Your browser does not support the audio element.
تعيش المنطقة برمتها حالة من التقلبات السياسية والاقتصادية و العسكرية، وهو أمر غير مستغرب في ظل التجاذبات وصراعات المصالح بين دول الإقليم، ويزداد الأمر شراسة، حينما تهجم على المشهد مصالح الدول الكبرى التي تريد نصيبها من ثروات وموارد هذه المنطقة الحيوية من العالم بنفطها وغازها وسلمها وحربها وكعكتها الاقتصادية والاستثمارية والمالية.
وفي هذا المعترك من السياسات المتناقضة والأجندات الخفية والمعلنة خاصة تلك التي ترتطم بالمواقف واللحظات التاريخية الكبرى مثل أحداث السابع من أكتوبر وحرب الإبادة التي يقودها مجرمو الحرب في القيادة الإسرائيلية الحالية ومن خلفهم منظومة القرار السياسي الغربي في مجمله واصطفافات كل دولة في الإقليم بما يملي عليها الوضع من مصالح لحماية نظمها وحساباتها القصيرة والبعيدة الأمد ضمن براغماتية سياسية لا تعرف ولا تعترف بالعواطف، في خضم كل هذا التفاعل الذي لا يمكن الاستخفاف بخطورته واستحقاقاته وتداعياته علينا، فإن سلطنة عُمان بقيادتها وشعبها وتاريخا وحضارتها لم يكن ليلتبس عليها غبش المواقف وتبيان الحق من الباطل ولم تغفل لوهلة أن تكون على الضفة الصحيحة والأخلاقية من التاريخ وعلى السفوح المشرقة للمبادئ والأديان والقيم الإنسانية المشتركة وعروة الرباط الإنساني والفطرة السوية، وهو الأمر الذي يفسر رفضها لهذه المزايدات والكيل بمكيالين وازدواجية المعايير فالـ 88 ألف شهيد من غير الجرحى والمصابين الفلسطينيين في حرب الإبادة بغزة هم بشر من لحم ودم مثلهم مثل مواطني أوكرانيا الذين يتشدق الغرب الآن بمعاناتهم من الحرب الروسية/ الأوكرانية.
ولذلك لم يكن مستغربا، أن يدعو معالي السيد وزير الخارجية العماني المجتمع الدولي في أكتوبر المنصرم «إلى إجراء تحقيق مستقلّ حول العدوان الإسرائيلي ومحاكمة إسرائيل على استهدافها المتعمّد للمدنيين في قطاع غزة ومنشآتهم وحرمانهم من احتياجاتهم الإنسانية وتجويعهم وإخضاعهم للحصار والعقاب الجماعي».
في السياق ذاته، هناك العديد من السرديات المشتعلة التي تتدافع في المشهد الإقليمي، فهناك القوى الطامحة التي تسعى لتشكيل سرديتها الخاصة بالحاضر والمستقبل وهناك من القوى التي لا تزال جذوة التاريخ مشتعلة في أبراجها وتستفزها طموحات الحاضر لإحياء ماضٍ تولى، بل وهناك من السرديات الصاعدة التي ترفض القبول بتقليدية الحال جملة وتفصيلا.
المؤكد أن العالم يتغير من حولنا بسرعة ولا تهمه كل هذه الشعارات المجانية والمستهلكة لفرط ما انتهكت وضرب بها عرض الحائط حينما اختلفت المصالح والأولويات ولا أرغب تحفظا الإشارة إلى أمثلة قريب بعضها وليس بعيدها ببعيد، ضمن خلافات وتقلبات ومماحكات دول الإقليم بين ليلة وضحاها.
في ظل سياق كهذا ومعتركات سياسية واقتصادية وعسكرية تنهال كالرمال المتحركة وتدوي كالأودية الجارفة، أعتقد أننا وفي هذه اللحظة الحرجة من التاريخ، بحاجة إلى تحصين الوطن بما يحفظ له سؤدده ومقامه في الإقليم ولن يتأتى ذلك دون تعزيز تحصينات القلعة الاقتصادية في بلد مثل عُمان وتعميق خطوط دفاعنا الاقتصادية بكل السبل والطرق والمسارات وهو المخرج الأكثر واقعية لمجابهة وطأة الجغرافيا وجنون التاريخ إن صح التعبير ويعلمنا تاريخنا الضارب في عراقته وحضارته أننا كنا الأكثر قوة ومهابة كلما كانت قلعتنا الاقتصادية شامخة وصامدة وهي التي حملت الأساطيل والتجارة والحضور العماني بكل تجلياته في المنطقة.
وبالتالي فإننا في عُمان نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز جاهزيتنا الاقتصادية وهو أمر يحتم علينا جميعا أن نلتفت وبكل جدية إلى تمكين المكون الأهم في هذه المعادلة المعقدة وهم شباب هذا الوطن، تمكينهم بالمعنى الحقيقي للكلمة وضمان الحياة الكريمة لهم عبر الشروع في خطوات تتجاوز المسارات الحالية رغم الجهود الكبيرة المبذولة وذلك من خلال توفير فرص العمل الحقيقية والتخلص من معيقات الراهن وأهمها إيجاد العمل والمسكن فهما كرامتا الإنسان وانطلاقه ضمن تدافعات ومقتضيات الحياة الكريمة ودونهما فإن الأمر لا يستقيم، ومهما كتب حول الرقي بالبلاد والانتقال بها نحو مصاف الدول المتقدمة، وهو ما تسعى إليه القيادة العمانية بكل اقتدار وإخلاص في هذا العهد الزاهر، فإن ذلك كله منوط باقتصاد قوي وديناميكي ومتطور ومولد للوظائف ويتسع لاحتواء شباب الوطن وقدراتهم في وظائف حقيقية والخوف كل الخوف أن يتمترس البعض تحت جدارية وذهنية أن اقتصادنا «غير مولد للوظائف» وبقاء الوضع بهذه القتامة والهزال في انتظار «جودو» ما لمعالجته.
ومن هذه المنصة المتحضرة من جريدة «عمان» أناشد الجهات المختصة برفع وإلغاء كافة الرسوم المفروضة على أصحاب المؤسسات المتوسطة والصغيرة والصغرى بما فيها رسوم استقدام العمال إذا كان في ذلك ما يعينهم دون إفراط أو تفريط (وفقا للنشرة الإحصائية الشهرية للمركز الوطني للإحصاء لشهر يونيو 2024، فإن المؤسسات المصنفة بالمتوسطة انخفضت من 1905 مؤسسة في عام 2023 إلى 1895 خلال الربع الأول من عام 2024 فيما انخفضت المؤسسات الصغيرة من 32.085 مؤسسة خلال العام الماضي إلى 30.857 في مطلع عام 2024 في مقابل زيادة للمؤسسات «الصغرى» من 206.059 في 2023 إلى 211.521 خلال الربع الأول لعام 2024) وكذلك فإن وزارة الإسكان والتخطيط العمراني لها وللجهات الرسمية الأخرى، كل الحق السيادي في تنظيم القطاعات وتقنينها وضبطها بما يخدم مصالح الوطن العليا، ولكن يبدو أن هناك مساحة شائكة وغرائبية بين التقنين وتنظيم منح الأرض والمسكن وبين التضييق المفرط وأقترح كمواطن على الوزارة مراجعة هذا الوضع، علما أن هناك بونا شاسعا بين توفير عقارات باهظة التكلفة للفئات المقتدرة ماليا في مجمعات سكنية فارهة تخدم شريحة معينة من الناس وبين توفير مسكن لائق ضمن متوسط دخول ورواتب غالبية الشباب العماني لاسيما وأن عدد العمانيين العاملين على سبيل المثال ممن رواتبهم من 1000 ر.ع وأقل من 2000 ر.ع يصل إلى 46658 موظفا من إجمالي العاملين في القطاع الحكومي والبالغ عددهم وفق النشرة 183841 موظفا بينما يصل عدد الفئة ذاتها من الرواتب في القطاع الخاص إلى 40016 موظفا من إجمالي 256856 موظفا لغاية مايو 2024 (انخفض عدد العمانيين العاملين في القطاع الحكومي والخاص والأهلي من 853204 عام 2023 إلى 828221 في مايو 2024) وأخشى أننا بهكذا توجه رغم أهميته البالغة في التنمية العمرانية إلا أننا نكرس الفجوة بين شرائح المجتمع وننفصل عن واقع النسبة الأكبر من احتياجات الشباب العماني من الأرض والمسكن بممارسات وشروط هي إلى التضييق أقرب بالنظر إلى مستويات الأجور والرواتب في القطاع العام والخاص.
في السياق ذاته، أقترح على الجهات المعنية أن تخصص نحو مليون ريال سنويا كجوائز للمبتكرين والمبدعين والنوابغ وأفضل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمبادرات التي تركز على العمل الحر وتوظيف العمانيين أسوة بالجوائز السخية التي تمنح الآن لبعض الفعاليات الشعبية مع كافة التقدير لأهمية دعم مثل هذا التوجهات والفعاليات.
إن هنالك الكثير من الخطوات التي من شأنها تحسين الوضع القائم ولا يتسع المقام للإسهاب فيها، ولكن الأمر يحتاج ألا نغفل عن حراس قلعتنا الاقتصادية والأخذ بيدهم وتمكينهم وهم شباب هذا الوطن ودرعه الحصين وأمله لبناء مستقبل مشرق في هذا العهد الزاهر، يليق بعمان والعمانيين قيادة وشعبا.
يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی القطاع
إقرأ أيضاً:
«بيطري الدقهلية»: تحصين 55 ألف رأس ماشية ضد الحمى القلاعية ضمن الحملة الثالثة
كشف اللواء طارق مرزوق محافظ الدقهلية، عن تحصين مديرية الطب البيطري بمحافظة الدقهلية 55 ألف رأس ماشية ضمن أعمال الحملة القومية الثالثة، لمقاومة الحمى القلاعية وحمى الوادى المتصدع، بهدف الحفاظ على الثروة الحيوانية، وحمايتها من الأمراض.
تحصين ما يقرب من 55 ألف رأس ماشية ضد الحمى القلاعية بالدقهليةووجه محافظ الدقهلية بضرورة استمرار الحملة لمدة شهر مع العمل علي تقديم التوعية الشاملة لأصحاب رؤوس الماشية بنطاق المحافظة بالحملة، وسرعة تحصين الحيوانات ورؤوس الماشية للحفاظ عليها وحمايتها من الأمراض.
أعمال التحصين جاءت لمنع انتشار المرض في بدايتهوأوضح الدكتور السيد الحسنين، مدير مديرية الطب البيطري بالدقهلية، أنه لا توجد حالات اشتباه إصابة، وأن أعمال التحصين جاءت لمنع المرض، وتشمل الحملة تحصين رؤوس الماشية والأغنام والأبقار والجاموس، وتم تحصين حوالي54 ألفا و973 رأس ماشية.