أشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي، في خطاب عام في 2 أيار/مايو 2021، إلى احتمال تقلّص دور وزارة الخارجية في تحديد السياسة الخارجية للبلاد. وجاء هذا التصريح في أعقاب تسريب تسجيلات صوتية لوزير الخارجية آنذاك، محمد جواد ظريف، اشتكى فيها من محدودية سلطة وزارة الخارجية. وقد أكّد خامنئي على أن “السياسة الخارجية في مختلف أنحاء العالم لا تمليها وزارة الخارجية، بل مستويات السلطة الأعلى”.

اتّبع إبراهيم رئيسي، منذ تولّيه أعلى منصب في السلطة التنفيذية قبل ثلاث سنوات بعد انتهاء ولاية حسن روحاني، نهجًا دبلوماسيًّا يتماشى على نحو وثيق مع رؤية المرشد الأعلى لبلاده. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أحالت الحكومة مشروع قانون “التصدي للعقوبات” إلى مجلس النواب، وأنشأت مجموعة عمل لمعالجة المسألة.

تَرِد الأهداف الأساسية لمشروع القانون في ديباجته، وهي: “ضرورة التصدّي للعقوبات بطريقة فعّالة وقائمة على المبادئ”، و”تقديم الدعم الملائم للمواطنين المتضررين من العقوبات”، و”منع تأثير هذه العقوبات على أراضي البلاد”، و”وضع ضمانات للتنفيذ المناسب من أجل التصدّي للعقوبات ومنفّذيها”.

اللافت أن مشروع القانون أحال وزارة الخارجية إلى دورٍ مساوٍ للدور الذي يضطلع به المستشار القانوني للرئيس، ورئيس التلفزيون الرسمي، ووزارة الاستخبارات. وقد سلّطت هذه الخطوة، التي صادق عليها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في نهاية المطاف، الضوء على تضاؤل تأثير وزارة الخارجية في عهد رئيسي.

خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أسفرت مجموعة من الإجراءات عن تقويض دور وزارة الخارجية في السياسة الخارجية الإيرانية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك اعتماد “الخطة السابعة للتنمية” في تشرين الأول/أكتوبر 2023. هذه الخطة تمثّل الاستراتيجية الخمسية لإيران (2024 – 2029) التي تهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. إنها عبارة عن مشروع قانون تشريعي مؤلّف من 22 فصلًا في سبعة أقسام رئيسة هي التنمية الاقتصادية، والبنية التحتية، والتقدّم الثقافي والاجتماعي، والعلوم والتكنولوجيا، والسياسة الخارجية، والدفاع والأمن، والإصلاحات الإدارية. لقد همّشت الخطة السابعة للتنمية بشكل واضح وزارة الخارجية من خلال منح سلطة صنع القرار للجهات الفاعلة غير التقليدية في إيران، بما في ذلك القوات المسلّحة، ومنظمة الطاقة الذرية ووزارة الاستخبارات. فقد أُعفيت هذه الكيانات صراحة من تنسيق أنشطتها في الخارج مع وزارة الخارجية، ما تسبب بتقويض إضافي لدور الوزارة المركزي في الدبلوماسية الإيرانية.

في الأعوام الأخيرة، حدث تحوّل ملحوظ في المشهد الدبلوماسي الإيراني. ويبرز هذا التغيير من خلال اتفاقَين أساسيَّين يتمثّلان في التقارب مع السعودية في آذار/مارس 2023 والاتفاق الاستراتيجي الموقّع مع الصين في آذار/مارس 2021 والممتد لخمسة وعشرين عامًا. اللافت في الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين إيران والسعودية بوساطة صينية هو اقتصار مشاركة وزارة الخارجية على الحد الأدنى. وبدلًا منها، كان علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي وممثّل خامنئي، في موقع الصدارة في هذه المحادثات.

وعلى المنوال نفسه، تجاوز خامنئي وزارة الخارجية في إبرام الاتفاقية مع الصين لمدّة خمسة وعشرين عامًا. فقد أوكل المهمة الحاسمة بالتفاوض على الاتفاق وإنجازه إلى مستشاره السياسي علي لارجاني. تشير هذه التطوّرات إلى اتجاه أوسع نطاقًا يتمثّل في تنامي تأثير خامنئي في السياسة الخارجية. فقد أنشأ هيكليات سلطة موازية، سواءً داخل الجيش أو من خلال شبكة من المستشارين، لممارسة سيطرة أكبر. وبدا أن هذا النهج استمرّ من دون عوائق في عهد رئيسي.

منذ تنصيب رئيسي في عام 2019، شهدت السياسة الخارجية الإيرانية تحوّلًا مهمًّا. فقد تدهورت العلاقات مع البلدان الغربية، فيما ازدهرت الروابط مع روسيا والصين. يتواءم هذا الميل نحو الشرق مع توجّهات خامنئي، والدليل على ذلك الاستقبال الحار الذي خصّ به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ففي 19 تموز/يوليو 2022، عقد الرئيس بوتين، خلال زيارته طهران، اجتماعًا مع خامنئي قال فيه الأخير إنه لو لم تتدخّل موسكو في أوكرانيا، كانت المعارضة لتتسبب بنشوب نزاع من خلال سلوكيّاتها.

علاوةً على ذلك، أظهرت الصور التي التُقطت للاجتماع بينهما خامنئي مصافِحًا بوتين بحرارة، وهي خطوة لافتة، نظرًا لأن مكتب المرشد الأعلى لا ينشر عادةً صورًا من لقاءاته مع مختلف الشخصيات. وكان خامنئي قد أشاد ببوتين في لقاء سابق معه في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، واصفًا إياه بأنه “ذو شخصية قوية ورجل قرار وعمل”.

لا تزال المحادثات لإحياء الاتفاق النووي الذي أُبرِم مع الولايات المتحدة في عام 2015 غير حاسمة. في غضون ذلك، دأبت إيران على السعي إلى الحصول على العضوية في مؤسسات غير غربية، فانضمت إلى منظمة شنغهاي للتعاون وأبدت نيّتها بالانضمام إلى مجموعة بريكس. فضلًا عن ذلك، قدّمت إيران، حسبما أفادت التقارير، دعمًا عسكريًّا لروسيا خلال الحرب في أوكرانيا من خلال تزويدها بالأسلحة.

من المهم الإشارة إلى أنه وفقًا لقاعدة غير مدوّنة في الجمهورية الإسلامية، يتم دائمًا اختيار وزير الخارجية بموافقة المرشد الأعلى قبل عرض الاسم على مجلس الشورى الإسلامي لنيل الثقة. وهذه القاعدة غير المدوّنة مقبولة وتُعتبَر مبدأ شائعًا في إيران. على سبيل المثال، قال هادي طحان نظيف، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، في مقابلة معه: “إنه تقليد شائع أن يجري اختيار وزيرَين أو ثلاثة بالتنسيق مع المرشد الأعلى”.

خلال هذه المرحلة، ازداد نطاق السلطة التي يتمتّع بها شاغلو المناصب غير المنتخبة الخاضعة لإشراف المرشد الأعلى الإيراني، والتي هي أيضًا معنيّة بالسياسة الخارجية. نتيجةً لذلك، أصبحت هذه المؤسسات أكثر بروزًا وعزّزت تدريجًا نفوذها في السياسة الخارجية، ما أدّى إلى تقليص دور الوزارة وتهميشها.

ومن المستبعد إلى حد كبير أن يؤدّي انتخاب رئيس جديد إلى تغيير في هذا الصدد. الجدير بالذكر أن خمسة من بين المرشحين الستة الذين سُمح لهم بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية في 28 حزيران/يونيو 2024، هم سياسيون موالون للمرشد الأعلى. حتى المرشح السادس مسعود بزشكيان المدعوم من الإصلاحيين شدّد مرارًا على ولائه لخامنئي وأشار إلى ضرورة التقيّد بتوجيهات المرشد الأعلى في السياسة الخارجية.

اتّبع خامنئي، على مدى السنوات الماضية، استراتيجية تقوم على إضعاف الفصائل السياسية التي تدعو إلى تحسين العلاقات مع الغرب، وتهميشها. يرتكز هذا النهج على عقيدته المتمثلة في “عدم موثوقية الغرب” وقوامها أنه لا يمكن الوثوق بالغرب، بغض النظر عمّن يتولّى السلطة. لقد تعمّد المرشد الأعلى الإيراني إضعاف وزارة الخارجية التي قد لا يمتلك سيطرة راسخة عليها، وذلك من أجل تعزيز المؤسسات التابعة له. وعهد أيضًا بالمسائل الحسّاسة في السياسة الخارجية إلى معاونيه الموثوقين، وبالتالي قلّل من خطر فقدان السيطرة على هذه المجالات البالغة الأهمية.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: إيران الخميني سياسة إيران كتابات يمن مونيتور فی السیاسة الخارجیة وزارة الخارجیة فی المرشد الأعلى من خلال

إقرأ أيضاً:

لماذا نقرأ ألكسندر دوغين؟

بعد الأحداث الأخيرة في سوريا، خرج المفكر والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين في منشورات على حسابه في منصة إكس يتحسر فيها ـ بشكل ظاهر أو خفي ـ على سقوط نظام بشار الأسد، ويتوعد تركيا وأعداءه المعتادين، الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، ويخبرهم بأن روسيا وحلفاءها ستنتصر.

يفتح هذا سؤالًا كان لديّ منذ فترة طويلة، حول قراءة ألكسندر دوغين، فطوال دراستي في قسم العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس، لم أسمع أحدًا من المدرسين يذكره حتى في سياق التعريف بتأثيره على السياسة الروسية أو على الشكل الجديد للعالم، على الرغم من أنه أحد المفكرين الذين يسعون لإنهاء النظام العالمي الحالي واستبداله بنظام عالمي جديد متعدد القطبية، تكون فيه روسيا أحد الأقطاب كما كانت في النظامين السابقين. لذلك، يأتي هذا السؤال مرة أخرى وهو: لماذا يجب أن نقرأ ألكسندر دوغين؟

يتحدد تأثير ألكسندر دوغين في عدد من المواضع التي يجب النظر لها، منها الفكر الأوراسي الجديد، والنظرية السياسية الرابعة، وكتاب أسس الجيوبوليتيكا، والتأثير على السياسة الروسية، والخروج من عالم القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، والبحث عن فكرة غير غربية، وأخيرا العودة للذات.

أثرت الأوراسية الجديدة على الدولة الروسية لا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة، فقد أثرت كفكر سياسي يدعو إلى أن تستعيد روسيا مكانتها الدولية، والأوراسية هي «أيديولوجية ذات طابع اجتماعي وسياسي لتيار فكري ولد ضمن بيئة الموجة الأولى من المهاجرين الروس إلى أوروبا عام 1920 وتعمل هذه الأيديولوجية على توحيد مفهوم الثقافة الروسية بوصفها ظاهرة غير أوروبية وتقدمها من بين ثقافات العالم المختلفة»، والأوراسية الجديدة التي ظهرت على يد ألكسندر دوغين تفترض عدة افتراضات منها أنها كونية، ولذلك فإنها تشكل الأساس، بحسب دوغين، في تكوين مشروع جيوبوليتيكي يشمل تحالفات روسية مع عدة محاور أوروبية وآسيوية لإزاحة التمدد الأمريكي، ومعارضة ما يسميه «الأطلسية» التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال العولمة ومحاولة «أمركة العالم»، كما يؤمن دوغين أن جيوبوليتيك الأوراسية الجديدة تشمل كل أوروبا وآسيا.

من أجل بناء النظرية الأوراسية الجديدة، اشتغل ألكسندر دوغين على كتابه (أسس الجيوبوليتيكا: مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي) الذي يُمكن عده أهم كتب دوغين، بل واحدا من أهم الكتب المعاصرة في الجغرافيا السياسية. استخدم دوغين في الكتاب ـ بعد شرحه لتاريخ الجغرافيا السياسية ونظرياتها ـ نظرية ماكندر وتصور من خلالها الصراع العالمي، لذلك يرى بأن إنشاء امبراطورية قارية بقيادة روسية هو أمر مهم يجب أن يقوم على بناء عقدي يفترض فيه بأنه يكون معاديا للأطلسية وإسقاط الهيمنة الأمريكية على القارتين. ومن خلال بعض الأسس الاجتماعية والسياسية والجيوبوليتيكية، حدد دوغين ثلاثة محاور رئيسة يقوم عليها مشروع الإمبراطورية الأوراسية هي محور موسكو ـ برلين، ومحور موسكو ـ طوكيو، ومحور موسكو ـ طهران، كما تشرح ذلك دلال حميد عطية في مجلة دراسات دولية.

وفي كتابه النظرية السياسية الرابعة، طرح ألكسندر دوغين، نظرية سياسية مخالفة للنظريات الثلاث السائدة، الليبرالية عند الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي، والشيوعية، والفاشية في القرن العشرين. إن النظريات الثلاث هذه حكم عليها بالموت بالنسبة لدوغين لأن الأخيرتين لم تعد موجودة، وأما الأولى فإنه على الرغم من اعتقاد كثير بأنها مسيطرة على العالم وبأنها آخر ما يُمكن الوصول إليه كما عند فوكوياما، إلا أنها في المقابل تواجه بصعود دول أخرى لا تتبنى الخطاب الليبرالي بل لها خطاباتها المنفصلة التي يذكر دوغين أنها تشمل الأوراسية الجديدة، والتي يعتقد بأنها المقابلة أيديولوجيا لليبرالية، وكما أن الليبرالية تطورت إلى العولمة، فلا بد للأوراسية أن تتطور إلى النظرية السياسية الرابعة. تم انتقاد النظرية السياسية الرابعة، حيث إنها لا تميز بين ما هو أيديولوجي وثقافي في النظريات الثلاث السابقة، واعتبار أن الليبرالية شر مطلق.

حددت هذه النظرية بعض السلوكيات الروسية السياسية اتجاه الدول، فعلى سبيل المثال، في العلاقات الروسية المصرية، «اعترفت روسيا بثورة 30 يونيو عام 2013 وخريطة الطريق التي انبثقت عنها» كما سعت روسيا لتعزيز علاقاتها العسكرية مع مصر من خلال التدريب العسكري واتفاقيات بيع الأسلحة، والاتفاقيات العسكرية مثل الذي وُقع في 2014 بقيمة 3.5 مليار دولار، حيث إن مصر تشكل بوابة لدخول القارة الإفريقية والعالم العربي، إضافة لموقعها الجيوبوليتيكي الذي يظل على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. كما يحدد ذلك الدكتور أحمد العايدي.

من خلال هذا العرض يُمكن ملاحظة أن أفكار ونظريات ألكسندر دوغين تؤثر على السياسة الروسية وتحدد كثيرا من تحركاتها، لذلك للإجابة على السؤال الأول حول علّيّة قراءة ألكسندر دوغين، إذ يُمكن من خلالها ملاحظة التحركات الروسية وعقدها للاتفاقيات والتعاونات، إضافة لتدخلها في العديد من الدول مثل حربها الحالية مع أوكرانيا، ودخولها إلى سوريا، كما يُمكن ملاحظة تعاونها مع عدد من الدول منها الجمهورية الإسلامية الإيرانية والصين وغيرها، بل أن ألكسندر دوغين كان قد وصف الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مقابلة له على قناة حيرة مع هادي اللواتي بأنها قريبة من جمهورية أفلاطون التي يحكمها الفلاسفة، وهذه النظرة تعود إلى اعتقاد دوغين بأهمية هذا التعاون مع إيران باعتبارها حليفا جيوسياسيا وأحد المحاور الرئيسة للإمبراطورية الأوراسية، إضافة لاعتقاده بأن نظام ولاية الفقيه مضاد للنظرية السياسية الغربية والفكر السوسيولوجي الذي شكلته الليبرالية من خلال العولمة.

تقدم القراءة لدوغين رواية أخرى غير غربية، وهي رواية مناهضة للسيطرة الغربية بشقيها الصلبة والناعمة، لكنها أيضا تحتاج إلى نقد وتمحيص، إذ إن الهدف الذي يرمي إليه دوغين هو سيطرة روسية وإيجاد عالم تكون فيه روسيا قطبا في النظام العالمي. على الرغم من ذلك، فإن هذه النظرة يجب أن تكون شاملة مع التحركات العملية الروسية في الساحة الدولية، وفهم أسبابها ودوافعها من ذلك.

من خلال نظرياته، يقدم دوغين إطارا نظريا لعالم متعدد الأقطاب يتخلص من السيطرة الأمريكية، وهذا ما تسعى إليه روسيا حتى في الداخل، فإن العديد من المؤتمرات والندوات والمهرجانات يكون موضوع التعددية القطبية حاضرا فيها، ويُمكن الاستفادة من نظرة المفكرين من خارج روسيا للسير نحو هذه التعددية، على الرغم من أن كثيرا من المنظرين السياسيين لا يعلمون على وجه اليقين ما إذا كانت أكثر استقرارا وسلاما من النظام أحادي القطبية وثنائي القطبية أم لا، إلا أن دوغين يدفع بأطروحاته الفلسفية والسياسية نحوها بشكل متسارع.

وأخيرا، مما يقدمه ألكسندر دوغين أيضا هو العودة للذات، فمن خلال ما سبق، يُمكن إيجاد أنه يعارض التوجهات الغربية ليس السياسية فحسب بل حتى الفكرية، لذلك كان من المهم بالنسبة إليه أن يعود إلى الفكر الروسي المحافظ، فحافظ على أرثوذكسيته الدينية، ونظّر أنه يجب على العالم الإسلامي أن يعود للتعاليم الإسلامية أيضا من أجل أن يتوحد، لكن ليس هذا هو المهم هنا، بل المهم أن تكون هذه القراءة مدخلا لكيفية العودة إلى الذات وقراءتها والانطلاق من الأبعاد الثقافية والفكرية الذاتية بدلا من منطلقات الآخرين، فإن الليبرالية قد عمدت إلى إيجاد المواطن العالمي أو الخارج من هوياته إلى هويات كبرى متخيلة ولا يُمكن الوصول إليها، وهي بشكل أو بآخر هويات أمريكية أو غربية، فعمدت عملية المثاقفة للوصول في النهاية إلى التصديق بالأفكار الغربية-الأمريكية دون تمحيصها أو النظر ما إذا كانت تناسب السياق الاجتماعي والتاريخي والفكري الذي ينطلق منه الفرد والمجتمع، وجرى ذلك من خلال العولمة التي توصف كثيرا بأنها جعلت العالم قرية صغيرة، ليس اقتصاديا فحسب، لكن ثقافيا أيضا. هذه العودة للذات والنظر فيها توفر انطلاقات للاستقلالية والإبداع بشكل أكبر، لأنها كما تضطر للعودة إلى الأفكار، فإنها تضطر للعودة إلى اللغة التي فقدنا الصلة بها، وتحولت كثير من المجتمعات العربية إلى العجمة حتى في تعبيرها عن ذاتها باللغة العربية.

في الأخير، إن قراءة ألكسندر دوغين توفر فهم التحركات الروسية نحو أوروبا وآسيا، كما أنها توفر فهما لكيفية التعامل مع هذه التحركات من خلال فهم جذورها الفكرية والفلسفية، فعلى سبيل المثال، يُمكن من خلال هذه القراءة أن توفر فهما للتحركات الروسية في الخليج والمنطقة بشكل عام، إضافة لذلك، فإن هذه القراءة توفر فهما لكثير من أحداث الساحة الدولية المتعلقة بروسيا، فضلا عن الاستماع لسردية أخرى غير السردية الغربية المهيمنة، واستخلاص ما يُمكن الاستفادة منها أو نقدها أو الوصول إلى سرديات أخرى مناوئة عنها.

مقالات مشابهة

  • خبير: الأمن القومي العربي لم يغب لحظة عن أجندة السياسة الخارجية المصرية| فيديو
  • «الخارجية» تقدم خدمات شاملة واستباقية عبر «المسافر الإماراتي»
  • الدكتور بن حبتور يعزي في وفاة الشيخ محمد الحجري
  • وزير الاستثمار: نستهدف تعزيز دور القطاع الخاص كشريك رئيسي في التنمية
  • الخارجية الإيرانية : طهران ستُعيد فتح سفارتها في سوريا
  • المجلس الأعلى للحسابات يعلن فشل "المدن الجديدة" من تامسنا إلى الشرافات محملا المسؤولية إلى وزارة السكنى
  • 30 سنة .. تسعيرات المحاشر  لم تتغير
  • لماذا نقرأ ألكسندر دوغين؟
  • المشاط: التحول الأخضر محور رئيسي في البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية
  • القوى العاملة بالنواب تثمن دور الأوقاف و"الأعلى للشئون الإسلامية" لدعم أهالي سيناء