لجريدة عمان:
2024-08-10@18:16:12 GMT

الحرب على غزة.. وسؤال الأمة

تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT

Your browser does not support the audio element.

في الكلمة المسجلة للقائد العام لكتائب عز الدين القسام التي بُثت يوم بدء عملية السابع من أكتوبر، دعا محمد الضيف «الشعب في الضفة والقدس والداخل المحتل» و«العالم العربي والإسلامي للزحف نحو فلسطين دون قيود الحدود والأنظمة» و«أن تتحد القوى العربية والإسلامية» للثورة على الاحتلال الإسرائيلي، معلنا «انتهاء زمن تقسيم الأمة».

كما يبدأ الناطق العسكري باسم كتائب القسام كلمته المسجلة عبر قناة الجزيرة منذ اليوم الأول للمواجهة مع جيش الاحتلال بتحيته «لأبناء الشعب الفلسطيني ولشعوب الأمة وأحرار العالم».

ودعا رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، في خطابه على قناة الجزيرة «شعوب الأمة العربية والإسلامية جمعاء، لتقف الأمة صفا واحدا، على اختلاف جغرافياتها وانتماءاتها ومذاهبها وأعراقها لكتابة التاريخ والمجد التليد للأمة». ورغم ما تضمنته هذه الدعوات، إلا أن ردة الفعل في العواصم والمدن العربية والإسلامية لم تتعد المظاهرات والوقفات للتنديد بالمجازر التي قامت بها إسرائيل منذ اليوم الأول من حربها الإبادية على قطاع غزة، ودعوات مستمرة للحكومات للضغط باتجاه وقف الحرب على غزة. هذه التحركات التي يمكن وصفها بـ«المحدودة» سواء من شعوب الأمة العربية والإسلامية أو من فلسطينيي الضفة والداخل، يعيد لطاولة النقاش سؤال «ما الأمة؟» قبل سؤال ما هي فاعليتها في هذه الحرب، التي قد تفسر بدرجةٍ ما محدودية تحركات شعوب «الأمة» العربية والإسلامية إلى جانب الأسباب الأخرى المتعلقة بالطبيعة الجغرافية لقطاع غزة الذي يشهد حالة من الحصار والاحتلال العسكري الإسرائيلي والتحكم الإسرائيلي الكامل بالحركة عبر معابرها منذ بدء العمليات البرية في مناطق القطاع وعزلها عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومكانة غزة في محور المقاومة كجبهة يمكن إسنادها من قبل الميليشيات في الجبهات الأخرى في سوريا ولبنان والعراق واليمن بدلا من التدخل والتواجد المباشر فيها. إلى جانب معطيات أخرى متعلقة بفاعلية المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل منذ هبة الكرامة وما يواجهونه من تضييقات أمنية من الشاباك، والاغتيالات والاقتحامات المستمرة والمكثفة في الضفة الغربية منذ اليوم الأول للحرب.

هذه الدعوة والرهان على الأمة (القومية) له جذوره الأيديولوجية في الفكر القومي والإسلامي ذي النزعة الأممية العابرة للحدود باعتبارها مصطنعة وضمن مشروع «سايكس-بيكو» الاستعماري المقسّم للأمة، ومعادية للدولة الوطنية «القُطرية عند القوميين» بوصفها انعزالية. فحركة المقاومة الإسلامية «حماس» ذات الجذور التنظيمية والأيديولوجية في جماعة الإخوان التي تأثر مؤسسوها بالدعوات الأولى لجمال الدين الأفغاني ومحمد رشيد رضا لوحدة الأمة على أساس الدين بغض النظر عن فروقات «اللغة والجنس والوطن» لتحقيق الوحدة الإسلامية، وتشكيل الوطن الإسلامي، وأثبت فشله لاسيما عندما تلقفت التيارات المتطرفة والراديكالية هذه الأفكار كالقاعدة لتأسيس ما سمّي بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وخضوع الجماعات المعتدلة للأمر الواقع وفشلها سياسيا واقتصاديا عند وصولها إلى السلطة وعملها وفق المعطيات التي كانت ترفضها.

في حين كانت دعوات القوميين العرب ذات البدايات المسيحية في بلدان الشام منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بدءا من نجيب عازوري مؤسس أول حزب قومي عربي في باريس مرورا بآباء القومية العربية أمثال ساطع الحصري وميشيل عفلق مؤسس «حزب البعث الاشتراكي» وقسطنطين زريق وقيادته جمعية «العروة الوثقى»، لوحدة الأمة على أساس اللغة ولإقامة دولة الوحدة العربية. إلا أنها أثبتت فشلها لاسيما بعد فشل مشروعات الوحدة السياسية بين سوريا ومصر (وامتداد المفاوضات للوحدة مع العراق) والانحسار الكامل للمشروع القومي في أعقاب نكسة يونيو 1967م إذ تراجعت معها «السرديات الكبرى» للقومية العربية حول وحدة الأمة بوصفها وسيلة «لتحرير فلسطين» وخلود رسالتها. وتأثر مفكرو القومية العربية بالفكر الأوروبي لاسيما الألماني (عند المفكر يوهان فيخته) الذي دعا لوحدة وبناء الأمة الألمانية على أساس اللغة، والذي تعارض مع غيره من النماذج الأوروبية -الفرنسية والإنجليزية- لدور الدولة في بناء الأمة. لكن المؤرخ الأيرلندي بندكت أندرسون ذهب بعيدًا في ذلك، حيث قدّم في كتابه «الجماعات المتخيلة» الذي نُشر عام 1983م تعريفا للأمة بوصفها «جماعة سياسية متخيّلة» وتركيزه على اللغة المطبوعة (الرواية والصحيفة) كأداة لتخيّل الأمة. وهو ما ذهب له عزمي بشارة في فهم القومية العربية بوصفها «جماعة عضوية متخيلة» بأدوات تخيل الأمة كاللغة، التي ينظر لها بشارة كمكون إثني للأمة وليست «أداة تخيل» مثلما ذهب لها أندرسون، ودون أن يتخلى عزمي بشارة عن الحلم القومي بدولة الوحدة العربية وهو ما لا يقرّه أندرسون، وأن وجود لغة مشتركة ليس بالضرورة أن يترتب عليه وجود أمة ذات كيان سياسي. ورغم الاختلاف والتعارض حتى على المستوى الأيديولوجي بين القوميين والإسلاميين في المحددات لهوية الأمة (اللغة عند القوميين، والدين عند الإسلاميين) إلا أنها تتشارك في تصورها حول أمة سياسية «متخيّلة» لا تفصل بينها الحدود القائمة والدول الوطنية «المصطنعة» التي أثبت التاريخ أن القوى العربية والإسلامية لم تتمكن من البقاء والسيطرة والنمو إلا داخل هذه الحدود القائمة بينها، وإن الانقسامات فيما بينها وتعارض واختلاف مصالحها وطموحاتها، يمنع وحدتها «المتخيّلة» وليس لدور القوى الخارجية فحسب، الأمر الذي يعيد التساؤل حول ما إذا كانت الأمة كظاهرة حداثية قابلة للتطبيق على الشعوب العربية والإسلامية.

وما إحياء هذه الدعوات والخيالات لوحدوية الأمة التي ظهر بعضها بعد سقوط الدولة العثمانية وهيمنة القوى الاستعمارية في المنطقة وتقاسمها لتركة الدولة العثمانية وحتى بعد إنهاء الاستعمار ونيل الأقطار العربية استقلالها، إلا لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي وعنفه في الأراضي المحتلة، أي لوجود التهديد الخارجي في كيان استعماري قام على الاستيطان الإحلالي ونشأ ضمن تصورات القوى المهيمنة لضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة واستثمار ذلك من بعض القوى الفلسطينية (الإسلامية) -والدعم من بعض القوى الإقليمية لها- التي انتهجت مسارًا عسكريا للمقاومة متناقضًا مع المسار السياسي الفلسطيني للسلام لإقامة الدولة الفلسطينية. ولم تستوعب، أو تجاهلت، مسار منظمة التحرير الفلسطينية التي حولت ميثاقها «القومي» إلى «الوطني» في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني في 1968م، حتى تصبح مسألة إدارة الصراع مع إسرائيل مسألة وطنية خاصة بالفلسطينيين في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وفي الحيز السياسي والاجتماعي العربي الأوسع، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح حكومات المنطقة التي كان بعضها في مراحلها الأولى لبناء الدولة ومؤسساتها الوطنية أو تدير بحذر مسألة المواجهة العسكرية مع إسرائيل كدول الطوق. إضافةً إلى تجاهلها وغيرها من النُخب السياسية والثقافية الفلسطينية والعربية ما يفُرض على المنطقة من تغيرات وتطورات لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغزو العراق مرورا بالربيع العربي وفشل مشروعات الإسلام السياسي الذي أعاد تشكيل المنطقة وموقع القوى الفاعلة فيها وتغير سياساتها الخارجية لحل خلافاتها العالقة، والذي لا ينعكس فقط على التعاطي الإقليمي مع القوى الفلسطينية لاسيما الإسلامية وموقعها ضمن محور المقاومة (الذي يعد جزءًا من طموحات إيران الجيوسياسية والأيديولوجية في المنطقة)، بل على الوضع الفلسطيني الداخلي الذي يشهد حالة من الانقسام الداخلي بين القوى والفصائل الفلسطينية وصراعها على السلطة السياسية والانفصال عن واقع الشعب الفلسطيني وطموحاته.

فهل تتخلى القوى الفلسطينية عن تخيلاتها العاطفية القومية والإسلامية، وتستوعب مدى لاواقعية تخيلاتها التي تصطدم بالواقع، وتعيد بناء الأمة الوطنية في فلسطين المجزأة جغرافيا وسياسيا واجتماعيا بين أراضي الـ48 والقدس والضفة الغربية وغزة قبل العمل على بناء الأمة العربية والإسلامية واستعادة شرفها «المتخيّل»؟ لا سيما بعد حرب الإبادة المستمرة وتدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية لقطاع غزة، ومع ما تكلفها هذه الدعوات من تصادم مع التحفظات الأمنية لبعض الحكومات خشية من أن تتحول هذه التحركات الجماهيرية ضدها في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها. وأن تدرك تغيرات المنطقة ودينامياتها منذ التحوّلات التي طالت عقد الشعوب بالحكومات في أن القضية الفلسطينية لم تعد المصدر لشرعية الأنظمة أمام شعوبها، وتحوّل الموقف العربي للسلام مع إسرائيل على أساس مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبدالله بن عبد العزيز في 2002م للانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 1967م وإقامة الدولة الفلسطينية مقابل التطبيع مع الدول العربية، ومع ما ذهبت له بعض الحكومات للتطبيع والسلام وفق مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية والإستراتيجية. إلى جانب ما تعتبره الولايات المتحدة أن إسرائيل مسألة أمن قومي خاصة بها دون أن تتردد في تقديم الدعم السياسي والعسكري اللامحدود لها، والذي له انعكاساته على أي عمل عسكري يسعى لتوسيع الحرب مع إسرائيل وعلى القضية الفلسطينية وموقعها قبل وبعد السابع من أكتوبر.

سهى العبرية كاتبة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العربیة والإسلامیة مع إسرائیل على أساس

إقرأ أيضاً:

ما الذي يريده نتنياهو بعد 10 شهور من العدوان؟

شكلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -إلى الولايات المتحدة نهاية الشهر الماضي واستقباله الحافل في الكونغرس– عاملا حاسما في توجهاته حيال العدوان المتواصل على قطاع غزة المحاصر، ومفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

وينسحب ذلك على مجمل نظرته للتصعيد في المنطقة وضد ما يعرف بمحور المقاومة، ويعود السبب إلى ثقل وأهمية الموقف الأميركي في حسابات نتنياهو والتأثير على مستقبله السياسي.

وقد شكل انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي، واختيار نائبته كامالا هاريس مرشحة للحزب الديمقراطي، إعادة الأمل للديمقراطيين في منافسة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

ودفع ذلك نتنياهو لحسم أمره في تصميم اتجاه العدوان على غزة والتصعيد في المنطقة، بما يخدم هدف إطالة أمد الحرب وتعقيد المشهد أمام الإدارة الديمقراطية، في إشارة واضحة إلى انحيازه لصالح ترامب.

ويراهن نتنياهو على فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، نظرًا لما يشكله ذلك من تخفيف ضغوط الإدارة الأميركية عليه فيما يتعلق بالبيئة السياسية الإسرائيلية الداخلية، ويمنحه من الغطاء اللازم للتصعيد ضد محور المقاومة في المنطقة.

فوز ترامب بالرئاسة يمنح نتنياهو القدرة على المناورة باتخاذ قرار وقف الحرب على غزة (شترستوك)

كما يمنح فوز ترامب بالانتخابات المقررة رئيسَ الحكومة الإسرائيلية القدرة على المناورة في اتخاذ قرار وقف الحرب على غزة، في ظل انتفاء عامل الضغط الخارجي عليه للتأثير على وضعه السياسي.

ويسعى نتنياهو لتوظيف ما يمكن أن يحصل عليه من دعم ترامب فيما يختص بمشاريع الاستيطان والضم بالضفة الغربية للمحافظة على تحالفه مع اليمين الديني المتطرف الذي ما زال يرفض وقف الحرب، ويسعى لمزيد من المكاسب في الضفة والقدس.

وفي سبيل ذلك، عمل نتنياهو منذ عودته من واشنطن على تصعيد الموقف عبر تنفيذه عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران، وقبلها بقليل نفذ جيش الاحتلال عملية اغتيال وسط الضاحية الجنوبية لبيروت استهدفت فؤاد شكر الذي يعد أرفع شخصية عسكرية لدى حزب الله.

وفي المقابل، يشهد قطاع غزة تصعيدًا في استهداف المدارس ومراكز الإيواء وتعمد إيقاع خسائر وسط المدنيين، وكي يزيد نتنياهو من لغة التصعيد نفذ جيش الاحتلال عملية استهداف مقصودة لمراسل الجزيرة إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي.

فشل الرهان

التصعيد الذي جلبه نتنياهو أحدث صدمة كبيرة لدى محور المقاومة في المنطقة، ودفعه نحو الاقتراب من لحظة كسر قواعد الاشتباك التي حكمت سلوكه منذ عملية طوفان الأقصى.

وتظهر المؤشرات والتصريحات الصادرة من أعلى المستويات في إيران وحزب الله أنها ستنفذ ردا قويا وغير مسبوق على الاغتيالات الأخيرة بحق هنية وشكر.

وفتح هذا التعهد بالرد المنطقة من جديد أمام سيناريو الحرب الإقليمية، وأعاد إدارة بايدن مرغمة على ما يبدو إلى أزمة المنطقة التي أشعلها نتنياهو.

ومما يبدو هذه المرة قناعةً لدى الأطراف الدولية والإقليمية أن الرد الإيراني ورد حزب الله لن يكون محدودا ولا رمزيا، وقد شكل التزامن في عمليات الاغتيال مزيدا من الضغط على محور المقاومة لتوجيه رد استثنائي وهو ما سيكون غالبا خارج حسابات نتنياهو والمؤسسة الأمنية والعسكرية.

ويتفق نتنياهو مع المؤسسة العسكرية والأمنية على استخلاص رئيسي من الفشل الذي لحق بهم يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهو أن الاحتلال فقد الردع بشكل غير مسبوق. لذا يركز الكل في إسرائيل على محاولة استعادة الردع عبر توجيه هذا النوع من الاغتيالات الصاخبة، إلا أن ذلك يوقع إسرائيل في فخ تغليب المنجز التكتيكي على حساب الخسارة الإستراتيجية.

فالردع المقصود من الاغتيال سيواجه بكسر للردع الإستراتيجي في المنطقة، وسيدفع دولا وجماعات منتشرة في كل المنطقة لتوجيه ضربات لعمق دولة الاحتلال.

وقد غيرت عملية "طوفان الأقصى" وبشكل عميق قناعات المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية فيما يتعلق بعدد من المسلمات، وهي أن تفوقهم العسكري والتكنولوجي قادر على ردع خصومهم، وأنهم قادرون على العيش بأمان خلف الجدران والحدود المحصنة، وأنهم قادرون على الازدهار اقتصاديا. إلا أن هذه القناعات لم تعد قائمة، وبدأ كثيرون في المؤسسة الأمنية يدركون أن "إسرائيل ليست قوية إلى هذا الحد".

ومقابل هذه القناعة، تدرك الأوساط داخل إسرائيل وخارجها أن نتنياهو قد صمم مسار الحرب على غزة من أجل إطالة أمدها للمحافظة على بقائه في السلطة وتجاوز كافة تبعات الفشل بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول وما قبله وما بعده. وهو ما يدفع نتنياهو إلى هذا النوع من المغامرات في تقصّد تنفيذ اغتيالات استفزازية لإيران ومحور المقاومة.

خطأ في تقدير الموقف

على غرار الخطأ الذي ارتكبته إسرائيل في استهدافها للقنصلية الإيرانية في دمشق، يأتي الهجوم على الضاحية الجنوبية وعملية الاغتيال بحق هنية في طهران كأحد أبرز مظاهر الخطأ في تقدير الموقف الذي يرتكبه نتنياهو.

فمن الواضح أن إسرائيل أخطأت التقدير حينها ولم تكن تتوقع مثل هذا الرد غير المسبوق والواسع النطاق والمباشر الذي تضمن إطلاق مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ من الأراضي الإيرانية على إسرائيل.

وما خسرته إسرائيل في شنها مثل هذه الهجمات أنها فقدت ما اعتمدت عليه لسنوات وهو ما يعرف "بالردع بالإنكار" وذلك من خلال درء أو تقليل الضرر في حال الهجوم والتخفيف من الآثار المحتملة له.

وقد حاولت أن تمارس ذلك جزئيًا حيال الضربة التي نفذتها إيران في 14 أبريل/نيسان الماضي، حيث ركزت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة على قدرة التحالف الذي قادته واشنطن على التصدي للهجوم، إلا أن الحقيقة الأهم أنه ورغم ذلك فإن الهجوم عمليًا نجح ووصل إلى أهدافه ولم تستطع إسرائيل إنكار أو تجاوز ذلك.

ويشعر العديد من المحللين الأمنيين الإسرائيليين بالقلق إزاء تآكل الموقف الإقليمي، وهم يخشون أن تكتسب إيران وحلفاؤها المزيد من القوة، أو أن الأخيرة قد تجد المزيد من الحوافز لتسليح قدراتها النووية إذا اعتقدت أنها غير قادرة بالقدر الكافي على ردع إسرائيل بالوسائل التقليدية.

وقد أدخل كسر قواعد الاشتباك -الذي تسبب به نتنياهو ومعه الجيش والمؤسسة الأمنية- إسرائيل عمليًا في اشتباك مع كافة أركان محور المقاومة بالمنطقة، وهو ما يعتبره الكثير من المحللين الأمنيين والعسكريين تهديدا وجوديًا لإسرائيل لطالما عملت على تجنبه.

هروب للأمام

تدخل إسرائيل وفق هذه المعادلة -بالإصرار على استعادة الردع بالقوة الغاشمة- مسارا تصاعديا في الهجوم والهجوم المضاد، وقد لا تجد مخرجًا.

وبذلك يكون نتنياهو بتنفيذه هذه الاغتيالات وهروبه من استحقاقات وقف الحرب على غزة قد فعل عكس ما يريده، ونقل طبيعة التهديد الذي تعيشه إسرائيل اليوم إلى تهديد وجودي وبشكل متسارع.

وقد حاول نتنياهو أن يجعل من الحرب على غزة منطلقًا لتحولات إقليمية وفرض قواعد جديدة، إلا أن ما حدث هو العكس تمامًا، حيث تحولت الحرب على غزة لمصدر التهديد الرئيسي الذي يجلبه نتنياهو لإسرائيل عبر اعتماده قاعدة "الهروب للأمام".

كما أن إنهاء الحرب على غزة أو استمراراها لن يحل نهاية المطاف المعضلة الإستراتيجية الكبرى التي تواجهها إسرائيل.

وإذا كانت إسرائيل لا تزال تعتقد أن دمج نفسها بشكل أكثر اكتمالا في الشرق الأوسط من خلال إبرام صفقات التطبيع مع جيرانها العرب من شأنه أن يهمش الجماعات المسلحة المدعومة من إيران ويقلل من العداء تجاه البلاد، فإنه يتعين عليها أن تتصالح مع حقيقة مفادها أن صراعها مع الفلسطينيين يشكل التهديد الوجودي الأكثر جوهرية بالنسبة لها.

مقالات مشابهة

  • الصدر يوجه رسالة الى الحكومات العربية والإسلامية والدول المعتدلة المحبة للسلام
  • العرب: بين تحديات الحاضر وطموحات المستقبل
  • النواب يستهجن صمت الأنظمة العربية والإسلامية على مجازر الكيان الصهيوني
  • مجلس النواب يستهجن صمت الأنظمة العربية والإسلامية على مجازر الكيان الصهيوني
  • ‏حماس: نطالب الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بالتحرك العاجل لوقف المجازر
  • عاجل| الرئيس السيسي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره القبرصي بشأن خطورة التصعيد في المنطقة
  • في الحرب...الجميع حلفاء؟
  • فشل القوى السياسِية في امتحان الحرْب
  • ما الذي يريده نتنياهو بعد 10 شهور من العدوان؟
  • عطاف يجري لقاءات ثنائية مع نظرائه من الدول العربية والإسلامية بجدة