يروون القصة بلا خبرة.. كاغامي يهاجم تقريرا أمميا أدان بلاده
تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT
كيغالي- انتقد الرئيس الرواندي بول كاغامي السبت تقرير خبراء الأمم المتحدة حول الوضع في الكونغو الديمقراطية، وقال إنه كتب من قبل "خبراء يروون القصة بشكل يعكس غياب الخبرة لديهم في هذا الملف".
وأضاف كاغامي في مؤتمر صحفي في العاصمة كيغالي أن هؤلاء الخبراء "يتحدثون عن وجود قوات رواندية في شرق الكونغو ويتغاضون تماما عن وجود قوات المعارضة المسلحة المعروفة باسم القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وعملها بجانب الجيش الكونغولي".
وأشار الرئيس الرواندي إلى أن الحديث عن المشكلة الحالية في شرق الكونغو يجب أن يكون في سياق المشاكل التي تعاني منها الكونغو الديمقراطية وليس بشكل منفصل "فشرق الكونغو جزء لا يتجزأ من جمهورية الكونغو وليست دولة أخرى قائمة بحد ذاتها".
متمردو إم 23 الكونغوليون في كيبومبا بمقاطعة كيفو بالكونغو الديمقراطية (رويترز)وأرجع كاغامي جذور الاضطرابات في شرق الكونغو الديمقراطية إلى العهد الاستعماري، وقال إن الدول المستعمرة قامت بنقل بعض مكونات المجموعات العرقية في أكثر من مكان.
وأضاف "لدينا هنا في رواندا أقارب يعيشون على جوانب أخرى من الحدود، فلماذا لا ترون رواندا أو أوغندا تطلب من بعض هذه المجموعات ترك أرضها ووطنها والتوجه إلى الجانب الآخر، كما هي الحال مع التوتسي الذين يعانون الاضطهاد والملاحقة والقتل والتهجير في وطنهم في جمهورية الكونغو الديمقراطية".
وشدد على أن حكومة الكونغو تقر بأنهم مواطنون لكنها تستمر بدعم جماعات مسلحة لا سيما القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي تتبنى أيديولوجيا التطهير العرقي، متهما كينشاسا بدمج أعداد من هذه المجموعة في الجيش الكونغولي وتقديم الدعم بالمال والسلاح لهم.
وفي مؤتمره الصحفي قال كاغامي إن لدى بلاده معلومات موثقة "عن وجود 20 شخصية على الأقل ممن خططوا ودعموا ونشروا فكر الإبادة في رواندا عام 1994 في الكونغو الديمقراطية، وإنهم يلعبون أدوارا في استدامة فكر الإبادة الذي لا يزال يهدد بمجازر في المنطقة".
التقرير الأمميوكانت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة أصدرت تقريرا في الرابع من يوليو/تموز الحالي حول جمهورية الكونغو الديمقراطية، ركز على جزئيتين الأولى الجانب الميداني العسكري في شرق الكونغو، والجزء الثاني انصب على ثروات شرق الكونغو والمناجم.
لاجئون كونغوليون في مخيم نكاميرا شمال غرب رواندا (الجزيرة)ويتهم التقرير كلا من الجيشين الرواندي والأوغندي بدعم حركة إم 23، وأن الجيش الرواندي "يسيطر على عمليات هذه الحركة، ويقوم بتوجيهها".
وتعليقا على هذا الاتهام قال كاغامي إن "هذه السردية يتم العمل عليها لإعطاء انطباع أن مشكلة شرق الكونغو هي مشكلة سببتها رواندا"، وأضاف أن "تصوير رواندا بوصفها مصدر المتاعب في المنطقة والقارة مسألة لا تحدث صدفة، بل يتم التخطيط لها، لتحويل الجناة الحقيقيين إلى ضحايا" حسب تعبيره.
ودعا كاغامي إلى النظر في الأسباب الحقيقية لنشأة حركة إم 23 عام 2012، ثم عودتها إلى المشهد بعد أكثر من عقد على إلقائها السلاح.
وردا على سؤال للجزيرة نت، قال الرئيس الرواندي إنه أبلغ الأمم المتحدة والولايات المتحدة بأنهم جميعا "أصبحوا جزءًا من المشكلة، وأنهم لا يقتربون من أن يكونوا جزءًا من الحل"، وأضاف "كنا نعتقد أنه يجب علينا جميعا العمل لإيجاد حلول لهذه الأزمة، لكن ما يجري هو أنهم لا يبحثون عن حلول بل باتوا بموقع يفاقم الوضع ويزيد من تعقيداته" على حد قوله.
وفي معرض رده أيضا، قال كاغامي إنه لا يفهم سبب تغاضي تقرير خبراء الأمم المتحدة وبيان الخارجية الأميركية عن الجذور السياسية للصراع في شرق الكونغو الديمقراطية، وأكد "أن صمت الجانبين قد يفسر إما عن أن كل ما تحدثوا عنه غير قائم على أرض الواقع، وإما أنها أزمة غير ذات أهمية لذلك تم التغاضي عن الأمر"، وختم قائلا "يبقى هناك احتمال ثالث، وهو أنهم يريدون التستر على الجذور الرئيسية للأزمة".
وكانت الخارجية الأميركية أصدرت بيانا -بعد 4 أيام من تقرير الأمم المتحدة- قالت فيه إنه يأتي "استجابة لطلبات شركات القطاع الخاص"، وأبدت "قلقا شديدا من تأثير النزاع في شرق الكونغو على التجارة غير المشروعة واستغلال بعض المعادن في تمويل النزاعات، وتصدير بعض التجار كميات من المعادن في بعض الأحيان بدعم من جماعات مسلحة".
جذور الأزمةوتتهم رواندا الحكومة الكونغولية بإيواء بقايا مجموعات مسلحة متورطة بالإبادة الجماعية ضد التوتسي التي شهدتها البلاد عام 1994 وأدت إلى مقتل قرابة مليون رواندي.
منظر عام للعاصمة كمبالا في أوغندا (رويترز)ويقول كيغالي إن ما تبقى من الجيش آنذاك، انسحب داخل الأراضي الكونغولية مع سلاحه الثقيل، وانبثقت عنه ما باتت تعرف بالقوات الديمقراطية لتحرير رواندا، التي تقول رواندا إنها تتلقى دعما بالمال والسلاح والتدريب من قبل جمهورية الكونغو الديمقراطية، ودول أخرى لم يسمها كاغامي.
ويوجه التقرير الأممي أيضا اتهاما لأوغندا بتقديم الدعم لحركة الـ23 من مارس، حيث قال إن "الجيش الأوغندي قدم الدعم للحركة، ومنذ تجدد أزمة الحركة لم تمنع أوغندا وجود قوات الحركة على أراضيها أو المرور عبرها".
وسارعت أوغندا لنفي الاتهامات، حيث قال ديو أكيكي نائب المتحدث باسم القوات المسلحة الأوغندية لوكالة رويترز "إن مثل هذه الاتهامات كاذبة، لا سميا عندما تكون علاقتنا مع قوات الحكومة الكونغولية في أفضل حالاتها"، وأضاف "سيكون من الجنون بالنسبة لنا أن نزعزع الاستقرار، إننا نضحي بكل شيء من أجل استقرارها [الكونغو الديمقراطية]".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الکونغو الدیمقراطیة جمهوریة الکونغو فی شرق الکونغو الأمم المتحدة
إقرأ أيضاً:
الأدب يهزم القُبح.. ويبقى ذاكرة للحروب (2)
الصادق أحمد عبيدة / باريس
———————————-
تحت هذا العنوان تناولتُ في الأيام الماضية فوز الكاتب كمال داؤود بجائزة (الغونكور) الأدبية الفرنسية كأول كاتب جزائري يفوز بها، عن روايته "الحوريات" التي إستدعى فيها فظائع الحرب الأهلية في الجزائر.
هيمنت ثيمة الحروب وقبحها على المشهد الأدبي كأروع ما كُتِب هذا العام! ووصلت رواية "جَاكَراندا" Jacaranda للكاتب الرواندي الفرنسي Gaël FAYE غاييل فآي إلى القائمة القصيرة (للغونكور) منافِسةً "لحوريات" داؤود. ثم تُوِّجت بعد ذلك رواية "جاكَراندا" بجائزة (رونودو) Renaudot التي لا تقل ألَقاً ولا بريقاً من سابقتها. وقد إستدعى فيها الكاتب واحدةً من أقبح حروب القرن.. وهي مذبحة التوتسي في رواندا في 1994.
• فاي :
ولد غاييل فاي عام 1982 في بوجومبورا عاصمة بورندي حيث نزحت والدته من رواندا عقب حملة التطهير العرقي الأولى ضد قبيلتها التوتسي، ووالده فرنسي الجنسية.
عندما إندلعت الحرب الأهلية في بورندي في عام 1993، وتصاعدت وتيرة المذابح ضد قبيلة التوتسي في رواندا عام 1994، كان الصبي غايبل آنئذٍ في الثالثة عشر من عمره. فتم تسجيل إسمه في قائمة الفرنسيين المرشحين إلى الإجلاء إلى فرنسا فراراً من الحرب. وصل الصبي إلى فرنسا ومعه أخته الصغيرة ، وتم إيداعهما، بواسطة مؤسسة رعاية الطفولة، في كَنف أسرةٍ حاضنة إلى أن التأم شملهما مع والدتهما التي إستقرت بهما في ضاحية فيرساي Versailles، حيث عاش الجزء الثاني من شبابه ، ودرس المرحلة الثانوية. ساعدته موهبته وإهتمامه بالموسيقى على تخطي آلام الغربة وفَقْد الأحبة ومرتع الصِبا.
واصل تعليمه العالي حتى نال درجة الماجستير في دراسات التأمين في المدرسة الوطنية للتأمينات. وعمل بعد ذلك في كبرى الشركات في لندن، ثم إستقال من منصبه ليتفرغ للكتابة والتأليف الموسيقي.
أصدر في العام 2016، روايته الأولى Petit Pays "بلدٌ صغير" إستدعى فيها أحداث الحرب الأهلية في رواندا، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي صدر في 2020 بنفس الإسم، و قد ساهم هو في كتابة سيناريو الفيلم..يمكن مشاهدة الفيلم الآن عبر منصة النيتفيليكس.
• جاكَراندا :
تتناول الرواية، الصادرة عن دار "غراسيه"، قصة حياة الصبي "ميلان" وهو فرنسي من جهة الأب، رواندي من جهة الأم، نشأ في مدينة فيرساي ، يكتشف عبر التلفزيون مأساة التطهير العرقي في رواندا عام 1994، وتهيمن على عقله قصص ذلك البلد الصغير، وتلِحُ عليه
الأسئلة، ويقرر البحث عن حقيقة ماجرى لأسرة والدته هناك..لكن أمه التي تنتمي إلى قبيلة التوتسي ، كانت تتهرب طوال سنوات من الإجابة على هذا السؤال إذ أنها دفنت تلك الأحداث في أعماقٍ سحيقةٍ من سراديبِ الذاكرة ، و كغيرها من ضحايا الحروب، ضربت علي نفسها جداراً سميكاً من الصمت .
وخلال 25 عام قام ميلان بالبحث عن ما جرى ، وذلك من خلال رحلاته المتعددة إلى رواندا وإستنطاقه للشجر، والحجر، والطير، حتى الأموات وما تبقى من الأحياء المكفنين بالصمت..
أراد الكاتب من خلال رواية الجاكراندا أن يحكي لهذا الجيل قصة هذا (البلد الصغير) الذي عاش أسوأ الظروف ، وأبشع الفظائع، ومع ذلك استطاع أن يحقق التصالح والوحدة، وينهض من رماده، ويتكاتف أبناؤه ليصبح بعد ثلاثين عاماً بالتمام والكمال (1994-2024) واحداً من أكثر الدول الحديثة إزدهاراً وتقدماً..
إذن هي قصة نهضة رواندا وإزدهارها خلال ربع القرن الذي مضى حيث بلغت نسبة النمو فيها أكثر من 7 في المائة .
وقد فسر الكاتب إختياره لإسم شجرة (جاكراندا) عنوانا لروايته، بأنها الكلمة الفرنسية المحببة لنفسه، ولأنها الشجرة التي تحمل كثيراً من الأسرار وترمز إلى رواندا التي تحمل سر البقاء ، حيث تمر السنوات ولكنها تبقى شاهدة على كل ما مرت به من أحداث .
- الحروب :
وهكذا، مرة أخرى ، في عالم اليوم الذي انطمست فيه الحدود الفاصلة ما بين الحروب الإفتراضية عبر لعبة البليستيشن، والدمار الحقيقي الذي نعيشه أصبح التعايش مع القبح روتيناً يومياً أو كاد.. وهنا تأتي عبقرية الأدب الذي يقبض على هذه اللحظات الهاربة مع الزمن ليبقيها ذاكرةً "إبداعية" للأجيال.
elsadiq007@gmail.com