لجريدة عمان:
2025-03-16@15:48:08 GMT

صورة «تشي» في إعلان تجاري

تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT

ليس من قبيل «الهجاء اليساري» فقط أن نشبِّه الرأسمالية العالمية بطبيعة الحشائش الانتهازية، فهي كذلك بالفعل؛ تنمو وتزدهر في أفضل الظروف وأسوئها. لا شيء يوقف آلتها المزودة بميكانيزمات الإصلاح الذاتي والتطوير التلقائي لأدائها. إننا نتحدث عن نظام اقتصادي لا يكتفي بإشباع احتياجاتنا الأساسية، بل تكمن ثورته وثروته معًا في مداعبته العميقة للرغبات الكامنة في تضاعيف النفس البشرية التي لا غور لها، حيث يمثل الاستثمار التجاري للرغبات جوهر سوق الاستهلاك حول العالم ( لا بدَّ أن نميز هنا بين الحاجة والرغبة).

لا يتطلب الأمر قراءة متخصصة لملاحظة ما يميز النظام الرأسمالي من هذه الناحية؛ فاقتصاد السوق على استعداد دائم لاستغلال أي ظرف كان؛ نلاحظ أنه يستفيد من أجواء الحرب كما يستفيد من زمن السلام والاستقرار، ويربح في فترات الكوارث والأوبئة والأمراض كما يربح في ظل العافية وإقبال الناس على الأطعمة والعادات الصحية مستفيدًا من تحوُّل الرياضة إلى موضة استعراضية. الأهم في ذلك أنه نظام مبهر بقدرته على تسليع كل شيء وتغليفه تمهيدًا لعرضه خلف زجاج المتاجر وفي لوحات الإعلان المضيئة وفي النوافذ الترويجية التي تنبثق تباعا بصورة مزعجة على صفحات الإنترنت. وفي ظل التحالف العميق بين شركات التسويق ووسائل الإعلام، لا يكاد هذا النظام يرفض شيئًا بالمطلق. شهيته مفتوحة دائمًا، ويتمتع بمرونة عالية تتيح له التفاوض مع أي من خصومه والمساومة على أي مبدأ أو فكرة من أجل مضاعفة الربح. فكل الأفكار والأيقونات المناهضة له -مهما بلغت رمزيتها- قابلة لإعادة إنتاجها على شكل موضة جديدة في الأسواق، بمنهجية تسويقية مريعة تستطيع تحويل صورة أعتى الماركسيين الثوريين إلى سلعة، حتى لو كان ذلك الرأس الماركسي العتيد هو أرنستو تشي جيفارا شخصيًّا، الرمز المرادف للثورة، والذي سخَّر حياته ومواهبه الثورية المتعددة كلها (كقائد عسكري منظر لحرب العصابات، ثم كسياسي ورجل دولة في فترة قصيرة، وككاتب وخطيب في الوقت نفسه، بل وحتى كطبيب) خدمةً لهدف واحد يتلخص في الثورة الأممية على الإمبريالية العالمية ونهجها الاقتصادي المتمثل في الرأسمالية الاحتكارية.

في خمسينيات القرن الماضي هتفَ تشي بالشعار الثوري البسيط الذي أطلقه رفيق دربه فيدل كاسترو: «العار على المال»، وانطلق في مشوار نضالي ملحمي قاد خلاله ثورة شعبية مسلَّحة حتى اليوم الذي وقع فيه بطريقة شبه انتحارية في الكمين الأخير بيد القوات البوليفية المدعومة -كما هو معروف- من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. حتى تلك اللحظة كانت تنقصه صورة نهائية تصادق على قوله «إن المرء في الثورة إما أن ينتصر أو أن يموت» العبارة التي وردتْ في رسالته الوداعية القصيرة لفيدل. وذلك ما تم بالفعل؛ حين اكتملت أبعاد الصورة الأسطورية فور إعدام الثائر الجريح بتلك الطريقة التي بتنا نعرفها. ولكن قبل ذلك بقليل، هل نستطيع أن نسأل إن كان تشي قد طمح لمشهد نهائي موثق خالص له وحده بدلًا من السقوط كسائر الثوار المغمورين في أرض المعركة؟ ينقل الرقيب البوليفي برناردينو أوانكا صيحة تشي في اللحظة الأخيرة قبل الأَسر، وقد تعطَّلت بندقيته، قائلًا: «لا تطلقوا النار! أنا تشي جيفارا، وأساوي حيًّا أكثر من ميت».

اليوم، بعد أكثر من نصف قرن على تلك الصورة النهائية، تحول الرمز إلى مادة إعلانية مَشاع مبتورةٍ عن سياقها التاريخي. تلك التراجيديا الملحمية التي شغفت ثوار العالم منتصف القرن العشرين تُعرض هذه الأيام في شكل نكتةٍ سوداء على مواقع التجارة الرقمية، جرّب أن تبحث مثلا على موقع «أمازون»: قميص يحمل صورة تشي مقابل 16 دولارًا بعد الخصم مع التوصيل إلى بلدك. صورةٌ أخرى على ولاعة، أو «بيريه» عسكري كوبي مع النجمة الخماسية، لدينا ألوان متعددة منها، اختر اللون الذي يناسبك، وعلينا التوصيل، فقط مقابل 14 دولارًا بعد التخفيض بنسبة 8%. بضاعة أخيرة لفتتني كانت عبارة عن قبعة عليها صورة تشي داخل دائرة حمراء مشطوبة (كإشارة: ممنوع التدخين) وكان الوصف المكتوب:

Anti-Communist/Anti-Che Guevara !

لم يترك الابتذال التجاري في صورة «الثائر البطولي» الشهيرة التي التقطها المصور الكوبي ألبرتو كوردا، أي ملمح حقيقي يدل على سيرة صاحبها وعلى معاني حياته سوى النجمة الخماسية التي تتوسط كُمَّته الحربية (البيريه) بالإضافة إلى اللون الأحمر الدموي الذي صبغ به الفنان الأيرلندي جيم فيتزباتريك خلفية الصورة بعد أن اقتبسها من مصورها الأصلي عام 1968.

كان كوردا قد التقط الصورة الأشهر لتشي في هافانا عام 1960، حيث يظهر بقسماتِه الصارمة خلال مراسم تشييع ضحايا انفجار السفينة الفرنسية «لا كوربي» التي انفجرت أثناء تفريغ حمولتها من الذخيرة والقنابل اليدوية موديةً بحياة العشرات. ومنذ التقاطها ظلت الصورة مِلكية عامة تُقتبس في جميع أرجاء العالم، في أعمال فنية أو إعلامية أو ترويجية، فضلًا عن اقتباسها لأغراض سياسية كما يحدث في المظاهرات، وذلك طيلة عقود لم تكن فيها كوبا من بين الدول الموقعة على اتفاقية «برن» لحماية المصنفات الأدبية والفنية، تلك الاتفاقية التي وصفها كاسترو بأنها شيء «برجوازي». غير أن المصور اضطر غاضبًا في أواخر حياته لخوض معارك قانونية لحماية حقوق الصورة من الابتذال والاستغلال التجاري في الحملات الإعلانية التي تقودها بعض الشركات. وكان الحدث الأبرز حينما رفع دعوةً قضائية عام 2000 على إحدى شركات الخمور الكبرى التي وضعت الصورة في ملصق حملة إعلانية لشرابِ «الفودكا»، حيث سجلت الجارديان البريطانية تصريحه بعد رفع الدعوى القضائية قائلًا: «لو كان تشي جيفارا لا يزال على قيد الحياة، لكان قد فعل الشيء نفسه. إن استخدام صورة تشي لبيعِ الفودكا يعد إهانة لاسمه وذكراه. فهو لم يشرب الخمر قط، ولم يكن مدمنًا على الخمر، ولا ينبغي أن يرتبط الخمر بذكراه الخالدة».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

شاهيناز: أمي خلعت لي دراعي وصالحتني بالآيس كريم

تحدثت المطربة شاهيناز عن صورة قديمة تجمعها بوالدتها الراحلة، مؤكدة أنها من أكثر الصور التي تعتز بها في حياتها. 

واسترجعت ذكريات ذلك اليوم، مشيرة إلى أن والدتها كانت قد أزعجتها لدرجة كبيرة، لكنها في النهاية صالحَتها بهذه الصورة، ما جعلها تنسى الزعل وتحتفظ باللحظة الجميلة.

شاهيناز: طموحاتي لم تتحقق .. ولم أصل حتى لـ 10% | فيديوشاهيناز : الغناء ليس مهنة .. بل يجري في دمي | فيديوأنا صوت مصر .. شاهيناز : صوتي الأقوى على الساحة الفنيةشاهيناز تكشف موقفها من الغناء مع عمر كمال وحسن شاكوش | فيديو

وكشفت شاهيناز خلال مشاركتها في برنامج "خط أحمر" المذاع على قناة الحدث اليوم، أن الخلاف بينهما كان بسبب عنادها في الطفولة، حيث طلبت شيئًا من والدتها لكنها رفضت، ما دفعها للركض بعيدًا، وعندما حاولت والدتها الإمساك بها؛ جذبت ذراعها بقوة، مما أدى إلى إصابتها بخلع في ذراعها.

وتابعت قائلة: “كنت عنيدة جدًا، صحيح أنني لم أكن طفلة شقية؛ لكنني كنت مُصرة على رأيي دائمًا، يمكن لأنه برج القوس برج طيب، لكنه عنيد جدًا”.

وروت كيف أن والدتها شعرت بالذنب بعد الحادثة؛ فقررت أن تصالحها بأسلوب مميز، حيث أخذتها إلى محل تصوير، وألبستها فستانًا جميلاً، ثم اصطحبتها لتناول الآيس كريم قبل أن تلتقطا الصورة معًا.

وأضافت أن حبها للتصوير بدأ منذ طفولتها، وكانت تستمتع دائمًا برؤية صورها، مما جعل هذه الذكرى محفورة في قلبها إلى اليوم. 

مقالات مشابهة

  • تركيا تحافظ على مكانتها كخامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي
  • 7.5 مليار ريال فائضًا تجاريًا.. و16.3% تراجعًا بالصادرات غير النفطية
  • شاهيناز: أمي خلعت لي دراعي وصالحتني بالآيس كريم
  • ترحيل رجل أعمال مالك مول تجاري شهير لمحكمة مدينة نصر لصدور أحكام ضده
  • الله يرحمك ياحبيبي.. إسلام جمال يعلق على صورته مع المنتج الراحل
  • طريق اللازورد.. شريان تجاري يربط أفغانستان بأوروبا ويعزز نفوذ تركيا
  • ضبط لحوم مذبوحة خارج المجازر ومخالفات غش تجاري بأسوان
  • قفزة في الاستثمار الرياضي.. إنشاء مول تجاري ملحق بنادي الشيخ زايد بالجيزة
  • غش تجاري.. تحرير 602 محضرا تموينيا في أسيوط
  • نخب صداقة العمر..4 صديقات يُعدن إحياء صورة لهنّ بعد 35 عامًا