبراسه, الذي أرشدهم نحو المسارات المستقبلية الصحيحة, فلا الذين ناصبوه العداء ساروا على نهجه, ولا الذين تظاهروا بموالاته عرفوا طريقهم إليه, وهكذا تخبطت الأمة في عصر الضياع والتشرذم بين مبغض له ومغال في حبه. .
يقول مايكل: من المفارقات العجيبة أن الزعماء العرب لم يطبقوا الحد الأدنى من دستوره ومنهجه, ولم يكلفوا أنفسهم مشقة العمل بأحكامه المستمدة من القرآن المجيد, ولم يعرفوا شيئاً عن مواثيقه وعهوده, التي عهد بها إلى ولاته وعماله, وفي مقدمتهم مالك الأشتر, الذي ناشده أمير المؤمنين بإرساء قواعد العدل والإنصاف, فقال له في ميثاقه: وأشعر قلبك الرحمة للرعية, والمحبة لهم, واللطف بهم, ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم, فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين, وإمّا نظير لك في الخلق. .
وقال له أيضاً: وأعلم أنه ليس بأدعى إلى حسن الظن راع برعيته من إحسانه إليهم, وتخفيفه المؤونات عليهم, وترك استكراهه إياهم على ليس قبلهم, فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك, فإن حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً, وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده, وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده, ولا تنقص سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة, واجتمعت بها الألفة, وصلحت عليها الرعية, ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها, والوزر عليك بما نقضت منها. .
كانت تلك مقتطفات من ميثاق أمير المؤمنين, الذي سارعت الأقطار الغربية إلى تفعيله وتطبيقه قبل أن تلتفت إليه القوى السياسية المتناحرة في الوطن العربي. .
لقد سار الغرب على نهجه و تمسكوا بمبادئه, فما الذي يمنع قادتنا من تطبيق مفاهيمه على أرض الواقع, ولو على نطاق ضيق ؟, وأين هم الآن من منهاجه ؟, وما الذي يمنعهم من العمل بأحكامه إن كانوا يزعمون تمسكهم بعدالته ؟. .
لقد كان الكاتب (مايكل هاملتون مورغن) موفقاً في تسليط الأضواء على تاريخنا الذي أضعناه ولم نلتفت إليه, فانشغلنا بالمهاترات السياسية, والنزاعات الطائفية, والصراعات القبلية, وتخصص قادتنا في تدبير الدسائس والفتن ما ظهر منها وما بطن. .
يُعد (مايكل) من كبار الكتاب في القارة الأمريكية, عمل ردحاً طويلاً في السلك الدبلوماسي, ثم انصرف للكتابة ودراسة التاريخ, فكتب سلسلة من المؤلفات نذكر منها كتابه: (The Twilight War), وكتابه: Graveyard of the Pacific, وكتابه: (Collision with History), وكتابه: (Arabia: In Search of the Golden Ages), أما كتابه (تاريخ ضائع Lost History) فقد صدر عام 2007, ويعد من أفضل الكتب الغربية, التي ألقت الأضواء على العصور العربية الزاهرة. .
يتألف الكتاب من 8 فصول وخاتمة, تناول فيها الشخصيات العربية بلغة سردية مؤثرة تمهد للحقيقة العلمية والتاريخية بأسلوب يشد القارئ, ويشجعه على الاستمرار والمتابعة. صدرت للكتاب ترجمة عربية عام 2008 بقلم (أميرة نبيه بدوي) عن دار نهضة مصر. .
ويبقى السؤال: متى ننهض من سباتنا ؟, ومتى نستعيد أمجادنا القديمة ؟, ومتى نقتفي أثر أجدادنا العظام ؟. ومتى يتحرر قادتنا من عقدة التسلط على رقاب الناس ؟. ومتى يكونوا صادقين في رسم خطواتهم الصحيحة نحو تطبيق الحد الأدنى من مبادئ العدالة والإنصاف ؟. ومتى نسير على النهج الذي رسمه أمير المؤمنين ؟. فقط متى ؟, ومتى فقط ؟. .

د. كمال فتاح حيدر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات أمیر المؤمنین

إقرأ أيضاً:

صفحات مشرقة من تاريخ الفاو

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

قبل اندلاع الحرب العراقية الإيرانية كنا عندما نقوم بزيارة القرى المتناثرة على ضفاف شط العرب نشعر اننا في رحلة خيالية إلى عالم ساحر مليء بالجمال والطبيعة الخضراء والمناظر الخلابة، اما إذا توفرت لنا الأسباب لزيارة قرى الفاو فإننا نشعر وكأننا تخلصنا من همومنا كلها، فنهيم على وجوهنا بين غابات النخيل السامقة، وبساتين الحناء والرمان وأشجار البمبر قبل ان تعبث بها الراجمات والقاصفات والمدفعية الثقيلة. .
كنا قبل الحرب نشاهد العصافير تتقافز من غصنٍ إلى غصن فَرِحة تزقزق، نغترف من مياه الجداول المتغلغلة داخل كل حوز، والمنتشرة بين القرى الهادئة التي يسكنها فلاحون وملاحون يتّصفون بالطيبة والبساطة. قرى تختلف عن المدن المليئة بالضجيج وتعقيدات الحياة، فما تشاهده في الفاو من مناظر جميلة لن تشاهده في أي مكانٍ آخر. .
واليكم هذه الحكاية الحقيقية المطبوعة في ذاكرة الطين والماء. بطلها رجل من اليمن كان يعمل في سبعينيات القرن الماضي على متن سفينة خشبية في حوض الخليج العربي. تعرضت سفينته لحادث عند مقتربات السواحل العراقية، وكانت السفينة المعطوبة مهددة بالغرق بسبب تسرب المياه اليها. فهرعت قوارب الصيد العراقية لأنقاذهم من الموت المحتوم، وكانوا في حدود 11 بحارا. جميعهم يحملون الجنسية اليمانية. .
في تلك الحقبة كانت مديرية شرطة الفاو هي المكلفة بمهام خفر السواحل. فدونت تفاصيل الحادث، واتصل مدير ميناء الفاو الكابتن يوسف العامر بالسفارة اليمنية في بغداد، ثم جرى نقل الناجين إلى مستشفى الفاو لتلقي العلاج. نقلوهم بعد اكتمال العلاج إلى حسينية الحاج كاظم البغدادي لتقديم مستلزمات الكرم والضيافة العربية بإشراف الحاج البغدادي وعلى رأسهم نجله الشيخ عبد الحافظ البغدادي. فتوفرت لهم اسباب الراحة والنقاهة، وكان لرجال تلك القرية دورهم المشهود في توفير الملابس والسراويل والملاءات، وتقديم وجبات الطعام والقهوة والشاي بلا توقف وبلا تذمر لأكثر من عشرين يوما، شعر اليمنيون انهم بين اهلهم وبين ابناء قبيلتهم. وكانوا محط الاهتمام والتقدير والاحترام. حتى جاء اليوم الذي وصل فيه وفد من سفارتهم لنقلهم إلى بغداد تمهيدا لترحيلهم إلى ديارهم في اليمن السعيد. .
في الفاو كنا نرى الخيرات في كل مكان، فأرضها خصبة صالحة للزراعة، وأهلها يسارعون للاعتناء بها، فيغرسون مختلف أنواع الاشجار على امتداد شط العرب والسواقي المتفرعة منه. يهتمون بما تنتجه أرضهم من ثمارٍ. . يزرعون ويمارسون الصيد النهري والبحري. يأكلون من عمل أيديهم، فتطمئن قلوبهم بلذة الكسب الحلال. .

د. كمال فتاح حيدر

مقالات مشابهة

  • قيادي بحماس: الحركة فقدت الثقة في دور أميركا كوسيط بمحادثات غزة
  • شمال الباطنة تحكي تاريخ الحضارة العُمانية ضمن المشاركة في "خريف ظفار"
  • صفحات مشرقة من تاريخ الفاو
  • فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين
  • محمود عاشور: أتمنى ختام مسيرتي بالمشاركة فى كاس العالم 2026.. والأندية فقدت الثقة فى الحكام الموسم الحالى
  • ثنائي محلي على طاولة الزمالك لخلافة زيزو
  • تصريحات إيرانية واسرائيلية حول طبيعةرد طهران المترقب.. هل سترد ومتى؟
  • النجم المغربي أمير ريتشاردسون ينضم رسمياً لنادي فيورنتينا الإيطالي
  • حتى تفتح طوفان الأقصى صفحة جديدة في تاريخ المنطقة
  • الصراع بين جند الله وجند الشيطان!!