قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة - محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، (7- 15)
تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة، الموزع: دار الأجنحة للنشر والتوزيع، الخرطوم..  ناشر الطبعة الثانية: دار بدوي للنشر، كونستانس، ألمانيا، 2022

بقلم بدر موسى
ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000)، جامعة أيوا، الولايات المتحدة
يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم، جامعة أيوا، الولايات المتحدة

bederelddin@yahoo.

com

"والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشِّر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكيَّة".
محمود محمد طه، 1972

التحرير من الخوف هو الطريق لاستئصال العبودية (الرق)

تحت هذا العنوان تناول عبدالله سُبل استئصال العبودية (الرق). وكتب، قائلاً: إن واقع العبودية (الرق)، كما يرى طه وسن، يمثل حرماناً أساسياً، كونه فقداناً للحرية، وفقداناً للحقوق، وفقداناً لاختيار العمل، وهو لا يزال مستمراً في العديد من مناطق العالم. زاد طه على ذلك بأنه أرجع منشأ العبودية والرق إلى الخوف، ذلك لأن الإنسان كسلان بميله. فهو لا يرغب في العمل اليدوي، ويحاول أن يحيله إلى غيره دائماً. وهو إلى ذلك، خائف. ويرجع خوف الإنسان إلى ظروف العنف التي احتوشته، في بيئته الطبيعية التي يعيش فيها، مما دفعه إلى الحرص، وإلى حب الجمع، والادخار، والاستكثار من الطعام والحطام، وإنما من هاهنا نشأ الرق. والرق إنما هو ثمرة لغلبة الأقوياء على الضعاف. ولهذا فإن الرق، عنده، لا يزال واقعاً معاشاً ومستمراً بصورة من الصور. فغلبة الأقوياء على الضعفاء، لا تزال مستمرة، بل ومتوسعة. ولا سبيل لتحرير الإنسان من أشكال الغلبة المختلفة، مثل الرق والعبودية والعنصرية إلا بتحرير الإنسان من الخوف. ذلك لأنه ومع طمأنينة الإنسان على قُوتِه بوفرة الإنتـاج، وحل مشكلة كسله عن القيام بعمله بحوالة العمل على الآلة، فإن الطريق ينفتح على التحرير، وعلى استئصال صور المجتمعات العبودية مهما دقـت، هـذه الصور، ولطفت. ولهذا فإن التحرير من الخوف، الذي هو تحرير من الجهل وتحرير من الفقر، هو الطريق لاستئصال العبودية من حياة الإنسانية.

الدين بمستواه العقيدي يعوق التنمية
الشريعة الإسلامية تعوق التنمية
سمير البرغوثي (كاتب فلسطيني): "الكتاب... يعيد التساؤل: لماذا ننهي حياة عالم مسلم.. بينما لا تتعرض حياة عالم لاديني قدم نفس الطرح وتبنت طرحه الأمم المتحدة؟".

أوضح عبدالله، تحت العنوان أعلاه، بإن الإسلام في مستوى العقيدة، مستوى الرسالة الأولى من الإسلام، كما يرى طه، يعوق التنمية، ولا يعينها. ذلك لأن الإسلام، كما يُبين الأستاذ محمود، في هذا المستوى، لا يساوى بين الرجال والنساء. كما أن الشريعة الإسلامية في هذا المستوى، لا تكون معها تنمية، إذ ليس فيها أو معها ديمقراطية، أو اشتراكية، كونها تقوم على الوصاية، وعلى الرأسمالية الملطفة، الزكاة ذات المقادير. وليس في مستوى الرسالة الأولى من الإسلام، فرصة للحرية، أو الإسماح، وهو مستوى لا يصلح لإنسانية اليوم التي تتوق إلى الحرية. فالمستوى العلمي من الإسلام هو الذي يحقق التنمية، وهو مستوى الرسالة الثانية من الإسلام. وقد فصل عبدالله في ذلك.

إنجاب الفرد الحر مِسبر التنمية

إن إنجاب الفرد الحر حرية مطلقة هو غاية الفهم الجديد للإسلام، وهو الفرد الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لا تكون نتيجة ممارسته لكل أولئك إلا خيراً، وبركة، وبراً بالناس والأحياء والأشياء. ولا يتأتى ذلك، كما يرى طه، إلا بوسيلتين اثنتين: أولاهما وسيلة المجتمع الصالح. فالمجتمع هو وسيلة موسلة لحرية الفرد، وهو من اختراع الفرد، وقد اخترعه ليتوسل به إلى منازل فرديته وذاتيته. والمجتمع الصالح/ العادل هو الذي يقوم على ثلاث مساويات: المساواة الاقتصادية (الاشتراكية). والمساواة السياسية، (الديمقراطية). ثم المساواة الاجتماعية، التي تستهدف محو الطبقات، وإسقاط الفوارق التي تقوم على اللون، أو العقيدة، أو العنصر، أو الجنس، من رجل، وامرأة. فالناس وفقاً لرؤية طه لا يتفاضلون إلا بالعقل، والأخلاق. كما أن المجتمع الصالح، بعد أن يقوم على هذه المساويات الثلاث، يقوم أيضا على رأي عام سمح لا يضيق بأنماط السلوك المختلفة، ولا يحارب مناهج الفكر المتحرر. والوسيلة الثانية هي المنهاج التربوي العلمي الذي يواصل به الفرد مجهوده الفردي ليتم له تحرير مواهبه الطبيعية من الخوف الموروث. ويستوي في إنجاب الفرد الحر، عند طه، الرجل والمرأة، بل على كرامة المرأة تتوقف كرامة الرجال والأطفال، فبدون كرامة المرأة، لا يمكن أن تكون للرجال كرامة، ولا يمكن أن يكون الأطفال كراماً، ومن ثم لا يمكن تحقيق بناء المجتمع الصالح والعادل، أو تحقيق التنمية. فالمرأة، كما يقول: أكبر مظهر للمجتمع الناهض، المُنمَّى، في كمه وكيفه. وهو يرى كما هو الحال عند سن، بأن تقييد فعالية المرأة يضر بالمجتمع وبالناس جميعاً، وأن حرمان المرأة يقيدها ويعيق المجتمع والحياة، كما نادى بالاستقلال الاقتصادي للمرأة. غير أن طه زاد على ذلك، يدعوته إلى إعادة تقييم عمل المرأة في البيت، ضمن التقييم الذي يستحقه، وبالوزن والأجر الذي يتناسب معه. وأرجع السبب في تهميش عمل المرأة وإنتاجها في البيت إلى أثر التفكير الرأسمالي والتجارب الاشتراكية. كان سن قد أشار إلى عمل المرأة في البيت، ووصفه بأنه من نوع العمل الذي يقصم الظهر، غير أن المرأة نادراً ما تلقى تكريماً أو اعترافاً بشأنه، ونادراً ما تؤجر عليه. ومع ذلك لم يُفصّل في طبيعة عمل المرأة في البيت، ولم يقدم أفكاراً أو مقترحات حول تقييم عمل المرأة وإنتاجها في البيت، كما أنه لم يقف عند موقع عمل المرأة في البيت وتقييمه في التفكير الرأسمالي أو التجارب الاشتراكية.
نواصل في الحلقة القادمة.

bederelddin@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المجتمع الصالح من الإسلام من الخوف

إقرأ أيضاً:

أرض المدد!

 

د. سالم بن عبدالله العامري

لطالما عُرِفت بلاد اليمن بأنَّها أرض المدد والدعم والعون لنصرة الدين في أحلك الظروف على مر التاريخ، فكلما ضاق الأمر بالمُسلمين يأتي أهل اليمن ليذودوا عن حياض المسلمين وينفسوا كرباتهم وينتصروا لله وللمسلمين عامة.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن في مواضع عدة دلالة منه على أنها أرض مدد لأهل الإسلام، وفي مواضع أخرى عن فضائل أهل اليمن فمن ذلك: أن أهل اليمن هم أهل الإيمان، والفقه، والحكمة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية"، ويقول في موضع آخر: "إني لَأَجِدُ نفَسَ الرحمن من جهة اليمن"، وأهل اليمن هم من خيار أهل الأرض، ورجالهم خير الرجال، لا تزلزل أقدامهم عند تزلزل أقدام غيرهم. واشتهروا بشدة البأس ومهارة القتال: "قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍۢ وَأُوْلُواْ بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ.."، وهم الذين فُتِحت بأمدادهم الشام والعراق، وبهم ينفس الله الكرب والغمة عن المُسلمين، بكونهم مدد المسلمين وسندهم- بعد الله- عند الشدائد، ولعل ما يؤكد في وصف أهل اليمن بأنهم مدد لأهل الإسلام ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفًا ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم".

أهل اليمن هم جيش الإسلام وجنده البواسل، ركبوا المهالك والأخطار، وأنزلوا بأسهم بالكفار، وفتحوا الأمصار، فقد كانت لهم أيادٍ بيضاء في الفتوحات الإسلامية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد موته في فتوح العراق والشام وبلاد الترك وأفريقية والأندلس حتى وصلوا إلى أبواب فرنسا، وما زالت معالمهم وآثارهم شاهدة على أفعالهم وإنجازاتهم الخالدة في عموم أسبانيا ونواحي أوروبا، واليوم لا يزال أهل اليمن كذلك ترى أفواجهم تهب لنجدة ونصرة أهل الإسلام في كل زمان ومكان، لا يخافون في الله لومة لائم، يذودون عن بلاد المسلمين كل عدو ومرتد، وما هذه الغارات الجوية الأمريكية والصهيونية على اليمن إلا دليل يثبت الخوف الشديد الذي يمثله جند اليمن لليهود وأحلافهم الصليبيين.

هناك في أرض التاريخ، والحضارة ترفرف رايات النصر عاليًا خفاقة، مهيبة في آفاق السماء الرحيب، لتعانق عصر النبوة، وزمن المعجزات. لم تهدأ هتافات النصرة، والعزة، والإباء في كل ميادين وساحات الحرية، والكرامة منذ طوفان الأقصى؛ بل استمرت العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية في البر والبحر وقصف المدن المحتلة في فلسطين التاريخية، واستهداف السفن الإسرائيلية. يُجدّد اليمنيون عهدهم مع فلسطين مؤكدين ثباتهم مع قضيّتهم ومظلوميّتها حتى النصر، ثابتون على موقفهم الشجاع في زمن الخذلان، والصمت، والقهر، معلنين حالة الاستنفار الشامل شعبيًا وعسكريًا حتى يتوقف العدوان ويرفع الحصار عن غزة.

هناك في رحاب بلاد العرب السعيدة تبدو بشائر الخير، ورياح النصر والتمكين قادمة، وها هي الأيّام تمر والصحائف تُطوى، ليتحقّق وعد الله ورسوله في يمن الإيمان؛ حيث نرى الشعب اليمني الأصيل، متسلحًا بإيمانه، ومعتزًا بمبادئه، يواجه إمبراطوريات الشر والكفر التي تكالبت على أهل غزة وعلى شعب اليمن العزيز، يواجه اليمنيون جيوش الشر، والإجرام بثقة البطل المنتصر ويمرغ أنوفهم في التراب، ويُسقط هيبتهم الكاذبة في الوحل. يبرهن اليمنيون بحكمتهم وإيمانهم أن قضية فلسطين التي يستخدم فيها العدو الصهيوني وشركائه القوة والقتل والتنكيل والاستيطان والتهجير ضد الشعب الفلسطيني لا يمكن إحياء روحها واستعادة بريقها ومجدها إلا بالقوة، فالقوة وحدها هي الطريق لاستعادة الحقوق وتحرير الأرض المنهوبة، والأقصى والمقدسات المستباحة من دنس الصهاينة.

وأخيرًا.. لا يحظى بالتشريف والتكريم إلّا من اصطفاه الله بالإيمان والإخلاص والصدق في القول والفعل، هذا التشريف والتكريم الإلهي الذي اختص الله ورسوله به أهل اليمن دون غيرهم هو بمثابة وسام شرف عظيم يؤكد العلاقة المتينة لليمنيين بدينهم وربهم ورسوله وأوليائه الصالحين، الأمر الذي كلفهم بنصرة الحق والدين ومقارعة الظالمين المستكبرين على مر العصور، يقول المولى عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (المائدة: 54).

مقالات مشابهة

  • قراءة في تشكيلة حكومة الحوثيين الجديدة باليمن
  • د. منجي علي بدر يكتب: الصناعة والتنمية المستدامة بمصر
  • أرض المدد!
  • الاعتقال الإداري وسيلة الاحتلال للسيطرة الممنهجة.. قراءة في كتاب
  • شبح الغياب يطارد محمد إمام مجدداً.. ما القصة؟
  • "دور المرأة في تحصين النشء".. ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي بالفيوم 
  • كتاب الماء معجم طبي لغوي ألفه عبدالله بن محمد الأزدي
  • قراءة الحدث
  • المشاط: تنسيق الجهود مع شركاء التنمية لدعم خطط التنمية في مصر
  • سلطنة سنار والمركزية الأوربية ‏قراءة في كتاب “عصر البطولة في سنار”‏