الطليعة الشحرية
الإنسـان هو مُحـرِّك عمليـة التنميـة وقائـدها، وهـو الـذي يطـور مسـتوى اسـتخدام المـوارد الماديـة. ولتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يجب التركيز على تكـوين رأس مـال بشـري، فهو حجـر الأسـاس في كـل تنميـة أو تطـور لكونـه المسـيطر علـى رأس المـال المـادي الـذي يشـكل العنصر الثاني من عناصر التنمية.
ويعتبر الاستثمار في رأس المال البشري من مقومات تحقيق تنميـة بشـرية مسـتديمة، والـذي يشـكل بحـق ثـروة الأمـم. وقد تكون عمليـة بنـاء رأس المـال البشـري عمليـة طويلـة وشـاقة، وتحتـاج إلى الأمـوال الطائلـة الـتي تفـوق قـدرة القطـاع العام وتحتاج إلى رسم السياسات ووضع الخطط وسن القوانين والتشريعات التي تطلق الإبداع عند جميع الشركاء وتضمن التوزيع العادل لمكاسب التنمية وتضمن الشفافية والمسؤولية. إنها حلقة متصلة وتحتاج إلى مراجعة دورية، لسهولة تأثر نتائجها بكثير من العوامل السلوكية التي لا يُمكن السيطرة عليها كما هو الحال في بناء رأس المال العيني.
إنَّ سن القوانين والتشريعات التي تؤثر على حياة آلاف البشر تقع ضمن نطاق هندسة النظم الاجتماعية؛ فلا يُمكن إقرار قانون من مجلس الدولة أو الشورى دون احتساب وتقدير تلك التأثيرات والتداعيات التي قد تمس المجتمع والرأس المال البشري. بمعنى إذا الإنسان هو محرك التنمية الأول باعتباره رأس المال البشري المتحرك والمؤثر في تطور التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتسن قوانين لها تأثير سلبي على حياته، فلن تفرز سوى سلوكيات مجتمعية سامة.
فعند إدارة رأس المال البشري من الواجب دراسة الهندسة الاجتماعية والإلمام بكيفية هندسة النظم المجتمعية.. وهندسة النظم الاجتماعية هو تخصص في العلوم الاجتماعية يدرس الجهود المبذولة للتأثير على الموقف الشعبي والسلوك الاجتماعي على نطاق واسع.
هندسة المجتمع والنظم الاجتماعية
المهندس الاجتماعي هو من يُحاول التأثير على المواقف الشعبية والسلوك الاجتماعي، وإدارة الموارد على نطاق واسع. وقبل الإسلام كان العرب في تناحر دائم لأتفه الأسباب تحكمهم العصبية القبلية والنعرات. ثم جاء الإسلام وأطفأ تلك النار وألَّف بين المتناحرين على أساس الدين والإيمان. وتعود اليوم النعرات للواجهة من خلال برامج تنافس مواهب شعرية فقدت تقييم الكلمة والوزن واعتمد فيها على تقييم العصبية القبلية، وحركة هندسة المجتمع الكامنة تلقائيًّا تكشف عن وجود ما يجب إصلاحه في النظم الاجتماعية.
ولفهم أهمية هندسة المجتمع والنظم، فلنقس عليه مسابقة "شاعر الهبوت" وهي فكرة رائدة تُحافظ على المورث، إلا أنها أظهرت تناقضاً، فقد وصلت مبالغ التصويت إلى أرقام فلكية، وفي المقابل يقبع شخص ما في السجن لتحصيل مبلغ دين ألف ريال. ماذا لو ربط ريع مثل تلك المسابقات بمبادرة فك كربة أو علاج. وبغض النظر عن الريع والربط، فقد أفرزت المسابقة سلوكاً مجتمعيًّا كامنًا يتوجب إعادة النظر ومحاولة استقراء للهندسة الاجتماعية لرأس المال البشري والنظم الاجتماعية.
فهندسة النظم الاجتماعية عبارة عن تطبيق منهج علمي من أجل دراسة الاهتمام الاجتماعي. حيث يستخدم المهندسون الاجتماعيون الأساليب العلمية لتحليل وفهم النظم الاجتماعية، وذلك للتوصل إلى قرارات مناسبة كعلماء، وليس كسياسيين. حيث يسمى نظير هندسة النظم الاجتماعية في المجال السياسي بالهندسة السياسية.
صناعة القرار وتطوير الرأس مال البشري
عند تشريع قرار وقانون أو تغييريهما، يتوجَّب علينا فهم التأثير المباشر أو الآثار المترتبة على المدى البعيد، فصناعة القرار تؤثر على سلامة وبقاء الملايين من الناس والمجتمع بالتالي. وكما عبر عن الفكرة عالم الاجتماع الألماني "فرديناند تونيس" في دراسته "المشاكل الحالية للبنية الاجتماعية"، والفكرة تقوم على ضرورة تغير الأساليب وتستند إلى الاستنتاجات والقرارات والتقنيات الأكثر تطورًا، وتشمل بيانات إحصائية موثوقة يمكن تطبيقها على النظام الاجتماعي وبعبارة أخرى.. وهندسة النظم الاجتماعية هي نظام علمي يستند إلى البيانات يستخدم لوضع تصميم مستدام وذلك لتحقيق الإدارة الذكية للموارد. ومثال ذلك ما يتم تداوله عن ضريبة الدخل للأفراد، وعلى الرغم من الحديث المطول عن الموضوع والتفصيلات والشروحات للقانون وأهميته، إلا أنه يُقابل بامتعاض على المستوى المجتمعي لا لشيء إلا لاقترانه بكلمة ضريبة.. فماذا لو اقترن بكلمة أخرى وهي زكاة.
هندسة الإنسان
يُستخدم علم هندسة النظم الاجتماعية لقياس الجهود المبذولة وللتأثير على مواقف وسلوكيات اجتماعية معينة، وتستخدم الحكومات أو وسائل الإعلام الغربية هذا العلم في إنتاج خصائص مرغوبة للمجتمع تستهدف بناء اجتماعياً جديداً، وهي سلاح ذو حدين يعتمد على آلية التوجيه. وبدلا من ترك المسألة عامة وفضفاضة، ألا يتوجب علينا استخدام المنهج العلمي الذي يتناسب معنا ووفق رؤيتنا ووضع الخطط الاقتصادية والسياسيات النقدية والمالية لإيجاد مجتمع واعٍ يواكب صناع القرار في رؤيته. من السهل صنع قرار والأسهل تطبيقه، ولكن لا توجد آلية للتنبؤ النظري بتداعيات أي قرار وتشريع على المجتمعات، لا سيما وأنَّ هذه المجتمعات تحركها عوامل أخرى كامنة، وهذا بالتالي يخلق شرخًا بين التشريع والمخرجات ويُقلل من كفاءة إدارة رأس المال البشري، والذي يشكل العمود الأساسي لرأس المال المادي وتنميته.. ولتحقيق ثورة تنموية يتوجب نقل الإنسان ورفع إداركه ووعيه بالتعليم.
ويعتمدُ رأس المال البشري على المخزون من المعرفة والمهارة، والخبرة، والقدرة على الاختراع وهي أشياء يمكن اكتسابها في جميع مراحل الحياة التي تمتد من الطفولة المبكرة وحتى الشيخوخة. وتختلف مقدرة الإنسان على اكتساب المعرفة من مرحلة لأخرى من سنين عمره، وتتأثر بالوضع الصحي والنفسي والبيئة التي يعيش فيها.
ومن خلال التعليم، يُمكن إدارة رأس المال البشري، ووسائل التعليم اليوم مُتاحة تعليم رسمي وغير رسمي أو من خلال وسائل الإعلام أو من خلال شبكات الإنترنت والمعلومات. يتشابه رأس المال البشري مع رأس المال العيني من ناحية الزيادة أو النقص عبر الزمن. فقد يشهد مخزون زيادة في المعرفة ونموًّا موجبًا أو سالبًا، وبوجود من يتملك القدرة على الهندسة الاجتماعية ونظم المجتمع قد نصل إلى الاستفادة الكاملة والمطلوبة من الرأس مال البشري والعيني.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير المالية: نسعى للتوسع في الإنفاق على الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية
أكد أحمد كجوك وزير المالية، أننا نعمل مع شركائنا المحليين والدوليين على تعميق الشفافية المالية، في إطار سياسات وطنية متكاملة لتعزيز ثقة المواطنين والمستثمرين، من خلال توفير كل ما يهم المواطنين ومجتمع الأعمال من معلومات عن إعداد وتنفيذ ورقابة الموازنة العامة للدولة لترسيخ المشاركة المجتمعية، لافتًا إلى أهمية إتاحة بيانات موثقة ودقيقة حول دورة «إعداد الموازنة» تساعد الحكومة على اتخاذ قرارات أكثر شمولًا واستهدافًا للتنمية والنمو الاقتصادي.
وأضاف كجوك، في جلسة نقاشية مع «دي. كود» للاستشارات المالية والاقتصادية وممثلي المجتمع المدني ومنظمة شراكة الموازنة الدولية «IBP» و«اليونيسيف»، أننا نسعى إلى رفع كفاءة إدارة المالية العامة للدولة، للتوسع في الإنفاق على الصحة والتعليم، والحماية الاجتماعية، مشيرًا إلى أن موازنة «البرامج والأداء» و«الموازنة التشاركية» و«المستجيبة للنوع الاجتماعي» نموذج وطني لتنفيذ إصلاحات مالية وهيكلية شاملة تعكس تطلعات المواطنين.
أكد أهمية توحيد الجهود لترسيخ مبادئ الشفافية والمشاركة المجتمعية والمساءلة في إعداد وتنفيذ الموازنة العامة للدولة، وفقًا لمعايير مسح الموازنة المفتوحة، لدعم الإصلاحات الوطنية والسياسات المالية الرامية لتحقيق أهداف التنمية الاستراتيجية بكفاءة وفاعلية، بما يضمن تحقيق الأولويات الوطنية، وتلبية احتياجات المواطنين، والاستخدام الأمثل للموارد العامة، ويدعم كفاءة الإنفاق العام، ويسهم في تسريع عجلة التنمية المستدامة، لاسيما في القطاعات الاستراتيجية كالتعليم والصحة.
قال ياسر صبحى، نائب الوزير للسياسات المالية، إن الشفافية تعد محركًا جوهريًا فى «دورة إعداد الموازنة» لضمان إشراك المواطنين فى تحقيق مستهدفاتنا، وقد تم تنفيذ العديد من الإجراءات لتطوير إدارة المالية العامة للدولة ورفع كفاءة الإنفاق العام، وتحسين مؤشرات الأداء المالى والاقتصادي، لافتًا إلى أن العمل الجماعي مع شركاء النجاح المحليين والدوليين، هو السبيل الأمثل لتحقيق مستقبل أكثر عدالة للجميع.
أكدت سارة عيد، رئيس وحدة الشفافية والمشاركة المجتمعية، أهمية هذه الجلسة الحوارية لوضع خارطة طريق لأهم المتعاملين الرئيسين المعنيين بالشفافية والرقابة على الموازنة لكى تواصل مصر الصعود فى كل مؤشرات الشفافية الدولية، لافتة إلى أن الاستمرار فى إصدار بيانات موثقة ودقيقة حول دورة إعداد الموازنة جاء نتيجة جهود وزارة المالية على مدار العشرة أعوام الماضية، حيث نعمل على تعميق الشفافية المالية بالتعاون مع كل شركاء النجاح من الأجهزة الرقابية وعلى رأسها مجلس النواب ومجلس الشيوخ والجهاز المركزي للمحاسبات ومؤسسات المجتمع المدني والعديد من الوزارات منها: وزارة التنمية المحلية، ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، ووزارة التضامن الاجتماعي، ووزارة الصحة، والتعليم، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، ومنظمات المجتمع المدني.
قالت إن التطور الذى أحرزته مصر فى كل المؤشرات الدولية «مؤشر شفافية الموازنة ومشاركة الجمهور والرقابة على الموازنة» جاء نتيجة جهود وحدة الشفافية والمشاركة المجتمعية خلال العشرة أعوم الماضية والتنسيق مع باقي القطاعات المعنية من داخل وزارة المالية والعديد من شركاء النجاح، لذلك نسعى لمزيد من الشراكات الناجحة خاصة مع البرلمان ووزارتي الصحة والتعليم.
أضافت أننا نعمل على آليات فعَّـالة لمشاركة المعلومات مع الجمهور، وتعزيز قدرتهم على التأثير فى أى قرارات مالية تمس حياتهم، أخذًا فى الاعتبار أن الشفافية أصبحت ركيزة أساسية في بناء نظام مالي شامل يخدم جميع أطياف المجتمع، لافتة إلى أن «الموازنة التشاركية» تعد أداة مؤسسية لرفع الوعى لدى المواطنين وتمكين الشباب والمرأة، وأننا نسعى إلى توسيع نطاق «الموازنة التشاركية» بالمحافظات وصولاً إلى بنى سويف ودمياط وأسيوط، بعد نجاحها في الإسكندرية والفيوم.
أضافت أن «الموازنة التشاركية» تعمل على خلق «حلقة وصل» بين متخذى القرار، والمواطنين، لزيادة التواصل مع كل أطياف المجتمع، من خلال آليات مؤسسية مبتكرة للتعاون المثمر مع الجهات الحكومية والدولية والمعنية ذات الصلة، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، لتطوير وتحسين الأداء الحكومي، وتحقيق الاستغلال الأمثل للمال العام، والعمل على رفع مؤشرات الشفافية العالمية ومشاركة الجمهور، موضحة ارتفاع المؤشر الفرعي للرقابة على الموازنة إلى ٥٤/ ١٠٠ نقطة في ٢٠٢٣، مقارنة بـ ٤٤/ ١٠٠ فى ٢٠٢١، نتيجة الجهود المشتركة مع مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، والجهاز المركزى للمحاسبات.
أشارت إلى التحسن الملحوظ لمصر في المؤشر العالمى لشفافية الموازنة بزيادة ٣٦ درجة مئوية بشكل تراكمي ليصل إلى ٤٩ نقطة مئوية عام ٢٠٢٣، مقارنة بـ ٤٣ نقطة فى ٢٠٢١، ومقارنة بـ ١٣ نقطة عام ٢٠١٢، و هو ما تم نشره في مايو ٢٠٢٤، من جانب «شراكة الموازنة الدولية»، وذلك نتيجةً للجهود المبذولة خلال العشر سنوات الماضية، من وحدة الشفافية والمشاركة المجتمعية، بالتعاون مع كل القطاعات المعنية داخل وزارة المالية، وشركاء النجاح، كمؤسسة «دي. كود» للاستشارات المالية والاقتصادية، التي تعد الشريك الوطني في إعداد «مسح الموازنة المفتوحة» بمصر بالتنسيق مع وزارة المالية.
أكدت أن الوحدة تسعى إلى توسيع آليات المساءلة والرقابة المجتمعية من خلال العمل على توسيع نطاق تطبيق نموذج المساءلة والرقابة المجتمعية بمحافظات «أسيوط وبني سويف والمنيا وأسوان خلال العام المالي ٢٠٢٥/ ٢٠٢٦، لافتة إلى أنه تم إعداد مكون تدريبى كامل للشباب لتعزيز مفهوم المواطنة الفعالة وتبسيط المفاهيم المالية ورفع الوعي بأهداف التنمية ذات الصلة بالشباب وإشراكهم فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتشجيع مشاركتهم فى الأنشطة التوعوية حول «دورة إعداد الموازنة» وذلك بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ومركز تطوير المناهج.
أشارت إلى أن وزارة المالية، ممثلة في وحدة الشفافية والمشاركة المجتمعية، كانت تعمل علي نشر الوثائق الرئيسية للموازنة في التوقيتات المحددة وفقًا للمعايير الدولية، مثل «البيان التمهيدي ما قبل الموازنة» والبيان «نصف السنوى»، والنشرة الشهرية باللغتين العربية والإنجليزية، وتقرير «موازنة المواطن»، مما كان له أكبر الأثر في توفير المعلومات اللازمة للمواطنين، ليتمكنوا من متابعة الإنفاق الحكومي بشكل فعَّال، وإبداء آرائهم في جلسات الاستماع.
شارك فى الجلسة النقاشية الدكتور هشام الهلباوي، مساعد وزير التنمية المحلية للمشروعات الوطنية، وأكمل نجاتي، عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وسامح السادات، عضو مجلس الشيوخ، وممثلون عن وزارات المالية، والتنمية المحلية، والتخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والتضامن الاجتماعي، والصحة، والتعليم، والجهاز المركزي للمحاسبات، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، ومنظمات المجتمع المدني.