علاقتنا في ميزان التعاقدية والتراحمية
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
Your browser does not support the audio element.
قرأت مؤخرا كتابَ «رحلتي الفكرية» للمفكّر المصري عبدالوهاب المسيري الذي سرد فيه رحلته الفكرية ومذكراته المتعلقة بمساره المعرفي، ولفت انتباهي حديثُه المسهب عن التعاقدية والتراحمية في حياتنا الخاصة والعامة التي تشمل مستوى العلاقات التجارية، والاجتماعية والأسرية التي استفاض فيها بعرض مشاهد واقعية كثيرة عايشها المسيري في فترات حياته في مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
نحن اليوم أمام مشاهد لا تختلف كثيرا عن المشاهد التي أوردها المسيري أو الوردي التي تُظهر أشكالها الكثيرة المعبّرة عن مفهوم العلاقات المجتمعية؛ فهناك العلاقات التعاقدية التي يمكن أن يتداخل معها المبدأ التراحمي الذي من الممكن أن يمتزج بنمط المجاملة أو كما يراها البعض يلبس ثوبَ النفاق، وهنا لا يمكن أن نقتحم جدار هذه العلاقات لنكشف ما وراءها ونعرف خفاياها؛ فلهذا جاء المبدأ التعاقدي متربعًا ليكون حاميًا للحقوق خصوصًا في القضايا العامة وعلاقاتها التفاعلية، ولتبسيط مفهومنا للمنهج التعاقدي والمنهج التراحمي وإمكانية تفاعلهما نأخذ مشهدًا واقعيًا يحدث في مجتمعاتنا العربية أثناء عملية البيع والشراء التي تجد فيها ثبات التاجر على سعر معيّن لبضاعة ما، وهنا يتمثل المبدأ التعاقدي الذي يحمل في طياته المصلحة المادية المتبادلة، ولكن لا تستغرب أن تجد هذا التاجر يصرُّ على إكرام المشتري الذي يعتبره ضيفا؛ فيضيّفه بضيافة قد تتجاوز تكلفتها سعر البضاعة التي باعها للمشتري، وهنا يتمثّل المبدأ التراحمي الذي ينطلق من منطلقات إنسانية ودينية وعُرفية محضة؛ إذ لا وجود للعامل المادي في الصفقة الثانية التي تتمثل في قيمة الكرم والإحسان.
في المقابل من اليسير أن تجد طغيان المشهد التعاقدي على التراحمي حتى في نطاق الأسرة في دول أخرى خصوصًا الغربية، ولمنطلقات المنهج التعاقدي وهيمنته في الغرب أسبابه التاريخية المتعلقة بصراعات الدين والسياسة التي انبثقت بواسطتها المدارس الفلسفية والمادية؛ فنجد المجتمع الغربي لا يظهر غضاضة في ممارسة المنهج التعاقدي في معظم تفاصيل الحياة بما فيها الأسرية رغم عدم انتفاء المشاهد التراحمية وإن قلّ وجودها، وهذا ما يعلل غلبة المذاهب الفردانية التي ترى تحقيق المصلحة في حدودها الذاتية الواحدة، في حين نجد الألفة والتعاون أكثر شيوعا في المجتمعات الشرقية بما فيها العربية ولكن عامل التناقض ملحوظ أيضا في مجتمعاتنا التي تركز كثيرا على سطحيات الظواهر وعنواناتها دون العمق والمحتوى الداخلي؛ فمن السهل أن تجد الاحترام المتبادل في اللقاءات والمساجد في حين تتقهقر هذه السمات في مواقع أخرى مثل الشوارع التي تفتقد في كثير من الحالات لاحترام حقوق الآخر أو في وسائل التواصل الاجتماعي التي تُظهر جانبا مروعا من فقداننا لعامل التراحم أو حتى التعاقد الأخلاقي المبني على احترام الآخر ووجهة نظره؛ ففي الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي من السهل أن تتوارى الشخصيات الباحثة عن جمال السطح وبريق العنوان؛ فتنزع قناع التراحم وتمارس أنانية تفوق في بعض حالاتها أنانية التعاقدية المادية التي لا يمكن أن نرى جميع ممارساتها بمظهر قبيح غير مرغوب، وهذا ما يوحي بوجود حالة الانفصال بين المبادئ -التي تكون بمنزلة العقد الاجتماعي الجمعي- وبين النزعات الداخلية الفطرية للفرد الداعية إلى حماية الأنا وإثبات وجودها، إلا أن ثمّة منطلقات تعاقدية حتى مع فقدانها عنصر التراحمية تظل في دائرة القبول لضرورة العلاقات وضمان استمرارها.
في خضّم هذه المشاهد والظواهر الإنسانية، من الضرورة أن نعيد فهم معادلة التوازن بين التعاقدية والتراحمية، وأن نعيد نصابها إلى دائرة الحركة المجتمعية بكل تفاصيلها دون الإضرار بالمصالح الخاصة والعامة وطغيان إحداها على الأخرى وفق قواعد الضرورة الأخلاقية التي تعمل بمثابة البُوصلة العقلانية المُنظِمة لحركة المجتمعات الإنسانية وحضاراتها.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العلاقات المجتمعیة لا یمکن أن
إقرأ أيضاً:
«الرعاية الأسرية» تطلق مبادرة سفراء التوعية المجتمعية
أبوظبي (وام)
أخبار ذات صلة صغيرة الأحبابي تحضر حفل سفارة دومنيكا كومنولث بيومها الوطني 150 متحدثاً من الإمارات والعالم يستعرضون التوجهات العالمية في منتدى دبي للمستقبل 2024أعلنت هيئة الرعاية الأسرية، رسمياً، إطلاق مبادرة «سفراء التوعية المجتمعية»، الرامية إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي حول أهم القضايا الأسرية والمجتمعية، عبر برنامج تدريبي لمجموعة من الطلاب الجامعيين في جامعتي زايد ومحمد بن زايد للعلوم الإنسانية، والذين يتم اختيارهم، وفق معايير محددة وتدريبهم لخدمة مجتمعاتهم كسفراء للتوعية.
ويعكس البرنامج الشبابي التزام الهيئة الراسخ بمساعيها، لضمان تفاعل أفراد المجتمع بجميع فئاته، وتحفيز مشاركتهم في معالجة القضايا المجتمعية الحاسمة كافة.
وتهدف المبادرة إلى تعزيز الجهود المجتمعية في سبيل مكافحة العنف بتمكين دور هؤلاء الطلاب كوسطاء لنشر المعرفة والتوعية، وتأسيس قنوات اتصال حيوية، ضمن المجتمعات التي ينتمون إليها، تحت مظلة مبادرة «أسرة واحدة»، وذلك ضمن جهود الهيئة المتواصلة لتعزيز التواصل المجتمعي.
ويتضمن البرنامج التدريبي، الذي يستمر لمدة عام أكاديمي، تعريف السفراء على قضايا أسرية ومجتمعية مهمة مثل، العنف ضد الأطفال، والعنف الأسري، والصحة النفسية، وقضايا الاتجار بالبشر.
وقالت سلامة العميمي، مدير عام هيئة الرعاية الأسرية، إن مبادرة السفراء تشكل خطوة مؤثرة تتماشى مع أهداف استراتيجية أبوظبي لجودة حياة الأسرة، وتؤكد التزام الهيئة بصقل المهارات التعليمية والقيادية لطلاب الجامعات، مع توفير فرص جديدة للشباب للمساهمة الفاعلة في القطاع الاجتماعي.
وأوضحت أن هذه المبادرات القائمة تحت مظلة «أسرة واحدة» تساهم في الإحاطة الشاملة بخدمات هيئة الرعاية الأسرية، وتعميق الإدراك بأهم القضايا الأسرية والمجتمعية، كقضايا العنف الاتجار بالبشر، لدى فئة الشباب والفئات المجتمعية الأخرى، إلى جانب السعي لتطوير مهارات الشباب الشخصية، كالثقة بالنفس، والتواصل البناء، عبر تمكينهم من القيام بأدوار محورية فاعلة.