كان طالب الدكتوراه في الجامعة الماليزية للعلوم أنس القانوع في زيارة اعتيادية لأسرته بقطاع غزة، لتندلع الحرب، ويفقد القدرة على العودة مجددا إلى ماليزيا، لاستكمال أطروحته للحصول على الدرجة العلمية، لكن ذلك لم يفقده الأمل، واستطاع في ظل ظروف الحصار والحرب المشتعلة استكمال أطروحته، ومناقشتها عن بعد.

لم يذكر القانوع تلك الظروف التي أحاطت بصورته التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يناقش أطروحته للحصول على الدكتوراه من داخل بقايا غرفة منزلة المدمرة، غير أن مشرفه في الجامعة الماليزية للعلوم، البروفيسور ناصر العراقي، تكفل بتوضيحها للجمهور على وسائل التواصل.

وتحدث البروفيسور العراقي عن قيمة ما حققه تلميذه القانوع، والذي نجح في تقديم إنجاز علمي مهم، إضافة إلى ما هو أهم من ذلك، ويتعلق بالرسالة التي أرسلها من داخل غرفة منزله المدمرة، وهو يناقش أطروحته للدكتوراه.

ويوضح العراقي أن أطروحة الدكتوراه لتلميذه كانت تدور حول تصنيع أسلاك الفضة النانوية، وقد نشر منها 3 أبحاث في دوريات ذات تصنيف علمي مرتفع، وقبل أن يصل غزة في زيارته الاعتيادية لأسرته قبل أن تقوم الحرب، حصل عمله البحثي خلال التجهيز للدكتوراه على الجائزة الذهبية في أحد المعارض العالمية.

واستطاع الباحث خلال تلك الأبحاث حل واحدة من أهم مشاكل أسلاك الفضة النانوية، والتي تتمتع بمرونة وشفافية وموصلية عالية للكهرباء تجعلها مفيدة في تطبيقات متنوعة مثل شاشات اللمس، والخلايا الكهروضوئية، والإلكترونيات الضوئية المرنة، غير أن ضعف التصاقها بالركائز المرنة وقابليتها للأكسدة بواسطة الهواء يحد من استخدامها، ما لم يتم علاج تلك المشكلة، وهو ما نجح فيه القانوع.

وبينما تقاتل المقاومة الاحتلال، اعتبر العراقي تتويج جهود تلميذه بالحصول على الدكتوراه عن هذا الإنجاز قتالا من نوع آخر، هدفه رفع الروح المعنوية، والتأكيد على روح التحدي التي يتحلى بها المواطن الفلسطيني، وقال: "أبناء غزة يقاتلون كل من موقعه واختصاصه، وهذا أحد طلابي من باحثي الدكتوراه قاتل في ظروف صعبة من أجل الحصول على الدرجة العلمية، وهو في أرض المعركة".

رد فعل الوسط العلمي

وتشكلت لجنة المناقشة التي منحت الباحث درجة الدكتوراه عن بعد من أساتذة من ماليزيا والعراق، بينما كان القانوع يجلس في بقايا غرفته المدمرة من قطاع غزة، ليكلل بذلك مجهود 3 سنوات، كان أصعبها في قطاع غزة، عندما أجبرته الحرب على البقاء في القطاع، وحرمته من العودة لماليزيا.

واستقبل مجتمع البحث العلمي خبر منح القانوع درجة الدكتوراه بسعادة بالغة، حيث كشف فواز عبد الرحمن الروابضة، الحاصل على الدكتوراه في المحاسبة من جامعة "سينز" الماليزية، والذي تعرف على القانوع خلال فترة وجوده في ماليزيا، عن جوانب أخرى في مسيرة هذا الباحث الفلسطيني.

قال الروابضة على صفحته بموقع "فيسبوك" "هذا الرجل الطيب الذي التقيته فور وصوله ماليزيا، والذي فقد الكثير والكثير من أهله وأصحابه وأساتذته خلال الحرب لم يتوان للحظة عن حلمه وهدفه، ولم ينس فضل من كانوا معه قبل وبعد هذا الإنجاز".

وتابع "من أرض غزة الصامدة ورغم قساوة الصور، فإنها عظيمة في أعيننا، كبيرة في معناها، ففي كل يوم تقدم لنا غزة درسا في الحياة".

وأضاف مخاطبا القانوع "الحمد لله الذي أبقاك سالما حتى اللحظة، لنشهد إنجازك العظيم بإتمامك مناقشة أطروحة الدكتوراه في فيزياء النانو تكنولوجي".

ووصف خالد حجازي، الباحث في الجامعة الإسلامية بغزة، ما فعله القانوع، بأنه "رسالة صمود من قلب قطاع غزة"، وقال في تعليق كتبه على صفحته بموقع فيسبوك "بمثل أبو مالك (كنية القانوع) غزة لن تموت أبدا بإذن الله، جيل يسلم الراية لجيل آخر".

واهتم الفيزيائي المصري عبد الناصر توفيق، مدير المركز المصري لأبحاث الفيزياء النظرية، بالقيمة العلمية لما توصل له القانوع في أطروحته، مبديا إعجابه بما توصل له من نتائج.

وقال في تصريحات هاتفية لـ"الجزيرة نت" إن ما توصل له ذو صلة بالأبحاث العلمية الحالية وبالتطورات التكنولوجية المستقبلية".

وأضاف في تصريح أنه استخدم طرقا تقنية منها "ترسيب الرش" و "كحول البوليول" و"التردد الراديوي" في إنتاج أسلاك الفضة النانوية من نيتريد الألومنيوم "إيه آي إن" (AlN) ، وذلك باستخدام ركائز مختلفة (الزجاج والورق والبلاستيك)، ومن ثم قام بتحديد دور الركائز المختلفة في تحسين أداء تلك الأسلاك، وهذا عمل له قيمة تطبيقية عالية.

 

أطروحة الدكتوراه كانت تدور حول تصنيع أسلاك الفضة النانوية، وقد نشر منها 3 أبحاث في دوريات ذات تصنيف علمي مرتفع (الدكتور ناصر العراقي) "القانوع" ليس الحالة الأولى

والقانوع ليس الحالة الأولى لباحثين من غزة يناقشون أطروحات علمية معتبرة تحت نيران الاحتلال الإسرائيلي، إذ سبق وناقش الباحث في جامعة الأزهر بغزة صلاح العايدي أطروحته للحصول على الماجستير من داخل خيمة بمدينة رفح أقامتها الجامعة لمناقشة طلاب الماجستير والدكتوراه.

وكانت رسالة ماجستير العايدي في إدارة الأعمال بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الأزهر، وحملت عنوان "أثر تخطيط التعاقب الوظيفي على الاحتفاظ بالكفاءات.. دراسة ميدانية على بنوك المحافظات الجنوبية- فلسطين".

وقال العايدي بعد حصوله على الدرجة العلمية إنه "يواصل مسيرته التعليمية رغم الفقد والجراح والألم، حيث يبقى الأمل، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة".

ومن داخل الخيمة نفسها التي ناقش فيها العايدي أطروحته، كان طالب الدراسات العليا تامر صلاح أبو موسى من قسم علم النفس بجامعة الأزهر، قد ناقش أطروحته للحصول على الماجستير بعنوان "المناعة النفسية كمتغير وسيط بين الضغوطات النفسية والدافعية للإنجاز لدى المرشدين التربويين بالمحافظات الجنوبية في فلسطين.. دراسة ميدانية".

وكانت أطروحة أبو موسى، هي الأولى التي يتم مناقشتها في هذه الظروف، وقد انهالت التعليقات على موقع "فيسبوك" بعد نشر صورها، ومنها تعليق تقول صاحبته إسراء عبد الحفيظ "هل يستطيع الاحتلال هزيمة شعب يناقش رسالة ماجستير في الخيام؟ بالتأكيد لا، إنهم منتصرون دائما بإذن الله".

 

إبداع غزاوي لا ينقطع

ويصف الأكاديمي الفلسطيني مازن قُمصية، مدير ومؤسس متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي ومعهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة بجامعة بيت لحم، مشاهد مناقشة باحثين فلسطينيين لأطروحاتهم العلمية في هذه الظروف الصعبة، بأنها "إحدى صور الإبداع الغزاوي الذي لا ينقطع".

وقال قُمصية في تصريحات هاتفية لـ"الجزيرة نت": "شعب أبدع في هذه الظروف وسائل مبتكرة لإنتاج الكهرباء وتنقية المياه وغيرها، فلا عجب أن يناقش أطروحات علمية تحت نيران الاحتلال، فنحن (شعب يحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا) كما يقول الشاعر محمود درويش".

وتابع "كما أن الضغط الشديد يحول الفحم إلى ألماس، فإن الباحثين في قطاع غزة يخرجون أفضل ما عندهم، رغم الضغط والحصار".

وأضاف "أقصى ما تستطيع إسرائيل فعله هو تدمير البنى اِلتحتية، لكنها لن تستطيع تدمير العقول، وستكون غزة على موعد مع النصر، طالما استمرت في مواجهة الاحتلال بهذه الروح المعنوية العالية، التي أعانت أنس القانوع وغيره من الباحثين على استكمال المسيرة في هذه الظروف".

ومنذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دمرت إسرائيل 5 من أصل 6 جامعات في قطاع غزة كليا أو جزئيا، وقتلت 3 من رؤساء الجامعات، و95 من عمداء وأساتذة الجامعات، حسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی هذه الظروف قطاع غزة من داخل

إقرأ أيضاً:

التغيير والبناء.. معركة الحكومة اليمنية الجديدة

يمانيون../ تبرز أمام الحكومة اليمنية الجديدة مهام جسيمة في هذه الظروف الحساسة التي يمر بها الوطن لعل أهمها التركيز على عملية إعادة البناء وتحقيق تغيير جذري في كل المجالات وبما يلبي الطموحات المنشودة وتحقيق ولو بقدر معقول ومقبول الآمال والتمنيات التي ينشدها المواطنون من هذه الحكومة.
إن أمام الحكومة الجديدة إرث كبير من المهام التي يجب عليها التعامل معها بحكمة وعقلانية، وأن تضع خارطة طريق لمسار عملها وتحديد الأولويات التي يجب الشروع في تناولها وحلها وتحديد مسار عملها بعد تشخيص الواقع وما يجب فعله وتحديد البدايات الحقيقية للشروع في التنفيذ بعد تحديد مكامن الخلل.
لقد خلف العدوان على البلاد طيلة سنوات الحرب كارثة في البنية التحتية بعد أن دمر وقصف العدوان وأجهز على أهم المقومات الاقتصادية الأمر الذي يُلقي بأعباء جسيمة على حكومة التغيير والبناء تتمثل في تحديد الأولويات التي يجب البدء في التعامل معها.
يأتي الجانب الاقتصادي كأولوية ملحة أمام الحكومة كون الاقتصاد يمثل عصب الحياة في أي دولة وبه يحدث التغيير الإيجابي المنشود لأي حكومة كانت إذا تعاملت معه بجدية وحكمة وعقلانية لأنه على صلة مباشرة بحياة المواطنين المعيشية، وهو لبنة النهوض بأسس الدولة التي تنشدها حكومة التغيير؛ لذا فمن الطبيعي أن تولي الاهتمام اللازم لعملية البناء الاقتصادي لتحقيق جملة من المهام تحتمها الظروف الراهنة ومقتضيات المصلحة الوطنية العليا.
وبالنظر إلى التشكيلة الحكومية نرى أنها قد ضمت كفاءات من مختلف مناطق ومحافظات الجمهورية اليمنية وبما يشكل شراكة وطنية حقيقية وبدماء شابة من ذوي الكفاءة والنزاهة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن لترتيب الأوضاع الداخلية ومواجهة العدوان اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتحقيق التغيير والبناء المنشود.

#الحكومة الجديدةً#اليمن#حكومة التغيير والبناء‎#صنعاء

مقالات مشابهة

  • تحديات كبيرة تواجه الدعوة الثلاثية لاستنئاف مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة
  • التغيير والبناء.. معركة الحكومة اليمنية الجديدة
  • بسبب الحرب المستمرة.. تحديات صعبة تواجه المزارعين في غزة
  • آليات وفلسفة درء الكوارث: نحو إستراتيجية وطنية:علمية/عملية / مستدامة لدرء الكوارث
  • الدكتوراه للمستشار العرفي
  • محادثة ترامب وماسك على "إكس" تواجه مشكلات فنية
  • وزير التعليم يصدر أمرين وزاريين بتعيين 998 من الأوائل وحملة الدكتوراه
  • «التعليم العالي»: تذليل الصعوبات التي تواجه طلاب العراق بالجامعات المصرية
  • سرقت محل عملها.. خادمة التجمع تواجه مصيرها خلف القضبان.. تفاصيل
  • الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي يهدد بإنتاج دراسات علمية رديئة أو مسروقة