فى شأن المخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع
الذبح الحلال وتحديات الحداثة

بقلم: طلعت محمد الطيب*

تواجه النصوص الشرعية الخاصة بالذبح الحلال أو ما عرف بتذكية الحيوان قبل أكله، تحديات كبيرة وضغوطا هائلة فى عصر العولمة والتعاون التجارى بين الشعوب، لدرجة باتت تهدد مقاصد الإسلام على ضوء المعارف العلمية التى وفرتها الحداثة، في كلما يتعلق بمبدأ الرفق بالحيوان وحماية صحة الإنسان .

وقد كان إنعقاد مجلس الفقه الإسلامى فى مدينة جدة بالعربية السعودية عام 1997م بمثابة إحدى المحاولات للإستجابة لتلك التحديات الماثلة.
يستند الإجماع الفهى الموروث او ما عرف بإجماع جمهور علماء المسلمين فى تعامله مع هذه القضية المهمة، إلى عدد من النصوص أهمها تعريف الفقهاء للذبح الحلال بأنه " قطع الحلقوم والمرىء والودجين" وانه لا يحل للمسلمين " أكل المخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع". والموقوذة هى البهيمة التى أزهقت روحها لضربها بمثقل حجر او هراوة او نحوهما، مع أن ذلك أمر لابد من حدوثه فى المسالخ المنتشرة بالتجمعات الحضرية والمدن الحديثة، حيث يستحيل ذبح العشرات والمئات من الحيوانات فى مدة وجيزة دون أن يسبق ذلك تدويخها بغرض السيطرة عليها. وتدويخ الحيوان قبل ذبحه stunning يعنى ضرب الحيوان على رأسه بمثقل كالهراوة حتى يسقط على الأرض مغشيا عليه، وهو ما قد يدخلنا ضمن محظورات أكل " الموقوذة" التى لا يحل أكلها على المسلمين.
أذكر جيدا أن جامعة الخرطوم كانت ترسلنا بغرض التدريب العملى على صحة اللحوم، إلى سلخانة امدرمان. وقد كنا نفاجأ بمشهد غريب هناك تمثل فى وجود إثنين من العاملين يحمل كل منهما هراوة ضخمة (عتلة) على مدخل المسلخ، ليدخل عليهما الثيران واحدا تلو الآخر. كانت مهمتهما تنحصر فى ضرب الثور على رأسه بالعتلة عدة ضربات حتى يخر المسكين مغشيا عليه ويسبح فى بركة من الدماء، ثم يذبح بعد ذلك. وهذه الطريقة فى التدويخ متخلفة وغير إنسانية كما انها خطيرة فكثيرا ما كان الثور يفيق وهو فى حالة هياج ليشكل تهديدا مباشرا على العاملين بالمسلخ، خاصة إذا كان من ثيران غرب السودان (أمبررو).
لتدويخ الحيوان قبل الذبح فى الولايات المتحدة وكندا وغرب اوروبا ودول أخرى عديدة أصبح إستخدام ما يعرف بالمسدس ذى الإبرة الواقذة penetrating captive bolt شائعا. توضع فوهة المسدس على جبهة الحيوان، أعلى العينين قليلا، وبالضغط على الزناد تخرج قطعة معدنية مدببة تخترق الجمجمة ثم ترتد مرة أخرى داخل المسدس. يتسبب المسدس فى تدمير الدماغ cerebrum بينما يبقى على جذعه brain stem سليما كى يستمر القلب فى الخفقان. يتم بهذه الطريقة تدويخ دائم للحيوان لا يصحو منه أبدا، بينما يستمر القلب ينبض لمدة قد تصل إلى عشر دقائق، وهى مدة كافية للذبح ونزف الحيوان بشكل جيّد دون أن يشعر بأى ألم لأنه يكون فى حالة غياب دائم عن الوعى لا يفيق منه irreversible . من المفيد هنا معرفة أن القلب لا يتوقف عن النبض إلا بعد أن يستنفذ كل الأكسجين المتاح ثم يتوقف بعدها لأن تدمير الدماغ بواسطة المسدس كان قد عطل الرئتين عن العمل.
كان مجلس الفقه الإسلامى المشار إليه فى بداية المقال قد أباح إستخدام المسدس بشكل مبدئى ولكنه للأسف إقتصر فى إباحته هذه، على المسدس ذى الرأس المدببة non penetrating captive bolt وهو لا يحدث إختراق فى الجمجمة لكنه يصيبها بضربة قوية ربما تؤدى إلى تهشيمها، وقد يحدث نزف داخلى فى الدماغ ويرفع من ضغطه والنتيجة حدوث تدويخ مؤقت reversible ، وهى طريقة غير عملية، ولذلك فهى لا تنتشر فى المسالخ الحديثة. ربما تكون الفائدة الوحيدة لهذه الطريقة تتلخص فى الإعتقاد بأنها تمنع خلايا الدماغ من دخول مجرى الدم وتقلل فرص نقل مرض جنون البقرBSE (Bovine Spogiform Ecephalopathy).
يحتاج الفقه الشرعي أيضا لمراجعات شاملة بسبب إصراره على أن الذبح الحلال لا يتحقق إلا بقطع الحلقوم والمرىء والودجين. فالموت السريع للذبيحة لا يحدث بسبب قطع الحلقوم والمرىء كما إعتقد الفقهاء قديما، إنما بسبب قطع الشريان السباتى carotid artery والوريد الوداجى jugular vein وحدوث هبوط حاد فى الدورة الدموية نتيجة لذلك. ضرورة التدويخ تبرز اكثر فى حالة ذبح الثيران والابقار والعجول لأن طبيعة هذه الحيوانات تميل إلى تمدد الاوعية الدموية عند قطعها أوما يعرف بظاهرة إنسداد الشرايين sealing off the artery مما يقود إلى إطالة النزيف وتأخير حدوث غياب الوعى حيث يظل الحيوان واعيا بما حوله وهو ينزف لمدة طويلة نسبيا قد تصل الى دقيقة كاملة.
كذلك اوضح د. جريجورى الباحث بجامعة برستول بالمملكة المتحدة فى بحث نشر فى هذا الشأن، إن قطع الحلقوم يتسبب فى مضاعفة معاناة الحيوان لدخول الدم إلى الرئة والقصبة الهوائية. وقد أوصى بذبح الحيوان بالقرب من الفك، أى على مستوى الفقرة العنقية الاولى cervical 1 لأن هذه الطريقة فى الذبح تضمن قطع العصب الواصل للجهاز التنفسى وبالتالى تغييب الإحساس حينما يتدفق الدم داخل الشعب الهوائية.
الطريقة المتبعة فى ذبح وسلخ الحيوانات فى الغرب تقوم على تجنب قطع المرىء ولا تكتفى بذلك بل يتم ربطه، إضافى إلى ربط اسفل القولون مع المثانة لمنع وصول محتويات المعدة والإمعاء إلى اللحم وتلويثه ببكتريا إى كولاى E.coli 0157:H7 التى تعيش بشكل طبيعى داخل محتويات الإمعاء. وهى بكتريا ضارة جدا بالانسان وتلحق به أضرارا عديدة أهمها الإصابة بالفشل الكلوى. وإى كولاى بكتريا لا تموت إلا فى درجة حرارة أعلى من سبعين درجة مئوية. ولكم ان تتخيلوا خطورة ذلك لأن بعض الناس لا يقوم بطهى اللحوم بشكل جيد وبعضهم يأكلها نيئة (أكل المرارة فى السودان). على كل حال فإن أكل المرارة (أم فتفت) يعتبر من العادات الضارة والشديدة الخطر على صحة الإنسان بسبب بكتيريا إى كولاى.
من المآخذ على مخرجات مجمع الفقه الإسلامى المذكور أنه كان قد أباح إستخدام طريقة التدويخ بالصعق الكهربائى للرأس فقط دون الجسم لتجنب توقف القلب، لأن مفهوم الموت قديما كان يتحدد بتوقف القلب وليس توقف الدماغ. مشكلة الصعق الكهريائى ليشمل الرأس فقط دون بقية الجسم، يؤدى إلى تدويخ مؤقت reversible ولثوانى معدودة يستعيد بعدها الحيوان وعيه. أعتقد أن مخرجات ذلك المجمع الفقهى قد جاءت دون الطموح المطلوب فى التصدى لقضية الذبح الحلال وأصغى لجمهور الفقهاء فى قبورهم أكثر مما يجب، بينما كان المطلوب منه مواجهة تلك النصوص بالشجاعة المطلوبة والمسؤولية التى تتطلبها المرحلة.

* طبيب بيطري بالمعاش موظف بالوكالة الكندية لتفتيش الاغذية سابقا

talaat1706@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذه الطریقة

إقرأ أيضاً:

مصرع صغيرتين اختناقا بالغاز اثناء الاستحمام في البانيو بالمنوفية

لقيت صغيرتين مصرعهما بقرية سمادون التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية، اختناقا إثر تسرب للغاز أثناء استحمامهم، وتحرر عن الواقعة المحضر اللازم.

وكان اللواء محمود الكموني مدير أمن المنوفية قد تلقي إخطارًا من مأمور مركز شرطة أشمون يفيد بمصرع كلًا من "أية.ح.ن.س" وشقيقتها "رودينا"، جراء تسرب الغاز داخل حمام منزلهما أثناء الاستحمام، وقد تحرر عن الواقعة المحضر اللازم وتولت النيابة العامة التحقيقات، والتي بدورها وجهت بعرض الجثامين على الطب الشرعي ولاحقًا صرح بدفنهم.

في ذات السياق، أوضح مصدر مقرب للعائلة أن الطفلتين جرى دفنهما ، وشيعت جنازتهم سويًا إلى مقابر العائلة.

مصرع شخصين وإصابة آخر حادث تصادم  بالمنوفية

كان قد لقي شخصين مصرعهما وأصيب آخر، في حادث تصادم سيارة ملاكي وتوكتوك في طريق بركة السبع مليج بمحافظة المنوفية.

وتلقى اللواء محمود الكموني مدير أمن المنوفية، إخطارا من مأمور مركز شرطة بركة السبع، يفيد ورود بلاغ من الأهالي بوقوع حادث تصادم على طريق بركة السبع شبين الكوم، وعلى الفور انتقلت القوة الأمنية لتحقيق في الحادث وبيان سببه.

تبين من المعاينة أن الحادث وقع بسبب تصادم السيارة الملاكي بالتوكتوك ما أدى إلى اختلال عجلة القيادة في يد السائق وانقلاب السيارة ما أسفر عن وقوع الحادث وكشفت المعاينة أن أحد المتوفين لقي مصرعه في الحال ، كما نتج عن الحادث إصابة المواطن هشام عبد الرحمن أحمد عباس 52 سنة عامل بناء مقيم بقرية الغوري، وتم نقله إلى مستشفى بركة السبع المركز ودخل العناية المركزة ولا يمكن استجوابه.

 


كما نتج عن الحادث مصرع كل من محمد عبد الغني المنسي 52 عامًا بالمعاش، مقيم بقرية ميت فارس، يحيى فرج النحاس عامل ألومينتال مقيم بقرية ميت فارس، وجارٍ اتخاذ جميع الإجراءات القانونية.

حررت القوة الأمنية محضرا بالواقعة، وجارٍ إخطار جهات التحقيق لمباشرة التحقيقات في الحادث، تمهيدًا لإصدار تصاريح بالوفاة وتسليم جثماني المتوفيين إلى ذويهما.

مقالات مشابهة

  • مصرع رجل في بطعنات فى بطنه فى ظروف غامضة بالمنوفية
  • علماء يرجحون اكتشاف سبب صادم للتوحد.. ما هو؟
  • مصرع صغيرتين اختناقا بالغاز اثناء الاستحمام في البانيو بالمنوفية
  • بالأسماء.. مصرع شخصين وإصابة آخر بتصادم توكتوك وملاكي بالمنوفية
  • رئيس بحوث بمعهد صحة الحيوان تفوز بجائزة محيي صبري
  • عجائب الدنيا السبع بأقل من 7 أيام.. مصري يسجّل رقمًا قياسيًا جديدًا
  • دراسة تكشف مفاجأة عن كيفية وقف خرف الشيخوخة
  • نصائح غير تقليدية للحفاظ على صحة الدماغ
  • دراسة: تدريب الأثقال يبطئ التصلب المتعدد
  • جدل بعد ظهور "علم مصر" في حي سكني داخل إسرائيل