القدس المحتلة- ما زال يوم 14 يوليو/تموز من كل عام يذكّر الفلسطينيين بواحدة من أهم الهبّات الشعبية التي اندلعت من بوابة المسجد الأقصى ووضعت الاحتلال خلالها بين خيارين أحلاهما مُر: إما الذهاب إلى مواجهة مفتوحة أو التراجع.

اختار الاحتلال التراجع أمام الغضب الجماهيري الذي أشعلته خطوة تركيب بوابات إلكترونية في أبواب الأقصى بذريعة إقدام 3 شبان من مدينة أم الفحم في الداخل الفلسطيني على إطلاق النار على قوة للشرطة الإسرائيلية متمركزة عند باب حطة، أحد أبواب المسجد.

في حديثه للجزيرة نت يستعرض الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص نتائج وتداعيات تلك الهبّة، مبينا أن التجربة كانت ناجحة من حيث تراجع الاحتلال عن المواجهة، وشكلت حافزا على تكرار المواجهة الشعبية 3 مرات بعدها، لكن مقابل هذا النجاح الشعبي حاول الاحتلال تفكيك ما يمكن أن يسمح بتجدده، فشدد الخناق على محيط المسجد بشكل تدريجي وصولا إلى وضعه تحت حصار دائم.

وبعد الهبّة عمل الاحتلال على ضرب القيادات الميدانية التي من شأنها أن تشكل الطليعة ونواة التجمع المركزية لأي تحرك شعبي مشابه عبر الاعتقال الإداري والإبعادات عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة ومدينة القدس بالإجمال، واستهداف النشطاء في أرزاقهم وحياتهم وهدم بيوتهم وسائر معاملات حياتهم ليكونوا عبرة لمن يجرب التحدي، وفق ابحيص.

المقدسيون اعتصموا نحو أسبوعين أمام بوابات الاحتلال ولم يدخلوا الأقصى إلا بعد إزالتها (الجزيرة)

واليوم تمر الذكرى السابعة على اندلاع هبّة باب الأسباط، وفي ظل الحرب يتعقد المشهد في القدس من 3 زوايا وفقا للباحث المقيم في الأردن:

عقدة الثقة: فبعد المواجهات الشعبية المتكررة التي انطلقت من القدس، بل ومن المسجد الأقصى تحديدا، وبعد حربين تخللتهما جولة تصعيد عسكري انطلقت كلها بسبب الأقصى تحديدا أخذت القدس تتحول إلى عقدة ثقة مستحكمة لدى إسرائيل بمختلف المستويات رسميا وشعبيا.

من هنا أخذ العدوان على الأقصى وعلى القدس في العموم يتحول إلى عنوان لإثبات الذات والثقة بالمستقبل، وأخذ العدوان على المسجد تحديدا يدخل مرحلة جديدة بالتحول إلى نقطة إجماع بين المكونات القومية والدينية الإسرائيلية، فلم يعد موضوعا للصهيونية الدينية وحدها، بل بات عنوانا قوميا لاستعراض السيادة والقوة، وهو ما سينذر بتصاعد التحدي فيه وبتجدد أسباب المواجهة التي من شأنها أن تصبح أكثر إلحاحا على بقية المكونات لتلتحق بما قدمته المقاومة في غزة من نموذج.

ودفع هذا التحول الجديد في مكانة القدس شرطة الاحتلال إلى أن ترعى بنفسها اعتداءات تاريخية على الأقصى في المناسبات العبرية التي مرت، سواء في عيد الفصح التوراتي برمضان أو في ذكرى احتلال القدس أو في عيد الأسابيع التوراتي بعدها، إذ سمحت بإدخال أدوات دينية كانت تحرص بنفسها على منعها من قبل، ورعت استعراض العلم الصهيوني والنشيد القومي في الأقصى، وهي الاستعراضات التي كانت تحظرها وتحاربها بنفسها خوفا من ارتداداتها من قبل.

إحكام الحصار: في هذه الزاوية نذكّر بأن المسجد دخل في الشهر السابق لمعركة طوفان الأقصى حالة غير مسبوقة من الحصار بمنع المصلين من دخول البلدة القديمة، ومنع دخول المصلين في صلوات الفجر والظهر والعصر في أيام الأعياد التوراتية، إلى الحد الذي جعل الصلاة تقام فيه بصف غير مكتمل في الجامع القبلي في بعض الصلوات.

ومع بدء معركة طوفان الأقصى استمر الاحتلال في فرض هذا الحصار الذي كان يجري فرضه كتدبير مؤقت لأول مرة، فاستمر حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2024 وأخذ يحاول تثبيت عناصره ماديا من خلال تعزيز نظام الكاميرات والمجسات الحرارية ونصب سياج شائك على السور الشرقي للأقصى ونصب بنية معدنية دائمة لحواجز شرطته على عدد من أبواب الأقصى.

وهذا كله جعل المسجد يقع تحت حصار مستمر لا يمكن الحديث عن انتهائه رغم وصول أعداد كبيرة من المصلين إلى الأقصى خلال العشر الأواخر من رمضان، إذ إن هناك تغييرا دائما حصل على الأرض يمنح الاحتلال سيطرة أكبر على حركة الحشود في محيط الأقصى، ويحد من أعداد الواصلين إليه في كل المناسبات التي مرت حتى الآن منذ بداية الحرب، واليوم لا بد أن يكون واضحا أن الأقصى تحت الحصار، وأن هناك مواجهة ممكنة أسبابها آخذة في التراكم تحت هذا العنوان.

اعتصام المصلين وأداء الصلاة على أبواب المسجد الأقصى خلال هبّة البوابات الإلكترونية عام 2017 (الجزيرة)

 

الترهيب ومصيره: من هذه الزاوية نلاحظ أن الاحتلال لجأ منذ بداية الحرب إلى سياسة تجفيف وإرهاب عابرة للتقسيمات الاستعمارية التي فرضها في الضفة الغربية والقدس وفي الأرض المحتلة عام 1948، وكانت قائمة على حملات مداهمة واعتقال استباقية لكل القادة والناشطين لمنع إمكانية التحرك، وبالتنكيل بالمعتقلين والعدوان عليهم بشكل لم يُشهد من الاحتلال ومن خلال إطلاق يد جنوده على الزناد في مواجهة أي تحرك بالشارع.

هذه السياسة من الإرهاب والبطش آثارها مؤقتة مهما طالت، والتجربة تقول إنها سترتد على الاحتلال بموجات غضب أعنف وأشد، وانطلاقها ليس إلا مسألة وقت، خصوصا أن الأسباب الداعية للمقاومة مستمرة وآخذة بالتصاعد، من عدوان على الأقصى وهدم للبيوت بأرقام تاريخية واستمرار الاستيطان واستهداف التعليم وتجريم الأونروا والتهجير الجماعي للأحياء.

وفي الخلاصة، يؤكد الباحث زياد ابحيص أن هبّة باب الأسباط كانت بما فرضته من انتصار علامة فارقة أطلقت الخيال الفلسطيني والعربي والإسلامي نحو مشهد التحرير والدخول القادم إلى الأقصى، وجاءت معركة طوفان الأقصى لتترجمه إلى فعل عسكري، وأن ما بعدهما من شأنه أن يضاعف التحدي في مواجهة وجودية لا تحتمل أنصاف الحلول.

وأشار إلى أن الإحلال الديني في الأقصى بات عقدة وجود بعد أن كان مشروعا للصهيونية الدينية وحدها، وبات تجسيدا عمليا للتحدي الصهيوني الذي لا يقبل التعايش ولا الاحتواء، ومشروعه تجاه فلسطين بأسرها هو الإزالة الكاملة ولا شيء غيرها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المسجد الأقصى

إقرأ أيضاً:

بذكرى "خراب الهيكل".. تحضيرات لاقتحامات واسعة للأقصى وإجراءات تُنغص حياة المقدسيين

القدس المحتلة - خــاص صفا

مع كل مناسبة أو عيد يهودي، تحاول "جماعات الهيكل" المزعوم استغلالها لأجل فرض سيطرتها على المسجد الأقصى المبارك، وتغيير الواقع القائم فيه، عبر تنفيذ مزيد من الاقتحامات وزيادة أعداد المقتحمين، وإدخال رموز تلمودية يهودية إلى داخل المسجد. 

والثلاثاء المقبل، تستعد الجماعات المتطرفة لتنظيم اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى، وتسجيل رقم قياسي في أعداد المستوطنين المقتحمين خلال ما يُسمى ذكرى "خراب الهيكل".

وبدأت هذه الجماعات بحشد أنصارها وجمهور المستوطنين لأجل تنفيذ الاقتحامات والانتهاكات الاستفزازية ضد الأقصى، وسط إجراءات مشددة بدأت شرطة الاحتلال بفرضها على المقدسيين، ولاسيما حملة الإبعاد عن المسجد المبارك. 

وضمن استعداداتها أيضًا لإحياء هذه الذكرى، دعت الجماعات المتطرفة المستوطنين إلى المشاركة في سلسلة بشرية حول سور القدس المحتلة مساء اليوم الأحد، يُرفع خلالها أعلام الاحتلال. 

وتحل ذكرى "خراب الهيكل" في التاسع من أغسطس حسب التقويم العبري، ويعتبر اليهود هذه الذكرى يوم حزن وحداد على تدمير "هيكل سليمان" على يد البابليين.

وترى الجماعات المتطرفة في هذه الذكرى "يومًا لتجديد العهد مع إزالة الأقصى من الوجود، وتأسيس الهيكل المزعوم، ولتحقيق قفزات عملية في سبيل ذلك، وتسعى خلاله إلى فرض أكبر عدد من المقتحمين في كل عام".

وتأتي هذه الاستعدادات، وسط دعوات فلسطينية لتكثيف شد الرحال للمسجد الأقصى، للتصدي لاقتحامات المستوطنين واستفزازاتهم. 

ودائما تستبق شرطة الاحتلال هذه الذكرى بحملة إبعادات عن الأقصى، تطال عشرات المقدسيين والمصلين والشخصيات المقدسية، في محاولة لإتاحة المجال أمام المستوطنين لاستباحة المسجد. 

كارثة حقيقية

الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول إن "جماعات الهيكل" تُوظف هذه الذكرى في سبيل فرض مزيد من الوقائع على المسجد الأقصى، والانتهاكات والاقتحامات الاستفزازية، وأيضًا فرض روايتها التلمودية المزورة. 

ويوضح أبو دياب في حديث لوكالة "صفا"، أن الجماعات المتطرفة بدأت استعداداتها لتنفيذ اقتحامات واسعة للأقصى، وأداء مزيد من الطقوس والصلوات التلمودية داخله، لإحياء ذكرى "خراب الهيكل"، في محاولة لتغيير الواقع القائم بالمسجد. 

وينبه إلى أن هذه الذكرى تُشكل هذا العام خطورة كبيرة وكارثة حقيقية على المسجد المبارك، كونها تأتي في ظل ظروف عصيبة تختلف عن الأعوام السابقة.

وتتمثل هذه الظروف، وفقًا للباحث أبو دياب، في الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وإنشغال العالم بتسليط الضوء على هذه الحرب، بالإضافة إلى الظروف الإقليمية التي تعيشها المنطقة برمتها. 

ويضيف أن "جماعات الهيكل" وغلاة المتطرفين يخططون لتغيير الوضع التاريخي في المسجد الأقصى، مع وجود وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في حكومة الاحتلال المتطرفة، باعتباره جزء من هذه الجماعات، وأيضًا كسب مزيد من التعاطف من المستوطنين. 

ويؤكد أن هؤلاء المتطرفين يريدون استغلال حرب الإبادة الجماعية على غزة، لأجل إثبات مزيد من السيطرة و"السيادة" على الأقصى. 

"هذا العام سيكون مختلفًا عن الأعوام السابقة، وربما سيشهد فرض وقائع جديدة على المسجد، من خلال فرض مخطط التقسيم الزماني والمكاني، وأداء طقوس وصلوات لم نعهدها من قبل، ومحاولات لإدخال رموز يهودية توراتية إلى داخل المسجد"، يقول أبو دياب.

ويعتقد الباحث المقدسي أن هذا اليوم سيكون صعبًا ووبالًا على الأقصى، وربما الأخطر منذ احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس عام 1967، وذلك بسبب تراخي الوقوف العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية ونصرة الأقصى. 

وتتخلل ذكرى "خراب الهيكل" زيادة في أعداد المقتحمين للأقصى وأداء طقوس وصلوات تلمودية علنية داخله، بحيث يرتدي المستوطنون "لباس الكهنة" أثناء الاقتحام، فضلًا عن "الانبطاح أرضًا، والسجود الملحمي". 

إجراءات ممنهجة

وحول إجراءات الاحتلال، يؤكد أبو دياب أن سلطات الاحتلال ستعمل على تفريغ المسجد الأقصى من الفلسطينيين، عبر منع الوصول إليه وإغلاقه أمام المصلين، ومنع الرباط والتواجد فيه، ناهيك عن حملة إبعادات واسعة نفذتها بحق المقدسيين، طالت خطيب الأقصى الشيخ عكرمة صبري. 
ويشير إلى أن الاحتلال عمل على عسكرة المدينة المقدسة، وفرض قبضته الحديدية عليها، من خلال نصب الحواجز العسكرية والمتاريس الحديدية، كما سيعمل على نشر المزيد من عناصره ووحداته الخاصة في المدينة ومحيط الأقصى والبلدة القديمة. 

ومنذ بدء الحرب على غزة في السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، والاحتلال يُصعد من إجراءاته التعسفية ضد المقدسيين، من خلال الاقتحامات والاعتقالات والإبعادات، وعمليات هدم المنازل، وغيرها. 

ويوضح الباحث المقدسي أن شرطة الاحتلال ستُضيق الخناق على المقدسيين، وتُقيد حركة تنقلهم، وستجبر أصحاب المحال التجارية في البلدة القديمة على إغلاقها، لإتاحة المجال أمام المستوطنين للقيام باستفزازاتهم وانتهاكاتهم في المدينة.

مقالات مشابهة

  • مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يفرض قيودًا على دخول المصلين
  • اقتحام الأقصى.. غضب في القدس وانتهاكات تستفز ملياري مسلم
  • بينهم المتطرف بن غفير.. 2250 مستوطنًا يقتحمون باحات الأقصى
  • بينهم المتطرف بن غفير.. أكثر من 2000 مستوطن يقتحمون باحات الأقصى
  • اقتحام واسع للمسجد الأقصى بمشاركة أكثر من 1900 مستوطن
  • رباط الكرد.. وقف إسلامي في القدس تسعى إسرائيل لتهويده
  • مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى ويؤدون طقوسا تلمودية
  • اقتحام واسع للمسجد الأقصى بمشاركة أكثر من ألف مستوطن
  • عشرات اليهود يدنسون المسجد الأقصى المبارك
  • بذكرى "خراب الهيكل".. تحضيرات لاقتحامات واسعة للأقصى وإجراءات تُنغص حياة المقدسيين