#في_الصميم
د. #هاشم_غرايبه
ستجرى الانتخابات النيابية في الأردن بعد شهرين، في كل بلاد العالم ذلك حدث هام، فترى الحركة والنشاط، ما بين لقاءات وتحالفات واجتماعات ومهرجانات تأييد، ما عدا في الأردن فهنالك فتور عام بل عزوف، ولولا أن جعلت الدولة عضوية البرلمان مشروعا استثماريا مربحا، فيستعيد المرشح ما أنفقه أضعافا، ما وجدت من يترشح.
من المسؤول عن هذا الخلل؟ وكيف السبيل الى إصلاحه؟
المسؤول الأكبر هو الدولة العميقة بسياستها لتحويل السلطة التشريعية الى مؤسسة رسمية تابعة لوزارة الداخلية، والوسيلة كانت بالصوت الواحد، مما أدى الى الانتخاب على أسس عشائرية وليس برامج سياسية.
الحالة الديمقراطية اليتيمة التي شهدها الأردن حدثت مرة في الخمسينيات، عندما جرت انتخابات حقيقية، انتجت برلمانا مستقلا عن التبعية للسلطة التنفيذية، فلم تتقبل الدولة العميقة ذلك فانقلبت على الدستور، وعطلته بالأحكام العرفية، وذلك بدعم من بريطانيا التي كانت تطمح لتجاوز المعارضة البرلمانية القوية، التي كانت تقف حائلا أمام إنشاء حلف بغداد المشين.
لكن الظروف الدولية هي التي حالت دون ذلك، أكثر من دور المعارضة الوطنية، إذ كان ذلك العام نقطة تحول تم بموجبها انتقال سلس للأنظمة العربية من الهيمنة البريطانية الى الأمريكية، وكانت ثورة العراق عام 1958 المسمار الأخير في نعش “حلف بغداد”.
سقط مشروع الحلف، لكن النظام السياسي صمم على عدم العودة مرة أخرى الى فصل السلطات، لذلك لم يسمح بعدها بأية انتخابات برلمانية حرة، الا مرة واحدة عام 89 ، وتنفيسا للضغط الشعبي، لكنه عدّل الدستور عدة مرات لإبقاء زمام الأمور بيد الملك، وذلك للإلتفاف على مسمى النظام السياسي في النص الدستوري: نيابي ملكي، لانه في التطبيق الواقعي معكوس، فهو ملكي نيابي.
لقد هدفت كل تعديلات الدستور الى تكديس المزيد من الصلاحيات بيد السلطة الحاكمة، بينما وجدت الدساتير أصلا الى تقليص صلاحيات الحاكم، وتقييدها وتوزيعها على أكبر قاعدة، لأن السلطة المطلقة مفسدة مؤكدة.
لذلك فالحديث عن التعديلات الدستورية على أنها إصلاحات سياسية هو استخفاف بالعقول، وأما التعديلات على القوانين منذ أن استعيدت الحياة البرلمانية عام 89، فكانت لتثبيت القوانين المؤقتة التي وضعت خلال الفترة العرفية، والجديد منها في صالح المزيد من التوسع في صلاحيات السلطة التنفيذية، والتضييق على الرقابة الشعبية والصحافية والبرلمانية عن طريق زيادة العقوبات على نشر المعلومات، وتقييد حريات النشر والإعلام بما تسمح به الأجهزة الأمنية.
إن أي حديث عن الإصلاح السياسي يفقد مضمونه إن اقتصر على تعديل قانون تشكيل الأحزاب أو زيادة دعمها من اموال الخزينة، ولنتحدث بصراحة أكثر، فكل حديث عن تنمية الحياة الحزبية تهدف منه الدولة، إنشاء أحزاب علمانية المنهج تكون منافسة وبديلة للأحزاب الإسلامية، بهدف تحقيق المتطلبات الغربية التي تخشى من وصول الإسلام الى السلطة، لأن الثابت الوحيد في سياسات أنظمة سايكس بيكو جميعها، أنها لن تسمح بحياة حزبية حرة، لأنها ستوصل الإسلام السياسي الى السلطة التشريعية، ومنها سيصل الى السلطة التنفيذية.. لأن ذلك سينتشر في المنطقة العربية، وهذا هو المحظور كونه سيؤدي حتما الى وحدة الأمة من جديد.
المحزن أن الإصلاح السياسي في الأردن ليس في تحقيق منجزات والتقدم الى الأمام، فأقصى أحلام الأردنيين الآن هو الارتقاء الى الصفر، أي العودة لما كان متحققا قبل سبعين عاما، لذا يجب أن يرتكز على المحورين التاليين:
1- العودة عن كل التعديلات على الدستور التي أجريت، لأنها مخالفة لمبدأ نظام الحكم الذي هو نيابي أصلا قبل أن يكون ملكيا، لأنه أسس على شاكلة النظام البريطانيً، فبذلك فقط يتحقق مبدأ فصل السلطات، فتتحرر السلطتان التشريعية والقضائية من هيمنة الأجهزة التنفيذية.
2 – العودة عن قانون الصوت الواحد وكل تعديلاته التجميلية، فهو المسؤول عن انتاج هذه البرلمانات الهزيلة، والعودة لقانون عام 89 أي تشكيل القوائم على أسس سياسية برامجية، والرعب من امكانية فوز الإخوان المسلمين لا مبرر له، فقد فازوا آنذاك ولم يحولوا الدولة اسلامية.
وبغير ذلك ستبقى البرلمانات منزوعة الدسم التشريعي والرقابي، ومجرد مجالس خدمات محلية، وسيبقى الإصلاح السياسي مفرغا من المضمون، ومجرد عناوين تجميلية خطابية، وسيظل الأردن يراوح مكانه، لكن في التنافس مع باقي الأنظمة العربية ضمن قائمة الدول الأكثر فشلا!. مقالات ذات صلة ملوك الطوائف القدامى أضاعوا غرناطة والجدد تخلوا عن فلسطين 2024/07/12
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: في الصميم
إقرأ أيضاً:
نادي قضاة المغرب ينتقد تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء
أصدر نادي قضاة المغرب بلاغًا شديد اللهجة يعبر فيه عن استغرابه واستنكاره للتصريحات الصادرة عن وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، خلال ندوة نظمت بالرباط، الخميس، حول مشروع قانون المسطرة الجنائية. واعتبر النادي أن هذه التصريحات تنطوي على تهكم وتقليل من مكانة القضاة وجمعياتهم المهنية، وهو ما يشكل مساسًا بمبدأ استقلال السلطة القضائية المنصوص عليه دستوريًا.
وأعرب نادي قضاة المغرب عن استغرابه الشديد للطريقة التي تحدث بها وزير العدل، معتبرًا أن تصريحاته لا تتماشى مع التقاليد الراسخة لوزارة العدل، كما أنها تخرق واجب التحفظ الذي يفترض أن يلتزم به الوزير، خصوصًا فيما يتعلق باحترام استقلال السلطة القضائية.
وشدد النادي على أن القضاة يطبقون القانون ولا ينفذونه، كما ورد في تصريحات وزير العدل، وهو ما يعد مبدأً دستوريًا راسخًا تؤكده المادة 110 من الدستور المغربي.
كما أكد البلاغ أن إعداد مشروع قانون المسطرة الجنائية تم دون إشراك الجمعيات المهنية للقضاة، وهو ما اعتبره خرقًا صريحًا للفصل 12 من الدستور، الذي ينص على إلزامية المقاربة التشاركية مع جمعيات المجتمع المدني، بما فيها الجمعيات المهنية للقضاة.
من جهة أخرى، أكد نادي القضاة أن الديمقراطية التشاركية مبدأ دستوري أساسي وفق الفصل الأول من الدستور، وهو التزام يقع على عاتق وزارة العدل وليس مجرد خيار أو منحة. وبالتالي، لا يحق للوزارة تجاهل الجمعيات المهنية للقضاة عند إعداد مشاريع القوانين ذات الصلة بالقضاء والعدالة.
وانتقد البلاغ تصريحات وزير العدل التي اعتبر فيها أن استقلال القضاء يُمنح للقضاة، معتبرًا أن هذه التصريحات تتعارض مع التوجيهات الملكية والإرادة الشعبية التي عبر عنها المغاربة عند التصويت على دستور 2011. مشددا على أن القضاء سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية وفق الفصل 107 من الدستور، وأنه ليس من اختصاص وزير العدل تقييم عمل القضاة في قراراتهم القضائية، بما في ذلك الأوامر بالسراح المؤقت. واعتبر أن هذه التصريحات تمثل مسا خطيرًا بهيبة القضاء وسمعته، وتهدد كل الجهود المبذولة لتعزيز الثقة في العدالة.
كلمات دلالية القضاء المغرب حكومة نادي وهبي