السودان: الجيش والمعادلة السياسية
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
السودان: الجيش والمعادلة السياسية
ناصر السيد النور
اتجهت مداولات الأزمة السودانية مؤخراً شمالا إلى مصر، فيما دعا إليه من لقاء بين فرقاء الحرب والسياسة السودانية، مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية التي تتقدمها مدنياً «تقدم»، تنسيقية القوى المدنية لإيقاف الحرب. والدور المصري الرسمي وساطة، أو تدخلا في الشأن السوداني، يتجاوز لعوامل تاريخية واستراتيجية الأدوار المجاورة، حتى تلك التي تمتلك دوراً مباشراً في مسارات الأزمة، ولكن يظل الموقف المصري لا يعتمد عليه من حيث وصايته التاريخية على السودان، وإنما في ما يعنيه بعيداً عن حساسيات علاقات الجغرافيا والتاريخ في هذا الظرف الاستثنائي.
ومهما تكن مخرجات هذا الاجتماع، الذي ضم لفيفا من أطياف الفرقاء السودانيين، وغاب عنه التمثيل الرسمي لطرفي الصراع، الجيش وقوات الدعم السريع، مع استثناء عناصر عديدة غير مرغوب فيها، حسب تقديرات السلطات المصرية. وبيان المؤتمر يأتي بما هو متوقع، بالدعوة إلى إنهاء الحرب، وعلى عادة ما تحمله مثل هذه المؤتمرات في بياناتها، من دون آليات ملزمة في تطبيق ما تنص عليه، وإن بدا اتجاهاً نحو الاعتراف بواقع الحرب ونتائجها.
وإذا كان اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل/نيسان من العام الماضي على خلفية صراع السلطة، بين قوى متصارعة عسكريا ومدنيا، فإن مسؤولية إدارة العلميات العسكرية وما نتج عنها يتحملها الطرفان. ولم ينطلق الجيش في هذه الحرب، من حيث دوره المنوط به في الدفاع صداً لميليشيا متمردة، إذ أنه يمثل امتدادا لسلطة انقلبت على حكومة الفترة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك في محاولة مستميتة للإبقاء على الحكم العسكري، بطبيعته الديكتاتورية وبما يمثله كذراع سياسي لأنصار النظام السابق. وما طال الجيش وقادته من انتقادات لأدائه في الحرب إزاء التقدم الذي أحرزته قوات الدعم السريع، ببسط سيطرتها على ولايات ومدن فشل الجيش في استعادتها، مع إطالة أمد الحرب، يثير من الأسئلة عن طبيعة إدارة الجيش نفسه، وعن مدى مهنيته وقوميته، وخضوعه لقوة سياسية مدنية تقوده، لها أجندتها السياسية والأيديولوجية. فقد صرحت في وقت سابق إحدى قيادات التنظيم الإسلامي، بإجراء تحقيق مع قيادات عسكرية، حول عزل الرئيس المخلوع عمر البشير، مع قادة الجيش، مما كشف عن طبيعة الجيش ودوره من حماية البلاد إلى حراسة السلطة. ولأن الجيش ظل من أكبر معضلات الصراع السياسي عن طريق الانقلابات العسكرية، التي أصبحت من أقصر الطرق للوصول الى السلطة، وكيف باتت وسيلة وحيدة دون غيرها، للانقضاض على شرعية السلطة وممارستها. وإن لم تعد الانقلابات في سياق ممارسة السياسة والتسلط ظاهرة ينشغل بها الباحثون والمهتمون بالشأن السياسي وحسب، بل تشكل وعيا جديدا لدى طائفة واسعة من المواطنين، أدركت معه فداحة الكلفة المرتفعة لمغامرات الانقلابيين على صعيد التطور الاقتصادي والحقوق السياسية والحريات والكرامة الإنسانية، وكل ما تقول به سلطات الانقلابات، وتعمل عكسه تماما. ويعد الجيش السوداني من أكثر الجيوش التي استأثرت بالسلطة والحكم الشمولي كغالب نظم المنطقة العربية والافريقية، في مرحلة الدولة الوطنية دولة ما بعد الاستعمار، وكان دائماً ضمن الأدوات الموظفة سياسياَ في صراع السلطة، ما جعل منه محوراً جاذباً للطموح السياسي غير المحدود، ضمن امتيازات اجتماعية أخرى متراكمة، وأفضى هذا الوضع «المتميز» إلى تكوين نخبة عسكرية أوليغارشية، فاقمت أزمة الحكم واحتكار السلطة، حاملة معها عاهات الدولة الاجتماعية في الإقصاء والتهميش وغيره من جذور الأزمة السودانية. وبما أن المؤسسة العسكرية، على قول منظر السياسة الأمريكي صاموئيل هنتنغتون، الوحيدة في العالم الثالث الأكثر تنظيما فقد وُظف هذا التنظيم والضبط في تراتبية صارمة ليس كقوة ضاربة في ترجيح كفة الصراعات السياسية، ولكن أيضا في حصر الامتيازات غير العسكرية. والمفارقة أن هذا الجيش يخوض حرباً ضد جسم تخلق من رحمه بدعم كامل، إلى جانب وجود أرتال من التنظيمات المسلحة تحيط به، تحالفاً وحربا، مما عقد من مهمته ودوره وتعريفه ضمن التركيبة الهجين للمنظومات الأمنية خارج سلطة الدولة في البلاد. والشاهد أن هذا التعدد في القواعد العسكرية، جعل الجيش نفسه فصيلاً ضمن الفصائل المسلحة، وبما يقل بالنتائج والأداء عن قوة وحجم القوى الأخرى الموازية له كقوات الدعم السريع.
ولم يكتف الجيش بإدارة سير المعارك، بل تواصل دوره السياسي في إدارة العملية السياسية والدبلوماسية، وبطبيعة الحال الهيمنة بالسلطة المطلقة في أوضاع يصعب الحديث فيها عن اختصاصات دستورية. ولأن استمرار الفريق البرهان على مجلس السيادة منذ 2019 عام اقتلاع النظام وحتى انقلابه في أكتوبر /تشرين الأول 2021 في إقصاء شامل للقوى المدنية الديمقراطية، من مكونات السياسة السودانية، أصبح الخطاب العسكري، إن كان بذريعة الحرب، أو السلطة، محدداً لتوجهات الدولة على ما تبقى منها، ثم إن الجهات المدنية التي تدعم وتحرض على استمرار الحرب مهما كانت الكلفة، تدرك ألا قوى تعيدها إلى السلطة أو تحافظ على ما اكتسبته من السلطة في السابق، إلا عن طريق قوة الجيش المطلقة وما يمثله من عنف مشروع في بنية الدولة! فخلال عقود ثلاثة تحول فيها الجيش من مهام الأمن القومي، إلى دائرة تتدخل بشكل غليظ في النشاط الاقتصادي، ما أثر على كفاءته.
فما هي الحلول والتصورات في ذهن المؤسسة العسكرية لحسم أو إنهاء الأزمة السودانية؟ من واقع مجريات الأمور، وتحديداً سير المعارك، يصدر الجيش بالحسم العسكري، وكما تردد ألا تفاوض مع الميليشيا (قوات الدعم السريع) ونتائج المعارك على الأرض المستمرة لا تدعم فرضية استمرارها على الوتيرة نفسها من الهزائم الماثلة، أما التفاوض فإن التحركات الدولية والإقليمية والشعبية، ربما تضغط على قادة الجيش للعودة إلى منبر جدة للتفاوض، كما أكد عليها المؤتمرون في القاهرة وما يتعرضون له من ضغوط. ففي زيارة من الرئيس الإثيوبي آبي أحمد وقبلها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي من دولتي رعاية التفاوض للفريق البرهان، في مقر حكومته المنفية في بورتسودان كلها تشير إلى تحرك بشأن الموقف المتوقع لنهاية الحرب الجارية، التي لم يعد للجانبين إمكانية الاستمرار فيها بوزن حقائق الوقائع. وعلى فرض أن تمضي المؤسسة العسكرية في اتجاه الحرب فإن الخطر الذي قد يواجهها قد يفقدها القدرة على التحكم بمجريات الأمور، ليس على مستوى ما يحقق عسكرياً وإنما بما يهدد وجود الدولة نفسها.
وفي خضم هذه التطورات المتلاحقة عسكرياً ودبلوماسياً والحاجة الإنسانية للتفاهم حول إيجاد مخرج من الأزمة السودانية، يتعين على قادة السلطة العسكرية استيعاب المعادلة السياسية، التي تقتضي في ما تقتضي أن للقوة العسكرية ـ إن وجدت- حدوداً حتى في الحرب، لتبدأ عندها العملية السياسية والتفاوض، وهذا ما يعني عملياً التحرك من مرحلة القتال إلى الحوار. ويحتاج إلى تغيير في الوسائل والخطاب والشخصيات بما يلائم مرحلة مقبلة لا يملك منها إلا بما تضعه كواجهة شرعية مسلحة للدولة والجيش معا، ويلزم ذلك أيضا فكَّ ارتباطه الأيديولوجي، أو التقليل من غوغائيته في سبيل الأمن القومي؛ فمفهوم كل من الجانبين الجيش وحاضنته السياسية يختلف في تقديرات الموقف من الحرب، فبينما تتشدد الواجهة السياسية في مواصلة القتال، على الرغم من الخسائر يبرهن موقف الجيش الميداني على استحالة تحمل الضغط إلى ما لا نهاية.
نقلا عن “القدس العربي”
الوسومالجيش السوداني العملية السياسية في السودان حرب السودان
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش السوداني العملية السياسية في السودان حرب السودان
إقرأ أيضاً:
مظاهرات… وهتافات…ومزايدات…وكلنا في الهم شرقُ..!
#مظاهرات… و #هتافات…و #مزايدات…وكلنا في الهم شرقُ..!
د. #مفضي_المومني.
2025/4/5
بدايةً… لست من كتاب التدخل السريع لأي كان إلا الوطن.. نقطة وبداية السطر..!
واقع الحال العربي… لا يسر صاحب ولا صديق… انظمة وشعوب… الكل مغلوب على أمره… هوان وذل وخذلان… وتشتت… ومؤامرات وخيانات من الداخل والخارج… مقابل انفلات وقح وفج …وعلني لقوى الاستعمار الصهيو امريكي بالقوة الغاشمة…!، ومخبول من لا يزال يتاجر… بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان…والامم المتحدة…فقد اتضح انها اكذوبة سوقوها علينا طويلاً… واتخذناها محجاً لأننا لا حول ولا قوة لنا… وليس لدينا قاعدة عربية أو إسلامية واحدة نرتكز عليها لمواجهة غطرسة هذه القوة الغاشمة…فالأنظمة جميعها مهددة… بغض النظر صديقة أو خائنة أو عدوة… لأن منطقهم الاستخدام لمصلحة… تطول وتقصر… وفي النهاية ينقلبوا على الصديق قبل العدو…! تبعا لمصالحهم فقط والأمثلة كثيرة..!
الاخوان المسلمون وحزبهم… مكون وطني من بدايات الدولة الأردنية ولهم قاعدة شعبية كبيرة لأن الساحة السياسية والحزبية الاردنية لم تنتج أفضل منهم من وجهة نظر المواطن العادي… إضافة لأنهم منظمون…ويؤطرون نشاطهم بالدين…والقاعدة الشعبية تتعاطف معهم لأننا مسلمون في النهاية تحزبنا معهم أم لم نتحزب.
لمن لا يعرف… جماعة الأخوان المسلمين كجماعة سياسية اجتماعية ومن خلال ذراعها حزب جبهة العمل الاسلامي حديثا… لديها عقد غير مكتوب مع الحكم والدولة… قد وقفت في مفاصل تاريخية مع الحكم والدولة الأردنية…وهذا مسجل لها تاريخياً بغض النظر عن خروجهم عن النص أحياناً… او ركوب موجات مواتية… لمزيد من الشعبية والحضور… وهذا شأن العمل السياسي… وهم بين هدف الدعوة والسلطة… وأظنهم قبلوا بالدعوة… وعلقوا طلب السلطة أو الحكم…واكتفو بالمشاركة المحدودة المحسوبة… لأن عكس ذلك سيدخلهم في مواجهة مع الحكم والدولة…وإن وصلوا السلطة ولم ينجحوا… فسيفشل مشروعهم الشعبوي… ويفقدوا حضورهم… لذلك يفكر عقلائهم… بالمشاركة… ولا يستعجلون السلطة… وبين الدعوة والسلطة… يناورون… وذات العقد مازال مع الدولة العتيقة والجديدة… مع مناورات محسوبة وتغريد خارج السرب أحيانًا لأهداف تنظيمية أو شعبوية إضافة لتوازنات محسوبة من الطرفين… فلا يستعجل بعض المندفعين شيطنتهم… ليظفر بحضوة أو منصب من لدن الحكومة…! .
الوضع العربي الحالي كشفنا جميعاً، انظمة وأحزاب من اليمين إلى اليسار… إلى أحزاب الصدفة… إلى الشعوب… فمن غير مزايدات… وجع غزة وفلسطين يؤلمنا جميعاً، حد الاحباط والخذلان… والواقع يصفعنا جميعاً… فرب العزة… وشعار الأخوان الآية الكريمة{ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ… }، فلا الدول أعدت… ولا الشعوب ولا الاخوان ولا الاحزاب…كلنا عاجزون…وكلنا عارفون أن وضعنا الحالي لا يسمح ولا يتيح المواجهة… وهذه ليست دعوة للخنوع والتسليم، وعدم المقاومة… ما يجب عمله نعرفه جميعاً، والمظاهرات والهتافات ليس لديها أي تأثير…حتى المظاهرات الاسبوعية في اوروبا وغيرها من الدول… فعنجهية السلطة الغاشمة لم تعد ترانا… وتصريحات الساسة الجدد في امريكا خرجت عن كل المألوف… وبرزت الايديولوجيا التوراتية الصهيونية المقيتة والحاقدة… ويتبناها الساسة الامريكيون أكثر من الصهاينة…!، وأتضح أننا مستهدفون بكل شيء… ولم يعد لديهم تفريق بين الانظمة والشعوب…!.
المظاهرات والهتافات التي تنتشر على مواقع التواصل…ويتناولها مجموعة من المنافقين والوصوليين للحكومة… أو مجموعة من الحاقدين يريدون الفتنة…! او بعض المغفلين…؛ في كل العالم تخرج المظاهرات تحمل شعارات وهتافات تدعم فلسطين وغزة… وتعري العدو ومذابحه… وتدميره… وهذا ما يجب… أما أن تنتقل الهتافات للداخل ضد الجيش والمخابرات والحكومة فهذا خطأ وجر نحو الفتنة…وهذا مرفوض من الجميع…، أنت في دولة ومواطن يجب أن تحترم ذلك… وفُتح لك المجال بالتظاهر… فيجب أن تتوجه بخطابك نحو العالم وأن تحمل الهدف الأسمى… وإذا كان لديكم كحزب جبهة عمل اسلامي تحفظ على ممارسات الجهات الأمنية… فلكم ممثلين في مجلس النواب وتستطيعوا مناقشة الحكومة… والوصول لتفاهمات اجرائية… فالإنفلات التنظيمي لا تستوعبه الدولة الرسمية ويعني الصدام وهذا ما يريده ويخطط له عدونا مع جملة الأنذال الحاقدين على بلدنا… والممارسات الحكومية الرسمية تحدث في كل دول العالم…وتختلف عن الممارسات الشعبية.. !
أما أن تنفلت الأمور ويجرنا مجموعة من الهواة أو المنفعلين…او المدسوسين او الموجهين بهتافات خارجة عن النص…لافتعال الفتنة…فهذا مرفوض وليس بصالح الاخوان ولا بصالح الدولة…حيث يجب تغليب العام على الخاص حتى لو حصلت أخطاء…! وأن تكون الحكمة سيدة الموقف… لسنا في مجال شيطنة الاخوان او الحكومة….ونحن جميعاً على ذات السفينة… ويعملون بوقاحة لإغراقنا… المزايدات… و الممارسات والهتافات غير المسؤولة… يجب أن تتوقف… والفزعات (الدنكشواتية ما بتنفع)… نحن جميعا بحاجة لإعداد ومنوارة… والمواجة في هذه الظروف غير متكافئة…وما يجب أن يكون قرار جمعي…نعرفه جميعاً… بعيداً عن التنظير والمزايدات…واختلاق المناكفات…!.
حمى الله الاردن.