هل سيغيّر بزشكيان من سياسات إيران؟
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
د. هيثم مزاحم *
شكّل فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة الإيرانية، على منافسه المحافظ سعيد جليلي، مُفاجأة للكثيرين، حيث نال بزشكيان نحو 54 في المائة من الأصوات، بينما نال جليلي نحو 45 في المائة منها.
وقد حشد الطرفان -المحافظ والإصلاحي- جماهيرهما؛ حيث ارتفعت نسبة الاقتراع من نحو 40 في المائة في الجولة الأولى إلى نحو 50 في المائة في الجولة الثانية، مما يشير إلى تكثيف أنصار الإصلاحيين والرماديين من تصويتهم بعد مُقاطعة كبيرة لهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرتين.
ولا شك أنَّ للنظام الإسلامي مصلحة في وصول رئيس إصلاحي حالياً من أجل تخفيف الاحتقان الداخلي وتحقيق الانفراج مع الخارج، خاصة مع دول الجوار والغرب. وتروي بعض المصادر الإيرانية أن مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي قد تدخل لدى مجلس صيانة الدستور كي يسمح بتأهيل المرشح مسعود بزشكيان؛ الأمر الذي فاجأ الكثيرين، خاصة وأنه سبق أن رُفض ترشيحه في دورات سابقة، بينما تمَّ رفض ترشيح شخصيات معروفة كانت لها مناصب مهمة داخل النظام، كرئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني، ورئيس الجمهورية السابق محمود أحمدي نجاد وغيرهما.
وسيواجه الرئيس المنتخب تحديات عديدة على المستويين الداخلي والخارجي. فهو سيكون محكوماً بالتعامل مع برلمان يسيطر عليه المحافظون، الذين قد يحاولون عرقلة بعض سياساته ومشاريعه الداخلية والخارجية. لكن بزشكيان الذي كان نائباً في مجلس الشورى لمدة 24 عاماً ونائباً لرئيس المجلس لدورة، يعرف خبايا العمل البرلماني ومفاتيح مجلس الشورى. ولا شك أن علاقته الجيدة بالمرشد خامنئي قد تسهِّل له تخطي أية عقبات من البرلمان أو الدولة العميقة في إيران. وقد أعلن بزشكيان قبل وبعد انتخابه عن ولائه للمرشد، الولي الفقيه، وعن رغبته بالعمل بتوجيهاته، خلافاً لاعتقاد البعض بأنه كرئيس إصلاحي سيكون معارضاً أو معادياً للمرشد.
وقد صرح الرئيس الجديد أنه يمد يديه للجميع في إشارة إلى رغبته في التعاون مع المحافظين في النظام، من البرلمان إلى المجالس والأجهزة الدستورية والقضائية والأمنية والعسكرية الأخرى.
لذلك، لا يتوقع بعض المراقبين حدوث تغييرات جوهرية في طريقة بزشكيان لإدارة البلاد بسبب كون القرارات الإستراتيجية والمصيرية يتم اتخاذها في مجلس الأمن القومي وبإشراف المرشد.
لكنَّ بزشكيان لديه صلاحيات تمكنه من العمل على إنعاش الاقتصاد من خلال بعض المشاريع الداخلية وجذب بعض الاستثمارات الخارجية، وربما رفع العقوبات الأميركية والأوروبية في حال العودة الى الاتفاق النووي. وهناك تحديات اقتصادية كبيرة أبرزها خفض التضخم وتحسين سعر العملة الإيرانية أمام الدولار، واستمرار تصدير النفط بصورة كبيرة تتجاوز العقوبات والعقبات الأميركية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع دول مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون.
وهناك مسألة الحريات الاجتماعية التي أشار إليها بزشكيان؛ حيث يتوقع أن يعمل على تخفيف بعض القيود في مسألة الحجاب والإنترنت؛ وبالتالي تخفيف الاحتقان الداخلي. لكن ذلك قد يواجه بمعارضة مجلس الشورى المحافظ وبعض مراكز القوة المحافظة الأخرى وخاصة حرس الثورة الإسلامية.
أمَّا بشأن البرنامج النووي الإيراني، فالقرارات المتعلقة به تتخذ في إطار مجلس الأمن القومي والذي للمرشد تأثير كبير عليه. ومعلوم أن إيران كانت ملتزمة بالاتفاق النووي الذي وقعته عام 2015 مع مجموعة الدول الكبرى (5+1) لكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هو الذي انحسب منه، وأعاد فرض العقوبات على إيران، وضغط على الدول الأوروبية للانسحاب من بعض الاتفاقات التجارية مع إيران؛ الأمر الذي دفع بطهران إلى خرق بعض بنود الاتفاق من قبيل زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة، في رد على الانتهاكات والعقوبات الأمريكية والأوروبية. لذلك لن يكون هناك خلاف بين بزشكيان وخامنئي في موضوع العودة إلى الاتفاق النووي في حال ضمنت طهران التزام الأطراف الغربيون بالاتفاق وقدموا ضمانات بهذا الشأن.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى السياسة الخارجية، فهي تقرر ضمن مجلس الأمن القومي، خاصة الاتفاقات الإستراتيجية والعلاقات مع الحلفاء والأصدقاء، كالصين وروسيا ومحور المقاومة. لذلك يتوقع من الرئيس الجديد الاستمرار في العلاقات والاتفاقات الاستراتيجية مع الصين وروسيا من جهة، وفي تحسين العلاقات مع دول الجوار وبخاصة العراق وتركيا والسعودية وسلطنة عُمان، والعمل على تحسين العلاقات مع دولة الإمارات والبحرين ومصر.
أمَّا بشأن الموقف من القضية الفلسطينية ودعم المقاومة في فلسطين ولبنان، فإن بزشكيان قد عبّر عن موقفه في رده على رسالة التهنئة من أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله؛ حيث قال بزشكيان إن "دعم مقاومة شعوب المنطقة للنظام الصهيوني غير الشرعي (إسرائيل) متجذر في السياسات الأساسية للجمهورية الإسلامية".
وأوضح بزشكيان في رسالته أن "جمهورية إيران الإسلامية، لطالما دعمت صمود ومقاومة الشعوب الإقليمية في مواجهة الكيان الصهيوني اللاشرعي". وأضاف أن "نهج الدفاع عن المقاومة متجذّر في السياسات المبدئية لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية". وتابع: "إنني على يقين بأن حركات المقاومة في المنطقة، لن تسمح لهذا الكيان أن يستمر في سياساته العدوانية والإجرامية بحق الشعب الفلسطيني المظلوم وسائر الشعوب الإقليمية".
كما رأى بزشكيان أن العلاقات بين طهران ودمشق قائمة على ركائز قويمة؛ وأن تطوير وتعزيز التعاون الثنائي يأتي ضمن السياسات الاستراتيجية لبلاده. وأكد خلال اتصال هاتفي مع الرئيس السوري بشار الأسد على ضرورة تنفيذ "الاتفاقات الجيدة" المبرمة بين البلدين، وقال: "إن سياسة إيران بشأن الدفاع عن فلسطين وتيار المقاومة والشعب والحكومة في سوريا باعتبارها حليفاً إستراتيجياً لإيران، سوف تتواصل تحت رعاية وتوجيهات قائد الثورة".
وكان خامنئي قد حض بزشكيان على مواصلة سياسات سلفه المحافظ إبراهيم رئيسي، الذي لقي حتفه في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في مايو الماضي مع عدد من المسؤولين على رأسهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان.
من هنا، فإن الرهان على تغيير في سياسات إيران الخارجية مع الرئيس الجديد رهان خاسر، فبزشكيان ملتزم بسياسات النظام الاستراتيجية، وهامش المناورة لديه محدود في تحسين العلاقات مع بعض الدول العربية والغربية، والعودة إلى الاتفاق النووي بشروط تضمن مصالح إيران وسيادتها. وبوجود إدارة أمريكية متصهينة كإدارة بايدن أو إدارة برئاسة دونالد ترامب، سيكون من الصعب العودة إلى الاتفاق النووي، بل ربما ستزداد العقوبات على إيران في ظل إدارة جمهورية بقيادة ترامب الذي أطلق سياسة "أقسى العقوبات على إيران" وتصفير تصدير النفط الإيراني.
* رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية - لبنان
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مستشار حميدتي لـ«الشرق الأوسط»: ندعم حكومة «موازية» عاصمتها الخرطوم .. اتهم السلطة في بورتسودان بممارسة سياسات انفصالية
حسم مستشار قائد «قوات الدعم السريع»، إبراهيم مخير، الجدل حول موقفهم بشأن المشاورات التي تجريها بعض الأطراف السياسية والمدنية لتشكيل حكومة «موازية» في السودان، عاصمتها الخرطوم، مؤكداً أنها «ستجد كامل الدعم والحماية» منهم، في مقابل السلطة التي يتزعمها قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في مدينة بورتسودان شرق البلاد.
وجرت مشاورات مطولة الأسابيع الماضية في العاصمة الكينية نيروبي بين قوى سياسية والجبهة الثورية وشخصيات من تحالف «تقدم» ومن خارجه، بحثت تشكيل «حكومة سلام» على الأرض داخل السودان، في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في غرب السودان ووسطه.
وقال مخير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «توصلنا إلى قناعة بالطرح المقدم من السياسيين المدنيين ونياتهم الحقيقية تجاه تحقيق السلام في البلاد». وأضاف أن «أهم الأسباب التي تدفعنا لدعم تكوين حكومة في البلاد، هو فشل كل المؤسسات القائمة في النظر إلى السودانيين كشعب واحد متساوٍ في المواطنة والحقوق والواجبات».
ترقب لإعلان الحكومة
ويسود جوّ من الترقب لإعلان الحكومة في الأيام المقبلة، بمشاركة بعض الفصائل من «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) التي ترفض بشدة هذه الخطوة، باعتبارها تكرس الانقسام في البلاد. كما تهدد الخطوة بحدوث انقسام في أكبر تحالف سياسي مناهض للحرب في البلاد.
وقال مستشار «حميدتي» إن «البلاد تمضي بشكل متسارع نحو التقسيم، في ظل الممارسات الانفصالية التي تنتهجها حكومة بورتسودان بإصدار عملة جديدة، وتنظيم امتحانات الشهادة الثانوية، وحرمان المواطنين في مناطق سيطرة (الدعم السريع) من هذه الحقوق». وأضاف: «أمام كل ذلك لا خيار أمامنا سوى دعم قيام حكومة شرعية قومية تمارس سلطاتها على أراضي البلاد كافة، والقيام بدورها في حماية المدنيين وتقديم العون لهم، فضلاً عن فتح الأبواب أمام كل الجهود الدولية والإقليمية التي تهدف لوقف الحرب وتحقيق السلام».
وفي وقت سابق هدد قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي) بإعلان سلطة مستقلة في مناطق سيطرته، عاصمتها الخرطوم، حال أقدم قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، على تشكيل حكومة في مدينة بورتسودان شرق البلاد.
وجرت في العاصمة الكينية نيروبي خلال الأسابيع الماضية نقاشات مكثفة بين قوى سياسية والجبهة الثورية وشخصيات من تحالف «تقدم» ومن خارجه، بحثت نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، وتشكيل حكومة على الأرض داخل السودان.
وأكد رئيس الجبهة الثورية، العضو السابق في «مجلس السيادة»، الهادي إدريس، في تصريحات الخميس الماضي، أن قرار تشكيل الحكومة لا رجعة فيه، مشدداً على أنهم لن يتخلوا عن تشكيل الحكومة إلّا إذا قرر طرفا الحرب الذهاب إلى المفاوضات لإنهاء القتال.
نزع الشرعية من بورتسودان
وقال إدريس، وهو نائب رئيس تحالف «تقدم» المدني الذي يرأسه عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني السابق، إن الهدف من تشكيل «حكومة مدنية موازية هو نزع الشرعية من الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، وقطع الطريق أمام خطط أنصار نظام الإسلاميين (النظام البائد بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير) الرامية لتقسيم البلاد، وأيضاً لعدم ترك صوت السودان للجبهة الإسلامية لتتحدث باسمه، وأخيراً لإجبار الطرف الآخر (الجيش) على القبول بمفاوضات لوقف الحرب». وأشار إدريس في الوقت ذاته إلى تمسكه بوحدة الصف المدني.
وترى المجموعة الداعية إلى تشكيل الحكومة الموازية أهمية التشاور مع «قوات الدعم السريع» حول الأمر، والاتفاق على ميثاق سياسي يكون مرجعية للحكم، متوقعة أن تجد هذه الخطوة اعترافاً من بعض الدول.
وشهد مؤتمر «تقدم» التأسيسي الذي عُقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في مايو (أيار) الماضي، تداول فكرة تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان التي يترأسها البرهان، لكن المقترح لم يحظَ بالقبول الكافي، ثم أعيد طرحه مجدداً في اجتماع الهيئة القيادية لـ«تقدم» في مدينة عنتيبي الأوغندية مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وأحيل إلى لجنة سياسية لمزيد من التشاور.
وترفض العديد من القوى السياسية في «تنسيقية تقدم» مثل حزب الأمة القومي، وحزب المؤتمر السوداني، ومكونات مدنية مهنية ونقابية، بشدة، فكرة تشكيل حكومة «موازية»، خوفاً من تكريس الانقسام في البلاد.