استعرض التقرير الصحي السنوي 2023 الذي أصدرته وزارة الصحة مؤخرا أبرز المؤشرات الصحية في سلطنة عمان وإحصائيات القوى العاملة الصحية والرعاية الصحية ومؤشرات الوفاة، وأظهر أن القوى البشرية الصحية تجاوز عددها 69.5 ألف، منهم 36631 عمانيا، بنسبة تعمين بلغت 53% ، كما تحسنت المؤشرات الحيوية لعام 2023، نتيجة توزيع المؤسسات الصحية والخدمات المقدمة على المستوى الوطني وانخفاض معدل وفيات الأطفال الرضع والأطفال الأقل من خمس سنوات، وارتفاع معدل العمر المتوقع ليكون 78.

3 سنة. وتضمن التقرير حديثا لمعالي الدكتور هلال بن علي السبتي وزير الصحة الذي أكد على عمل الوزارة بالتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة في تطوير النظام الصحي وتكاملية الخدمات والشراء الموحد للأدوية ومراجعة السياسات والاستراتيجيات الصحية ما سيسهم في توفير خدمات صحية فضلى وبمصروفات أقل، كما يسهل هذا الأمر في تعزيز الشراكة بين القطاعين الصحي الحكومي والخاص.

وأضاف معاليه: تشهد سلطنة عمان نهضة تنموية شاملة في المجالات والقطاعات ، وأهم مكونات هذه النهضة القطاع الصحي المواكب للنظم الصحية العالمية المتطورة بنموه وتسارعه وتطوره، وما زالت الوزارة مستمرة في تحقيق رؤيتها الوطنية التي تتلخص في مجتمع يتمتع بعناية راقية وصحة مستدامة، وضمان توفير رعاية صحية شاملة ومتكاملة وقائية وعلاجية وتأهيلية وتعزيزية بما يتماشى مع السياسة الصحية بتوفير الخدمات الصحية للمواطن والمقيم في ولايات ومحافظات سلطنة عمان .

وأوضح معاليه أن القوى البشرية تعد عصب الأساس لأي نظام صحي في العالم، ما يجعل اهتمامنا لا ينصب على توظيف القوى العاملة فقط، بل تنمية هذه الطواقم في تخصصات تواكب تطور الخدمات الصحية إقليميا وعالميا، ففي وزارة الصحة ارتفعت أعداد الأطباء والصيادلة والممرضين في نهاية عام 2023م إلى 6117 طبيبا و876 صيدلانيا وقرابة 16 ألف ممرض، ليصل إجمالي القوى العاملة إلى أكثر من 39.5 ألف موظف بنسبة تعمين 71%.

وابتعثت الوزارة عددا من الموظفين خارج سلطنة عمان لتنمية الطواقم الطبية والطبية المساعدة والفنية الأخرى، إضافة إلى الحلقات العلمية والعملية والدورات التدريبية الأخرى، ففي عام 2023م بلغ عدد العاملين الذين ما زالوا قيد الدراسة 47 موظفا يدرسون تخصصات طبية مساعدة وفنية أخرى، و75 طبيبا في دراسة طبية متخصصة، بالإضافة إلى ذلك، فإن المجلس العماني للاختصاصات الطبية يبتعث سنويا عددا من الأطباء، وتشير إحصائيات عام 2023م أن المجلس يشرف على 613 طبيبا في تخصصات طبية تخصصية.

وأشار معاليه إلى أن العمل الدؤوب الذي يقدمه العاملون الصحيون من خدمات صحية راقية مع مراعاتهم قيم الجودة وعدم التمييز والعدالة والشفافية والشراكة لهو محل اهتمام وتقدير منا، مما يسهل علينا تحقيق رؤية الوزارة لمجتمع يتمتع بعناية راقية وصحة مستدامة.

إيجابية اللامركزية

وفي السياق نفسه أوضح الدكتور أحمد بن سالم المنظري وكيل الوزارة للتخطيط والتنظيم الصحي أن الوزارة تنفذ في هذه المرحلة عددا من المشروعات الاستراتيجية لتحقيق برنامج التغطية الصحية الشاملة، حيث تنشئ وتستبدل عددا من مؤسسات الرعاية الصحية الأولية وترفع كفاءتها، إضافة إلى توسيع نطاق مظلة الخدمات الصحية التخصصية في عدد من المستشفيات التي تقدم رعاية صحية ثانوية فأعلى.

وتابع في كلمته بالتقرير: السياسة الصحية في سلطنة عمان تؤكد أهمية توفير رعاية صحية شاملة وعادلة متماشية مع استراتيجية أولوية - الصحة من محور الإنسان والمجتمع - المتمثلة في نظام صحي رائد بمعايير عالمية؛ وذلك بالارتقاء بمستوى الخدمات والنظم الصحية وتحسين أدائها وجودتها وتحقيق العدالة في توزيع الخدمات الصحية كما ونوعا في ولايات ومحافظات سلطنة عمان .

وأضاف: تجربة الوزارة في تطبيق نظام اللامركزية منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي تعد من أهم النجاحات في تعزيز الحوكمة، وتسريع الإجراءات الإدارية والمالية والفنية، كما كانت لهذه السياسة آثار إيجابية أدت إلى تطور ملحوظ للخدمات الصحية في سلطنة عمان.

وأوضح: تشير إحصائيات عام 2023م بأن هناك 50 مستشفى بعدد أسرة 5024 سريرا، و21 مجمعا صحيا و194 مركزا صحيا تقدم خدمات صحية بجميع المستويات في محافظات سلطنة عمان، وانعكس توزيع المؤسسات الصحية والخدمات المقدمة في المؤشرات الحيوية لعام 2023م بانخفاض معدل وفيات الأطفال الرضع والأطفال الأقل من 5 سنوات في سلطنة عمان ليصل إلى8.8 و10.8 وفاة لكل ألف مولود حي على التوالي، كما انخفض معدل الوفيات الخام وصولا إلى 1.7 وفاة لكل ألف من السكان، والذي أسهم في ارتفاع معدل العمر المتوقع في سلطنة عمان ليكون 78.3 سنة.

كما أن الإشادات التي تحصل عليها الوزارة إقليميا وعالميا لهو فخر لنا ولجميع العاملين الصحيين، ونتطلع إلى الاستعمال الأمثل لجميع الموارد المتاحة وتطويرها وتحديثها باستمرار لتقديم خدمات صحية عالية الجودة وينعم الجميع بعناية راقية وصحة مستدامة.

تحسن المصروفات والمؤشرات

وذكر التقرير السنوي أن مصروفات وزارة الصحة العام الماضي تمثل 8.6% من إجمالي المصروفات الحكومية، بإجمالي 1003.5 مليون ريال عماني تمثلت في 830.5 مليون ريال عماني مصروفات متكررة، و173 مليون ريال عماني مصروفات إنمائية، كما بلغت مصروفات الوزارة لكل فرد العام الماضي 194.3 ريال عماني مرتفعة عما كانت عليه الأعوام الماضية فقد بلغت عام 2022م حوالي 163.2 ريال عماني.

وشهد العام الماضي بحسب التقرير انخفاض معدل المواليد الخام ليصل إلى 22 مولودا (حيا) لكل ألف من السكان مقارنة بـ24.9 في عام 2022، كما انخفض معدل الخصوبة إلى 2.9 مولود حي لكل امرأة بعمر(15-49 سنة) وارتفع معدل توقع الحياة عند الولادة للعمانيين إلى 77.2 ليصل معدل توقع الحياة عند الولادة لإجمالي السكان إلى 78.3.

تغطية الاحتياجات

وأوضح التقرير أن الخدمات الصحية شهدت تطورا ملحوظا خلال الأعوام الماضية ففي بداية عام 1970م، كان هناك فقط مستشفيان صغيران لا تشمل أكثر من 12 سريرا و10 عيادات، وفي عام 2023م بلغ عدد المستشفيات التابعة لوزارة الصحة 50 مستشفى بسعة 5024 سريرا، وعلى المستوى الوطني بلغ عددها 92 مستشفى بسعة 7691 سريرا، ولمواكبة التغير الذي تشهده سلطنة عمان في نوعية المشاكل من المشاكل الصحية الناتجة من الأمراض المعدية إلى المشاكل الصحية الناتجة عن تغير أسلوب الحياة إلى الأسلوب العصري والتغير في التركيب السكاني والتي تتمثل في الأمراض غير المعدية اهتمت الوزارة بدعم الرعاية الصحية للمستوى الثانوي والمستوى الثالث لتغطية الاحتياجات المستقبلية لمكافحة وعلاج مثل هذه الأمراض.

كما بلغ عدد المراكز الصحية والمجمعات الصحية التي تديرها الوزارة 215 مركزا منها 194 مركزا، و21 مجمعا صحيا، وعلى المستوى الوطني وصل عدد المراكز الصحية والعيادات والمستوصفات الطبية الحكومية 293 مركزا صحيا و1879عيادة ومجمعا خاصا بحسب التقرير الصحي السنوي للوزارة لعام 2023.

توزيع الأسرة

وسعت الوزارة إلى تعزيز هذه الخدمات الصحية خارج محافظة مسقط من خلال إقامة مظلة من الخدمات تغطي كافة أنحاء البلاد. فأوضح التقرير أن هناك مستشفى مرجعيا في كل محافظة صحية يقدم خدمات صحية على المستوى الثانوي والمستوى الثالث في بعضها لمواطني المحافظة التي يخدمها المستشفى، هذا بجانب مستشفيات الولاية والمستشفيات المحلية وكذا المراكز الصحية في كل محافظة صحية.

كما عنيت الوزارة بخدمات الرعاية الصحية الأولية فقد اهتمت بمؤسسات الرعاية الصحية ذات المستوى الثانوي والمستوى الثالث لمواجهة التغير في نمط الأمراض والاحتياجات المستقبلية لمكافحة وعلاج المشكلات الصحية غير المعدية.

ولذا فقد اهتمت الوزارة بتزويد المستشفيات بأعداد مناسبة من الأسرة في التخصــصـات المختلفة فقد ارتفع عدد أسرة المستشفيات إلى 5024 سريرا وتوزع أغلبها في أسرة الأمراض الباطنية بنسبة 34% تليها أسرة الجراحة بنسبة 23% ثم أسرة الأطفال 20% وأمراض النساء والولادة بنسبة 18%، و50% أسرة عامة.

تعمين الأطباء

وذكر التقرير ارتفاع عدد الأطباء إلى 9933 طبيبا وطبيبة و22 ألفا و130 ممرضا وممرضة بالمؤسسات الحكومية والخاصة بنسبة تعمين وصلت 53% حيث تعتبر الإحصائيات الخاصة بالموارد البشرية هي إحدى الدعامات الأساسية للتخطيط السليم لنظم الرعاية الصحية، وبلغ عدد الأطباء في القطاع الخاص ما نسبته 32%.

كما وصلت نسبة تعمين القوى البشرية في قطاع الصحة على المستوى الوطني 71% في وزارة الصحة و66% في المؤسسات الحكومية الأخرى، بينما سجلت في القطاع الخاص 23%.

وفي عام 2023 يوجد لكل 10 آلاف من السكان 19.2 طبيب و42.8 ممرض وممرضة على المستوى الوطني مقارنة بـ19.1 طبيب و43.1 ممرض وممرضة عام 2022، كما لوحظ أن نسبة الممرضين لكل طبيب قد بلغت 2.2 ونسبة الأطباء العموميين للأخصائيين 0.9 في عام 2023.

كما ارتفعت أعداد الصيادلة في عام 2023 مقارنة بعام 2022 بنسبة 3% ليبلغ عددهم 877 صيدلانيا وصيدلانية وأعداد الممرضين بنسبة 3.5% ليصل الإجمالي 15 ألفا و961 ممرضا وممرضة بينما انخفضت أعداد فنيي المختبرات الطبية بنسبة 2.3% ليصل إجمالي عددهم 1663 فنيا.

وعن توزيع العاملين في وزارة الصحة حسب الفئات الوظيفية الأساسية يلاحظ أن العمانيين يمثلون 71% من إجمالي العاملين وهم يمثلون 100% من الإداريين الصحيين و100% من المضمدين الطبيين و99.9% من القوى العاملة الإدارية المساعدة (الموظفين والقوى العاملة الماهرة وغير الماهرة). وقد بلغت نسبة التعمين في الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة والممرضين والممرضات إجمالا في عام 2023 حوالي 56% مقارنة بنسبة 60% في عام 2020.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على المستوى الوطنی الرعایة الصحیة الخدمات الصحیة القوى العاملة فی سلطنة عمان وزارة الصحة ریال عمانی خدمات صحیة الصحیة فی بلغ عدد عام 2023م عددا من عام 2023 فی عام

إقرأ أيضاً:

«الحماية الاجتماعية» سلطنة عمان .. فصاحة سياسية وجماليات المواطنة

فـي عام 1791م صدر «قانون لو شابيلييه» والذي يحظر عمل التجمعات المهنية النشطة من أجل توفـير الحقوق الاجتماعية للعمال، لكن رغم ذلك وبعيدا عن أعين السلطات نشأ ما يسمى بجمعيات المساعدة المتبادلة والتي كان غرضها مساندة من يفقدون وظائفهم أو يتعرضون لإصابة عمل، وهكذا ظل الأمر فـي توتر بين القوى المهنية والسلطات، ما اضطر عُمَّال فرنسا الانتظار حتى 1898م حيث صدر «ميثاق التعاونية». والجمهورية رائدة فـي مجال الحماية الاجتماعية وقد صاغت تصورا فلسفـيا فـي 1945م، تصورٌ يستجيب للخصائص الثقافـية، ما جعل مظلتها الاجتماعية مُشبعة بالكثير من الالتزامات الأخلاقية تجاه الشرائح الأضعف.

والواقع أن تعبير «حماية» يحمل دلالات واسعة تستند على مفهوم أنْسنَة أساليب الحكم والإدارة، كَوْن الحماية الاجتماعية شكلٌ من أشكال التَّضَامُن يبني قيما مشتركة فـي المجتمعات، ويكرس مفاهيم المساواة والحرية.

ويقف ضد مفهوم « السِّعْر» كمعنى اقتصادي متجذر فـي الدولة الحديثة يحدد علاقتها بمواطنيها، وهنا فالقيمة المركزية المُحَرِّكة للسلطة قيمة أخلاقية متعددة الجوانب، فـ «الخير والعدالة» بل حتى جماليات القانون، وهذه كلها سيعاد ترتيبها فـي سياق أكثر إنسانية يرتفع بفكرة الدولة من مجرد آلية تنفـيذية إلى فضاء سياسي يعتمد فـي أشغاله توفـير الحقوق وتسنيدها إلى جملة مظاهر التمثيلات الاجتماعية للفردي والجماعي فـي المجال العام. وفـي لغتنا تكتسب لفظة «حماية» معنى أكثر بلاغة، فالحماية هي «الوقاية» وحمَى الشَّيءَ من النَّاس: منعه عنهم، والحقيقة أنه جَرَتِ العادة أن تقوم الدول بصياغة قوانين لحماية مجالها الاقتصادي ما يدفعها أحيانا إلى التدخل فـي توجيهه لتحقيق أهداف ربحية من الأساس، ومن ذلك تشجيعها الصناعات المحلية وفرض رسوم جمركية على بعض الواردات، كل هذا مفهوم ومعلوم، لكن تتجلى إنسانية حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه، فـي رؤية عميقة للسياق الاجتماعي لشعبه فإصداره المرسوم السلطاني الخاص بالحماية الاجتماعية فـي عام 2023م، يكشف عن امتلاكه فلسفة اجتماعية متقدمة بمعايير وطننا العربي، فلسفة قِيَم أهمها قيِّم المواطنة والتَّضمين الإيجابي، وهو اعتراف بليغ بأن المجتمع يشكل مرجعية وأنه مرآة ترى فـيها السلطة نفسها أكثر. فالشرائح التي يخدمها هذا القانون هي: (كبار السن، الأطفال، ذوو الإعاقة، الأيتام والأرامل، الأسر المتعففة).

ويكشف هذا التقسيم استناده إلى نظرية اجتماعية مرتبطة بأبعاد أخلاقية، أما ومن هذه الشرائح كبار السِّن وهي فئة مهملة فـي منطقتنا العربية، ومن مظاهر هذا الإهمال أنهم وبعد حياة حافلة بالعطاء والنشاط يُحْتَبَسُونَ فـي فضاء محدود، ليعيشوا حالات من العزلة الشعورية بسبب تباين نشاطهم الاجتماعي وبقية الشرائح الأخرى، وما زلت أذكر جَدَّي وهو يُودّع حياته المهنية وكيف تبدلت أحواله النفسية وتغيرت طبائع سلوكه، فالرجل اختار مكانا خاصا فـي الدار كإعلان عن عزلة إجبارية مظهرها الأجلى فقدانه دوره القديم فـي رعاية الأسرة، ما انتهى إلى ابتعاده تدريجيا عن الجميع، والمُشرق فعلا فـي هذا القانون أنه يشمل النساء ممن بلغن الستين، والحق أنها التفاتة مشبعة بقيمة العدالة الاجتماعية، فهذه الشريحة من أمهاتنا وجدَّاتنَا يعيشون على الهامش الاجتماعي، ليأتي هذا القانون حماية لهن وبموجبه لن يكون من المحتمل أصلاً التفكير فـي مؤسسات لرعايتهن فـي حال تسربت مستقبلا فكرة دار للعجزة، فالتعبير السابق «عَجزة» يرتبط أكثر بعدم القدرة على الإنتاج فـي نواح عديدة، ولابد من إشارة أن هذا الفعل يضع سجال النسوية فـي مأزق، ويُغَيِّر فـي طبيعته بجعله نابعا من سياقه الخاص وليس مجرد صدى لما يبيعه لنا الوعي الغربي، وهنا تكمن صلاحية هذا الفعل بصورة لا مثيل لها، وبالتالي يعالج جملة مشكلات بطريقة استشرافـية متينة التركيب لأن إيلاء الاهتمام بهذه الفئة من المجتمع يعزز عمليات التضمين فـيها هذا خلاف أنه اعتراف وتكريم مستحق ويمدها بالقدرة على الإسهام فـي العطاء ويُحَسّن من سلامها النفسي، ومن المكاسب الخفـية أن ديمومة القدرة المالية لهذه الفئة يشكل حافزا لها للانخراط أكثر فـي المجال الأسري والعام ما يُقْوِي من عمليات التمثيل الاجتماعي المتوازن.

أما الأكثر بلاغة فـي هذا القانون اهتمامه بشريحة الأطفال، والواقع أن هذا أمر غير مسبوق، ولكن ما يلفت أكثر، ليس فقط الجانب المادي من المنفعة، بل الفصاحة السياسية المؤنسِنة لِقيم الحداثة، ويضيف هذا القانون بعدا جديدا فـي مفهوم المواطنة، ذلك أنه قد استقر مفهوم «الحقوق والواجبات» كثنائية جوهرية فـيها، لكن هذا القانون يخترق الإطار بحيث يقدم الحق على الواجب بهدف تمكين الأطفال من بناء هويتهم المالية، ولا يكفـي النظر إلى هذه المسألة كآلية من آليات تحسين دخل الأسرة فقط، بل إن الجانب الأقوى فـيها تعميره الرابطة التي ستنشأ بين أجيال من الأطفال ووطنهم الأم، فهذه المنفعة تقدم دعما ماليا شهريا لهم من الولادة وحتى سن 18 عاما، وهذه رؤية واعية بأهمية ربط السياسة بالاجتماعي قبل الإجرائي، وما تعالجه هذه المنفعة شيء آخر شديد الأهمية وهو زيادة الوعي بالسياسة المالية للطفل، فللأسف يتأخر أطفالنا فـي تقدير جهد معيليهم وتنمو حاستهم تجاه هذه الرعاية بصورة اعتمادية ما يكرس فـيهم أبوية خالدة تنتقل من الأسرة إلى الدولة، أما الآن فإنهم يزدادون وعيا بأهمية الثقافة الادخارية، وسبل كسب العيش ما يقف بقوة ضد أي تفلتات اجتماعية قد يتسبب فـيها الفقر، وفـي هذا وعي عظيم بضرورة ترابط البنى وأهمية الحفاظ على التوازن الخادم لفكرة السلام الاجتماعي، هذا من جانب، والجانب الآخر أن فكرة الوطن ستتعمق فـي وعيهم بقوة، ما يحفز فـيهم الانتماء الفَعَّال ليس فقط لحصولهم على المال بل الأمر يتعلق بتوطيد الصلة العقلية والوجدانية مع وطنٍ يَعتبر أطفاله مواطنين كاملي الأهلية حتى وإن لم ينخرطوا بَعْد فـي السياقات التقليدية لخدمة أوطانهم.

ينبغي الكشف أكثر عن الجوانب الاجتماعية فـي قانون الحماية الاجتماعية، وضرورة قياس الأثر والعمل على تأسيس «مختبر» يعمل على مراقبة هذه العلاقات التي تقوم بين عناصر التكوين الاجتماعي طمعا فـي تطويرها وتلافـي أي قصور قد يعتريها، وستظل الفائدة الأكبر هي الحفاظ على التماسك الجمعي للشعب، وحماية أفراده من أي توترات قد تتغذى على عناصر غير مراقبة فـي الظاهرة، وما يُسْتَخلص من قانون الحماية الاجتماعية فـي سلطنة عمان أنه يؤسس لمعنى جديد فـي الحكم والسلطة، معنى يستند على المواطنة الجمالية فـي أكثر تجلياتها إنسانية.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

مقالات مشابهة

  • محافظ بني سويف يتفقد سير العمل وانتظام الخدمات الطبية بمركز ببا
  • محافظ بني سويف يتفقد سير العمل وانتظام الخدمة بالوحدة الصحية بمركز ببا
  • سلطنة عمان تحقق إنجازا طبيا بفصل توأم سيامي
  • وزير الصناعة التقى سفير سلطنة عمان.. هذا ما تمّ بحثه
  • فريق الرعاية الأساسية بالبحر الأحمر يطمئن على جودة الخدمات الطبية بوحدة الميناء
  • المهرجانات.. رافد اقتصادي وسياحي يدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
  • نقابات وشركات كبرى تتعاقد على تلقي الخدمات الصحية بمستشفيات مطروح
  • الإمداد الدوائي يرفد عدد من المستشفيات والمرافق الصحية بالأدوية والمستلزمات الطبية
  • «الحماية الاجتماعية» سلطنة عمان .. فصاحة سياسية وجماليات المواطنة
  • سلطنة عمان تشارك في مؤتمر أخلاقيات المهن الطبية بالبحرين