أطروحات علمية تحت النيران.. غزة تواجه الاحتلال بالروح المعنوية
تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT
كان طالب الدكتوراه في الجامعة الماليزية للعلوم أنس القانوع في زيارة اعتيادية لأسرته بقطاع غزة، لتندلع الحرب، ويفقد القدرة على العودة مجددا إلى ماليزيا، لاستكمال أطروحته للحصول على الدرجة العلمية، لكن ذلك لم يفقده الأمل، واستطاع في ظل ظروف الحصار والحرب المشتعلة استكمال أطروحته، ومناقشتها عن بعد.
لم يذكر القانوع تلك الظروف التي أحاطت بصورته التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يناقش أطروحته للحصول على الدكتوراه من داخل بقايا غرفة منزلة المدمرة، غير أن مشرفه في الجامعة الماليزية للعلوم، البروفيسور ناصر العراقي، تكفل بتوضيحها للجمهور على وسائل التواصل.
وتحدث البروفيسور العراقي عن قيمة ما حققه تلميذه القانوع، والذي نجح في تقديم إنجاز علمي مهم، إضافة إلى ما هو أهم من ذلك، ويتعلق بالرسالة التي أرسلها من داخل غرفة منزله المدمرة، وهو يناقش أطروحته للدكتوراه.
ويوضح العراقي أن أطروحة الدكتوراه لتلميذه كانت تدور حول تصنيع أسلاك الفضة النانوية، وقد نشر منها 3 أبحاث في دوريات ذات تصنيف علمي مرتفع، وقبل أن يصل غزة في زيارته الاعتيادية لأسرته قبل أن تقوم الحرب، حصل عمله البحثي خلال التجهيز للدكتوراه على الجائزة الذهبية في أحد المعارض العالمية.
واستطاع الباحث خلال تلك الأبحاث حل واحدة من أهم مشاكل أسلاك الفضة النانوية، والتي تتمتع بمرونة وشفافية وموصلية عالية للكهرباء تجعلها مفيدة في تطبيقات متنوعة مثل شاشات اللمس، والخلايا الكهروضوئية، والإلكترونيات الضوئية المرنة، غير أن ضعف التصاقها بالركائز المرنة وقابليتها للأكسدة بواسطة الهواء يحد من استخدامها، ما لم يتم علاج تلك المشكلة، وهو ما نجح فيه القانوع.
وبينما تقاتل المقاومة الاحتلال، اعتبر العراقي تتويج جهود تلميذه بالحصول على الدكتوراه عن هذا الإنجاز قتالا من نوع آخر، هدفه رفع الروح المعنوية، والتأكيد على روح التحدي التي يتحلى بها المواطن الفلسطيني، وقال: "أبناء غزة يقاتلون كل من موقعه واختصاصه، وهذا أحد طلابي من باحثي الدكتوراه قاتل في ظروف صعبة من أجل الحصول على الدرجة العلمية، وهو في أرض المعركة".
رد فعل الوسط العلميوتشكلت لجنة المناقشة التي منحت الباحث درجة الدكتوراه عن بعد من أساتذة من ماليزيا والعراق، بينما كان القانوع يجلس في بقايا غرفته المدمرة من قطاع غزة، ليكلل بذلك مجهود 3 سنوات، كان أصعبها في قطاع غزة، عندما أجبرته الحرب على البقاء في القطاع، وحرمته من العودة لماليزيا.
واستقبل مجتمع البحث العلمي خبر منح القانوع درجة الدكتوراه بسعادة بالغة، حيث كشف فواز عبد الرحمن الروابضة، الحاصل على الدكتوراه في المحاسبة من جامعة "سينز" الماليزية، والذي تعرف على القانوع خلال فترة وجوده في ماليزيا، عن جوانب أخرى في مسيرة هذا الباحث الفلسطيني.
قال الروابضة على صفحته بموقع "فيسبوك" "هذا الرجل الطيب الذي التقيته فور وصوله ماليزيا، والذي فقد الكثير والكثير من أهله وأصحابه وأساتذته خلال الحرب لم يتوان للحظة عن حلمه وهدفه، ولم ينس فضل من كانوا معه قبل وبعد هذا الإنجاز".
وتابع "من أرض غزة الصامدة ورغم قساوة الصور، فإنها عظيمة في أعيننا، كبيرة في معناها، ففي كل يوم تقدم لنا غزة درسا في الحياة".
وأضاف مخاطبا القانوع "الحمد لله الذي أبقاك سالما حتى اللحظة، لنشهد إنجازك العظيم بإتمامك مناقشة أطروحة الدكتوراه في فيزياء النانو تكنولوجي".
ووصف خالد حجازي، الباحث في الجامعة الإسلامية بغزة، ما فعله القانوع، بأنه "رسالة صمود من قلب قطاع غزة"، وقال في تعليق كتبه على صفحته بموقع فيسبوك "بمثل أبو مالك (كنية القانوع) غزة لن تموت أبدا بإذن الله، جيل يسلم الراية لجيل آخر".
واهتم الفيزيائي المصري عبد الناصر توفيق، مدير المركز المصري لأبحاث الفيزياء النظرية، بالقيمة العلمية لما توصل له القانوع في أطروحته، مبديا إعجابه بما توصل له من نتائج.
وقال في تصريحات هاتفية لـ"الجزيرة نت" إن ما توصل له ذو صلة بالأبحاث العلمية الحالية وبالتطورات التكنولوجية المستقبلية".
وأضاف في تصريح أنه استخدم طرقا تقنية منها "ترسيب الرش" و "كحول البوليول" و"التردد الراديوي" في إنتاج أسلاك الفضة النانوية من نيتريد الألومنيوم "إيه آي إن" (AlN) ، وذلك باستخدام ركائز مختلفة (الزجاج والورق والبلاستيك)، ومن ثم قام بتحديد دور الركائز المختلفة في تحسين أداء تلك الأسلاك، وهذا عمل له قيمة تطبيقية عالية.
أطروحة الدكتوراه كانت تدور حول تصنيع أسلاك الفضة النانوية، وقد نشر منها 3 أبحاث في دوريات ذات تصنيف علمي مرتفع (الدكتور ناصر العراقي) "القانوع" ليس الحالة الأولى
والقانوع ليس الحالة الأولى لباحثين من غزة يناقشون أطروحات علمية معتبرة تحت نيران الاحتلال الإسرائيلي، إذ سبق وناقش الباحث في جامعة الأزهر بغزة صلاح العايدي أطروحته للحصول على الماجستير من داخل خيمة بمدينة رفح أقامتها الجامعة لمناقشة طلاب الماجستير والدكتوراه.
وكانت رسالة ماجستير العايدي في إدارة الأعمال بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الأزهر، وحملت عنوان "أثر تخطيط التعاقب الوظيفي على الاحتفاظ بالكفاءات.. دراسة ميدانية على بنوك المحافظات الجنوبية- فلسطين".
وقال العايدي بعد حصوله على الدرجة العلمية إنه "يواصل مسيرته التعليمية رغم الفقد والجراح والألم، حيث يبقى الأمل، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة".
ومن داخل الخيمة نفسها التي ناقش فيها العايدي أطروحته، كان طالب الدراسات العليا تامر صلاح أبو موسى من قسم علم النفس بجامعة الأزهر، قد ناقش أطروحته للحصول على الماجستير بعنوان "المناعة النفسية كمتغير وسيط بين الضغوطات النفسية والدافعية للإنجاز لدى المرشدين التربويين بالمحافظات الجنوبية في فلسطين.. دراسة ميدانية".
وكانت أطروحة أبو موسى، هي الأولى التي يتم مناقشتها في هذه الظروف، وقد انهالت التعليقات على موقع "فيسبوك" بعد نشر صورها، ومنها تعليق تقول صاحبته إسراء عبد الحفيظ "هل يستطيع الاحتلال هزيمة شعب يناقش رسالة ماجستير في الخيام؟ بالتأكيد لا، إنهم منتصرون دائما بإذن الله".
إبداع غزاوي لا ينقطع
ويصف الأكاديمي الفلسطيني مازن قُمصية، مدير ومؤسس متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي ومعهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة بجامعة بيت لحم، مشاهد مناقشة باحثين فلسطينيين لأطروحاتهم العلمية في هذه الظروف الصعبة، بأنها "إحدى صور الإبداع الغزاوي الذي لا ينقطع".
وقال قُمصية في تصريحات هاتفية لـ"الجزيرة نت": "شعب أبدع في هذه الظروف وسائل مبتكرة لإنتاج الكهرباء وتنقية المياه وغيرها، فلا عجب أن يناقش أطروحات علمية تحت نيران الاحتلال، فنحن (شعب يحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا) كما يقول الشاعر محمود درويش".
وتابع "كما أن الضغط الشديد يحول الفحم إلى ألماس، فإن الباحثين في قطاع غزة يخرجون أفضل ما عندهم، رغم الضغط والحصار".
وأضاف "أقصى ما تستطيع إسرائيل فعله هو تدمير البنى اِلتحتية، لكنها لن تستطيع تدمير العقول، وستكون غزة على موعد مع النصر، طالما استمرت في مواجهة الاحتلال بهذه الروح المعنوية العالية، التي أعانت أنس القانوع وغيره من الباحثين على استكمال المسيرة في هذه الظروف".
ومنذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دمرت إسرائيل 5 من أصل 6 جامعات في قطاع غزة كليا أو جزئيا، وقتلت 3 من رؤساء الجامعات، و95 من عمداء وأساتذة الجامعات، حسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی هذه الظروف قطاع غزة من داخل
إقرأ أيضاً:
حماس تستنكر العقوبات التي فرضتها أمريكا بحق قادة الحركة
استنكرت حركة "حماس" في بيان أصدرته، العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية بحق عدد من قيادات الحركة.
نتنياهو: حركة حماس لن تحكم قطاع غزة مجددًا وزارة الخزانة الأمريكية تفرض عقوبات على عدد من قادة حماسوبحسب روسيا اليوم، أكدت الحركة في بيان "أن هذه الخطوة تأكيد للسلوك الأمريكي الإجرامي المنحاز للاحتلال الفاشي وجرائمه بحق شعبنا الفلسطيني".
وفي تفاصيل البيان الصادر قالت حماس: "نستنكر في حركة المقاومة الإسلامية البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية والذي يضع عددا من قيادات الحركة ضمن قائمة العقوبات ويَصِمُ مقاومة شعبنا الفلسطيني المشروعة ضد الاحتلال بالإرهاب".
وأضافت أن "قوائم الخزانة الأمريكية تقوم على بيانات وأسس مضللة وكاذبة هدفها تشويه صورة قيادات الحركة التي تعمل لصالح شعبها وقضيتها وحقها في مقاومة الاحتلال، بينما تتجاهل فرض عقوبات على قادة الاحتلال الذين يرتكبون أبشع جرائم الحرب، ويستخدمون الأموال وكل الوسائل لتنفيذ أبشع إبادة جماعية في التاريخ".
وشددت على أن "الإدارة الأمريكية الآفلة لا تزال تصر على مواقفها المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني الواقع تحت أبشع احتلال عرفه التاريخ، وتواصل منح مجرمي الحرب الصهاينة الغطاء اللازم للاستمرار في حرب إبادة وحشية في قطاع غزة، منتهكةً كافة القوانين والشرائع، وتعمل على شل أدوات المنظومة الدولية ومنعها من القيام بواجبها لوقف انتهاكات الاحتلال ومحاسبة مرتكبيها".
واختتمت بيانها بالقول "إنه على الإدارة الأمريكية مراجعة هذه السياسة الإجرامية، ووقف انحيازها الأعمى لكيان الاحتلال الإرهابي، والتخلي عن أوهام إخضاع شعبنا الفلسطيني بالقوة، والاعتراف بحقوقه كافة، ولجم حكومة الإرهاب الصهيونية عن جرائمها وعدوانها وانتهاكاتها الواسعة للقانون الدولي والإنساني".