يواجه الآلاف من منتجي الصمغ العربي في السودان مشقة كبيرة في التعامل مع المحصول الاقتصادي المهم في ظل وقوع غالب مواقع إنتاجه على مرمى معارك طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع لعام ونيف.

وتلقي الحرب المستمرة في السودان بظلال قاتمة على الحرف المهمة التي يعتمد عليها أغلب السودانيين في معاشهم، حيث دمرت مئات المصانع وتعطلت عشرات المشاريع الزراعية، وجرت عمليات نهب واسعة للآليات والمحاصيل الزراعية على يد جماعات منتمية للدعم السريع وهو ما جعل الوكالات والمنظمات الدولية تحذر من شبح مجاعة يهدد البلاد بأكملها.

 أرقام عن إنتاج الصمغ العربي يعد الصمغ العربي من المنتجات الاقتصادية بالغة الأهمية حيث ينتج السودان 80% من إجمالي الإنتاج العالمي. يعمل في هذا القطاع أكثر من 5 ملايين نسمة في 13 ولاية مختلفة. يحتل حزامه في السودان مساحة تبلغ 500 ألف كيلومتر. يُعد الصمغ، أحد الصادرات الزراعية الرئيسية في السودان، ففي عام 2022، بلغت قيمة صادراته نحو 183 مليون دولار، مما وضعه ضمن قائمة أكبر 10 صادرات في البلاد بوجه عام، وفقا لبيانات محدثة.

وصادف اندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل/نيسان 2023 نهاية عمليات حصاد الصمغ والتحضير لعمليات التصدير، ويبدأ موسم "طق الصمغ" -حصاده- في نوفمبر/تشرين الثاني وينتهي منتصف أبريل/نيسان من كل سنة.

ويقوم المنتجون وصغار التجار في هذا التوقيت ببيع ما لديهم من المنتج للوفاء بالتزاماتهم المالية للمصارف التي اقترضوا منها والاستعداد للموسم الصيفي.

خسائر كبيرة لمنتجي الصمغ العربي

ومع تمدد القتال الذي بدأ في العاصمة الخرطوم إلى ولايات كردفان ودارفور، خسر منتجو الصمغ على نحو فادح، وفقا لما قال أبو بكر آدم للجزيرة نت.

السودان ظل يسيطر ولعشرات السنين على ما لا يقل عن 80% من الإنتاج العالمي للصمغ العربي (الجزيرة)

وقال آدم -من غرب كردفان- إن التحديات المستمرة فرضت ارتفاع سعر المحصول بعد أن وصلت الحرب إلى المنطقة وكامل الحزام الممتد شرقا إلى الولايات الشرقية بالسودان.

وأكد آدم أن أكثر من 85% من المنتجين توقفوا عن العمل بعد اندلاع الحرب، وسط ارتفاع نسبة الفشل في جني المحصول نتيجة العمليات العسكرية التي تشهدها العديد من مناطق الصمغ، إضافة إلى المخاطر التي قد يتعرض لها المنتجون في ظل هذه الظروف.

وتحدث آدم عن أن بعض المنتجين يحتفظون ببعض المحصول، ويبيعونه بالخسارة -بحسب قوله- وتحدث عن نهب أطنان من الصمغ في عدة مناطق على يد مجموعات عسكرية لم يحددها.

من جهته، لفت عضو مجلس الصمغ العربي مصطفى السيد الخليل إلى أهمية إنتاج الصمغ العربي بالسودان، مشيرا إلى ما يتمتع به البلاد من ثروة غابية تتمثل في شجرة "الهشاب" التي تنتج الصمغ، وتكاد تكون حصرا بالسودان.

وحسب الخليل، ظلت البلاد تنتج ولعشرات السنين ما لا يقل عن 80% من الإنتاج العالمي، لكن المورد هذا كما يقول للجزيرة نت ظل يتناقص على نحو مخيف ومتسارع منذ فترة سبقت نشوب الحرب.

وقال إن حزام الصمغ تراجع جنوبا وإلى حد التلاشي أحيانا في 13 ولاية، لأسباب متعلقة بالتغير المناخي، لكن يظل دون دور البشر المتمثل في الزراعة والرعي الجائر وتعديات الجهات الأمنية والمحمية والاستهلاك المنزلي للطاقة والبناء وغيرها من وسائل التكسب.

وتحدث الخليل أيضا عن تراجع العمالة وانحصار العمل على النساء والأطفال وكبار السن، بسبب نزوح الشباب لمناطق تنقيب الذهب والمدن حيث لم يعد العمل ملبيا لتطلعاتهم، ويقول "إذا كنا نشهد تناقصا مريعا للمورد والعمالة قبل الحرب فما بالك به بعدها".

تهديدات أمنية وتكلفة أعلى للصمغ العربي

ويقدر عضو مجلس الصمغ الإنتاج قبل الحرب بحوالي 50 ألف طن من صمغ الهشاب، ويؤكد أن الحرب لم توقف الصادر رغم كلفته العالية، حيث ارتفع حافز السائق إلى مئات الألوف من الجنيهات وكذا الترحيل، بينما زادت الرسوم الرسمية من زكاة وغيرها إلى أرقام فلكية يضاف إليها رسوم أخرى فرضها الدعم السريع بواقع مليون جنيه على الشحنة الواحدة (500 دولار).

ويلفت الخليل كذلك إلى زيادة أجور عمال الشحن والتفريغ، مشيرا إلى أن طن صمغ الهشاب حاليا يباع بحوالي 3250 دولارا، في حين كان قبل الحرب يباع بحوالي 2200 دولار، وفقا لمصطفى الخليل.

وبحسب متابعات للجزيرة نت، فإن قوات الدعم السريع تنتشر في 3 من إجمالي 4 طرق رئيسية مؤدية من وإلى مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، وهي واحدة من أهم مناطق إنتاج الصمغ في البلاد.

ويضطر بعض منتجي الصمغ الذين قرروا تصديره إلى دفع ملايين الجنيهات عند الوصول لنقاط تفتيش نصبها عناصر من الدعم السريع، كما يعرض بعض الجنود على المصدرين مرافقة الشحنات وتأمينها نظير مبلغ مالي كبير.

ويمر الجزء الأكبر من الصمغ العربي، حاليا عبر مدينة الأبيض لتصديره من خلال منافذ برية في الحدود مع دولتي تشاد ومصر كما يصل جزء من الصادر إلى بورتسودان على البحر الأحمر شرقا، بعد رحلة طويلة ومكلفة للغاية، كما يقول أحد المصدرين.

أغلب غابات الصمغ العربي تقع في مناطق الاشتباكات في السودان بينما يعاني المنتجون من ظروف قاسية (رويترز) منتجو الصمغ العربي تحت التهديد

وينوه رئيس شعبة مصدري الصمغ العربي أحمد العنان إلى معاناة بالغة يواجهها منتجو الصمغ العربي لا سيما عند نقله من الغابات إلى الأسواق الريفية ومنها إلى المزادات الكبيرة أو البورصة في الأبيض والنهود بولاية شمال كردفان، ثم من تلك الأسواق إلى ميناء الصادر حيث يعمد المنتجون إلى تجنب المناطق التي تنشط فيها الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، ولأجل ذلك يتم قطع مسافات طويلة وبعيدة للغاية تستهلك وقتا أطول من السابق.

ويقول للجزيرة نت "أصبحت البضائع تنقل من الأبيض والنهود عن طريق الدبة في شمال السودان إلى بورتسودان مع تفادي مناطق وُجود الدعم السريع خاصة في طرق الغابات".

ويلفت العنان إلى صعوبة تحديد الكميات المصدرة في ظل الظروف الحالية، لكن جملة ما يتم تصديره سنويا في أحسن الأحوال يتراوح بين 120 إلى 150 ألف طن، مشيرا إلى أن التقديرات تتحدث عن المُصدّر من الصمغ حاليا لا يتجاوز 60% أي ما بين 72 إلى 90 ألف طن.

ويؤكد أن أغلب غابات الصمغ العربي تقع في مناطق الاشتباكات، وأن المنتجين يعانون من ظروف قاسية فضلا عن نزوح بعضهم، لافتا إلى التهديدات الأمنية في الطرق، وبعد الأسواق عن مواقع الإنتاج.

وينفي عنان وجود استثناء للصمغ العربي أو تنسيق الدعم السريع أو الجيش لتمكين المنتجين من نقله للتصدير، وقال إن ما يجري الآن من محاولات هو اجتهاد فردي من المنتجين وصغار التجار وشركات الصادر.

تأثيرات الحرب على الصمغ العربي

يؤكد الخبير الاقتصادي محمد الناير للجزيرة نت تأثر إنتاج الصمغ العربي، بالحرب بصورة أساسية، مشيرا إلى أن السودان يلبي ما بين 75-80% من الطلب العالمي.

وقال إنه خلال الفترة الأخيرة تم تهريب المنتج إلى دول الجوار، مما أثر بشكل كبير على وضع السودان من الإنتاج، ولم يعد يلبي 80% من الطلب العالمي كما كان في السابق.

ويؤكد الناير أن التأثير على الصمغ كان بالغا مع تمدد الصراع إلى مواقع الإنتاج، خاصة أن حزامه يمتد من أقصى غرب السودان إلى أقصى الشرق، ويعيش على هذا الحزام المرتبط بالقطاع ما لا يقل عن 5 ملايين نسمة.

ولم تتجاوز صادرات السودان خلال الأعوام الماضية 50-60 ألف طن، كما يقول الناير بينما تراوحت الإيرادات بين 120-130 مليون دولار.

ويرى الخبير الاقتصادي أن ما يهدد الصمغ العربي هو التهريب، ويقول "في ظل عدم الاستقرار الأمني يتزايد معدل التهريب بصورة كبيرة".

ويضيف أن السلطات السودانية كان عليها اتخاذ قرار جريء بمنع تصدير خام الصمغ والسماح فقط بتصديره مُصنعا خاصة أن السودان لديه الآن مصنعون للبدرة الرزازية التي تدخل في منتجات كثيرة مثل الأدوية والمياه الغازية والحلويات وغيرها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الدعم السریع الصمغ العربی فی السودان للجزیرة نت مشیرا إلى ألف طن

إقرأ أيضاً:

السودان.. "الدعم السريع" يسيطر على مدينة استراتيجية بكردفان

قالت قوات الدعم السريع إنها سيطرت على مدينة النهود إحدى المدن الاستراتيجية في إقليم كردفان والتي تبعد بنحو 210 كيلومتر عن الأبيض عاصمة حاضرة الإقليم.

يأتي هذا فيما تتواصل الاشتباكات العنيفة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور والتي تعتبر آخر معاقل الجيش السوداني والقوة المشتركة المتحالفة معه في الإقليم الذي سيطرت قوات الدعم السريع على معظم أجزائه خلال الاشهر الأولى من اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023.

ومنذ الثلاثاء، تدور معارك طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع حول مدينة النهود التي تقع في إحدى أهم مناطق إنتاج الصمغ العربي والمحاصيل النقدية في البلاد.

وشددت قوات الدعم السريع حصارها صباح الخميس على المدينة من ثلاث اتجاهات، ونفذت هجوما بقوة كبيرة، وقالت إنه أجبر الآلاف من قوات الجيش والمستنفرين على التسليم لها.

 ولم يصدر بعد بيان رسمي من الجيش، لكن قوات الدعم السريع نشرت صورا لمقاتليها من السوق الرئيسي والمقر الإداري الرئيسي في وسط المدينة.

يأتي هذا في وقت استمرت فيه المعارك الضاربة في مدينة الفاشر التي تقول قوات الجيش إنها تمكنت من صد هجوم جديد نفذته قوات الدعم السريع التي تحاول دخول الفرقة السادسة لقيادة الجيش والتي تعتبر أحد المقار الرئيسية في المدينة التي لا تزال في قبضة الجيش.

 وفي سياق متصل، أشارت تقارير إلى قصف مدفعي عنيف استهدف مناطق تقع في محيط القصر الرئاسي في العاصمة الخرطوم، وسط تكثيف للهجمات في عدد من المنشآت الرئيسية في وسط وشمال الخرطوم.

ومع احتدام المعارك في عدد من محاور القتال تتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل مريع، حيث أشارت تقارير إلى استمرار فرار المدنيين إلى مناطق آمنة نسبيا في ظل نقص حاد في مواد الإيواء والاحتياجات الغذائية والطبية.

مقالات مشابهة

  • السودان.. "الدعم السريع" يسيطر على مدينة استراتيجية بكردفان
  • بريطانية تصبح أكبر معمرة بالعالم.. آخر إنسان حي من مطلع القرن الـ20
  • ???? من أشعل الحرب في السودان ؟ الجيش السوداني أم الدعم السريع؟
  • برنامج الأغذية العالمي: الحرب أدخلت السودان في أكبر كارثة جوع
  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • سطح الشمس بصورة أولى غير مسبوقة من أكبر تلسكوب شمسي بالعالم
  • السودان يطالب الصين بتوضيح حول كيفية حصول قوات الدعم السريع على مسيرات صينية
  • الفاشر أكبر شرك دخل فيه الدعم السريع ولو ما لحقوا أنفسهم سيفنوا على أسوارها!
  • السودان.. 20 قتيلًا في قصف لقوات الدعم السريع على مخيم "أبو شوك"
  • السودان.. الدعم السريع يشن قصفا عنيفا على الفاشر