سعت الدول الغربية منذ بدء حرب روسيا على جارتها أوكرانيا في شباط / فبراير العام الماضي، إلى كبح جماح الدب الروسي وردعه عن الاستمرار في حربه عبر سلسلة من العقوبات على مختلف الأصعدة، كان أبرزها في المجال الاقتصادي، حيث طالت أثرياء روسيا الذين تجمعهم صلات بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ما جدوى العقوبات؟

وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى أن الحرب الأوكرانية لا تزال مستمرة رغم فرض الغرب عقوبات على أكثر من مئة رجل أعمال روسي مع عائلاتهم، على أمل أن يدفع ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتخلي عن حربه في أوكرانيا.



وقال ماكس كولتستر، معد التقرير  الذي ترجمته “عربي21”، إن استراتيجة العقوبات الغربية لم تنجح، فالحرب محتدمة ولم يتخل إلا قلة من رجال الأعمال عن بوتين أو شجبوه أو باعوا أصولهم الروسية. وفي الوقت نفسه، تحاول مجموعة من أصحاب الجيوب العميقة بالقتال ضد العقوبات وزادوا من تحديهم القانوني في بريطانيا والاتحاد الأوروبي في محاولات لا حظ لها من النجاح لرفع القيود التي تضم حظر السفر وتجميد الارصدة

وأضافت الصحيفة أن الذين استهدفتهم العقوبات لا قوة لهم على بوتين، وبعيدا عن ممارسة الضغوط على الرئيس الروسي فإن نظام العقوبات يدفع عددا من الأوليغارش المتغربين الذين أصابتهم العقوبات، إلى أحضان الرئيس بوتين.

وتشير كلمة الأوليغارشية، في الغالب، إلى شخص فاحش الثراء يكسب أمواله من خلال هذا النوع من الأعمال المشبوهة مع الدولة،  الأوليغارشية الروسية مرة أخرى إلى دائرة الضوء، وأصبحت مثار جدل دولي مع تصاعد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا والغرب.



وقال الخبير بالعقوبات في  جمعية خبراء مكافحة غسل الأموال المعتمدين، جورج فولشين: لم نر أبدا الكثير من الميليارديرات لهم أثر دولي. وأضاف "ومن وجهة نظري أن هؤلاء الأوليغارش ليسوا من المقربين من بوتين" لأن "العقوبات مؤلمة لهم ولعائلاتهم، ولكنها ليست ناجعة من وجهة  نظر السياسة".
 
وتعلق الصحيفة أن المعارك  القانونية ستكون بمثابة امتحان فيما إن استخدم رجال الأعمال الروس، التزام الغرب بحكم القانون لتقويض أهداف السياسة الخارجية.

ويرى المسؤولون الغربيون أن العقوبات الواسعة يجب النظر إليها كجزء من حملة قمع واسعة والتي تضم حظرا على تصدير سلع رئيسية، بهدف شل الاقتصاد، وهو تحرك لم يترك سوى أثرا محدودا. وناقش المسؤولون بأنه يجب عدم السماح للأثرياء الروس مواصلة حياتهم الطبيعية، في وقت يواصل فيه الكرملين حربه غير الشرعية في أوكرانيا، بحسب التقرير.

وأوضح، المدير السابق لمكتب الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة، والشريك في شركة موريسون فورستر، جون سميث، أن الهدف من العقوبات "هو سحب  الدعم  “لبوتين” لأن الأوليغارش يلعبون دورا مهما في التأثير الاقتصادي.

وأضاف: لم نصل بعد إلى نقطة التحول بعد، ولكن هذا لا يعني أننا لن نصل إليها.

وقالت الصحيفة إن محامين يمثلون الملياردير رومان ابراموفيتش، ظهروا قبل فترة في محكمة لوكسمبرغ للاستئناف ضد عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد موكلهم الروسي، قائلين إن العقوبات منعته من "التدخل بشكل فعال" كقناة سلام في المحادثات بين روسيا وأوكرانيا، حسب وثائق المحكمة.

وذكرت الصحيفة أن الملياردير هو المالك السابق لفريق تشيلسي لكرة القدم الإنكليزي، وقد جادل أمام المحكمة بنفس الجدال الذي قدمه محامون عن أثرياء روس فرضت عليهم، وهو أنه "استهدف بشكل غير عادل ولأنه رجل أعمال روسي وأنه بولغ بالحديث عن علاقاته مع بوتين، وستصدر المحكمة قرارها بعد أشهر.

وفي الوقت نفسه، قال يوجين شيفلدر الرجل الأول الذي يتحدى نظام العقوبات البريطانية ضد روسيا أمام محكمة، وزعم الشريك التجاري السابق لإبراهموفيتش، إن العقوبات تسببت بـ "معاناة خطيرة" لعائلته، بحسب وثائق المحكمة.

وقال الميلياردير الذي يحمل الجنسية البريطانية والأمريكية، إنه لم يحمل أبدا جواز سفر روسي ولم يقابل بوتين شخصيا منذ 2007.

وفي دفاعها قالت الحكومة البريطانية إنه يجب الإبقاء على شيلفدر تحت العقوبات لأنه قد يضغط على أبراهموفيتش ليضغط بدوره على بوتين. 

أما أندريه غورييف، فقد فرضت الولايات المتحدة، نقل عمليات شركته القابضة التي تملك أسهما في شركة الأسمدة الروسية العملاقة "فوتوزأرغو" من سويسرا إلى منطقة تجارة روسية بضرائب مخفضة.

بوتين والنخب المستهدفة

في المقابل، كان بوتين قد دعا رجال الأعمال الروس  إلى العودة إلى روسيا. وقال في خطاب حالة الأمة، الذي ألقاه في شباط / فبراير، إن "حمل طاقية والتسول لمالك، لا معنى له، والأهم من هذا أنه لا يحقق أي شيء".

وتفيد الصحيفة، بأن العقوبات أصبحت في العقود الأخيرة، أداة مهمة ضد “الأنظمة المارقة”، فهي وسيلة رخيصة وبأقل تدخل عسكري وتترك أثرا على الدول التي استهدفت، مثل إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وسوريا.

لكن العقوبات ضد النخب التجارية، المرتبطة بحكومة البلد هي تطور جديد لهذا الأسلوب. وفي عام 2022، وبعد فترة قصيرة، عدل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة قوانين العقوبات من أجل تطبيقها على أكبر عدد من الروس.

وترى الصحيفة عبر تقريرها، أن أثر العقوبات كان مزيجا من النجاح أو الفشل، فتغيير النظام أو إجبار البلد على تغيير سياساته الخارجية، نادرا ما يحدث. وأكثر من هذا فقد تقود العقوبات إلى غضب السكان الذين يتأثرون بالعقوبات أكثر من النظام. بيد أنها في الحالة الروسية، “فربما نجحت بطريقة محدودة، مثل منع دول لمساعدة روسيا”.
 
ومع أن الكثير من الأوليغارش الروس تحدوا قرارات العقوبات في المحاكم البريطانية والأوروبية إلا أنهم لم يفكروا بمواجهة القرارات الأمريكية لـ"سبب بسيط وهو اعتقادهم أنهم لن يفوزوا"، وفقا للتقرير.

 
وتشير الصحيفة في ختام تقريرها، أن ديبريسكا كان أول من انتقد الحرب بعد اندلاعها بفترة قصيرة. وفي كانون الأول / ديسمبر أمرت محكمة روسية بالسيطرة على مجمع فنادق يملكه في منتجع سوتشي، ولا يزال تحت العقوبات في بريطانيا والاتحاد الأوروبي. أما  فأوليغ تينكوف، الملياردير الروسي الذي تخلى عن جنسيته الروسية بعد الحرب وانتقد قرارات بوتين، ولكنه وضع على قائمة العقوبات الغربية، فقد أزالته بريطانيا عن القائمة

ازدياد الأثرياء في روسيا

وفي نيسان / أبريل، قالت النسخة الروسية من مجلة فوربس إن أغنى أغنياء روسيا أضافوا 152 مليار دولار إلى ثرواتهم خلال العام المنصرم بسبب ارتفاع أسعار الموارد الطبيعية والتعافي من خسارة فادحة لحقت بهم بعد بدء الحرب في أوكرانيا مباشرة.  وتضم قائمة "فوربس روسيا" الرسمية 110 مليارديرات في روسيا بزيادة 22 عن العام الماضي.

ذكرت "فوربس روسيا"، أن إجمالي ثرواتهم ارتفع إلى 505 مليارات دولار، من 353 مليار دولار في قائمة عام 2022، مشيرة إلى أن القائمة كان من الممكن أن تطول لولا تخلي خمسة من المليارديرات عن جنسيتهم الروسية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة روسيا بوتين روسيا بوتين اوكرانيا صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

سوريا.. هل سيتعلّم الغرب من الدروس المستفادة هذه المرّة؟

في ديسمبر الماضي، نجحت المعارضة السورية المسلّحة في الإطاحة بنظام الأسد بعد صراع دام لأكثر من 13 سنة. ويجمع كثير من الخبراء والمراقبين على أنّ هذه اللحظة التاريخية تعدّ علامة فارقة في تاريخ المنطقة، وقد تفتح الباب واسعاً أمام تحوّلات جيو ـ سياسية وتغيير في موازن القوى الإقليمية، وتدشّن مرحلة جديدة من التفاعلات الإقليمية.

المفارقة أنّ التحوّل الذي حصل في سوريا يعطي الغرب فرصة تاريخية لتغيير صورته السيئة ودوره المشؤوم ليعيد ترتيب حساباته وعلاقاته مع العالم العربي والإسلامي على أرضية مناسبة تحقق مصالح الطرفين. لكن ما نسمعه الآن من تصريحات من بعض المسؤولين الأمريكيين والأوربيين وما يتم تداوله من شروط وضغوط لا يتناسب مع مثل هذا التصوّر المتفائل.

النقاشات الحقيقية في الأوساط الغربية لا يدور حول أهمّية إعادة بناء سوريا أو رفع العقوبات لتمكينها من تحقيق الاستقرار وإطلاق عملية إعادة اعمار البلاد، وإنما حول أشياء أخرى أقل أهمّية بالنسبة للشعب السوري والمنطقة، وتتعلّق بصراع الهويات والأيديولوجيات والأقليات وإسرائيل. أولى المقابلات الإعلامية الغربية على سبيل المثال مع الرئيس أحمد الشرع ركّزت على موضوع ما إذا كان سيتم السماح ببيع المشروبات الكحولية في سوريا، أخرى ركّزت على موضوع الحجاب..

التحوّل الذي حصل في سوريا يعطي الغرب فرصة تاريخية لتغيير صورته السيئة ودوره المشؤوم ليعيد ترتيب حساباته وعلاقاته مع العالم العربي والإسلامي على أرضية مناسبة تحقق مصالح الطرفين. لكن ما نسمعه الآن من تصريحات من بعض المسؤولين الأمريكيين والأوربيين وما يتم تداوله من شروط وضغوط لا يتناسب مع مثل هذا التصوّر المتفائل.وبالمثل، فإنّ أولى الزوبعات الإعلامية المصاحبة للزيارات الرسمية الغربية إلى الإدارة السورية الجديدة كانت ترتبط بزيارة وزيرة خارجية ألمانيا إلى دمشق. كان التركيز حينها داخل ألمانيا وخارجها على طريقة مصافحة أو عدم مصافحة الرئيس الشرع لها. وبالمثل، فإنّ انشغال المسؤولين الغربيين هو عمّا إذا كان الشرع قد تحوّل بالفعل، وكيف بإمكانهم أن يدفعوا التغيير باتجاه يتناسب معهم بدلا من أن يتناسب مع السوريين!

الأوروبيون على سبيل المثال يسوّقون لضرورة أن يقوم النظام الجديد بتنفيذ لائحة من الشروط قبل أن يحاولوا اقناع دوائر صنع القرار في أوروبا بضرورة رفع العقوبات عن سوريا. أهم ما تضمّه هذه اللائحة من الشروط هو تشكيل حكومة جامعة قد تنتهي إلى ما نعرفه باسم المحاصصة، وأن يكون للميليشيات الكردية المسلّحة وضعها الخاص (يسمّونهم تعميماً الأكراد وذلك لإعطائهم الشرعية وحصرية تمثيل الأكراد، وهو مسمى غير صحيح ومضلّل)، بالإضافة إلى قضايا أخرى تتعلّق بالمعايير الأوروبيّة غير المتّفق عليها حتى غربيّاً!

الأمريكيون يريدون كذلك أن يدفعوا التغيير باتجاههم، فتارةً يعطون قطعة من الأرض السورية إلى إسرائيل، وطوراً يضعون شرطاً مبطّناً حول التطبيع، وبين هذا وذلك الدعم الكامل لإسرائيل ومساعي تفجير الملف الفلسطيني مجدداً، مع التلويح بورقة العقوبات والإرهاب للسوريين. وبالرغم من تفاؤل البعض بالرفع الجزئي للعقوبات، إلا أنّ ذلك لا يعكس بالضرورة الخطوات القادمة، ولا يمكنه في جميع الأحوال تحسين الوضع في سوريا.

ما يجب قوله للأمريكيين والأوروبيين هو أنّهم قبضوا الثمن مقدّماً، فلا مخدرات تغرق أسواقهم اليوم، ولا ملايين اللاجئين والنازحين الهاربين إليهم، ولا إيران وروسيا في دمشق. هذه كلّها مكاسب استفادوا ويستفيدون منها، وعليهم أن يعووا أنّ الكرة في ملعبهم اليوم، فإذا أرادوا الحفاظ على المكتسبات سيكون هناك حاجة لاتخاذ الخطوات الأولى برفع العقوبات بدلاً من الإنخراط في لعبة البيضة والدجاجة، ولعبة "لا رفع للعقوبات قبل أن تنفذ الإدارة الجديدة ما نريد من لائحة الشروط الطويلة".

سوريا تحتاج اليوم كل الدعم التي تستطيع أن تقدّمه كل الدول، كما تحتاج من كل الدول الامتناع عن التدخل في الشأن الداخلي. الإخلال بأي منهما، سيؤدي إلى الفشل الذي ستكون تداعياته أكبر من أن يتحمّلها أي لاعب إقليمي أو دولي. رفع العقوبات هو المدخل الأساسي، وتقديم الدعم لتحقيق الاستقرار سيعود بالنفع على الجميع. هل سيعي الغربيون الدرس هذه المرّة؟إذا ما فشلت الإدارة الجديدة في تحقيق الاستقرار والأمن وبسط السيطرة على كامل الأراضي السورية وإطلاق عملية إعادة إعمار البلاد بسبب العقوبات المفروضة على البلاد ومحاولة الدول الغربية ابتزاز الوضع السوري لغايات ليس لها علاقة بسوريا أو حتى بمصالحهم المباشرة فيها، فإنّ تداعيات هذا الأمر ستكون كارثية. صحيح أنّ سوريا ستكون أولى المتضرّرين ومن ثمّ لبنان والأردن وتركيا والعراق، لكن الأمر سيمتد سريعا ليشمل هذه الدول الغربية ومصالحها في المنطقة.

هل ستتعلّم الدول الغربية من أخطائها السابقة وتتدارك هذا الأمر؟ التجربة تقول إنّهم إذا ما عبثوا بقضيّة ما فستنتهي إلى الأسوء. بعض التصريحات الصادرة مؤخراً عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين لا توحي بالخير. وضعهم لقوائم طويلة من المطالب والشروط، وربطهم هذه الشروط بأجنداتهم الخاصة مقابل تخفيف العقوبات سيقوّض من الوضع في سوريا لاحقاً، وقد يخسر الجميع كل المكتسبات التي تمّ تحقيقها مع الإطاحة بنظام الأسد.

سوريا تحتاج اليوم كل الدعم التي تستطيع أن تقدّمه كل الدول، كما تحتاج من كل الدول الامتناع عن التدخل في الشأن الداخلي. الإخلال بأي منهما، سيؤدي إلى الفشل الذي ستكون تداعياته أكبر من أن يتحمّلها أي لاعب إقليمي أو دولي.  رفع العقوبات هو المدخل الأساسي، وتقديم الدعم لتحقيق الاستقرار سيعود بالنفع على الجميع. هل سيعي الغربيون الدرس هذه المرّة؟

مقالات مشابهة

  •  السعودية تحتضن لقاء يجمع مسؤولين من روسيا وأمريكا لمناقشة الحرب الأوكرانية
  • بوتين يسعى لنظام عالمي جديد يخدم مصالح روسيا
  • سوريا.. هل سيتعلّم الغرب من الدروس المستفادة هذه المرّة؟
  • الحرب الروسية الأوكرانية تدخل منعطفا جديدا بعد هجوم نائب ترامب على أوروبا.. مكالمة هاتفية بين رئيسي أمريكا وروسيا تثير القلق
  • أبرز محطات وأحداث الحرب الروسية الأوكرانية
  • الخارجية البريطانية تضيف 5 تصنيفات جديدة بموجب نظام العقوبات ضد روسيا
  • الرئاسة الأوكرانية: لا نخطط لإجراء محادثات مع روسيا بمؤتمر ميونيخ
  • أوروبا بين مطرقة ترامب وسندان الحرب الروسية الأوكرانية
  • روسيا تشيد بموقف ترامب حيال إنهاء الحرب الأوكرانية
  • أعنف معارك الحرب الأوكرانية قد تشتعل داخل روسيا