قراءة نقدية في «أهزوجة المكان»
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
قراءة نقدية في «أهزوجة المكان»
إبراهيم عابدين
“أهزوجة المكان” واحدة من المجموعات القصصية للروائية والقاصة بثينة خضر مكي الصادرة عن دار سدرة للطباعة والنشر في طبعتها الأولى في العام ٢٠٠١.
قصص المجموعة الإحدى عشر تتفاوت مابين الأقصوصة مثل قصة “انتقام” وقصة “عسل وملح” والقصة القصيرة كما في بقية قصص المجموعة.
أصدرت القاصة والروائية بثينة خضر مكي قبل هذه المجموعة، أكثر من مجموعة قصصية منها “النخلة والمغني” 1993 ، “أشباح المدن 1994، ” أطياف الحزن ” 1996، كما أصدرت روايات “أغنية النار” 1998، “صهيل النهر ” 2000، “حجول من شوك ” 2005، ” بوابات الرحيل ” 2018 ، وأخيرا رواية “حصار الأمكنة ” 2019.
جذبني” تركيز اللغة”في أقصوصة ” انتقام ” فكأن كل كلمة أو عبارة محسوبة بمقياس، ومحدودة بحجم التأثير الذي ستتركه عند القارئ.
وفي هذا تأكيد لقدرة وملكة تستحق الانتباه والإعجاب أيضا. تأمل معي :- (قال لها: لك لون المانجو، ولحديثك طعمه.
حولت ذرات الحلبة وحبوب “الترمس” إلى مساحيق ناعمة، ثم خلطتها بعجائن أخرى. وطفقت تدلك بها وجهها وجسدها يوميا فيزداد رواء لونها، الذي هو بلون حبات المانجو الناضجة.
أكثر هو من هداياه لهاثيابا وملابسا، وقلائد ذهبية، وأسورة، كلها بلون المانجو ومشتقات لونه البهي.
وتزوجته.. إهمالا لفارق السن بينهما. وكيدا، في شعورها بالغثيان، عندما تتأمل صلعته الملساء، كرشه الضخم، المتدلي، وانتقاما من زوجته.. التي كانت معلمتها في المرحلة الثانوية وطردتها من الفصل وحرمتها من حضور حصتها اسبوعا كاملا لإهمالها وسوء سلوكها’ وبالانتباه والإعجاب نفسه تدهشك قصة “أهزوجة المكان” باستهلالها اللافت:
“الواجهات السحرية تشرع أبوابها في صرير متناغم مثل تراتيل اهزوجة طقسية يردد ترنيمتها البحر ، ويتعلق لحنها فوق الرمال الناعمة واكوام الحجارة المتكدسة قرب وفوق المباني التي كانت قصورا شاهقة ذات زمان”. إننا ندخل مكان ذات رهبة وسحر – ترى في اي مكان تقع هذه القصور التي كانت شاهقة ثم صارت اطلالا؟؟!! ويمضي الاستهلال في وصف المكان “في إنكسارات الشقوق في الصخور الصامدة، الواقفة ضد لفح الشمس ينحشر مصفرا باهتا ،شعاع الأصيل الغارب المهزوم ، تتسرب حشرات هائمة يتعذر تصنيفها فيما إذا كانت برية او بحرية، بعضها يقفز وبعضها يسحب بعضا منه في حركات بطيئة خاملة”.
هل في مثل هذا المكان وجود لإنس؟
“وقف وحيدا ، قصير القامة ، لون سماره فاتح في قتامة آنية النحاس القديمة . غرس سيقانه الحافية الإقدام في الأرض، في قوة . وضع امامه طاولة عليها جوال مقطوع من الخيش وقد تراصت من فوقه أكوام من الودع والصدف ومجموعات من المحارات البحرية ، بعضها مصنوع على هيئة سلاسل ومفاتيح او طفايات سجائر وبعضها كما هو ..بهيئته البحرية الطبيعيةغير ان ما بجوفه قد أفرغ.
عيناه عسليتان لونهما بني غامق يحتشد في نظراته غموض المكان
صامت قليل الكلام وإن فعل ، وتحدث إليك بصوته رقيق منخفض .بينما صوته ينسدل في غموض ،يسترسل في تواتر ، ينزلق فوقك كمحلول العسل الذي يسيل وهجا من عينيه المنغمستين في عمق عينيك .كان إسمه أوهاج .”.. هنا البحر .وهنا رجل . وهنا امرأة…”وقفت تتأمله وكأنه عينة بحث إجتماعي وهي تتظاهر بتقليب المحارات أمامها. كانت تعاين أظافره القصيرة المتسخة، وعندما رفع اليها حبات الودع بانت التشققات في أصابعه وبعض الفقاقيع البيضاء الصغيرة على باطن كفة يده اليمنى، لاحظت أيضا وجود ندبة كبيرة وكأنها قطع جرح قديم .إلتقت حبات الودع من كفه باصلبعها وكأنها تخشى على نفسها عدوى مرض جلدي . بينما هو يحاول ترتيب أشياءه أمامها كانت هي ترمقه من طرف خفي.. شعر رأسه الناعم اللزج.. منخاره العربي الأشم.. جبينه.. لكنه فجأة اخترقها بنظراته العسلية الوهج فارتبكت”.
ثم كان الجدل بين الرجل والمرأة:
“- انتي ضيفة على البلد.
نعم .. جئت مع الخواجات.. بعثة علمية للدراسة.
قال مبهورا:
– شغالة مع الأمريكان.
هم انجليز.. وليسوا أمريكان.
ثم أردف بعد برهة صمت كان فيها يعيد ترتيب المحارات الصغيرة بجانب الودع الأبيض.
– هل صحيح أنهم سيبنون مدينة جديدة مكان سواكن القديمة ..؟
ابتسمت له وهي تقول:
– هؤلاء يريدون دراسة الناس وقبائلهم وطرق معيشتهم.
هل سيقدمون لهم مساعدات.. ام أن الامر مجرد تسلية؟
ترددت قليلا ثم قالت في محاولة لكسبه:
– بالتأكيد. الدراسات التي سيقومون بها عن المدينة والسكان سيرفعونها لحكوماتهم التي ستقدم معونات لعمل مدارس ومراكز صحية.
ابتسم لها وهو يهز رأسه. بادلته ابتسامته وهي تحسب الودعات فجأة ارتفع صوت حاد.
سافية..سافية ..اين انت.. كم بليز.
تركت الودع بسرعة ورفعت صوتها تنادي.
– أوكي.. أوكي.
ابتسمت إليه وهو يتابعها مبهورا وخفضت صوتها:
.سأعود إليك مرة أخرى إن شاء الله.
إذا نحن هنا قرب سواكن..الآن تفصح القصة عن (سرها)..
“أسرعت نحو المخيم الذي أقيم للبعثة قرب الاستراحة الحكومية. رفعت التنورة الطويلة حتى تستطيع الإسراع بخطواتها أكثر. ثم التفتت للخلف حتى تتبين موقع البائع قبل أن تختفي في المنحنى الصخري.
رفعت يدها لتلوح له. لكنها وقفت في ذهول وقد تصلبت يدها مرفوعة في الهواء.. لم يكن هناك أثر له ولا لطاولته.
لا يمكن أن يكون قد جمع كل تلك الأشياء واخذ معه الطاولة واختفى في هذه البرهة الوجيزة. كلها ثوان منذ أن تركته واقفا صلدا. يبتسم لها في غموض.. تلفتت حولها في دهشة وهي تنزل يدها الممدودة في الهواء وتتمتم في خوف. بسم الله الرحمن الرحيم.. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
هل كان من تحدثت إليه جان.. تشبه في صورة إنسان ؟! لكنه قال لها: إن شاء الله. لعله من الجن المسلم. جو غريب كان يحيط بشكله وغموض عينيه.. وصوته.. يا الله.
أطلقت ساقيها للريح وأسرعت تعدو بأنفاس لاهثة تجاه المخيم وهي تضغط على حقيبة يدها التي تحتوي على المصحف وكتاب أدعية ” الحصن الحصين ” على صدرها بقوة. وين كنتي؟! الخواجات سألوا عليك مرتين. والله يا خالتي علوية مشيت مكان قريب من هنا..لكن..لكن!!
تلهث.. يرتجف جسدها.
لكن شنو؟.. بسم الله الرحمن الرحيم. انا ما قلت ليك ما تحومي في الخرابات دي وحدك.
شفت راجل ببيع الودع، واتكلمت معاه.. وبعدين ..
وبعدين اختفى!!
خبطت صدرها بيدها وهي تقول في جزع.
بسم الله الرحمن الرحيم.. بسم الله الرحمن الرحيم.. احفظنا يا صاحب الكلمات بآياتك التامات.
هل فعلا سواكن وما حولها مسكونة بالجن فعلا؟!
هل هي (سواجن) التي جمع فيها سليمان الجن وحبسه في ذلك المكان؟؟
“يرتفع النداء..
– سافية.. سافية. أوكي.. أوكي.
تسرع صفية إلى الداخل بينما صوت علوية المشرفة على شؤون الطبخ والنظافة يلاحقها. انا ما عارفة الجابنا للبلد المسكونة بالجن دي شنو؟ دراسة شنو ومسخرة شنو.. مش اسمهم اولاد جون؟! يمكن جون دا بالانجليزي. معناه الجان؟!
تنفجر صفية ضاحكة وهي تحاول عبثا، السيطرة على نفسها، بينما تتأهب للدخول على اولاد جون لترجمة اوراق تقرير البحث الإجتماعي.”..
يقول شيخي وقطبي سيدى الطيب صالح:
“لن تعطيك النصوص كامل اسرارها إن لم تقاربها وتقرأها بمحبة”..
وأهزوجة المكان
نص يستحق القراءة بمحبة.
الوسومالسرد السوداني القصة القصيرة بثينة خضر مكي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: القصة القصيرة بسم الله الرحمن الرحیم
إقرأ أيضاً:
"نقابة الصحفيين الفلسطينيين" توزع مكافآت نقدية على عدد من الصحفيات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
وزعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، مكافآت مالية على عدد من الصحفيات "فري لانسر"، في مقر مركز التضامن الإعلامي بدير البلح.
وذلك بمشاركة أعضاء الأمانة العامة والمجلس الإداري وأعضاء لجنة طوارئ النقابة بالمحافظة الوسطى، وممثلين عن جمعية فلسطين الخيرية للإعمار والتنمية.
وقال عاهد فروانة أمين سر النقابة في بيان تلقته “البوابة نيوز”: إن مبادرة دعم الصحفيات الفلسطينيات، شملت توفير مكافآت مالية لخمسين صحفية "فري لانسر" كمرحلة أولى، بالتعاون مع جمعية فلسطين الخيرية.
وأضاف: نتوجه بالشكر لجمعية فلسطين على مبادرتها الكريمة لدعم الصحفيات، والتي تأتي في إطار تقدير الجمعية لجهد وعمل الصحفيين الفلسطينيين.
بدوره أشاد عبد الله الجدي المدير التنفيذي للجمعية بتضحيات الصحفيين الفلسطينيين ودورهم في نقل الحقيقة، وفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح أن هذا التعاون مع نقابة الصحفيين الفلسطينيين لن يكون الأخير، وأن برامج أخرى سيتم تنفيذها مع النقابة بالفترة القادمة.
من جانبهن الصحفيات المستفيدات من المكافآت وجهن شكرهن لجمعية فلسطين الخيرية، ولنقابة الصحفيين البيت الوطني الجامع للكل الصحفي، وأضفن أن مثل هذه المبادرات تساعد الصحفيات على تجاوز الظروف الصعبة والمعقدة التي فرضتها آلة الحرب.