لجريدة عمان:
2025-04-17@17:48:45 GMT

صورة «تشي» في إعلان تجاري

تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT

ليس من قبيل «الهجاء اليساري» فقط أن نشبِّه الرأسمالية العالمية بطبيعة الحشائش الانتهازية، فهي كذلك بالفعل؛ تنمو وتزدهر في أفضل الظروف وأسوئها. لا شيء يوقف آلتها المزودة بميكانيزمات الإصلاح الذاتي والتطوير التلقائي لأدائها. إننا نتحدث عن نظام اقتصادي لا يكتفي بإشباع احتياجاتنا الأساسية، بل تكمن ثورته وثروته معًا في مداعبته العميقة للرغبات الكامنة في تضاعيف النفس البشرية التي لا غور لها، حيث يمثل الاستثمار التجاري للرغبات جوهر سوق الاستهلاك حول العالم ( لا بدَّ أن نميز هنا بين الحاجة والرغبة).

لا يتطلب الأمر قراءة متخصصة لملاحظة ما يميز النظام الرأسمالي من هذه الناحية؛ فاقتصاد السوق على استعداد دائم لاستغلال أي ظرف كان؛ نلاحظ أنه يستفيد من أجواء الحرب كما يستفيد من زمن السلام والاستقرار، ويربح في فترات الكوارث والأوبئة والأمراض كما يربح في ظل العافية وإقبال الناس على الأطعمة والعادات الصحية مستفيدًا من تحوُّل الرياضة إلى موضة استعراضية. الأهم في ذلك أنه نظام مبهر بقدرته على تسليع كل شيء وتغليفه تمهيدًا لعرضه خلف زجاج المتاجر وفي لوحات الإعلان المضيئة وفي النوافذ الترويجية التي تنبثق تباعا بصورة مزعجة على صفحات الإنترنت. وفي ظل التحالف العميق بين شركات التسويق ووسائل الإعلام، لا يكاد هذا النظام يرفض شيئًا بالمطلق. شهيته مفتوحة دائمًا، ويتمتع بمرونة عالية تتيح له التفاوض مع أي من خصومه والمساومة على أي مبدأ أو فكرة من أجل مضاعفة الربح. فكل الأفكار والأيقونات المناهضة له -مهما بلغت رمزيتها- قابلة لإعادة إنتاجها على شكل موضة جديدة في الأسواق، بمنهجية تسويقية مريعة تستطيع تحويل صورة أعتى الماركسيين الثوريين إلى سلعة، حتى لو كان ذلك الرأس الماركسي العتيد هو أرنستو تشي جيفارا شخصيًّا، الرمز المرادف للثورة، والذي سخَّر حياته ومواهبه الثورية المتعددة كلها (كقائد عسكري منظر لحرب العصابات، ثم كسياسي ورجل دولة في فترة قصيرة، وككاتب وخطيب في الوقت نفسه، بل وحتى كطبيب) خدمةً لهدف واحد يتلخص في الثورة الأممية على الإمبريالية العالمية ونهجها الاقتصادي المتمثل في الرأسمالية الاحتكارية.

في خمسينيات القرن الماضي هتفَ تشي بالشعار الثوري البسيط الذي أطلقه رفيق دربه فيدل كاسترو: «العار على المال»، وانطلق في مشوار نضالي ملحمي قاد خلاله ثورة شعبية مسلَّحة حتى اليوم الذي وقع فيه بطريقة شبه انتحارية في الكمين الأخير بيد القوات البوليفية المدعومة -كما هو معروف- من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. حتى تلك اللحظة كانت تنقصه صورة نهائية تصادق على قوله «إن المرء في الثورة إما أن ينتصر أو أن يموت» العبارة التي وردتْ في رسالته الوداعية القصيرة لفيدل. وذلك ما تم بالفعل؛ حين اكتملت أبعاد الصورة الأسطورية فور إعدام الثائر الجريح بتلك الطريقة التي بتنا نعرفها. ولكن قبل ذلك بقليل، هل نستطيع أن نسأل إن كان تشي قد طمح لمشهد نهائي موثق خالص له وحده بدلًا من السقوط كسائر الثوار المغمورين في أرض المعركة؟ ينقل الرقيب البوليفي برناردينو أوانكا صيحة تشي في اللحظة الأخيرة قبل الأَسر، وقد تعطَّلت بندقيته، قائلًا: «لا تطلقوا النار! أنا تشي جيفارا، وأساوي حيًّا أكثر من ميت».

اليوم، بعد أكثر من نصف قرن على تلك الصورة النهائية، تحول الرمز إلى مادة إعلانية مَشاع مبتورةٍ عن سياقها التاريخي. تلك التراجيديا الملحمية التي شغفت ثوار العالم منتصف القرن العشرين تُعرض هذه الأيام في شكل نكتةٍ سوداء على مواقع التجارة الرقمية، جرّب أن تبحث مثلا على موقع «أمازون»: قميص يحمل صورة تشي مقابل 16 دولارًا بعد الخصم مع التوصيل إلى بلدك. صورةٌ أخرى على ولاعة، أو «بيريه» عسكري كوبي مع النجمة الخماسية، لدينا ألوان متعددة منها، اختر اللون الذي يناسبك، وعلينا التوصيل، فقط مقابل 14 دولارًا بعد التخفيض بنسبة 8%. بضاعة أخيرة لفتتني كانت عبارة عن قبعة عليها صورة تشي داخل دائرة حمراء مشطوبة (كإشارة: ممنوع التدخين) وكان الوصف المكتوب:

Anti-Communist/Anti-Che Guevara !

لم يترك الابتذال التجاري في صورة «الثائر البطولي» الشهيرة التي التقطها المصور الكوبي ألبرتو كوردا، أي ملمح حقيقي يدل على سيرة صاحبها وعلى معاني حياته سوى النجمة الخماسية التي تتوسط كُمَّته الحربية (البيريه) بالإضافة إلى اللون الأحمر الدموي الذي صبغ به الفنان الأيرلندي جيم فيتزباتريك خلفية الصورة بعد أن اقتبسها من مصورها الأصلي عام 1968.

كان كوردا قد التقط الصورة الأشهر لتشي في هافانا عام 1960، حيث يظهر بقسماتِه الصارمة خلال مراسم تشييع ضحايا انفجار السفينة الفرنسية «لا كوربي» التي انفجرت أثناء تفريغ حمولتها من الذخيرة والقنابل اليدوية موديةً بحياة العشرات. ومنذ التقاطها ظلت الصورة مِلكية عامة تُقتبس في جميع أرجاء العالم، في أعمال فنية أو إعلامية أو ترويجية، فضلًا عن اقتباسها لأغراض سياسية كما يحدث في المظاهرات، وذلك طيلة عقود لم تكن فيها كوبا من بين الدول الموقعة على اتفاقية «برن» لحماية المصنفات الأدبية والفنية، تلك الاتفاقية التي وصفها كاسترو بأنها شيء «برجوازي». غير أن المصور اضطر غاضبًا في أواخر حياته لخوض معارك قانونية لحماية حقوق الصورة من الابتذال والاستغلال التجاري في الحملات الإعلانية التي تقودها بعض الشركات. وكان الحدث الأبرز حينما رفع دعوةً قضائية عام 2000 على إحدى شركات الخمور الكبرى التي وضعت الصورة في ملصق حملة إعلانية لشرابِ «الفودكا»، حيث سجلت الجارديان البريطانية تصريحه بعد رفع الدعوى القضائية قائلًا: «لو كان تشي جيفارا لا يزال على قيد الحياة، لكان قد فعل الشيء نفسه. إن استخدام صورة تشي لبيعِ الفودكا يعد إهانة لاسمه وذكراه. فهو لم يشرب الخمر قط، ولم يكن مدمنًا على الخمر، ولا ينبغي أن يرتبط الخمر بذكراه الخالدة».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بيان مشترك بين مصر وقطر: تبادل تجاري وحزمة استثمارات قطرية بـ 7.5 مليار دولار

قام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بزيارة رسمية إلى دولة قطر يومي 13 و14 أبريل 2025، وذلك في خطوة تعكس عمق العلاقات الأخوية والتاريخية بين البلدين، وتؤكد على الأهمية الاستراتيجية والإنسانية لهذه العلاقات، وتأتي هذه الزيارة تجسيدا للحرص المشترك على تعزيز التشاور والتنسيق على مختلف الأصعدة.

تفاصيل البيان المشترك بين مصر وقطر

وفي هذا السياق، أوضح بيان مشترك صادر عن الجانبين المصري والقطري أن المباحثات التي جرت بين الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، والرئيس عبد الفتاح السيسي، جرت في أجواء سادها التفاهم والتقارب، وعكست عمق العلاقات الثنائية وما تتميز به من ثقة متبادلة.

وتناولت المباحثات سبل تطوير التعاون الثنائي في عدد من المجالات، بهدف تحقيق المصالح المشتركة وفتح آفاق جديدة للتكامل والشراكة، في ضوء الرؤية الاستراتيجية المشتركة لتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة.

أما من الناحية الاقتصادية، أكد البيان المشترك على التزام الطرفين بتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، وتم الاتفاق على استمرار العمل المشترك نحو دعم الاستثمارات والتبادل التجاري، بما يعكس الإرادة السياسية القوية ويُسهم في دعم التنمية الاقتصادية المستدامة في البلدين.

وعلى هذا النحو، جرى التوافق على إطلاق حزمة استثمارات قطرية مباشرة بقيمة تصل إلى 7.5 مليار دولار أمريكي خلال المرحلة المقبلة، وتعد هذه الحزمة انعكاسا لعمق ومتانة العلاقات بين البلدين، ودليلا على التوجه نحو شراكة اقتصادية طويلة الأمد.

وأكد البيان على مركزية القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب الأولى، وشدّد الجانبان على دعمهما الثابت للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا للقرارات الدولية ومبادرات السلام المعترف بها.

كما شدد الجانبان على أهمية تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وتوحيد الصف الفلسطيني، بما يضمن تفعيل مؤسسات الدولة الفلسطينية، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

وفي الختام، جدد الجانبان دعمهما الكامل لخطة إعادة إعمار قطاع غزة، وأعربا عن تطلعهما إلى انعقاد مؤتمر دولي في القاهرة، تستضيفه جمهورية مصر العربية، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين، بهدف تنسيق الجهود الإنسانية والتنموية، وتحسين الظروف المعيشية لأهالي القطاع، بما يسهم في تخفيف المعاناة وتحقيق التعافي المستدام.

ومن جانبه، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية، إن مصر وقطر بذلتا جهودا كبيرة من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مؤكدا أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس ما وصفه بـ«السعار الكامل» ضد الشعب الفلسطيني، في ظل تصعيد غير مسبوق.

وأشار «الرقب» إلى أن مشروع إعادة إعمار قطاع غزة يعد مشروعا طموحا يحظى بإجماع دولي ودعم عربي واسع، مؤكدا أهمية توحيد جهود الدول العربية لتنفيذ هذا المشروع الإنساني العاجل.

اقرأ أيضاًالصحف الكويتية تبدي اهتماما كبيرا بتوقيت زيارة الرئيس السيسي للكويت

الرئيس السيسي يستقبل بمقر إقامته ولى عهد الكويت

مقالات مشابهة

  • ترامب: أعتقد أننا سنتوصل لاتفاق تجاري جيد مع الصين
  • اتفاقية تاريخية لإنشاء أول ممر تجاري في العالم بين عُمان وأوروبا لتصدير الهيدروجين المُسال
  • الجيش داهم محلات تجاريّة... إليكم ما صادره
  • البيت الأبيض: ترامب منفتح على إبرام اتفاق تجاري مع الصين
  • إنشاء ممر تجاري عالمي لتصدير الهيدروجين المسال من الدقم إلى أوروبا
  • البيت الأبيض عن اتفاق تجاري مع بكين: "الكرة الآن في ملعب الصين"
  • بيان مشترك بين مصر وقطر: تبادل تجاري وحزمة استثمارات قطرية بـ 7.5 مليار دولار
  • الاتحاد الأوروبي يسعى إلى اتفاق تجاري عادل مع واشنطن
  • إندونيسيا تعتزم طرح مقترح اتفاق تجاري مع أميركا وعينها على روسيا
  • جوني ديب بشكل مختلف يصعب التعرف عليه.. ما القصة؟ (صورة)