النظافة البيئية والرفاه المجتمعي
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
Your browser does not support the audio element.
تعتبر المدن أهم مؤشرات التنمية المستدامة الدالة على الازدهار والقدرة على النمو، وتحقيق التوازن في التنمية الحضرية القائمة على البيئة والعمران والتطور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، ولهذا فإن برامج التنمية تستهدف المدن باعتبارها أساسا حضاريا يمثِّل الهُوية والشمول الاجتماعي، لتصبح أكثر كفاءة وقدرة على إدارة إيراداتها وخدماتها وتمكين المؤسسات بما يضمن تعزيز تلك الكفاءة والقدرات.
ولأن المدن واجهة الدول فإنها تأخذ على عاتقها مسؤولية الظهور ضمن هذه الواجهة، لتمثِّل قوة تنموية قائمة على المشاركة المجتمعية والشراكات المحلية، والمرونة، والقدرة على القيادة والابتكار، فالمدن لكي تكون ضمن الواجهة الحضارية عليها اتخاذ تدابير ذات أبعاد تنموية قائمة على التخطيط والبناء وإمكانات التطوير والبناء الحيوي المستدام.
ولكي تصل الدول إلى جعل مدنها في صدارة الواجهة الحضارية فإنها تتخذ مجموعة من التدابير، من بينها (النظافة) التي تدل على النظافة العامة للأحياء والطرقات وغيرها، إضافة إلى نظافة الهواء أي (قلة التلوُّث) وتلك البرامج والسياسات التي تقدمها الدولة في سبيل التقليل من أخطار التلوُّث في المدن، ولهذا فإن ثقافة المدن الحضرية تقوم على النظافة بوصفها القوة الكامنة خلف التطوُّر والتنمية بل وتهيئة البيئة الجاذبة للازدهار المجتمعي؛ ذلك لأن البيئة النظيفة تنعكس على المستويات التنموية جميعها.
يشير تقرير (مؤشر الأداء البيئي 2024)، الصادر عن مركز السياسات والقوانين البيئية في جامعة ييل الأمريكية، إلى تلك التحديات التي يواجهها الكوكب؛ فالاقتصاد العالمي ما زال يعتمد على الوقود الأحفوري الذي يسهم بتلوث الهواء والمياه، وارتفاع تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، الأمر الذي يفاقم من تلك التحديات ويجعل الحياة أكثر خطورة خاصة في تلك المدن أو الدول الصناعية أو التي لا توفِّر إمكانات فعلية للتخفيف من ذلك التلُّوث والحفاظ على الحد الأدنى من ملوثات البيئة.
لذا فإن الأداء البيئي يرتبط بثروة الدولة وتنميتها الاقتصادية؛ ذلك لأن (الاستثمارات في التنمية البشرية، وسيادة القانون، والجودة التنظيمية، تعد تنبؤات أقوى بالأداء البيئي) – حسب التقرير –، فالثروات تسمح للدول بالاستثمار في البُنى التحتية التي ستوفِّر توسعة للطاقة المتجددة بطريقة آمنة وسريعة، إضافة إلى إمكانات توفير المياه النظيفة، والقدرة على إدارة النفايات بشكل آمن، بالرغم من أن الثروات أيضا لها انعكاسات قد تكون سلبية على البيئة إذا لم يتم اتخاذ تدابير الحماية اللازمة.
إن التحديات التي تواجه البيئة تنعكس على الحياة البشرية، والزراعية والحياة البحرية، وبالتالي التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية، ولهذا فإن تلوث البيئة يضر بالحياة عموما والقدرة على الصمود في وجه المتغيرات، ولهذا فإن الحفاظ على البيئة والتقليل من التلوث يُعد مهمة مجتمعية تقود المدن نحو تحقيق مؤشرات متقدمة في مستوى النظافة وقلة التلوُّث؛ ذلك لأن هذه المهمة تحتاج إلى التشاركية للوصول إلى أفضل النتائج، وبالتالي تعزيز القدرة على الصمود من ناحية، وتطوير آفاق الحماية البيئية من ناحية أخرى.
لقد اجتهدت الدول في العالم للمشاركة في الحفاظ على حيوية النظام الإيكولوجي وقدرتها على قياس جودة إدارة الموارد الطبيعية والتنوُّع البيولوجي والصحة البيئية، ولأن عُمان من الدول التي تكرِّس جهودا كبيرة في مجال الحفاظ على البيئة، إيمانا بأهميتها وانعكاسها على القطاعات التنموية عموما، والصحة الإنسانية بشكل خاص فإنها أحرزت خلال السنوات الأخيرة تقدما لافتا في مجال التقليل من خطر التلوث من خلال العديد من البرامج والمبادرات التي تبنتها الجهات سواء أكانت حكومية أو خاصة أو مدنية وأهلية.
إن هذه البرامج والخطط والمبادرات المؤسسية والمجتمعية دعمت تقدُّم عُمان في مؤشر الأداء البيئي العالمي للعام 2024؛ إذ قفزت 99 مركزا، لتكون من بين الخمسين دولة الأولى على مستوى العالم في الحفاظ على البيئة والتخفيف من التلوُّث، الأمر الذي يُظهر الرعاية الشاملة والاهتمام المتزايد بهذا القطاع الذي ينعكس أثره على القطاعات التنموية خاصة الاقتصادية، فالحفاظ على (حيوية النظام البيئي) يعد من بين أهم المقومات للتنمية الاقتصادية ونظم الاستدامة، وهو ركيزة احتلت عُمان فيها المرتبة الأولى في المؤشر على مستوى الشرق الأوسط.
لقد قفزت عُمان في هذا المؤشر نتيجة عوامل كثيرة، كلها قائمة على الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة باعتبارها قوة قادرة على الدفع بعجلة التنمية وتحقيق الأهداف الوطنية، فالبيئة الصحية النظيفة تسهِّل مناحي الحياة وتجعلها أكثر قدرة على الصمود أمام المتغيرات، ولهذا فإن ما تقوم به الدولة من مبادرات في دعم التوجهات الوطنية للحد من التلوث والتقليل من خطره على الحياة يأتي نتيجة لذلك الوعي المتزايد بأهمية الحفاظ على البيئة نظيفة لنا وللأجيال ومن أجل تحقيق الازدهار الذي نصبو إليه.
إن الحفاظ على نظافة البيئة والتقليل من خطر التلوُّث يرسِّخ مفاهيم التنمية المستدامة في الدولة؛ ذلك لأن أسس الاستدامة قائمة على قوة المدن وقدرتها على الحفاظ على نظافتها سواء أكانت نظافة عامة أم نظافة بيئية، فكلها تقوم على التخطيط و الإدارة التنموية المستدامة والمتكاملة مع كافة القطاعات التنموية، وهذا ما يظهر لنا جليا في تقدُّم عمان إلى المرتبة 25 عالميا في مؤشر التلوث في العالم للعام 2024 الذي أصدرته قاعدة البيانات العالمية (نامبيو)، لتكون بذلك أقل الدول العربية تلوثا.
إضافة إلى ذلك فإن مدينة مسقط تتصدَّر مؤشر مستوى النظافة وقلة التلوث للعام 2024، الصادر عن (نامبيو)، لتكون في المرتبة الأولى خليجيا والثانية على مستوى آسيا، الأمر الذي يكشف ذلك الاهتمام المتزايد بالتخفيف من آثار التلوث والسعي المستمر للوصول إلى الحياد الصفري وفق الخطة الوطنية التي تتطلَّع إلى تحقيقه عام 2050. إن هذه الجهود وتلك المبادرات المستمرة كفيلة بالمضي قدما نحو الصدارة لبلوغ تلك الأهداف.
فالاهتمام بالنظافة البيئية يتطلَّب جهودا مؤسسية ومجتمعية عدة، كما يتطلَّب الوعي المشترك بأهمية البيئة وقدرتنا على الحفاظ عليها، ونحن إذ نستقبل الصيف والإجازات والرحلات والتنقلات بين الأماكن السياحية والخدمية، فإن علينا واجبا وطنيا يُحتم الحفاظ على الواحات الخضراء والابتعاد عن تلويثها والوعي بخطر البلاستيك على الحياة البرية والبحرية والزراعية، إضافة إلى أهمية الالتزام بالأماكن المخصصة للتخييم والطهي وغير ذلك.
إن هذا الوعي يعتمد على إمعاننا النظر في ما يمكن أن تقدمه البيئة الصحية لنا من إمكانات على مستوى القطاعات جميعا، إذ لا يمكن تحقيق تنمية في ظل بيئة ملوَّثة وغير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للحياة الحيوية سواء أكانت للإنسان أو لغيره من المخلوقات التي تعيش معنا على هذه الأرض، فوعينا بقيمة البيئة هو وعي كوني بأهميتها في تحقيق الرفاه المجتمعي القائم قبل كل شيء على الصحة.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحفاظ على البیئة والقدرة على قائمة على إضافة إلى على مستوى ذلک لأن
إقرأ أيضاً:
محللون: حماس من مصلحتها الحفاظ على حياة الأسرى ونتنياهو هو من قتلهم
لا تزال حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة بعيدة عن العقلانية السياسية التي تقتضي المضي قدما باتجاه استعادة ما تبقى من أسرى في قطاع غزة عبر المفاوضات، كما يقول خبراء.
وسلمت المقاومة اليوم الخميس جثامين الأسيرة الإسرائيلية شيري بيباس وطفليها كفير وأرئيل، إلى جانب جثة عوديد ليفشتس الذي كان يبلغ من العمر 85 عاما عند أسره على يد حركة الجهاد الإسلامي.
ومع وصول جثامين الأسرى الأربعة إلى إسرائيل، تعالت الأصوات المنددة بسلوك نتنياهو والمتهمة له بالتسبب بقتل الأسرى، في حين اعتذر الرئيس إسحاق هيرتسوغ عن الفشل في إعادتهم أحياء لبيوتهم.
وتساءلت عضوة الكنيست ميراف كوهين عن عدد الأسرى الذين سيقتلون بسبب اعتبارات نتنياهو السياسية، بينما قال وزير الثقافة ميكي زوهر إنه لا يمكن التوصل لاتفاقات وتعهدات دولية ثم العودة للقتال في غزة.
لكن ردات الفعل هذه لا تعني أن من يسيطرون على القرار في تل أبيب حاليا قريبون من الاعتراف بالمسؤولية عن مقتل الأسرى، بعد أن فقدت إسرائيل نخبتها العاقلة، ووقعت في قبضة من يريدون التوسع من البحر إلى النهر بغض النظر عن الأثمان، كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.
إعلانفقبل بداية الألفية الثالثة، أي قبل 25 عاما، كان القادة العسكريون يتولون مناصب سياسية في إسرائيل وهو أمر جعلهم دائما قادرين على الموازنة بين الحرب والسياسية من أجل تحقيق ما يريدونه من أهداف، كما يقول جبارين.
أما اليوم، فحتى المعارضة الإسرائيلية -بحسب جبارين- لا يمكن مقارنتها بنظيرتها في تسعينيات القرن الماضي لا من حيث الجوهر ولا العقلانية، وهو ما يجعلها تحارب من أجل الحرب وليس من أجل تحقيق أهداف سياسية.
لذلك، يعتقد المتحدث نفسه أن حكومة نتنياهو ليست قريبة من الاعتراف بمسؤوليتها عن مقتل الأسرى الذين كان يمكنها استعادتهم عبر المفاوضات لو لم تتمسك بمواصلة الحرب.
وتكمن مشكلة هذه الحكومة حاليا -يقول جبارين- في أنها وصلت إلى النقطة التي كانت تتهرب منها وهي الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.
لا بديل عن مواصلة الاتفاق
في المقابل، يفترض الباحث السياسي سعيد زياد أن تكون إسرائيل قد وصلت إلى مرحلة من العقلانية السياسية التي تدفعها باتجاه مواصلة تنفيذ الاتفاق الذي سيستفيد منه الجميع بدلا من العودة لصدام سيخسر منه الجميع.
وقال زياد إن الحديث عن قتل المقاومة لهؤلاء الأسرى ليس منطقيا، لأن موتهم لا يخدم الهدف الأساسي المتمثل في تبادلهم مع أسرى فلسطينيين.
ويعتقد زياد أن المقاومة تحاول الضغط بشكل إيجابي على إسرائيل والوسطاء لمواصلة تنفيذ الاتفاق، وذلك من خلال تقديم تنازلات معينة من بينها تسليم 6 أسرى أحياء مرة واحدة يوم السبت المقبل بدلا من تسليمهم على مدار أسبوعين.
وتستهدف عمليات التبادل التي تلزم بها المقاومة وتبدي فيها انضباطا عاليا -برأي زياد- ترسيخ فكرة أن الالتزام سيقابل بالالتزام وأن استعادة الأسرى لن تتم إلا من خلال الاتفاق.
ومن خلال هذا التعامل -يضيف زياد- تحاول المقاومة إيصال رسائل إيجابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى تفتح الباب أمام مفاوضات المرحلة الثانية.
إعلانفي الوقت نفسه، يعتقد زياد أن المقاومة لن تقدم تنازلات بلا جدوى، وأنها ستتوقف عن مرونتها السياسية ما لم تتعامل إسرائيل بالمثل، لأن الجانب الفلسطيني لن يقدم أي تنازلات بشأن تسليم بقية الأسرى الأحياء دون الانتقال للمرحلة الثانية.
ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات يوم السبت المقبل مع مواصلة العمل بمقتضيات المرحلة الأولى من وقف لإطلاق النار وإدخال المساعدات مع التوقف عن تسليم الأسرى.
وقد أرسلت المقاومة وفدها المفاوض حتى تثبت جديتها في مواصلة العمل بالاتفاق حسب المتفق عليه، لكن إسرائيل تحاول استلام مزيد من الأسرى الأحياء خلال مفاوضات المرحلة الثانية وهو أمر لن تقبله المقاومة أبدا، برأي زياد.
نتنياهو متهم بقتل الأسرى
وقال مراسل الجزيرة في فلسطين إلياس كرام إن رئيس الوزراء يواجه اتهامات جنائية من قادة المعارضة بالتسبب في مقتل الأسرى، مضيفا أن حديث المفاوض السابق أورن سيتر عن عرقلة نتنياهو للصفقة لاعتبارات سياسية، يعزز هذه الاتهامات.
وبحسب ما أوضح كرام، فإن الفحوص الطبية التي ستجرى على جثث الأسرى الأربعة، قد تتمكن من الكشف عن السبب الحقيقي وراء مقتلهم، منوها إلى أن طول الفترة التي مرت على مقتل هؤلاء الأسرى قد تجعل من الصعب تحديد سبب الوفاة، لكن لفت إلى أن نتنياهو سيكون في مأزق كبير أمام الرأي العام الإسرائيلي لو تبين أنهم قتلوا بنيران جيش بلادهم.
وكان سيتر قد تحدث مؤخرا لوسائل إعلام إسرائيلية عن أن هذه الصفقة كانت ممكنة كما هي تماما في مايو/أيار الماضي، وأنها لم تتم بسبب اعتبارات سياسية.
وقال كرام إن آخر استطلاع رأي أجرته هيئة البث الإسرائيلية كشف أن 55% يريدون إتمامها بأي ثمن، بما في ذلك الانسحاب الكامل من القطاع ووقف الحرب وتبييض السجون.
ونقل مراسل الجزيرة في غزة عن مصدر في كتائب المجاهدين قوله إن شيري بيباس كانت تعمل بمكتب قائد المنطقة الجنوبية في فرقة غزة ومتدربة في الوحدة 1200.
إعلانوقال المتحدث إنه تم تأمين شيري بيباس في بيت محصن رفقة ابنيها مع توفير الاحتياجات اللازمة لهم، ولكن قوات الاحتلال استهدفت المنزل بصاروخ من طائرات "إف 16" مما أدى لتدمير المنزل بشكل كامل وتسويته بالأرض.
ونشرت حماس بيانا قالت فيه إنها حاولت الحفاظ على حياة الأسرى بكل الطرق متهمة الاحتلال بالتعامل بوحشية مع هذه العائلات الإسرائيلية.
ووجهت رسالة لعائلات بيباس وليفشتس، قالت فيها إنها كانت تأمل في عودتهم أحياء، بيد أن حكومتهم فضلت قتلهم وقتل 17 ألف طفل فلسطيني معهم.
وأكدت الحركة أنها حافظت على حرمة جثث هؤلاء القتلى بينما لم تحترمهم حكومتهم أحياء وقتلتهم هم وآسريهم. وقالت إن المجرم بنيامين نتنياهو يتباكى على قتلاه لكي يتنصل من مسؤولية قتلهم.