أردوغان يدفع بقوة.. ثلاث أسئلة محورية حول التطبيع بين تركيا ونظام الأسد
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "التودد" إلى النظام السوري ورئيسه بشار الأسد من أجل الدفع نحو استئناف العلاقات بين الجانبين بعد تعثر تسبب في جمود مسار التقارب قبل نحو عامين، إلا أن النظام لم يبادر بالرد على المبادرات التركية بالزخم ذاته الذي تُقبل به أنقرة على دمشق، رغم تصريح الأسد بانفتاحه المشروط.
وتسعى أنقرة التي سارعت خطاها على مسار التطبيع المتعثر خلال الأسابيع الأخيرة بعد إعلان وحدات حماية الشعب الكردية عن عزمها إجراء انتخابات محلية شمال شرقي سوريا، إلى ترتيب اجتماع بين أردوغان والأسد في تركيا أو بلد ثالث من أجل البدء في مرحلة جديدة من العلاقات.
وفي أحدث تصريحاته، قال أردوغان للصحفيين خلال عودته من العاصمة الأمريكية واشنطن عقب المشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الجمعة، وزير الخارجية التركي هاكان فيدان "يقوم حاليا بتحديد خارطة الطريق من خلال محادثاته مع نظرائه وبناء على ذلك سنتخذ الخطوة اللازمة (للقاء الأسد) إن شاء الله".
وأشار أردوغان إلى وجود لاعبين على الساحة لا يريدون لقطار التطبيع بين أنقرة والنظام السوري أن يصل إلى محطاته الأخيرة، حيث قال إن "التنظيمات الإرهابية ستبذل حتما قصارى جهدها لتسميم هذا المسار، وستخطط لاستفزازات وإحاكة الألاعيب ولكننا ندرك كل ذلك جيدا ومستعدون لمواجهتها".
وعادة ما يشير الجانب التركي بحديثه عن "الإرهاب"، إلى حزب "العمال الكردستاني" (بي كي كي) الذي يتخذ من جبال قنديل في العراق مقرا له، إضافة إلى وحدات الحماية الكردية شمال شرقي سوريا، التي تراها أنقرة امتدادا للعمال الكردستاني، المدرج على قوائم الإرهاب في تركيا وعدد من الدول الأوروبية.
كما تطرق أردوغان إلى لاعبين آخرين على الصعيد الدولي والإقليمي، إذ طالب كل من الولايات المتحدة وإيران بأن "تكونا سعيدتين بهذه التطورات الإيجابية (مسار التطبيع) وتدعما العملية الرامية إلى إنهاء كل المعاناة (في سوريا)".
هل تعيق إيران مسار التطبيع بين تركيا والنظام؟
ويسلط حديث الرئيس التركي على دور إيران، حليفة النظام السوري، في التطبيع المتعثر بين أنقرة ودمشق، لاسيما في وقت تقف فيه بعيدة عن هذا المسار الذي يحظى برعاية روسية.
في السياق، يرى الباحث في الشؤون التركية محمود علوش أن "الإيرانيين يعتقدون أن التحرك الروسي لإعادة إحياء مسار التطبيع بمعزل عن اللجنة الرباعية مُصمم لتقويض قدرتهم على التأثير في هذه العملية".
ويوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "لدى طهران نفوذ على الأسد، لكنّ الأخير يأخذ بعين الاعتبار حسابات روسيا ومصالح دمشق بقدر أكبر من حسابات إيران".
وبالتزامن مع عودة التطبيع بين أنقرة ودمشق إلى الوجهة، قامت طهران برفع ورقة الديون في وجه النظام السوري، وأرسلت مشروع اتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتيجي طويل الأجل التي وقع عليها نظام الأسد عام 2017 إلى البرلمان للمصادقة.
وتتكون الاتفاقية من مقدمة وخمس مواد غير معلنة، وتبلغ مدتها 20 سنة قابلة للتمديد. كما تتضمن بنودا سرية تتعلق بديون الإمدادات العسكرية وطرق السداد، بحسب وثيقة سرية سربتها مجموعة إيرانية معارضة العام الماضي بعد اختراقها لموقع الرئاسة الإيراني.
وبحسب هذه الوثيقة، فإن إيران تعتبر ما يزيد على 50 مليار دولار أنفقتها خلال عشرات سنوات من الحرب في سوريا دعما لبقاء النظام، ديونا واجبة السداد.
الباحث التركي عمر أوزكيزيلجيك في حديثه لـ"عربي21" حول الدور الإيراني في مسار التطبيع مع النظام السوري، اعتبر أن "طهران تؤيد حتى الآن الاتصالات الدبلوماسية"، لكنه استدرك بالقول إن "إيران تشكل دائما تهديدا ويمكنها تخريب العملية لمصلحتها الخاصة"، حسب تعبيره.
من جهته، لفت علوش إلى أن "فكرة العودة إلى المفاوضات الثنائية مرة أخرى للتأسيس لحقبة التطبيع لن تكون مُجدية تماما إذا لم تأخذ بعين الاعتبار العاملين الإيراني والأمريكي".
وأشار إلى أن "التأثير، الذي مارسته طهران على بغداد مؤخرا لمعارضة العمليات التركية الجديدة في شمال العراق ولإفشال مشروع الشراكة التركية العراقية، يُظهر أنها مُصممة على عرقلة مشروع التطبيع التركي السوري إذا وجدت أنه يقوض مصالحها ويُعظم دور تركيا على حسابها".
وتعد إيران واحدة من الدول الضامنة في مسار أستانا الذي دشن عام 2017 سلسلة من الاجتماعات بين نظام الأسد والمعارضة السورية من أجل إيجاد حل للأزمة السورية برعاية من تركيا وروسيا وإيران.
وفي التطبيع التركي، تدخل أنقرة في مفاوضات ثنائية مع النظام السوري برعاية كاملة من روسيا، الأمر الذي يبعد إيران عن هذا المسار، الذي يثير مخاوف طهران من محاولة "الحد من نفوذ إيران الاقتصادي في مستقبل سوريا وخلال فترة إعادة إعمار"، حسب الوثائق السرية المسربة ذاتها.
ما وراء "التودد" التركي للأسد؟
تسلط تصريحات الرئيس التركي المتتالية خلال الأيام الماضي بشأن التطبيع مع الأسد رغم الصمت شبه المطبق من الأخير، على وجود عوامل ضاغطة تدفع بأنقرة إلى النظام السوري على الرغم من القطيعة الحادة التي استمرت نحو 12 عاما.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تحدث أردوغان في أكثر من مناسبة عن رغبته باللقاء مع "السيد" بشار الأسد، مشددا على عدم وجود سبب يمنع بلاده من إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام السوري.
كما أوضح أنه من الممكن رفع تلك العلاقات أيضا إلى المستوى العائلي مع الأسد، في إشارة إلى العلاقات القوية التي جمعت البلدين قبل الثورة السورية عام 2011.
ولفت أردوغان إلى أنه كلف وزير خارجيته بالترتيب لاجتماع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في تركيا أو في دولة ثالثة، موضحا أنه وجه نداء إلى دمشق قبل أسبوعين من أجل عقد لقاء بين الجانبين.
"هذا الزخم المُستجد في مسار التطبيع يكتسب قوته من عدة عوامل على رأسها الدفع الروسي الجديد له. ويُحاول أردوغان من خلال التودد المُتكرر للأسد إظهار التزامه بالتطبيع وزيادة الضغط على الأسد عبر إحراجه مع موسكو"، حسب علوش.
ويضيف في الباحث في الشؤون التركية في حديثه لـ"عربي21"، أن "ما يُعقد مشروع التطبيع ليس مبدأ التطبيع لأن الطرفين يُريدانه ويتطلعان إلى مكاسبه، بل ثلاثة عوامل رئيسية، أولها حرص كل أردوغان والأسد على تحصيل المكاسب التي تستحق الأثمان التي سيتعين عليهما دفعها في المقابل".
و"ثانيا، الكيفية التي تُقارب بها إيران تأثير التطبيع على دورها في سوريا ومنافستها الإقليمية مع تركيا، وثالثا، وبدرجة أقل، مقاربة واشنطن لهذه العملية وتأثيرها على مصالحها في سوريا والشرق الأوسط"، وفقا لعلوش.
أما أوزكيزيلجيك، فيرى أن هناك "سببان أساسيان وراء إصرار تركيا ورغبتها في إقامة اتصالات دبلوماسية. السبب الأول هو السياسة الداخلية ورد الفعل الاجتماعي تجاه اللاجئين السوريين. والسبب الثاني هو أن الولايات المتحدة لا تقدم بديلا لتركيا ولا تتخلى عن وحدات حماية الشعب"، في إشارة إلى الدعم الأمريكي للجماعات الكردية المسلحة شمال شرقي سوريا.
كما يوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "المعارضة التركية تمكنت من إقناع الرأي العام التركي والحكومة بأن اللقاء مع الأسد سيحل جميع المشاكل. ونحن نرى نتيجة هذا الآن".
ولطالما كانت قضية اللاجئين السوريين ورقة انتخابية في يد أحزاب المعارضة التركية مع كل استحقاق انتخابي، تهدف من خلالها إلى جذب أصوات الناخبين والضغط على الحكومة. وفي سبيل ذلك، تضمنت تصريحات العديد من السياسيين الأتراك ادعاءات بحق اللاجئين لا تمت للحقيقة بصلة، ابتداء من تضخيم أعدادهم ليصل إلى ما يفوق 10 ملايين، وصولا إلى تحميلهم المسؤولية عن الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار ونقص المياه.
كما كان السوريون عرضة في كثير من الأوقات إلى حملات تشويه وتحريض متعمدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال نشر الأخبار المضللة بحقهم من قبل مناهضين لوجودهم في تركيا، الأمر الذي ساهم في تعزيز نمو الخطاب العنصري الذي تجلى في أعمال عنف واسعة مطلع الشهر الجاري في ولاية قيصري وسط البلاد.
هل يرغب الأسد بتطبيع العلاقات مع تركيا؟
يلتزم النظام السوري الصمت الكامل إزاء التصريحات التركية المتتالية بشأن رغبة أردوغان بتطبيع العلاقات واللقاء مع الأسد، ولم يشق حاجز هذ الصمت سوى تصريح وحيد أدلى به الأسد أواخر الشهر الماضي مؤكدا على أنه "منفتح على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى".
ويلفت علوش في إطار حديثه عن موقف النظام السوري من التطبيع بناء على معادلة المكسب والمغرم، إلى أن "مكاسب الأسد من التطبيع مع تركيا لا تقل عن مكاسب الأخيرة"
"فمثل هذا التطبيع سيُعمق كسر عزلة الأسد الدولية، خصوصا أن التطبيع مع دولة كتركيا يعني له الكثير لأنها الوحيدة التي تربطها علاقة بالمعارضة في الوقت الحالي، فضلا عن أن الأسد يتوقع أن تمارس أنقرة نفوذها على المعارضة لإجبارها على الدخول في مصالحة معه لإنهاء الصراع"، يقول علوش.
ويوضح أن "هناك مزايا اقتصادية أيضا يتطلع لها الأسد من وراء التطبيع فضلا عن مزايا عودة السيطرة الحكومية على المعابر الحدودية وفتح الطريق الدولي الرابط بين محافظتي حلب واللاذقية"، مشيرا إلى أن "التطبيع يساعد الأسد في تنويع خياراته الخارجية وتقليص اعتماده على إيران بدرجة أساسية".
ولا تبدو الصعوبات التي تواجه مسار التطبيع المتعثر بين تركيا والنظام السوري قابلة للتذليل خلال مدة قصيرة، "فالمواقف بين الجانبين مختلفة للغاية وهناك العديد من القضايا الصعبة التي يتعين حلها"، وفقا لكلام الباحث التركي عمر أوزكيزيلجيك.
ويشير الباحث نفسه، إلى أن "نظام الأسد لا يستطيع تلبية العديد من توقعات تركيا، حتى لو أراد ذلك"، الأمر الذي يجعل "من الصعب التنبؤ بعملية المفاوضات بين أنقرة ودمشق".
ويوضح أوزكيزيلجيك في ختام حديثه لـ"عربي21"، أنه "لذلك، حتى لو تقدمت العملية بشكل إيجابي، فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت"، ويشير إلى السرعة التي قامت بها الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع دمشق، "لكن لم يتحقق أي شيء أرادته".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد تركي منوعات تركية أردوغان بشار الأسد سوريا تركيا إيران إيران سوريا تركيا أردوغان بشار الأسد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام السوری مسار التطبیع التطبیع بین فی حدیثه لـ التطبیع مع بین أنقرة فی سوریا مع الأسد فی ترکیا من خلال إلى أن من أجل
إقرأ أيضاً:
القبض على أحد مسؤولي نظام الأسد في اللاذقية.. عمل في سجن صيدنايا
أعلنت وزارة الداخلية السورية، الأربعاء، إلقاء القبض على العميد سالم داغستاني، الرئيس السابق لفرع التحقيق في إدارة المخابرات الجوية بنظام الأسد المخلوع، وذلك خلال عملية أمنية نفذتها إدارة الأمن العام بمحافظة اللاذقية شمال غربي البلاد.
وذكرت الوزارة، في بيان نشرته عبر قناتها الرسمية على منصة "إكس"، أن داغستاني يُشتبه في تورطه بارتكاب جرائم حرب خلال فترة توليه مناصب عدة، من بينها رئاسة قسم التحقيق في سجن صيدنايا، ورئاسة اللجنة الأمنية في منطقة الغوطة الشرقية، إضافة إلى مشاركته في ما عُرف بـ"ملف المصالحات".
#وزارة_الداخلية: تمكنت إدارة الأمن العام في مدينة اللاذقية، عقب عملية أمنية، من إلقاء القبض على العميد سالم داغستاني، الرئيس السابق لفرع التحقيق في إدارة المخابرات الجوية، والمتورط في ارتكاب جرائم حرب. — الوكالة العربية السورية للأنباء - سانا (@SanaAjel) April 16, 2025
وأضاف البيان أنه تم تحويل داغستاني إلى النيابة العامة لاستكمال الإجراءات القانونية بحقه.
وتُعرف شعبة المخابرات الجوية في سوريا بسمعتها السيئة في مجال حقوق الإنسان، حيث ارتبط اسمها بالقمع والتعذيب خلال عهد النظام السابق.
ويأتي توقيف داغستاني في إطار جهود الإدارة السورية الجديدة الرامية إلى استعادة الأمن والاستقرار، وملاحقة المتورطين في انتهاكات بحق المدنيين خلال حكم النظام المخلوع، ولا سيما في منطقة الساحل التي تُعد أحد أبرز معاقل قيادات النظام السابق.
من هو الداغستاني؟
شغل العميد سالم داغستاني خلال فترة خدمته في النظام السوري المخلوع عدّة مناصب أمنية حساسة، أبرزها رئاسة قسم التحقيق في سجن صيدنايا سيئ السمعة، ورئاسة اللجنة الأمنية في منطقة الغوطة الشرقية، حيث كان له دور بارز في تنفيذ ما عُرف بملف "المصالحات".
ويُعد سجن صيدنايا، الذي يُوصف بـ"المسلخ البشري"، من أكثر المعتقلات شهرةً في سوريا بسبب ما شهده من انتهاكات جسيمة. وقد فُتحت أبواب هذا السجن بعد يوم واحد فقط من سقوط النظام المخلوع بالتزامن مع هروب الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى موسكو في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، حيث حصل على اللجوء الإنساني هناك.
وشكّلت المشاهد التي توثّق خروج المعتقلين من الزنازين صدمة للعالم، إذ تبين أن العديد من هؤلاء كانوا في عداد المفقودين منذ سنوات طويلة، واعتقدت أسرهم أنهم قضوا تحت التعذيب أو الإخفاء القسري.
وفوجئت عائلات كثيرة بأن أبناءها لا يزالون على قيد الحياة، بعد انقطاع تام للأخبار عنهم لسنوات وربما عقود.
في حين أدلى بعض الناجين من السجن بشهادات مروعة عن أساليب التعذيب الوحشية التي تعرضوا لها، وظروف الاعتقال القاسية التي عاشوها داخل جدران ذلك المعتقل الذي ظلّ لعقود رمزاً للرعب في سوريا.
وتُعد هذه العملية جزءا من سلسلة توقيفات نفذتها الأجهزة الأمنية منذ بدء الحملة العسكرية الشاملة في 26 كانون الأول/ديسمبر 2024، والتي أسفرت حتى الأول من كانون الثاني/يناير الماضي عن القبض على 587 مطلوباً وممتنعاً عن التسوية في مختلف المحافظات.
يُذكر أن فصائل سورية معارضة تمكنت في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي من السيطرة على العاصمة دمشق، بعد إحكام قبضتها على عدد من المدن، لتنهي بذلك أكثر من ستة عقود من حكم حزب البعث، ونحو 53 عاماً من سيطرة عائلة الأسد.
وفي 29 كانون الثاني/يناير الماضي، أعلنت الإدارة السورية الجديدة تعيين أحمد الشرع رئيساً للبلاد خلال المرحلة الانتقالية التي يُفترض أن تستمر لمدة خمس سنوات.