Your browser does not support the audio element.
تابعت في الأسابيع الماضية قرار حل البرلمان الفرنسي وإجراء انتخابات جديدة، وهو القرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيميل ماكرون ولم يكن في حاجة إليه لأن مدة رئاسته للجمهورية الفرنسية كانت ستنتهي في عام ٢٠٢٧، إلا أنه شعر بأن المجتمع الفرنسي يموج بقدر من الغضب، لأسباب اقتصادية داخلية، ولأن المجتمع الفرنسي رأى أن الرئيس تجاوز صلاحياته التي منحها له الدستور بشأن دعم أوكرانيا، والتلويح بإرسال جنود فرنسيين لو اقتضى الأمر ذلك على حد قوله، إضافة إلى فشل الرئيس الفرنسي في إفريقيا بعد أن فقدت فيها فرنسا كثيرًا من هيبتها، وجميعها قضايا مهمة رأى الفرنسيون أن خطرًا داهمًا يهدد الجمهورية الفرنسية؛ لذا شهدت المدن الفرنسية خلال حكم الرئيس ماكرون مظاهرات هائلة هددت النسيج الاجتماعي والاقتصادي الفرنسي، الذي يعد من أوائل الشعوب في أوروبا التي أشاعت ثقافة الديمقراطية والانتصار لرأي الشعب، لذا كان قرار الرئيس الفرنسي بإجراء انتخابات برلمانية نزولًا على رأي الشعب.
أُجريت الانتخابات خلال الأسبوع الماضي، وقد نجم عنها حصول اليسار بمختلف فصائله على ما يشبه الأغلبية المطلقة، بينما كانت استطلاعات الرأي التي أجرتها العديد من المؤسسات تبشر بقدوم اليمين المتطرف، وهو ما لم يحدث، بل جاء ترتيبه في المرتبة الثالثة، وهو ما يقضي بحق اليسار بمختلف فصائله في تشكيل الحكومة، هذا هو المشهد كما تابعناه عبر كل وسائل الإعلام. ونحن نتابع هذا الحراك السياسي علينا أن نطرح سؤالا غالبا ما يردده كثير من المثقفين في كل أقطارنا العربية: لماذا تقدم الذين تقدموا وتخلف الذين تخلفوا؟ والإجابة واضحة وضوح الشمس، فالمجتمعات الديمقراطية هي المجتمعات الناجحة التي واصلت نضالاتها في سبيل الحصول على حريتها وحقها الطبيعي في اختيار حاكمها وممثليها في البرلمان، ولا بأس أن تحدث أزمات اقتصادية تمس حياة المواطن، إلا أن الحكومات غالبا ما تعدل من سياساتها حفاظًا على ما قطعته على نفسها من وعود تضمنها العقد الاجتماعي الذي يعد الوثيقة الأهم في العلاقة بين الشعب والحكومة.
الأمر مختلف تماما في كثير من أقطارنا العربية التي شهدت ثورات عارمة منذ عام ٢٠١١، أودت بعروش بعض حكامها، وهو أمر لم يكن مفاجئًا بل كان متوقعًا، فقد ذهب إلى غير رجعة العصر الذي تُهمش فيه الشعوب، ويمارس فيه الحكام سلطات مطلقة، من خلال دساتير أُعدت خصيصًا لحماية الأنظمة، وكلما هبت الشعوب للمطالبة بحقها في العدالة والحرية والمساواة والحكم الرشيد، راح سدنة الأنظمة وبعض مثقفينا وإعلامنا يخوفون الشعوب بدعوى الحفاظ على استقرار المجتمع، ولم يتورع البعض حين يقول بأن الشعوب العربية ليست مؤهلة بعد لممارسة حقوقها السياسية.
لست من الداعين لتطبيق النظم السياسية الأوروبية تطبيقا حرفيا، فالقضية ليست في شكل الأنظمة ملكية كانت أو جمهورية، وإنما القضية تكمن في العدالة والحكم الرشيد واحترام إرادة الشعوب في اختيار نظمها وسياسات حكوماتها أيا كان شكل الحكم الذي ترتضيه الشعوب، شريطة أن تكون مصلحة الشعب فوق مصلحة الأنظمة الحاكمة، ولدينا تجارب ناجحة في العالم العربي خلَّفت لنفسها شكلًا مستقلًا في نظام الحكم، الذي حقق نجاحات كبيرة في التنمية والعدالة والسلم الاجتماعي، ولعل التجربة الفرنسية حينما أُجريت الانتخابات الأخيرة تعد نبراسًا لحكومات عربية قادرة على إقامة العدالة واحترام إرادة الشعب الذي خرج بالملايين رافضًا اليمين المتشدد بعد أن شعر الفرنسيون بأن سياسات هذا الحزب تهدد السلم الاجتماعي وتطيح بالمكاسب الديمقراطية التي حققها الفرنسيون عبر ثلاثة قرون.
يُتابع العرب في كل أقطارهم الانتخابات التي تُجرى في العالم في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي بلدان آسيوية عديدة من قبيل التسلية ومحاولة فهم ما يحدث في العالم من سياسات كانت بمثابة الدرس الأهم الذي نقل هذه الشعوب من مجتمعات ممزقة يسود فيها القتل والتعصب والفساد، إلى مجتمعات تنتفض سلميًا دفاعًا عن الديمقراطية التي استقرت وأصبحت بمثابة سياسة ثابتة لا يجرؤ أي نظام على تجاوزها، إيمانًا بأنها القضية الأهم، حينما تفوض الشعوب أحزابًا وحكامًا لكي يتولوا إدارة شؤون بلادهم بإرادتهم واختيارهم وفق البرنامج الذي اختارت الشعوب حكامها على أساسه لم يحدث ذلك مصادفة، وإنما هي مكتسبات حصلت عليها الشعوب بعد أن دفعت أثمانا باهظة من دمائها عبر قرون.
لم يقرأ الكثير من حكامنا التاريخ جيدا، ولم يجرؤ كثير من مثقفينا على الخوض في هذه المساحات الغامضة، بل راح البعض يروج لأنظمة ديكتاتورية ولم ينبهوا حكامهم إلى أهمية الحكم الرشيد باعتباره طوق نجاة للشعوب المقهورة، ولم يتناول كثير من المثقفين في كتاباتهم تجارب دول في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، حينما كانت الديمقراطية هي العصا السحرية التي نقلت هذه الشعوب من العالم الثالث إلى العالم المتقدم، لم يحدث ذلك إلا من خلال الديمقراطية والحكم الرشيد، ولم يلتفت الكثيرون إلى أهمية الإصلاح من الداخل، بينما كانت المشاكل تتفاقم في ظل قبضة أمنية لم تتمكن من ردع الشعوب التي انتفضت من تونس إلى مصر وليبيا وسوريا وصولًا إلى اليمن مخلّفة وراءها آثارًا مدمرة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، لم تسلم منها هذه الدول بعد رغم مرور أكثر من عشر سنوات.
لست بصدد المقارنة بين ما يحدث في واقعنا العربي وما يحدث في أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بل علينا أن نستعيد تجارب دول لا تملك أي مصادر طبيعية، جميعها في آسيا، إلا أنها حققت نجاحات مذهلة في الاقتصاد والتنمية والحكم الرشيد، وهي تجارب تستحق القراءة والتمعن بعناية، لأنها حققت الاستقرار والسلم الاجتماعي وتنمية البشر، ولم تكن هذه التجارب بالضرورة نقلًا عن التجارب الأوروبية، وإنما اختارت الشعوب نظمها وحكامها من خلال عملية إصلاح أتت معظمها من الداخل، وهو ما جنّب هذه البلاد مخاطر الثورات التي غالبًا ما تدفع الشعوب ثمنها باهظًا، بل ربما تضاعف من بطش حاكمها، لكن كل هذه الأنظمة قد حافظت على السلم الاجتماعي في ظل منظومة سياسية وقانونية كانت العامل الأهم في تنمية هذه البلاد، التي اقترب دخل المواطن فيها الآن إلى ما يقترب من دخل المواطن الأوروبي.. الدرس الأهم هو الحكم الرشيد، وهو الحكم الذي يستند إلى إرادة الشعب باعتباره الوسيلة الوحيدة للدفع بالمجتمع إلى التضامن والتكافل والوحدة سعيًا إلى حياة أفضل.
د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحکم الرشید کثیر من
إقرأ أيضاً:
شريف فتحي : السياحة الرياضية تساهم في تحقيق التقارب بين الشعوب والثقافات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شريف فتحي : السياحة الرياضية مصدر للدخل القومى وتساهم في تحقيق التقارب بين الشعوب والثقافات
شارك شريف فتحي وزير السياحة والآثار كمتحدث رئيسي في المؤتمر الذي عُقد تحت عنوان " السياحة الرياضية وصناعة السياحة بعد كأس العالم". وذلك خلال مشاركته في أعمال الاجتماع ال 51 للجنة الإقليمية للشرق الأوسط التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة الذي عُقد بالعاصمة القطرية الدوحة،
خلال المؤتمر، تحدث الوزير عن دور الرياضة وتأثيرها على الشعوب وأوضح أن السياحة الرياضية لا يجب النظر إليها كمصدر للدخل القومى فقط بل تتركز أهميتها فى الترويج للدول وتعزيز مكانتها كوجهة للسياحة الرياضية كما تساهم في تحقيق التقارب بين الشعوب والثقافات وتقبل الآخر من خلال تفاعل السائحين مع المجتمع المحلي كما يستطيع السائح التعرف على الثقافة المحلية والمعالم السياحية والأثرية في البلد المضيفة للحدث أو البطولة الرياضية.
وأشار إلى أحد التحديات التي تواجه صناعة السياحة الرياضية فى المنطقه وهى أنها تفتقر إلى منظمي رحلات أو شركات متخصصة في هذا المجال.
كما تحدث الوزير عما تتمتع به جمهورية مصر العربية من مقومات وإمكانيات تمكنها من استضافة العديد من الفعاليات الرياضية الكبرى، مشيراً إلى ما توليه الدولة المصرية من اهتمام ودعم للقطاع الرياضي من خلال الاستثمار في البنية التحتية الرياضية وإنشاء المدن الرياضية مثل المدينة الرياضية بالعاصمة الإدارية الجديدة، والتي تعد أكبر استثمار رياضي في مصر في الوقت الحاضر فهى واحدة من أكبر وأحدث المنشآت الرياضية بمصر
ولفت إلى أنه تم إنشاء هذه المدينة بهدف تحقيق طموحات مصر في التقدم لاستضافة العديد من الفعاليات الرياضية الكبرى والهامة مستقبلاً.
وأكد أن مصر لها باع طويل في مجال الرياضة بحيث لا تخلو أي محافظة من محافظات ومدن الجمهورية من إستاد أو نادي ومنشآت رياضية، موضحا ان مصر يوجد بها أكثر من 1000 نادي والعديد من الاستادات والمدن الرياضية موزعة على مستوى الجمهورية بينها أكثر من ثلاث استادات رياضية لكرة القدم تتسع لحوالى 90 ألف متفرج.
وأضاف شريف فتحي أن أجندة مصر الرياضية غنية دائماً بالأحداث والبطولات الرياضية سواء المحلية أو الإقليمة أو الدولية، لافتاً إلى أنه خلال الأعوام الماضية استطاعت مصر استضافة العديد من البطولات لكرة القدم وكرة اليد وغيرها وقامت وزارة السياحة والآثار خلال العام الماضي برعاية ودعم أكثر من 40 حدث رياضى.
جدير بالذكر أن زيارة الوزير للعاصمة القطرية الدوحة جاءت للمشاركة في أعمال الاجتماع ال 51 للجنة الإقليمية للشرق الأوسط التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة حيث فازت مصر خلال الاجتماع بعضوية المجلس التنفيذي للمنظمة في دورته للأعوام من 2025 وحتى 2029.
كما عقد لقاءات ثنائية رسمية مع كل من رئيس السياحة في قطر ووزيرة السياحة والآثار بالمملكة الأردنية الهاشمية، لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك بين مصر وهذه الدول في مجال السياحة والآثار خلال الفترة القادمة.