لجريدة عمان:
2024-12-22@19:48:41 GMT

هل إيران موشكة على الانفتاح للغرب؟

تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT

Your browser does not support the audio element.

ترجمة - أحمد شافعي -

نعِم المولعون بالانتخابات في الآونة الأخيرة بالكثير للغاية منها في بلاد كبرى. وذلك في نهاية الأسبوع الماضي، بانتخابات في فرنسا والمملكة المتحدة وإيران، وبطبيعة الحال، على رأي الأغنية الشهيرة، «هذه أشياء لا تتشابه».

أغلب السلطة في إيران لا يخص الرئيس المنتخب الذي اختاره الشعب هذا الشهر وإنما يخص المرشد الأعلى غير المنتخب آية الله علي خامنئي الذي تتضمن قائمة سلطاته الطويلة دورا مهيمنا في تقرير من يترشح في الانتخابات في المقام الأول.

ويعلم الإيرانيون هذا، ولذلك فإن 60% منهم رفضوا التصويت في الجولة الانتخابية الأولى، فكان ذلك تاريخيًا أدنى مستوى للمشاركة. وفي جولة الإعادة في الخامس من يوليو ارتفع الإقبال إلى 50%، ليبقى المستوى منخفضا تاريخيا.

لكنها لم تكن تمثيلية كاملة. فقد مثلت الانتخابات منافسة حقيقية بين فصائل مختلفة داخل النظام. فلا شك في أهمية انتقال الرئاسة إلى مسعود بيزشكيان، وهو أول سياسي من الفصيل الإصلاحي في إيران يتولى هذا المنصب منذ عام 2005. وهو يعني أيضا تغييرا محتملا في توجه السياسة الخارجية لإيران. فلم يكن بيزشكيان، جراح القلب السابق البالغ من العمر تسعة وستين عاما، ليتمكن من الترشح دون مباركة من خامنئي، لأن هيئة غير منتخبة وموالية للمرشد الأعلى هي التي تقوم بفحص جميع المرشحين في المقام الأول. وقد أعلن بيزشكيان مرارًا ولاءه لرأس الدولة خلال الحملة الانتخابية. ولكن محض السماح له بالترشح يشير إلى أن خامنئي قلق من عزلة إيران العالمية التي طال أمدها.

في جولة الإعادة الأخيرة من التصويت، عرض المرشحان المتبقيان اتجاهات مختلفة تماما بالنسبة لإيران. فبالنسبة لمنافس بيزشكيان، سعيد جليلي، لم تكن عزلة إيران عن الغرب والعقوبات القاسية المفروضة على الاقتصاد الإيراني مصدر قلق. وهو يعتقد أن إيران يجب أن تلجأ بشكل حاد إلى التحالف المناهض للغرب وتوطيد علاقتها مع دول من قبيل روسيا. وكان من الأفكار التي روّجها مرارًا وتكرارًا في المناظرات الرئاسية المتلفزة أن تصدر إيران الخضروات إلى روسيا لتعويض تعطيل التجارة مع الاتحاد الأوروبي. كما زعم أن هذه الفكرة التجارية ستبلغ قيمتها أحد عشر مليار دولار، برغم أن مدققي المعلومات اختلفوا معه.

أما بيزشكيان فما كان بالإمكان أن تكون أجندة حملته الانتخابية أشد اختلافا. فقد أكد أنه حتى علاقات إيران الاقتصادية مع دول من قبيل الصين تتوقف على رفع العقوبات. إذ أبدى أسفه من حقيقة أن إيران تضطر إلى تقديم تخفيضات كبيرة على الصادرات إلى بكين ودول أخرى من أجل التحايل على العقوبات الغربية. ودعا إلى العودة إلى التواصل الدبلوماسي مع الغرب، وهو مسار اختبره من قبل المرشح الوسطي حسن روحاني الذي تولى الرئاسة من عام 2013 حتى عام 2021 وما زال مكروها بشدة لدى المتشددين.

غير أن الأفعال أصدق من الأقوال، وفريق بيزشكيان الأساسي يبدي نهجا مختلفا. ولقد ظهر جواد ظريف -وزير خارجية روحاني- فعليًا بوصفه شريك بيزشكيان في الترشيح. وما من رجل دولة إيراني آخر يجسّد الرغبة في التفاوض مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، أكثر من ظريف الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة وينعم بامتياز نادر هو أنه من المقربين إلى خامنئي ومن المفضلين لدى الإصلاحيين في النظام. وقد تم تعيين ظريف بالفعل رئيسًا لمجموعة عمل السياسة الخارجية للرئيس المنتخب بيزشكيان. ومن المرجح أن يتم تعيين رفيقه القديم ونائبه عباس عراقجي وزيرًا للخارجية في الحكومة الجديدة.

[من المؤكد] أن رؤية العالم لدى خامنئي أقرب بكثير إلى رؤية جليلي منها إلى رؤية بيزشكيان. لكن لعل من الأسباب التي دعته إلى أن يؤيد سرًا انتصار الأخير هو إحساسه الإستراتيجي بأن إيران تتعرض لضغوط شديدة الخطورة من الغرب والعقوبات المفروضة منه. ولقد ورد ذكر عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض مرارا خلال الحملة الانتخابية الإيرانية. بل إن أحد المرشحين المتشددين اتهم معارضيه بتأجيج «رهاب ترامب» لتبرير عودتهم إلى السلطة.

لكن الإيرانيين أيضا راقبوا عن كثب الانتخابات البريطانية التي كان فوز كير ستارمر الساحق فيها متوقعا منذ أشهر. وتحرك أي دولة من يمين الوسط إلى يسار الوسط عادة ما يبشر بالخير في ما يتعلق بالتعامل الدبلوماسي مع طهران، ولكن قد لا يكون هذا هو الحال بالضبط هذه المرة.

لقد رحب العديد من معارضي النظام الإيراني بانتصار ستارمر منذ أن تعهد بوضع الحرس الثوري الإسلامي على قائمة المملكة المتحدة للمنظمات الإرهابية، وهو أمر لم يفعله المحافظون قط. واحتفاء بانتصار ستارمر، نشرت صحيفة «كيهان لندن» الناطقة بالفارسية وذات الميول اليمينية عنوانًا رئيسيًا هو «معارضو إعلان الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية يسقطون من السلطة»، في حين تساءلت صحيفة «زمانه» اليسارية التي تصدر في أمستردام عما إذا كان صعود ستارمر إلى السلطة سيؤدي إلى «سياسة خارجية أكثر قسوة تجاه إيران». وفي الوقت نفسه، قضت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية سنوات في مهاجمة ستارمر مع الثناء على سلفه زعيم لحزب العمال جيريمي كوربين الذي كان يظهر بانتظام على قناة «برس. تي. في» الناطقة باللغة الإنجليزية في طهران.

وإذن فإن أنصار التشدد سياسيا تجاه إيران يأملون أن يجدوا في ستارمر حليفًا لهم. إذ أعلنت منظمة «متحدون ضد إيران النووية» في واشنطن أخيرًا أن «حزب العمال تعهد بحظر الحرس الثوري الإيراني»، مضيفة «أن هذا سيكون أول اختبار سياسي حقيقي لكير ستارمر في ما يتعلق بمعاداة السامية». ولعل الصقور يحلمون بشراكة محتملة بين ترامب وستارمر، متحدين ضد طهران.

قد يكون هذا تفكيرا تفاؤليا. فما يغيب على العديد من الصقور من مؤيدي ترامب هو نفور الرئيس السابق من ماضي المحافظين الجدد في حزبه. صحيح أنه تبنى، خلال وجوده في السلطة، سياسة الضغط الأقصى على إيران، لكنه قال مرارًا إنه لا يرغب في تغيير النظام ويريد عقد صفقة مع الجمهورية الإسلامية برئاسة القادة أنفسهم. فباختصار، حتى لو أصبح الثنائي ستارمر وترامب الفريق الأطلسي الذي يواجه إيران، فمن المرجح أن ينخرطا في المفاوضات التي يدعو إليها بيزشكيان والقيادة الدبلوماسية الجديدة في طهران.

لا يعني ذلك أن هذه المحادثات ستكون سهلة. فلن تقتصر الحواجز التي تعترضها على برنامج إيران النووي الذي يتطور بسرعة فحسب، بل ستشمل دعمها للميليشيات المناهضة لإسرائيل مثل حماس وحزب الله والحوثيين. ويعد هذا الدعم أساسيًا لأسس النظام ومظهر خامنئي، وفي هذا النطاق لا يبدو الرئيس الإصلاحي المنتخب حديثًا مستعدًا للتغيير. فقد كتب بيزشكيان بالفعل إلى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، متعهدا بمواصلة الدعم. كما تحدث هاتفيا مع فلاديمير بوتين، وأعلن، وفقًا للكرملين، استعداده «لتوسيع التعاون المتبادل». قد لا يكون بوتين سعيدا بعودة ظريف، الذي لا تخفى على أحد كراهيته لدفء العلاقات بين طهران وموسكو. (وذهب آخرون في فلك روحاني، ومنهم الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث انتقدوا بشدة دعم إيران للغزو الروسي لأوكرانيا، بل ودعمها للميليشيات المناهضة لإسرائيل). لكن فريق مستشاري الرئيس المنتخب يتضمن أيضا مهدي سنائي، وهو سفير سابق في موسكو يجيد الروسية ويحظى بشعبية كبيرة في الدوائر الدبلوماسية والأمنية الروسية. ومن المرجح أن يحصل على منصب في الحكومة الجديدة.

في الوقت الحالي، ليس من المرجح أن تتغير مواقف الجمهورية الإسلامية العميقة المناهضة للغرب وإسرائيل - فضلًا عن دعمها للميليشيات الإرهابية في مختلف أنحاء المنطقة. لكن صعود بيزشكيان يشير كثيرًا إلى نهج مختلف تجاه الغرب هو محاولة لخفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق لتخفيف العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني. وبشأن أمور كثيرة أخرى في إيران، فإن شكل هذا النهج الجديد ومضمونه سوف يتأثران بالمعارك المستمرة داخل المؤسسة.

آراش عزيزي كاتب ومؤرخ إيراني يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية

عن نيوستيتسمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من المرجح أن

إقرأ أيضاً:

كيف انحسر النفوذ الإيراني في سوريا؟

لم يكن الثامن من ديسمبر/ كانون الأول للعام 2024 يومًا عاديًا في تاريخ الشعب السوري.  فانهيار نظام البعث وآل الأسد في سوريا يمثل نقطة الانعطاف المهمة والنصر بعد أربعة عشر عامًا من الثورة التي قادها الشعب السوري؛ لإسقاط النظام الاستبدادي، دفع خلالها السوريون الآلاف من أبنائهم وبناتهم، كما هُجّر أكثر من عشرة ملايين، سواء داخل سوريا أو إلى بقاع أخرى في العالم.

لكن هذه المسألة التي تبدو سورية بحتة، هي في الحقيقة زلزال سياسي على مستوى منطقة الشرق الأوسط، بل ويتجاوز ذلك ليساهم في تطورات جديدة على المستوى العالمي، وتغيير في طبيعة التحالفات التي ستتأثر بموجب هذا الانهيار وطبيعة التحالفات التي ستظهر.

فانتهاء وسقوط حزب البعث في سوريا، أعلن انحسار النفوذ الإيراني في عاصمتين عربيتين هما دمشق، وبيروت، من بين أربع عواصم كانت إيران تسيطر عليها في العقد الماضي، هي: بيروت، ودمشق، وبغداد، وصنعاء. وبانحسار هذا النفوذ في سوريا، ولبنان بالتسارع الذي حصل، يحضر سؤال حول قدرة ذلك النفوذ على الاستمرار في العاصمتين الأخريين في مواجهة ماراثون التغييرات الإقليمية والدولية.

لقد بدأت ملامح ذلك النفوذ تتشكل قبل بدء الربيع العربي، وتحديدًا في العام 2003، حيث سقوط نظام البعث في العراق. تسعى هذه المقالة إلى تحليل جذور المعطيات التي أدت إلى إعلان انحسار النفوذ الإيراني في سوريا ومعها لبنان، وكيف لم تنجح إيران في الحيلولة في منع انحسار ذلك النفوذ رُغم الاستثمار السياسي، والاقتصادي، والأمني في النظام السوري لأكثر من 44 عامًا.

إعلان العراق مفتاح السر

لا يمكن فهم العلاقة السورية الإيرانية إلا من خلال فهم التناقض بين نظام البعث في سوريا، ونظام البعث الذي كان قائمًا في العراق، وكذلك تدهور العلاقة بين إيران، والعراق، مع تأسيس الجمهورية الإسلامية.

لقد كان وجود نظام البعث في العراق محركًا كبيرًا نحو دفع العلاقة بين آل الأسد في سوريا وبين الجمهورية الإسلامية، خاصة في وقت كانت فيه إيران تتطلع إلى علاقة مع غرب المشرق العربي المطل على البحر الأبيض المتوسط. علاقة تُضيف إلى خطابها المتعلق بتبنّي الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يُعزز الشرعية الداخلية وصورة النظام السياسي في الخارج.

التقى ذلك مع التنافس بين حزبَي البعث السوري، والعراقي في تبنّي القضية الفلسطينية، حيث كان التصور العام أن الدعم العراقي للحق الفلسطيني أكثر صلابة من السوري آنذاك.

عبر هذه العلاقة استطاعت إيران أن تجد ملاذًا للشيعة المعارضين لنظام البعث في العراق، كما استطاعت أن تُحدث اختراقًا في المشهد السياسي العراقي. يضاف إلى ذلك تمكنها من بناء الجسور القوية مع حركات التحرر والمقاومة الفلسطينية ابتداءً من منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، وانتهاءً بحركة المقاومة الإسلامية حماس.

وفي سياق البعد المذهبي أولًا، ثم خطاب المقاومة ثانيًا، أسست لعلاقة قوية مع حزب الله في لبنان، حيث وفّرت سوريا له جسرًا للإمداد السياسي والعسكري.

بقي العراق حتى العام 2003 في قلب تطور العلاقة السورية الإيرانية، لكن انهيار نظام البعث في العراق أفقد العلاقة أحد أهم روافعها الأصلية، وتحول العراق كله ساحة للنفوذ الإيراني، وربما بكلفة أقل من العلاقة مع سوريا، لكن الوجود الأميركي في العراق كان معيقًا لإيران في ممارسة نفوذها الكامل هناك.

لم تزل أهمية سوريا تمامًا في خريطة النفوذ الإيراني، والدليل على ذلك هو تبنّي الجمهورية الإيرانية سياسة التدخل العسكري المباشر للدفاع عن النظام السوري، حتى وإن تم ذلك ظاهريًا بناءً على دعوة الرئيس المخلوع بشار الأسد عام 2012.

إعلان

منحت ما تسمى "الحرب على الإرهاب" في غرب العراق، ثم في شرق سوريا، إيران فرصة كبيرة لتجديد وتعزيز نفوذها في البلدين بعد العام 2014، لا سيما أن تلك الحرب كانت تجري في سياق تحالف دولي تقوده واشنطن.

وقد قدّمت إيران نفسها كلاعب إقليمي متضرر من الجماعات الإرهابية، ويستطيع المساعدة، وبهذه الإستراتيجية تعزز نفوذ إيران في سوريا، وفي العراق، كما نجحت في تقديم سردية قوية للداخل الإيراني حول السياسة الخارجية الإيرانية في هذين البلدين، تُبدد أي شك يمكن أن يطرحه معارضو النظام.

رُهاب تغيير الوضع القائم

دفعت إيران بمجهودها السياسي والأمني والعسكري؛ للمحافظة على الوضع القائم الذي أسست فيه لنفوذها في سوريا، وقد بدأت ذلك بتأسيس سردية حول مظاهرات السوريين ضد نظام الأسد تصفها بأنها موجهة لما يُسمى بمحور المقاومة الذي تقوده طهران، متجاهلة ما كان يتعرّض له السوريون من بطش واستبداد.

تبنّي هذه السردية وربطها بالحرب الأممية والتحالف الدولي ضد الإرهاب، أدخلها إلى "جحر الضب"، حيث إن الاستمرار في دعم نظام الأسد كان استنزافًا سياسيًا وأمنيًا، وفي ذات الوقت فإن التراجع عن دعمه سيقود إلى انحسار طالما حاولت طهران تأجيله.

لقد جعل التدخل الإيراني في سوريا الجمهورية الإسلامية هدفًا سهلًا لإسرائيل التي ربما لم تتوقع أن يحصل مثل هذا الأمر. فكلما زادت طهران من وجودها على الأرض السورية، تعددت الأهداف التي يقصفها الإسرائيليون.

وقد تزايدت هذه الهجمات الإسرائيلية بشكل مضاعف بعد العام 2015، حيث الحضور العسكري لحزب الله، وكذلك ما كانت تسميه إيران بالمستشارين العسكريين الذين كانوا يقدمون الدعم للنظام السوري؛ لإبقائه متماسكًا.

لقد دفعت إيران وحلفاؤها: (حزب الله والمليشيات الأفغانية، وغيرهما)، ثمنًا بشريًا لسياستها في سوريا، حيث تتحدث الإحصائيات عن مقتل أكثر من 2300 من قوات الحرس الثوري الإيراني، وحوالي 2000 من لواء "فاطميون" الأفغاني الذي كان يقاتل في سوريا، فيما قُتل حوالي 1000 من مقاتلي حزب الله.

إعلان

خسرت الجمهورية الإسلامية أخلاقيًا؛ بسبب الدعم اللامتناهي للنظام السوري، وتجاهلها تطلّعات السوريين إلى التحرر من الاستبداد، وتناست أو تجاهلت ما فعل الإيرانيون أنفسهم حين قاوموا استبداد النظام الملكي البهلوي، وجاؤوا بالجمهورية الإسلامية.

هذا التجاهل أبقى السؤال قائمًا: ما الذي غاب عن صُنّاع القرار في طهران حين اختاروا أن يدافعوا عن الاستبداد؟ وهل كان القرار من منطلق مصلحة الثورة، أم منطلق مصلحة الدولة؟

ما أعتقده هو أن المنطلق كان مصلحة صورة الثورة ومنظومتها العقدية اللتين تواجهان شعورًا بالتهديد، وفي مثل هذه الحالات عادة ما تغيب البدائل، وينتج عن ذلك الخسارة.

أما الأنظمة التي تفكّر من منطلق مصلحة الدولة، فعادة ما تملك بديلًا أو بدائل تقلل من خسائرها، وتحميها من خسارة مدوية على مستوى الصورة والنفوذ.

لقد تعززت تلك الخسارة حين فشلت الجمهورية الإسلامية في الإبقاء على التناغم الكافي في دعم القضية الفلسطينية، في حين تراجعت علاقتها مع حركة حماس التي لم تؤيد النظام السوري في سياسته نحو السوريين، لكنها لم تنقطع تمامًا.

كما أن إيران – وفق المتاح من المعلومات – لم تضغط على نظام الأسد لوقف الهجمات على أماكن إقامة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك وغيره، والتي تبين أنها تعرضت لما يشبه الإبادة الجماعية المسكوت عنها.

لقد ظهر جليًا أن هناك ما يمكن تسميته بـ " الرُهاب" من تغيير الوضع القائم، لا سيما إذا لم تكن هناك يد لطهران في ظهور وضع أو تطور جديد.

من هنا رحّبت إيران بالتغيير في العراق؛ لأنه أنتج واقعًا يحقق مصالحها، مقارنة بالعراق في ظل البعث. ولكنها أصيبت بحيرة كبيرة إزاء الربيع العربي، قبل أن تنحاز لمصالحها على حساب القيم في التعامل مع دوله، ففي حين كانت منفتحة إيجابيًا على ما يحدث في البحرين، تبنّت موقفًا معاديًا تمامًا للحراك السوري، وذهبت لاعتباره مدعومًا أميركيًا، واتهمت تركيا بأنها في إسلامها إنما تمثل الإسلام الأميركي.

إعلان

واستمر "الرُهاب" من تغيير الوضع القائم ليمتد إلى طوفان الأقصى. فرغم الدعم السياسي المعلن، لا يبدو أن إيران ترحب بتغيير الوضع القائم في غزة، ولا في إضعاف قوة حزب الله التي نتجت عن عملية طوفان الأقصى.

خاتمة

يبدو أن انحسار النفوذ الإيراني لم يكن إلا نتيجة إستراتيجيات تغيب عنها البدائل، والفهم العميق للمتغيرات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها بدأت بخسارة أخلاقية في غياب التناغم في فهم "الدفاع عن المظلومين والمستضعفين"، فسطوة المستبدين لا تختلف عن سطوة المحتلين.

في نفس السياق، فإن هذا الانحسار في كل من سوريا، ولبنان، ليس إلا البداية، كما أنه يمثل انهيارًا لأحد أهم مرتكزات نظرية الأمن القومي الإيراني بعد الحرب العراقية الإيرانية، التي كانت تستند إلى الحضور خارج الحدود؛ لمواجهة الأخطار المحتملة وليس انتظارها حتى تقترب من الحدود. ولعل العراق – وفق المعطيات – سيكون المحطة التالية التي سيواجه فيها النفوذ الإيراني تحديات، وربما اختبارات صعبة.

إن أي تطور يطرأ على النفوذ الإيراني في العراق سيكون مرتبطًا بشكل العلاقة الأميركية العراقية، والأميركية الإيرانية في عهد الإدارة الأميركية للرئيس السابع والأربعين دونالد ترامب.

كما يجب عدم تجاهل تأثير أي مواجهة عسكرية محتملة بين إيران وإسرائيل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • المرشد الإيراني: ليس لنا وكلاء في المنطقة
  • ثمن بقاء النظام الإيراني
  • كيف انحسر النفوذ الإيراني في سوريا؟
  • أستاذ بجامعة القاهرة: الانفتاح على الخبرات العالمية في قطاع التعليم يعزز تطوير المنظومة
  • عندما يُفكر الشيطان .. “ستارمر” نموذجا
  • المفتي يحذز من السنجل مازر: الانفتاح على الغرب لا يعني التخلي عن الهوية والأخلاق
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات على كيانات إيرانية والحوثيين في تصاعد للتوترات.. العقوبات تهدف إلى تعطيل تدفق الإيرادات التي يستخدمها النظام الإيراني لتمويل الإرهاب في الخارج وللقمع الداخلي لشعبه
  • أسماء قيادات حوثية وشركات صرافة شملتها عقوبات الخزانة الأمريكية الأخيرة.. من هو المسئول الأول عن الأموال التي تصل الحوثيين من إيران
  • ستارمر: نحتاج التحدث مع قادة سوريا الحاليين
  • ستارمر: لمستقبل أفضل.. علينا التحدث مع "القادة الجدد" بسوريا