انقسامات وانتشار الأسلحة.. الحرب تحتدم على رماد الثورة في السودان
تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT
يشهد المجتمع السوداني حالة من الاستقطاب في ظل حرب أهلية طرفيها الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الملقب باسم حميدتي.
ونشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن الحرب في السودان، التي بدأت في 15 نيسان/أبريل 2023، وتسببت في انقسام المجتمع وانتشار الأسلحة أكثر من السلع الأساسية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هذا الصراع يجلب الآن في طياته جماعات مسلحة عديدة، ويتعين على العديد من المدنيين الاختيار بين التجنيد والذهاب إلى المنفى، كما يشهد المجتمع حالة من الاستقطاب في الوقت الذي تنتشر فيه الأسلحة أكثر من السلع الأساسية.
وفجر يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، هتف مئات الآلاف من المتظاهرين في انسجام تام "ثورة الشعب. السلطة للشعب. ليعود الجيش إلى ثكناته ولتُحَل الجنجويد!"، مجتاحين العاصمة السودانية الخرطوم، ردا على الانقلاب الذي قاده الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه آنذاك محمد حمدان دقلو الملقب بـ "حميدتي".
وقبل ثمانية عشر شهرًا من اندلاع حرب أهلية بين جيشي البلاد، كانت الشوارع السودانية قد أدركت الخطر بالفعل. فقد طالبت الجماهير من خلال هذه الشعارات، بإقالة رئيس القوات المسلحة السودانية من السلطة وحل قوات الدعم السريع التابعة للجنرال "حميدتي" المنحدرة من مليشيات الجنجويد التي شاركت في الإبادة الجماعية بدارفور في بداية العقد الأول من الألفينات.
وخلال الليل، كان المجلس العسكري قد اعتقل أعضاء في الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، مما وضع حدا لفترة التحول الديمقراطي التي بدأت قبل سنتين، في سنة 2019، إثر انتفاضة شعبية ضخمة أطاحت بنظام عمر البشير العسكري والإسلامي بعد ما يقارب ثلاثة عقود من الحكم.
بلد غير قابل للحكم
بعد ساعات قليلة من إعلان الانقلاب العسكري، امتلأت الشوارع بالحواجز، وأُعلن إضراب عام في المصانع، بينما تضاعفت الدعوات إلى العصيان المدني من مآذن المساجد. بالتالي، ستظل البلاد غير قابلة للحكم لعدة أشهر، في مواجهة حركة احتجاجية بقيادة لجان المقاومة والتي انتشرت في كل حي.
من خلال طرد المدنيين، وجد أقوى جنرالين في البلاد نفسيهما في مواجهة خطيرة وجها لوجه. وبعد فشلهم في الشوارع، وافتقارهم لأي قاعدة شعبية للحكم، اضطر الجنرالات الانقلابيون إلى العودة إلى طاولة المفاوضات مع المدنيين. لكن المناقشات التي رعتها الأمم المتحدة باءت بالفشل. وفي 15 نيسان/أبريل 2023، اختار الجنرالات الحرب واشتعلت النيران في البلاد.
منذ البداية، تجاوز الصراع مجرّد التنافس البسيط بين جنرالين. لقد أعادت الثورة خلط الأوراق السياسية. ودعا الشعب سلميا إلى تأسيس "السودان الجديد"، داعيا إلى هوية سودانية متعددة تهتم بالأقليات العرقية والدينية، والحكم اللامركزي الذي يضمن توزيعا أفضل للثروة، التي احتكرها لفترة طويلة الجيش ونخب الدولة.
مع ذلك، كما تتذكر ريم عباس، من معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط: "منذ الاستقلال، أصبح الفضاء السياسي السوداني عسكريا وقائما على التعاملات، حيث تقع السلطة على عاتق الرجال الذين يحملون الأسلحة أو لديهم الموارد اللازمة لتحقيق الدخل. والصراع الحالي هو جزء من هذه الاستمرارية".
ومن الآن فصاعدا، تجلب الحرب في أعقابها عددا كبيرا من الجماعات المسلحة وعشرات الآلاف من المدنيين الذين يلتحقون طوعا أو قسرا بأحد المعسكرين. في الأثناء، تنتشر الأسلحة بشكل أفضل بكثير من المواد الغذائية الأساسية. في هذا السياق، علق المحلّل السياسي السوداني مجدي الجزولي من معهد "ريفت فالي": "في مواجهة وحشية الحرب، يصطف المدنيون خلف أكبر سلاح يمكن أن يحميهم".
صراعات محلية متعددة
في كل مكان من السودان، يتفكك النسيج الاجتماعي، ويشهد المجتمع حالة من الاستقطاب، ويضطر السكان إلى اختيار أحد الجانبين أو الذهاب إلى المنفى. وتتحوّل الحرب إلى صراعات محلية متعددة، مما يعيد إيقاظ التوترات القديمة بين المجتمعات العرقية، في دارفور على وجه الخصوص، والتي يمكن أن تتحول إلى حلقة مفرغة من العنف. وبينما يستطيع قسم كبير من الثوار الموجودين الآن في المنفى معارضة الحرب، رافضين دعم أحد الطرفين المتحاربين، من الصعب على أولئك الذين بقوا في السودان الحفاظ على الحياد. أما الخطابات المناهضة للحرب، التي وضعت الجنرالين في مواجهة واحدة، فهي غير مسموعة، وكثيرا ما يُنظر إليها على أنها خيانة.
ومن المفارقة أن نتيجة الصراع لا يمكن أن تكون عسكرية، بل ستكون سياسية بالضرورة. ولم يتمكن أي من أمراء الحرب من حكم البلاد حقًا، في حين أن استمرار الحرب جعلهما يفقدان كل شرعية في نظر معظم المدنيين العالقين بين الطرفين.
وحسب سليمان بالدو، من المرصد السوداني للشفافية والسياسات، فإنه "في هذه الحرب العبثية، لن يكون هناك منتصر. لا يمكن لأي اتفاق سلام أن يتحقق دون مشاركة ممثلين مدنيين من قوى الثورة، ودون إصلاح المؤسسات السودانية".
وذكر كليمنت ديشايز، الباحث في معهد البحوث من أجل التنمية أنه "إذا بدا أن الحرب قد دفنت الثورة، فإنها لم تمحو الماضي تماما". وسواء في المنفى أو في السودان، فإن المجتمع المدني، الذي احتشد ضد سلطة البشير ثم ضد انقلاب البرهان و"حميدتي"، لا يزال يمطالا بلعب دور حاسم. وفي خضم القتال، لا يزال النفَس الثوري ينبض.
وعلى خلفية تفكك الدولة، قام العديد من المواطنين، غالبا من لجان المقاومة أو الأطباء أو الناشطين ذوي الخبرة أو المتطوعين البسطاء، بتشكيل شبكات للمساعدة المتبادلة. وبينما توقفت الخدمات العامة وتعرضت البنية التحتية للبلاد للتدمير، فإنهم ينظمون "خلايا طوارئ" تهدف إلى توزيع الغذاء وعلاج الجرحى وإجلاء العائلات من مناطق القتال.
وقال سليمان بلدو إن "البديل المدني موجود. يجب أن يحظى هذا الأمر بدعم مشترك من المجتمع الدولي".
لكن السودان يغرق في غياهب النسيان. وبعد أن غض المجتمع الدولي الطرف بالتساهل مع الجنرالات الانقلابيين، الذين اعتُبِروا ضمانة للاستقرار في السودان، أصبح الآن يغض الطرف بشكل كبير عن الأزمة الإنسانية العالمية الأكثر خطورة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية السوداني حرب أهلية الجيش السوداني الدعم السريع حميدتي السودان حرب أهلية الجيش السوداني حميدتي الدعم السريع صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی السودان فی مواجهة
إقرأ أيضاً:
الحركة الشعبية – التيار الثوري: الأجندة الإنسانية وحماية المدنيين أولوية
دعا المكتب القيادي للحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي إلى توحيد قوى الثورة والتغيير لحماية المدنيين وإيجاد حلول إنسانية قبل الشروع في العملية السياسية..
التغيير: الخرطوم
ناقش المكتب القيادي للحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي الأزمة الإنسانية الحادة، وانتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب التي تشهدها البلاد.
كما ناقشت الحركة أوضاع النازحين واللاجئين السودانيين الذين يعانون من تمدد الحرب إلى مناطق ومدن جديدة.
ووفقا لبيان أصدرته الحركة، فإن الاجتماع الدوري، الذي انعقد الأحد، وجه دعوة إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية للقيام بدورها في معالجة الكارثة الإنسانية وحماية المدنيين.
وذكر البيان أن المكتب القيادي استمع إلى تقارير من اللجان المختلفة حول تنفيذ المهام السابقة المتعلقة بالتحالفات والتنسيق بين القوى السياسية، واللقاء المزمع عقده في الفترة من 3 إلى 6 ديسمبر 2024 في إطار اجتماع الأرضي لقيادة تقدم، الذي يستهدف توحيد قوى الثورة والتغيير في جبهة مدنية واسعة ضد الحرب.
وشدد التيار الثوري على أن الأجندة الإنسانية وحماية المدنيين يجب أن تكون القاسم المشترك بين جميع القوى الرافضة للحرب.
وأكد البيان أن الأجندة الإنسانية هي أولويات المرحلة، وتوحد القوى السياسية من أجل حماية المدنيين وتحقيق الحقوق الأساسية مثل حق الحياة، وتأمين سبل العيش من طعام، ومسكن، وعلاج.
وطالب البيان بإخراج المسلحين من مناطق المدنيين وتقليص الوجود العسكري في هذه المناطق، وتوسيع الفضاء المدني، والسعي لتحقيق العدالة والمحاسبة للضحايا.
أكد التيار الثوري الديمقراطي أن وقف الحرب وحماية المدنيين يجب أن يكونا المدخل الأول لأي عملية سياسية، معتبرًا أن حماية المدنيين يجب أن تسبق الترتيبات السياسية أو المؤتمرات التي تناقش تقسيم السلطة.
وتابع البيان أن “حق الحياة يسبق كل شيء”، وأن على جميع الأطراف المتحاربة تحمل المسؤولية تجاه الأزمة الإنسانية وفقًا لقواعد القانون الإنساني الدولي.
ودعا التيار الثوري إلى مؤتمر إنساني إقليمي وعالمي يتناول قضايا حماية المدنيين والنازحين واللاجئين السودانيين.
وأكد أن المؤتمر يجب أن يشارك فيه الفاعلون الإقليميون والدوليون من منظمات الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، والمنظمات الإنسانية العالمية.
ويهدف المؤتمر، وفقا للبيان، إلى مناقشة سبل حماية المدنيين والنازحين السودانيين، والعمل على تحسين وضع اللاجئين السودانيين في دول الجوار، وتوفير المساعدات الإنسانية لهم.
في جانب آخر من البيان، أكد التيار الثوري على ضرورة أن تقدم قوى الثورة والتغيير تنازلات متبادلة لإيجاد كتلة تاريخية قادرة على تحقيق التحول الديمقراطي.
وأشار إلى دعم الاتفاق الذي تم بين القيادات السياسية السودانية في نيروبي لمخاطبة جذور الحرب وبناء دولة جديدة.
أكد دعم جهود حزب البعث العربي الاشتراكي في خلق جبهة واسعة لقوى الثورة والتغيير، مع التأكيد على أهمية الحوار بين التنظيمات والمكونات السياسية دون فرض تحالفات مسبقة.
كما أكد البيان على ضرورة تعزيز التحالفات القائمة بين قوى الثورة، بما في ذلك تحالف الجذريين، وتطويرها لتشكيل جبهة أوسع ضد الحرب. ودعا التيار إلى تعزيز مشاركة النساء والشباب في الأجندة الإنسانية والسياسية من أجل بناء مستقبل مستدام.
الوسومالأوضاع الإنسانية الحركة الشعبية التيار الثوري الديمقراطي حرب الجيش والدعم السريع