عن تنازلات حماس ومجاعة غزة وخطيئة العرب
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
Your browser does not support the audio element.
عندما ينشر هذا المقال تكون حرب طوفان الأقصى مرشحة خلال هذا الشهر لتجاوز المدة التي قضتها الحرب العربية/ الإسرائيلية الأولى التي عرفت بحرب 1948 لتصبح غزة صاحبة أطول حرب عربية - إسرائيلية.
أما ضحايا الحرب الحالية من أبناء الشعب الفلسطيني شهداء وجرحى ومفقودين تخطى حرب الـ٤٨ بعدة أضعاف.
في هذه اللحظة التاريخية يكون السؤال عن مصائر الحرب الراهنة مشروعا.. خاصة وأنها تشهد تحولا فلسطينيا وعربيا محزنا معاكسا للبدايات. تحولا لا يتسق أبدا مع هزيمة العار الإسرائيلية في ٧ أكتوبر ولا الفشل المخزي لجيش الاحتلال في تحقيق هدف واحد من أهداف الحرب رغم مرور ما يقرب من عشرة شهور.
هذا التحول هو اضطرار المقاومة وحركة حماس للمرة الأولى لتقديم تنازلات صريحة في بعض مواقفها تقول مصادر قريبة منها إنها تنازلات تكتيكية وهذا أقرب للمنطق. لكن مصادر أمريكية وإسرائيلية تزعم أنها تنازلات جوهرية من شأنها ليس فقط تضييع إنجاز طوفان الأقصى بل تضييع كامل إنجاز المقاومة المسلحة منذ مفترق الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة ٢٠٠٥.
بعبارة أخرى يجري تلخيص الحرب سياسيا في هذه اللحظة في الجملة المتكررة عبر وسائل الإعلام في الأيام العشرة الأخيرة: «التوصل لاتفاق هدنة وتبادل رهائن أصبح ممكنا وقريبا بسبب تنازلات قدمتها حماس» وزاد الرئيس الأمريكي بايدن على ذلك زاعما إن إسرائيل وحماس وافقتا، مساء الجمعة، على إطار صفقة الرهائن التي قدمها قبل 6 أسابيع.السؤال هو لماذا قدمت المقاومة هذه التنازلات رغم صمودها الأسطوري وتكبيدها العدو خسائر بشرية هي عشرة أضعاف ما خسره في حرب ٢٠٠٦؟
لن أتحدث مجددا عن ضغوط أمريكا وحلفائها العرب التي سبقت هذه التنازلات فقد ناقشها مقال سابق لصاحب هذه السطور «تقدير موقف» الجمعة 5 يوليو 2024 هل تحوّلت مناظرة «بايدن - ترامب» إلى خطة لإكراه المقاومة على الركوع؟!. وكانت سببا من أسباب اضطرار المقاومة لتقديم هذه التنازلات الصريحة. ولكن سأتحدث عن العوامل الأخرى التي شكلت بيئة قرار المقاومة بالتراجع سياسيا خطوة للوراء إذ ما زالت عسكريا وفي الميدان صامدة تؤلم العدو وتكبده الخسائر التي توجع قلب إسرائيل يوميا.
العامل الضاغط رقم واحد على المقاومة في التنازل أو المرونة، سمها كما شئت، يتلخص في كلمة واحدة هي المجاعة الشاملة التي وصل إليها سكان غزة.
لا نتكلم عن التدمير الممنهج للزراعة وتدمير المخابز ومطاحن الدقيق وتدمير الصيد في بحر غزة ولكن نتحدث أساسا عن عواقب احتلال إسرائيل ممر فيلادلفيا وما أعقبه من إغلاق معبر رفح البري مع مصر منذ نحو ٦ أسابيع فبعده انقطعت عن غزة تماما كل المساعدات الغذائية والدوائية.
وبات تحذير الأمم المتحدة في مارس الماضي من أن غزة في شبه مجاعة هو واقع أليم تطور إلى مجاعة شاملة. ومع تعطيل المستوطنين المتطرفين لدخول أي مساعدات من كرم أبو سالم وتفكك الرصيف البحري الأمريكي وتوقف الإسقاط الجوي للمساعدات.. لم يدخل إلى غزة منذ ٤٠ يوما كاملة طعاما ولا دواء. استخدام الإسرائيليين للتجويع القسري المحرم دوليا تم الاعتراف علنا بأنه وسيلة للضغط السياسي على المقاومة فبات مليون طفل في غزة مهددين بالموت جوعا ومعهم مئات الألوف من النساء وكبار السن يعيشون بالقرب من مقالب القمامة بحثا عن الغذاء إضافة إلى آلاف آخرين أصيبوا بالتسمم الغذائي لأكل وشرب مواد منتهية الصلاحية لعدم توافر غيرها.
المجاعة الفلسطينية في قطاع غزة والتي قد تدفع المقاومة لتنازلات عجزت إسرائيل عن الحصول عليها بالحرب ليست جريمة إسرائيلية - أمريكية فقط ولكنها جريمة عربية بامتياز. بعبارة أخرى هي ترجمة لكل الخطايا التي ارتكبها النظام العربي الرسمي منذ بداية الأزمة فهي لم تكن لتحدث لو أن وحدات هذا النظام اعتبرت موت الفلسطينيين جوعا هو خط أحمر عليها أن تمنع إسرائيل من فرضه ٢٨٢ يوما على ما يقرب من 2.5 مليون عربي فلسطيني في غزة.
فما كانت إسرائيل لتستطيع منع قرار عربي جماعي بإيصال المساعدات لغزة يوفر غطاء لدول الطوق.. وكان العالم ليقف داعما خاصة مع طلب آلاف من كبار الشخصيات العامة وحائزي نوبل استعدادهم لتصدر قوافل مساعدات تعبر إلى غزة وهو ثمن لم تكن إسرائيل تستطيع تحمله بقتل كل هؤلاء ومعاداة شعوب الأرض جميعا. لكن النظام العربي كان من البداية قد قرر إن من مصلحته القضاء على المقاومة التي تعيق قطار التطبيع وراهنت على أن نتنياهو قادر على ذلك في خلال فترة وجيزة. ورغم أن المقاومة خيبت ظنهم وصمدت ومازالت أكثر من 9 أشهر ورغم أن حاضنتها الشعبية لم تنقلب عليها حتى مع تضحيات بلغت مائة وثلاثين ألفا بين شهيد وجريح ومفقود إلا أن أرواح ودماء الشهداء وأصوات الأطفال الجوعى الباحثين عن لقمة في غزة لم تحرك أي دماء في عروق مترفة يابسة. نظام عربي اعتبرت وحدات فيه أن السلام مع إسرائيل هو ركيزة الأمن الإقليمي والضمانة الوحيدة للتودد ونيل رضا واشنطن وما يتبعه من رضا وتمويل المؤسسات الدولية.. واعتبرت وحدات أخرى أن التطبيع مع إسرائيل سينقل علاقتها مع واشنطن لمرتبة حلفاء الناتو ويقيها من تهديد إيراني حقيقي أو موهوم.
النظام العربي الرسمي لم يكتف بالتواطؤ على حدوث المجاعة في غزة وامتنع عن تحدي قرار نتنياهو قطع الطعام عن القطاع هو نفسه الذي منع انهيار الأمن الغذائي الإسرائيلي بعد نجاح أنصار الله في منع السفن المتجهة لإسرائيل، فوفرت دول عربية طريقا بريا ممتدا من الخليج إلى إسرائيل لشاحنات تحمل كل المواد الغذائية.
كان على المقاومة هنا أن تعتمد على نفسها وتقرر في حدود المتاح تقديم بعض التنازلات التكتيكية إذ لا تريد المقاومة أن تفقد حاضنتها الشعبية ولا تستطيع أن تطلب منها المستحيل ولهذا فهي ترى أن اتفاقا للهدنة سيسمح للسكان بعبور محنة المجاعة لأن تدفق المساعدات هو مطلب رئيسي للمقاومة من عقد الاتفاق. تدفق المساعدات حتى لستة أسابيع سيسمح بتحسن في الوضع الغذائي كما حدث في الهدنة الأولى ويسمح بالتالي في رفع الروح المعنوية مجددا، كما يتيح تخزين بعض المؤن الغذائية للمستقبل تسمح بتثبيت الصمود سواء للسكان أو للمقاومين.
ليس أمام المقاومة عند لحظة الحقيقة حتى «ترف الاستسلام» فما يخيرها فيه الإسرائيليون هو والعدم سواء فهو إما السجن أو المقبرة كما قال جالانت قبل أيام، ولهذا فإن تجربة خروج عرفات والمنظمة من بيروت عام ٨٢ لن تتكرر في غزة ولن يخرج السنوار إلا منتصرا أو شهيدا.
حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على المقاومة فی غزة
إقرأ أيضاً:
مقترح جديد لوقف الحرب في غزة.. إسرائيل تقمع مظاهرات مناهضة لـ«نتنياهو»
صرح مسؤول فلسطيني رفيع المستوى، مطلع على المفاوضات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، “أن وسطاء مصريون وقطريون اقترحوا صيغة جديدة لوقف الحرب في غزة”.
ووفقا للمسؤول، “يتضمن المقترح هدنة تستمر بين 5 و7 سنوات، وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وإنهاء الحرب رسميا والانسحاب الإسرائيلي كامل من غزة”.
وصرح المسؤول الفلسطيني المطلع على المحادثات لـ”بي بي سي”، “أن حماس” أبدت استعدادها لتسليم إدارة قطاع غزة لـ”أي كيان فلسطيني يتم الاتفاق عليه على الصعيدين الوطني والإقليمي”.
وأضاف أن “هذا الكيان قد يكون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، أو هيئة إدارية حديثة التأسيس”.
ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة مستقبلا، الذي تحكمه حماس منذ عام 2007، وفي حين أنه من السابق لأوانه تقييم احتمالات نجاح هذا المقترح، وصف المصدر جهود الوساطة الحالية “بأنها جادة، وقال إن حماس أبدت “مرونة غير مسبوقة”.
هذا “وانهار آخر وقف لإطلاق النار قبل أكثر من شهر، عندما استأنفت إسرائيل قصف قطاع غزة يوم 18 مارس الماضي”.
ومن المقرر “وصول وفد رفيع المستوى من حماس إلى القاهرة لإجراء مشاورات، يتصدره رئيس مجلسها السياسي محمد درويش، وكبير مفاوضيها خليل الحية”، كما أفادت تقارير صحفية “أن وفدا إسرائيليا وصل إلى العاصمة المصرية مساء الأحد، لإجراء محادثات مع وسطاء والسعي إلى تحقيق تقدم في المفاوضات”.
يأتي ذلك بعد أيام من رفض الحركة آخر مقترحات إسرائيل، الذي “تضمن مطلبا بنزع سلاح حماس مقابل هدنة لمدة 6 أسابيع، بما يتيح لها استئناف الحرب بعد انتهاء الهدنة”.
ورغم الضغوط التي يتعرض لها من أهالي الرهائن، أعلن نتنياهو أكثر من مرة “أنه لن ينهي الحرب قبل القضاء على حماس وعودة جميع المحتجزين في قطاع غزة، بينما طالبت حماس إسرائيل بالالتزام بإنهاء الحرب قبل إطلاق سراحهم”.
الشرطة تتدخل بعنف ضد متظاهرين مناهضين لنتنياهو وتعتقل عددا منهم
شهدت تل أبيب مساء أمس “تظاهرة ضخمة شارك فيها آلاف الإسرائيليين احتجاجا على محاولات نتنياهو استغلال الأجهزة الأمنية لأغراض سياسية، وقد شهدت التظاهرة تدخلا عنيفا من الشرطة واعتقالات”.
يأتي ذلك في أعقاب، إفادة رئيس جهاز الشاباك رونين بار للمحكمة العليا، والتي كشف فيها عن “طلب نتنياهو منه ملاحقة المحتجين واستخدام الشاباك لأغراض سياسية، بالإضافة إلى محاولة تأجيل محاكمته في قضايا فساد بدواع أمنية”.
وتوافد “آلاف المتظاهرين إلى ساحة “هبيما” في تل أبيب، ورفعوا لافتات كتب عليها “نتنياهو تجاوز خطا أحمر”، “الديمقراطية الإسرائيلية على المحك”، و”أقيلوا نتنياهو الآن”.
وطالب المتظاهرون كذلك “بصفقة فورية لتبادل الأسرى مقابل وقف الحرب في غزة، ورفعوا صورا لأسرى إسرائيليين محتجزين لدى حماس في غزة”.
وشهدت التظاهرة كلمة لرئيس حزب “الديمقراطيين” يائير غولان، الذي اعتبر أن نتنياهو يشكل “خطرا واضحا وفوريا على أمن وسلامة مواطني إسرائيل” ودعا إلى اعتقاله وفتح تحقيق معه بناء على ما كشفه رئيس الشاباك.
وحاولت الشرطة الإسرائيلية “تفريق المتظاهرين بالقوة، خاصة عند اقترابهم من طريق أيالون السريع، فاشتبكت معهم واعتقلت شخصين على الأقل خلال عملية التفريق”.
ووصفت وسائل إعلام عبرية القمع بأنه “جاء بعد تصاعد الغضب الشعبي والمخاوف من استخدام نتنياهو الأجهزة الأمنية لملاحقة معارضيه”.
وتأتي هذه التظاهرات “وسط تصاعد التوتر بين القيادة السياسية والمؤسسة الأمنية، بعد إفادة رئيس الشاباك التي اتهم فيها نتنياهو بطلب الولاء الشخصي واستخدام الجهاز لأغراض سياسية”.
وحذرت المعارضة الإسرائيلية من أن “سلوك نتنياهو، حسب إفادة رئيس الشاباك، “يعرض مستقبل ووجود إسرائيل للخطر ويمس بأمن الدولة”.
“القسام” تعلن مقتل وجرح عدد من الجنود الإسرائيليين شرق غزة
أعلنت كتائب “القسام”، الجناح المسلح لحركة “حماس”، “مقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين بعد استدراجهم لنفق مفخخ في حي التفاح شرق مدينة غزة”.
ومساء 19 أبريل الجاري، أقر الجيش الإسرائيلي “بمقتل ضابط في صفوفه وإصابة 3 عسكريين آخرين، بينهم ضابطة، بجروح خطيرة، خلال إحدى المعارك في شمال قطاع غزة، وبذلك يرتفع عدد العسكريين الذين أقر الجيش الإسرائيلي بمقتلهم منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023 إلى 847 قتيلا، بينهم 408 منذ بدء العملية البرية في الـ27 من الشهر ذاته”.
وتشير معطيات الجيش، المتهم بإخفاء الحصيلة الحقيقة لخسائره، إلى “إصابة 5 آلاف و780 ضابطا وجنديا منذ بداية الحرب على غزة، بينهم 2603 بالمعارك البرية، وتشمل المعطيات الضباط والجنود الذين قتلوا أو جرحوا في غزة والضفة الغربية ولبنان وإسرائيل”.
هذا “وبدعم أمريكي تشن إسرائيل، منذ 7 أكتوبر 2023، حرب في غزة خلّفت أكثر من 168 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود”.