الجمهورية والملكية وهروب النظام الحالي من 14 تموز.. مقارنة الاختلافات والتحفظات للجدل المتجدد
تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT
السومرية نيوز-خاص
جدل سنوي متجدد، كانت آثاره طوال السنوات الماضية محصورة على الأوساط الثقافية والشعبية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، الا انه انسحب هذا العام لأوساط جديدة، لتكون القوى السياسية والبرلمان العراقي والحكومة الحالية طرفًا فيه، فالغاء او عدم تضمين عطلة 14 تموز في قانون العطل الرسمية، عزز النقاش والجدل في هذا اليوم الجدلي والذي لايمكن حسمه، لتساوي نقاط القوة والضعف والحجج والحجج المتقابلة على الطرفين النقيضين في القصة.
في الاطار العام، ستجد في فريق مناصري الجمهورية، الفئات الفقيرة من الشعب وأبناء فلاحي الأمس من المحافظات الجنوبية، وشعراء ومثقفي حقبة مابين ثلاثينات وستينيات القرن الماضي، والحزب الشيوعي ومناصريه.
بالمقابل، وعلى النقيض من مناصري الجمهورية، يبدو أن الملكية بدأت تأخذ بريقها بشكل حديث في العراق، حيث ان مناصريها "على عكس الجمهورية" ليس معظمهم متوارثين لهذه المواقف بل اكتسبوا مواقفهم المناصرة للملكية حديثًا، بعد قراءة للتاريخ ونتائج ماحدث لتغيير النظام من ملكي الى جمهوري، لكن عمومًا من الطبيعي او المتوقع أن يكون مناصرو الملكية هم أبناء واحفاد "الاقطاعيين" من شيوخ العشائر الذين كانت لهم امتيازات في ظل الحكومة الملكية، وكذلك أبناء العائلات السياسية والتجار والبيوتات الغنية المعروفة في بغداد والموصل والبصرة.
يناصر الجمهوريون عبد الكريم قاسم، ويصفون ماحدث في 14 تموز بـ"الثورة" ضد الظلم والفقر وحكم الاقطاعيين، وحكم العائلة المالكة "غير العراقية" التي أتت من الحجاز، والمتمثلة بالملك فيصل الأول نجل شريف مكة، الشريف حسين بن علي الهاشمي ملك الحجاز.
كانت العائلة الهاشمية المالكة، بدايةً، تفكر في صناعة "مملكة عربية" على انقاض انتهاء حكم وسيطرة العثمانيين، غير ان الظروف والبريطانيين لم يسمحا بتحقق حلم الشريف حسين.
وبعيدًا عن ذلك، كان الملك فيصل قد أتى ولم يجد شيئا اسمه العراق، كان عبارة عن الولايات المتناحرة والمتناثرة والتي لايجمعها شيء ولاخارطة، بعد انتهاء حكم العثمانيين على يد الاحتلال البريطاني يتم تأسيس دولة العراق بحدودها وخارطتها وشكلها الحالي لأول مرة عام 1921 على يد الملك فيصل، وانضم العراق الى عصبة الأمم ليكون دولة معترف بها لأول مرة.
يتفق الجميع على ان الملك فيصل كان يخطط لبناء دولة عصرية ومحترمة، بمساعدة البريطانيين، ونقل العديد من التقنيات وأساليب الحكم المتطورة لصناعة "هوية" للعراق الذي لا يجمع ابناءه هوية واحدة، وبعد وفاة الملك فيصل ومجيء ابنه الملك غازي ومن ثم ابن الملك غازي فيصل الثاني، كانت حقبة وتفكير وتوجه وكياسة الملكين الأخيرين تختلف تماما عن الملك فيصل الأول، وخلقت العديد من المعارضين ولاسيما العوائل الفقيرة والفلاحين الذين كانوا بمثابة "العبيد" لدى الاقطاعيين من شيوخ العشائر الذين حصلوا على أراض واسعة من النظام الملكي ليعمل فيها الفقراء من أبناء هذه العشائر مقابل بقاءهم على قيد الحياة بطعام نزير.
في 14 تموز 1958، جاء الانقلاب العسكري على يد عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، اللذان يختلفان أصلا في التوجهات "القومية والفكرية" بين شيوعي، واخر قومي.
كانت حقبة الـ37 عاما في النظام الملكي، تركز على "بناء الدولة" وانشغلت عن بناء الانسان، كانت الموارد المالية "وكما حال جميع الأفكار الرأسمالية"، تنظر نحو ضرورة استثمار العائدات المالية بمشاريع يكون لها عائدات مستقبلية اكبر، وعدم استنزاف الأموال بتوزيعها كرواتب وطعام للمواطنين وبالتالي استنزافها دون عائد.
أدت هذه السياسة التي قد يكون جزء منها صحيح ومنطقي، الى انتاج العديد من الفقراء والمعدومين وصناعة "عبيد الاقطاعيين"، الامر الذي جعل "الانقلاب العسكري"، وتأسيس الجمهورية، حالة خلاص كبيرة لهم وتم تأييد عبد الكريم قاسم بشكل كبير، الذي انتهج نهجا معاكسا للنظام الملكي، حيث اقدم على تأميم النفط، والاستغناء عن الخبرات الأجنبية فيه، وكذلك اقدم على استهلاك الموارد النفطية بـ"اشباع المواطنين" دون استغلالها بانشاء البنى التحتية ربما والتطور والاستثمار بحثا عن عائدات اكبر.
من المؤشرات والمقارنات الأخرى، يستذكر المناصرون للملكية ماحدث من "دماء وقتل وسحل" للعائلة المالكة، كمبرر قوي يجعلهم بالضد من النظام الجمهوري، وكذلك كونه انقلابا عسكريا وليس دستوريا او شعبيًا، غير ان مناصري الجمهورية يبرئون عبد الكريم قاسم من حادثة القتل والسحل وانها ارتكبت من قبل الناس آنذاك وبعض ضباط الجيش.
من الإشكاليات الجدلية الأخرى، تبرز مسألة الزحف من الريف الى المدينة، وامتلاء العاصمة بغداد في بعض المناطق بعادات يمكن وصفها بـ"غير مدنية" بحسب أصحاب هذا الرأي، وتحميل عبد الكريم قاسم مسؤولية توطين عشائر وعوائل وتكتلات بشرية جذورها وطريقة عيشها لاتتناسب مع المدينة، فكل فئة بشرية تكون ملائمة ومعززة في بيئتها.
غير ان التاريخ يذكر، ان الزحف من الريف الى المدينة، كان موجودا خلال حقبة الملكية، فالعديد من الفلاحين وعوائلهم هربوا من الاقطاعيين في الجنوب، وجاؤوا الى بغداد بحثا عن العمل، واستوطنوا في خرائب وعشوائيات في جانبي الكرخ والرصافة، قبل ان يقوم عبد الكريم قاسم ببناء مساكن خاصة شرق القناة لاسكان هذه العوائل والتكتلات البشرية وتخليص العاصمة من مشاهد العشوائيات والخيام.
وبالرغم من كونها خطوة يراها أبناء الفلاحين الهاربين أنها فتحت لهم صفحة حياة جديدة يشعرون بالامتنان لها، الا ان اخرين يتهمون عبد الكريم قاسم بانه حاول "عزل" هذه الفئات خلف القناة ولم يكن متفضلا عليهم او حبها بهم، ووضع حاجزا بينهم وبين إمكانية الانصهار مع العوائل البغدادية او محاولة التمدن والتعرف على الثقافات المختلفة.
ووسط هذه الجدلية، قررت الحكومة العراقية عدم وضع 14 تموز كيوم عطلة في قانون العطل الرسمية، بصفته يوم جدلي، وكذلك الغاء عطلة 3 تشرين الأول وهو انضمام العراق الى عصبة الأمم وهو يوم يمكن ان يحسب "كانجاز للنظام الملكي"، ولعل النظام السياسي الجديد يبحث عن يوم يتعلق به او بحقبة العشرين عاما الماضية لوضعها كيوم وطني، غير ان هناك تحفظات على إمكانية اختيار 9 نيسان وهو يوم سقوط النظام وبذات الوقت يوم احتلال العراق على يد القوات الامريكية.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: عبد الکریم قاسم الملک فیصل غیر ان على ید
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: الاجتهاد المتجدد: ضرورة فقهية لتجسيد المؤتلف الإسلامي الفاعل
لم يكن الفقه الإسلامي يومًا علمًا جامدًا، بل ظل دائم التطور والتفاعل مع الواقع، مستندًا إلى أصول رصينة وقواعد جامعة بين مدارسه المختلفة. وقد كان الاجتهاد، منذ نشأته، الأداة الأساسية لفهم الشريعة وتنزيلها على الوقائع المتغيرة، وهو ما يجعل تجديده اليوم ضرورة لا خيارًا، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، والتي تفرض إعادة النظر في آليات الاجتهاد وأدواته، بما يضمن تفعيل دوره في بناء وحدة فقهية تستوعب التنوع المذهبي، وتؤسس لمؤتلف إسلامي فاعل قادر على تجاوز الإقصاء والتشرذم.
إن انعقاد المؤتمر الدولي الثاني “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” في مكة المكرمة، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين وإشراف معالي الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى، لم يكن مجرد لقاء علمي، بل كان خطوة نحو تأسيس خطاب فقهي جديد يقوم على فكرة “فقه الوحدة في ظل التنوع”، بحيث لا يُنظر إلى تعدد المذاهب بوصفه تهديدًا، بل باعتباره عنصر إثراء، يحتاج فقط إلى ضبط آلياته وتفعيل القواسم المشتركة بين مدارسه. فالتعدد الفقهي لم يكن في يوم من الأيام مصدر تفرقة، بقدر ما كانت المشكلة في سوء إدارة الاختلاف، والتعامل معه بعقلية الصراع لا بمنطق التكامل.
إن الحاجة إلى تجديد الاجتهاد لم تكن يومًا أكثر إلحاحًا مما هي عليه اليوم، حيث لم تعد الأدوات التقليدية قادرة على استيعاب المستجدات المعاصرة، ولم يعد بالإمكان الاكتفاء بإعادة إنتاج اجتهادات سابقة دون النظر في مدى مواءمتها للواقع المتغير. فمع تطور المجتمعات الإسلامية وتداخل المذاهب الفقهية، أضحى لزامًا البحث عن صيغ اجتهادية تستوعب هذا التداخل، وتؤسس لنموذج فقهي قادر على تحقيق المشترك الفقهي دون المساس بخصوصية كل مذهب. وقد كان الإمام الشاطبي، في كتابه “الموافقات”، من أوائل من أشار إلى أن الاجتهاد لا يكون صحيحًا إلا إذا راعى مقاصد الشريعة في رفع الحرج وتحقيق العدل، وهو ما يشكل اليوم أحد الأسس التي ينبغي أن يبنى عليها التجديد الفقهي.
إن الاجتهاد الفقهي، كي يكون وسيلة للحوار لا ميدانًا للصراع، يحتاج إلى إعادة ضبط منهجيته وفق قواعد أصولية جامعة، تمنع الإفراط في التشدد، كما تحول دون الانفلات الفقهي غير المنضبط. ومن هنا، فإن الاستناد إلى القواعد الفقهية المشتركة بين المذاهب، مثل قاعدة “لا يُنكر المختلف فيه، وإنما يُنكر المجمع عليه”، وقاعدة “الاجتهاد لا يُنقض بالاجتهاد”، وقاعدة “المشقة تجلب التيسير”، سيكون عاملاً رئيسيًا في تعزيز التقارب الفقهي، وتحقيق اجتهاد متوازن قادر على الجمع بين النصوص ومتغيرات الواقع. فهذه القواعد ليست مجرد أدوات استنباط، بل هي أطر مرجعية يمكن من خلالها ضبط الاجتهاد، بحيث يكون في خدمة الأمة، لا سببًا لمزيد من الانقسامات داخلها.
إن الحديث عن تجديد الاجتهاد لا يقتصر على تطوير الأدوات المنهجية فحسب، بل يشمل أيضًا آليات تطبيقه، بحيث لا يبقى مجرد اجتهاد فردي، بل يتحول إلى اجتهاد جماعي مؤسسي، يُشرف عليه علماء من مختلف المذاهب الإسلامية، لضمان توافقه مع المصالح العامة للأمة. وقد أثبتت التجربة أن الاجتهادات الجماعية، التي تصدر عن المجامع الفقهية الكبرى، تحظى بقبول أوسع، وتكون أكثر قدرة على تحقيق الاجتهاد التوافقي، مقارنة بالاجتهادات الفردية التي قد تفتقر إلى الرؤية الشمولية. ومن هنا، فإن تفعيل دور المؤسسات الفقهية في إدارة الاختلاف المذهبي سيكون خطوة أساسية نحو تحقيق الاجتهاد المتجدد الذي يجمع ولا يفرق.
إن تجديد الاجتهاد، ليكون أداة فاعلة في تحقيق المؤتلف الإسلامي، يحتاج أيضًا إلى إصلاح مناهج التعليم الديني، بحيث لا تقتصر على تدريس مذهب واحد، بل تتضمن دراسة مقارنة بين المذاهب، تُبرز القواسم المشتركة، وتعزز ثقافة الحوار، بدلًا من التركيز على نقاط الخلاف. كما أن تطوير الخطاب الإسلامي، بحيث يكون أكثر انفتاحًا على التعددية الفقهية، وأقل حدة في معالجة القضايا الخلافية، سيكون عنصرًا أساسيًا في نجاح أي مشروع لتجديد الاجتهاد. فالتجديد ليس مجرد إعادة إنتاج للأحكام الفقهية القديمة، بل هو إعادة هيكلة لمنظومة الفقه الإسلامي، بحيث تكون أكثر قدرة على التعامل مع تحديات العصر، دون أن تفقد ارتباطها بأصول الشريعة وثوابتها.
إن وحدة الأمة الإسلامية لن تتحقق عبر الشعارات، بل تحتاج إلى مشروع اجتهادي متكامل، يُعيد ضبط العلاقة بين المذاهب، ويؤسس لنموذج فقهي يجمع بين الأصالة والتجديد، بحيث يكون الاختلاف مصدر إثراء، لا أداة فرقة. وما لم يتم تفعيل هذا الاجتهاد المتجدد، ستظل النزاعات المذهبية عامل تفكيك، بدلًا من أن تكون وسيلة للتفاعل الحضاري، وهو ما يفرض على العلماء والمؤسسات الفقهية مسؤولية تاريخية في إعادة رسم خارطة الاجتهاد الإسلامي، بحيث يكون في خدمة الوحدة الإسلامية، لا سببًا في تعميق الخلافات داخلها.
إن تحقيق المؤتلف الإسلامي الفاعل يتطلب اجتهادًا واعيًا، لا يُلغي الفروق، لكنه يحسن إدارتها، ولا يُذيب المذاهب، لكنه يعيد ترتيب العلاقة بينها وفق رؤية مقاصدية تحقق المصالح العليا للأمة. وهذا يستدعي تجاوز العقلية الجدلية التي سادت لقرون، نحو عقلية تركيبية توفيقية، ترى في الاجتهاد وسيلة لإيجاد الحلول، لا أداة لإثارة النزاعات. فالمذاهب الإسلامية، رغم تنوعها، تتشارك في أصولها الكبرى، وما يفرقها لا يُقارن بما يجمعها، وهو ما ينبغي أن يكون نقطة الانطلاق في أي مشروع تجديدي يسعى إلى تحقيق وحدة إسلامية قائمة على التعددية، لا على الإقصاء والانغلاق.
إن الاجتهاد المتجدد، إذا ما تم تفعيله وفق رؤية أصولية متينة، سيكون الوسيلة الأكثر فاعلية لتحقيق التقارب الفقهي، وتعزيز الوحدة الإسلامية، بعيدًا عن الإكراه المذهبي، أو التنازل عن الخصوصيات الفقهية المشروعة. فالتقريب الحقيقي لا يكون بطمس الفروقات، بل بإيجاد أرضية علمية مشتركة، تُبنى على قواعد الاجتهاد السليم، وتستند إلى فهم عميق لمقاصد الشريعة، بحيث يكون الفقه وسيلة للتواصل بين المسلمين، لا عاملًا في تفريقهم.