شهدت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تنامي الصحوة الإسلامية في معظم البلدان العربية والإسلامية ومنها إيران.

ووفق وثائق بريطانية تتناول تلك المرحلة فقد لقيت ظاهرة الصحوة الإسلامية اهتماما كبيرا من جانب بريطانيا التي شرعت وزارة خارجيتها في إجراء دراسة شاملة لتأثيرها على المصالح الغربية، وخاصة البريطانية، في المنطقة.



كما كشفت الوثائق أن ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال اقترح حينها على بريطانيا إنشاء "كومنولث إسلامي" لمواجهة تأثير تلك الصحوة وتنامي انتشارها في الشرق الأوسط خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، ونُظر إليها على أنها تهديد لأنظمة الحكم خاصة الملكية في المنطقة.



طرح الملك مشروعه على رئيس وزراء بريطانيا، جيمس كالاهان، في شهر أيلول/ سبتمبر عام 1978 بينما كان العديد من دول الشرق الأوسط يشهد صعود موجة وعي إسلامي، تغذيها تنظيمات إسلامية.

كان الغضب الشعبي، وفي طليعته علماء الدين الشيعة، يتصاعد ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي في إيران. وفي مصر، تنامى نشاط التيار الإسلامي المعارض لمبادرة الرئيس السادات للصلح مع "إسرائيل" بعد حرب عام 1973. وشهدت دول الخليج، وخاصة السعودية، موجة صعود إسلامية مماثلة.

وفي لقاء الملك حسين مع كالاهان في لندن، حازت الأوضاع في إيران على قدر كبير من الاهتمام، في ظل اضطرابات تتصاعد يوميا ضد نظام الشاه الملكي.

ويكشف محضر اللقاء أن كالاهان سأل ضيفه عما يتعين على الغرب فعله لمساعدة الشاه في مواجهة أزمته. وأجاب الملك قائلا إن "أي تعبير عن المساندة للشاه سيكون مساعدا". غير أنه أضاف أن "الفجوة بين النظام الملكي والشعب الإيراني، التي كشفت عنها الاضطرابات الحالية، قائمة منذ فترة طويلة". وأشار إلى أن "العديد من الشخصيات القيادية حول الشاه كانت على دراية بها (الفجوة) غير أنهم لم يحذروا الشاه من العواقب".

وتطرق النقاش عن البعد الديني في الأزمة الداخلية في إيران. وكان رأي الملك حسين هو أن "العناصر الدينية في إيران لا يجب أن تعارض الشاه بل عليها أن تسانده في جهوده لإبعاد خطر الشيوعية". ورأى أن "قوى سياسية معادية تستغل الملالي الإيرانيين". وأضاف أن الشاه أبلغه بأن "كي جي بي"، جهاز الاستخبارات الخارجي والداخلي في الاتحاد السوفييتي السابق "ضالع مباشرة في الاضطرابات" في إيران.

وهنا كشف الملك لرئيس الوزراء البريطاني عن أن مجموعة من الزعماء الدينيين الإيرانيين "اتصلوا به قبل فترة ليطلبوا منه المساعدة في الحصول (من الشاه) على عفو عن آية الله الخميني"، أكبر الزعماء الدينيين المحركين للغضب الشعبي في إيران.

وحسبما قال الملك، فإنه "بذل محاولة، غير أنها لم تنجح".

وتدخل وزير الخارجية البريطاني حينها، الدكتور ديفيد أوين، الذي حضر اللقاء، معلقا بأنه "يصعب على الشاه أن يقدم أي تنازلات للملالي دون أن يخسر دعم الطبقة المتوسطة والجيش".

في هذا السياق، عبر العاهل الأردني عن "القلق" من تأثير الأحداث في إيران على "المعنويات العامة في العالم العربي". ولذا، فإنه طرح مشروعه لإنشاء "كومنولث إسلامي"، على غرار الكومنولث البريطاني.

وعبر عن اعتقاده بأنه "لو كان قد تأسس تعاون أعمق بين كل الدول المسلمة في مرحلة أبكر، لكان ممكنا منع الاضطرابات في إيران".

وتعهد الملك بأن "يتخذ خطوات فعالة للترويج لوحدة عربية بهذه الطريقة (الكومنولث)، ليس فقط بين الدول العربية الشرق أوسطية، لكن بين كل الدول المسلمة". وأبلغ كالاهان بأنه "ناقش مفهومه (بشأن كومنولث إسلامي) مع الشاه"، وبأن السعوديين "يشجعون أيضا أفكارا مشابهة". وتوقع أن تكون سوريا "متعاطفة"، وعبر عن اعتقاده بأنه "يمكنه أيضا أن يكسب التأييد من دول شمال أفريقيا، بما فيها الجزائر".

وفي اللقاء نفسه، قال الشريف عبد الحميد شرف، رئيس وزراء الأردن حينذاك، إن وجود مثل هذا الاتحاد "سوف يسهم في التحديث ويساعد في التغلب على أي معارضة إسلامية". وأضاف أن التحديث "ربما يكون أكثر مقبولية لدى العناصر الدينية في الدول المسلمة لو أن التعامل معه كان على أساس إسلامي أوسع وتحت مظلة نوع ما من اتحاد المسلمين".

تحمس الدكتور أوين لفكرة الملك حسين، وتوقع أنه في حالة تطبيقها، فإنه "يمكن أن يكون لها تأثير يدعم الاستقرار في أنحاء المنطقة".

وفيما يتعلق بتأثيره على الساحة الإسلامية، قال الوزير إن اتحادا إسلاميا يمكن أن يحصل أيضا على مساندة من كل الدول المسلمة في أفريقيا، وقد يمارس تأثيرا تحديثيا على العناصر المتعصبة".

وتدخل كالاهان موجها كلامه للملك واصفا أفكاره بأنها "مثيرة للانتباه ومهمة". وتوقع أن يكون لها، في حالة تطبيقها، تأثير في الصراع بين العرب وإسرائيل.

وقال: "إذا لم تتمكن الدول العربية من تحقيق الوحدة في موقفها تجاه إسرائيل، فربما يكون ممكنا، رغم هذا، أن تصيغ وحدتها على أساس قضايا أوسع"، من الصراع مع "إسرائيل".

وعبر كالاهان عن اعتقاده بضرورة إشراك وزراء خارجية دول المجموعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي الحالي) في النقاش بشأن الأفكار الأردنية.

وافق أوين، مُقترحا أن يدور النقاش الأوروبي في إطار التعاون السياسي بين الدول الأوروبية والعربية. وحرص على التأكيد على أن هذا النقاش لن يحدث "بأي نية للتدخل، بل لأن المجموعة (الأوروبية التي كانت حينها مكونة من تسعة أعضاء) والدول العربية لديهم مصالح مهمة مشتركة".

وانتهى النقاش بشأن فكرة الكومنولث الإسلامي بطلب رئيس الوزراء البريطاني من الملك بأن يُطلع الحكومة البريطانية على جهوده اللاحقة للترويج لمشروعه. ووافق الملك على أن يفعل ذلك.

في الوقت نفسه، طلب السكرتير الشخصي لكالاهان من وزارة الخارجية البريطانية إعداد تقرير لرئيس الوزراء عن مجرى النقاش مع الوزراء الأوروبيين بشأن فكرة الكومنولث الإسلامي.

شروط النجاح غير متوفرة
وبعد شهرين من هذا اللقاء، أُثيرت الفكرة خلال مباحثات بين كالاهان ونظيره الإيطالي جوليو أندريوتي. ووفق محضر اللقاء، فإن أندريوتي عبر عن "اهتمام حثيث بنمو التأثير الإسلامي باعتباره ظاهرة سياسية مهمة".

ورغم هذه الأهمية، لم تتوقع الإدارات المعنية، بما فيها إدارة البحوث والتحليل، في وزارة الخارجية البريطانية نجاحا لفكرة إنشاء كومنولث إسلامي، لأسباب أهمها الخلافات بين الدول المسلمة.

وانتهى التقييم، الذي جاء في تقرير شامل عن "الإحياء الإسلامي" في العالم، أُرسلت نسخة منه إلى مكتب رئيس الحكومة البريطانية ووزراء خارجية المجموعة الأوروبية إلى أن "الانقسامات السياسية بين الدول المسلمة والاختلافات في المصالح الإقليمية والظروف الاقتصادية تتضافر ضد تطوير تضامن إسلامي فعال". وخلص إلى أنه "من غير المرجح أن يحقق الملك حسين قدرا كبيرا من النجاح في فكرته إنشاء كومنولث إسلامي".

وبدا أن الأهم بالنسبة لبريطانيا والدول الغربية كان رصد أي تأثيرات سلبية لظاهرة الإحياء الإسلامي على مصالحهم. فقد انتهت الدراسة البريطانية إلى أن إحياء الوعي الإسلامي "لا يمثل في حد ذاته أي تهديد محدد للمصلحة الغربية في العموم أو مصالح المملكة المتحدة على وجه الخصوص".


إلا أن التقرير نبه إلى أنه "سوف يتعين التعامل مع العالم الإسلامي بعناية هائلة كي يُوضع الإحياء (الإسلامي) والحساسيات، التي يثيرها في مختلف الدول، بعين الاعتبار".

وأوصى بأن الشعور الشعبي العام المتأثر بالإحياء الإسلامي في الدول العربية والإسلامية يستدعي إعادة نظر في سياسات ومواقف بريطانيا من القضايا التي تشغل الناس في تلك الدول، مثل الصراع مع "إسرائيل" وأوضاع الجاليات المسلمة في بريطانيا، حتى لا تقدم لندن على سلوك يستفز الشعور الشعبي المسلم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية بريطانيا الملك حسين بريطانيا الاردن الملك حسين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدول العربیة الملک حسین بین الدول فی إیران إلى أن

إقرأ أيضاً:

بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إيران لعدم مهاجمة إسرائيل

دعا زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا، اليوم الاثنين، إيران وحلفاءها إلى الامتناع عن شن هجمات على إسرائيل.

وفي بيان مشترك صادر عنهم، أكد زعماء البلدان الثلاثة على أن الهجمات الإيرانية ستؤدي إلى تصاعد التوترات وتوسع رقعة الحرب في المنطقة ويعرض فرص التوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين للخطر.

ورحب البيان بعمل الشركاء في قطر ومصر والولايات المتحدة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بغزة.

وأكد البيان على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي فورا، كما دعا للإفراج عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وشدد البيان على أن سكان قطاع غزة في حاجة ماسة إلى إيصال وتوزيع المساعدات بشكل عاجل ودون عوائق.

وفي تطور متصل، كشفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن أمر وزير الدفاع لويد أوستن بإرسال غواصة صواريخ موجهة إلى الشرق الأوسط، وتسريع وصول مجموعة حاملة طائرات هجومية إلى المنطقة.

وجاء ذلك في إطار جهود أميركية لردع إيران وحلفائها وسط تصاعد التوتر الإقليمي.

وفي بيان أصدره السكرتير الصحفي للبنتاغون، اللواء بات رايدر، أكد أوستن التزام الولايات المتحدة باتخاذ "كل خطوة ممكنة" للدفاع عن إسرائيل خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت.

كما أشار أوستن إلى تعزيز الوضع والقدرات العسكرية الأميركية في أنحاء الشرق الأوسط بسبب تصاعد التوترات، حيث تم إصدار أوامر لتسريع انتقال مجموعة حاملة الطائرات "يو.إس.إس.أبراهام لينكولن"، المجهزة بمقاتلات "إف-35 سي"، إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم".

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن البنتاغون عن نشر أصول عسكرية إضافية في الشرق الأوسط تحسبا لردود الفعل المحتملة من إيران ضد إسرائيل، وذلك في ظل التوتر المتزايد بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية والقيادي البارز في حزب الله فؤاد شكر.

رد إيران المرتقب

وفي سياق متصل، أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة بأن إيران تستعد لما وصفته بهجوم واسع النطاق عليها. ووفقا لموقع "أكسيوس" الإخباري، تحدث غالانت مع نظيره الأميركي وأبلغه بأن الاستعدادات العسكرية الإيرانية تشير إلى أن طهران تستعد لهجوم واسع.

ونقل موقع "والا" الإسرائيلي عن مسؤولين إسرائيليين أن التقديرات تفيد بأن إيران قررت شن هجوم مباشر على إسرائيل ردا على اغتيال هنية في طهران، ومن المرجح أن يحدث ذلك في غضون أيام.

ورفعت الاستخبارات العسكرية وسلاح الجو حالة التأهب على ضوء التقديرات بشأن رد إيراني وشيك. وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأيام المقبلة بـ"المصيرية".

كما توقعت بعض المصادر أن الهجمات المحتملة قد تشمل إطلاق صواريخ ومسيرات على أهداف عسكرية وسط إسرائيل. ونقلت التقارير أن النقاش في إيران مستمر، وقد تتغير عملية صنع القرار الإيراني، في ظل اعتقاد الرئيس الإيراني ومستشاريه أن التصعيد الإقليمي لن يخدم مصالح البلاد.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة، أسفرت حتى الآن عن استشهاد وإصابة نحو 132 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 10 آلاف مفقود.

مقالات مشابهة

  • رئيس وزراء بريطانيا لرئيس إيران: الحرب ليست في مصلحة أحد
  • لماذا يعجز القانون الدولي عن وقف مجازر إسرائيل في غزة؟ خبراء القانون يجيبون
  • بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إيران لعدم مهاجمة إسرائيل
  • وزير «الشؤون الدينية» بالسودان: مسابقة الملك عبدالعزيز للقرآن من المسابقات العريقة في العالم الإسلامي
  • وزير الشؤون الدينية بالسودان: مسابقة الملك عبدالعزيز للقرآن من المسابقات العريقة في العالم الإسلامي
  • وزير “الشؤون الدينية” بالسودان: مسابقة الملك عبدالعزيز للقرآن تعد من المسابقات العريقة في العالم الإسلامي
  • بريطانيا وفرنسا وألمانيا تطلب من إيران عدم شن هجمات على إسرائيل
  • القناة 13 الإسرائيلية: فرنسا ضغطت على إيران وحزب الله لعدم الرد وقت إقامة الأولمبياد
  • داعية: "هذا أعظم أمر لتخليد ذكر الإنسان وجعل عداد حسناته لا يتوقف"
  • د. أحمد ابو غنيمة يكتب .. لماذا غاب ممثلو الشعب عن مجلس الأمن القومي ؟!