الميزانية الأضخم في تاريخ ليبيا المعاصر.. هل تنفذ؟
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
أقر مجلس النواب الليبي في جلسته الأخيرة ميزانية بحجم إنفاق بلغ نحو 180 دينار الليبي، وبزيادة بلغت الضعف عن الميزانية التي أقرها المجلس للسنة الماضية، معتبرا أنها ميزانية موحدة تغطي كافة النفقات في كافة ربوع البلاد. غير أن الخطوة التي أقدم عليها المجلس كانت محل جدل ومعارضة لجملة من الأسباب أهمها ما اعتبره البعض تجاوز قانوني يقدح في شرعية فعل المجلس، وأنها ميزانية بأرقام فلكية لم توضع لها دراسات ولا سبقها تخطيط سليم وستقود البلاد إلى مزيد من التأزيم الاقتصادي.
البداية في تناول هذا الموضوع ينبغي أن تكون من خلال طرح سؤال جوهري وهو: لماذا هذا الرقم الكبير؟ ليعقبه سؤال منطقي هو: هل يمكن تمويل هذه الميزانية الكبيرة دون أن يترتب عن هذا التمويل تداعيات اقتصادية مؤلمة؟
هناك فروقات وإضافات عديدة في هذه الميزانية عن الميزانيات السابقة، لكن التغير الكبير وقع في الباب الثالث وهو باب التنمية، والباب الرابع وهو باب الدعم، ذلك أن الأبواب الأخرى من مرتبات وإنفاق تسييري لم تتغير إلا قليلا.
الجميع يدرك أن من بين أهم أسباب الصراع في البلاد هو السيطرة على موارد الدولة وإدارتها بشكل منفرد، وعندما صارت السيطرة على عوائد النفط بقوة السلاح غير ممكنة في ظل الظروف المحلية والدولية الراهنة، أصبح تقاسمها هو الخيار، لهذا يمكن القول إن الميزانية الأخيرة برقمها الكبير، هي وسيلة احتواء الصراع ومنع تكرار الحروب بالنسبة لمنظري فكرة تقسيم الموارد، والتي أطلق عليها مزاجا أو تورية "ميزانية موحدة".
بمعنى آخر، فإن الفرقاء المعنيين بمسار التسوية السياسية أخفقوا في توحيد المؤسسات والتوافق على حكومة موحدة، فلجأوا إلى "الميزانية الموحدة" التي تقسم على حكومتين، في الغرب والشرق، والبند الأهم في هذا التقسيم هو نفقات التنمية والإعمار، ليشرعنوا الانقسام أكثر ويتجهوا به إلى مستوى أعلى.
الجميع يدرك أن من بين أهم أسباب الصراع في البلاد هو السيطرة على موارد الدولة وإدارتها بشكل منفرد، وعندما صارت السيطرة على عوائد النفط بقوة السلاح غير ممكنة في ظل الظروف المحلية والدولية الراهنة، أصبح تقاسمها هو الخيار، لهذا يمكن القول إن الميزانية الأخيرة برقمها الكبير، هي وسيلة احتواء الصراع ومنع تكرار الحروب بالنسبة لمنظري فكرة تقسيم الموارد، والتي أطلق عليها مزاجا أو تورية "ميزانية موحدة".البابان التقليديان، المرتبات والإنفاق التسييري، لم يشهدا تغييرا، نحو 60 مليار دينار للمرتبات، ونحو 10 مليار التسييري، والفارق الكبير في الميزانية بعد اقتطاع المرتبات والتسييري هو نحو 110 مليار دينار ذهب أكثره للدعم والتنمية. فالدعم الذي ظل لسنوات في حدود 20 مليار دينار، تجاوز الـ 40 مليار في الميزانية الجديدة وذلك بسبب رفع قيمة دعم المحروقات أضعاف مضاعفة ليبلغ 35 مليار دينار، وهو رقم لا يعبر عن حقيقة الاحتياجات المحلية من البنزين والديزل، وإنما يوافق مصالح الفاسدين المتلاعبين بهذا البند بشكل غير قانوني بل إجرامي.
التنافس، الذي يبدو على أشده بين الحكومتين، هو في باب التنمية والإعمار، وقد تحول هذا البند إلى وسيلة للدعاية وجذب المؤيدين والإنصار، وهو أمر جيد أن يتحول التنافس على توسيع قاعدة المناصرين عبر مشروعات التنمية وليس الحروب، إلا إن هذا التنافس يشوبه هدر وفساد كبيرين، وهما مرشحان إلى الزيادة في هذه الميزانية التي جعلت الكعكة كبيرة جدا.
ما ينبغي الوقوف عليه هو كيف ستمول هذه الميزانية الهائلة، خاصة وإنه قد تقرر أن يكون العجز بمقدار 13 مليار دينار فقط، أي أن الإيرادات ستكون في حدود 167 مليار دينار، وهذا غير ممكن بالنظر إلى محددات احتساب الإيرادات العامة السنوية للدولة الليبية.
التقدير المتفائل للإيرادات النفطية للعام 2024م يجعلها في حدود 21 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 129 مليار دينار، وقلنا بأنه متفائل لأن الإيرادات بلغت السنة الماضية 20.7 مليار دولار، ولم يقع تغيير يذكر في متوسط إنتاج النفط ولا أسعاره.
ولأن مشاركة الإيرادات الأخرى (الضرائب والرسوم وأرباح الشركات) محدودة لا تتجاوز 2% من إجمالي الإيرادات، فإن العجز المتوقع سيكون أكثر من 45 مليار دينار ليبي، وبالرجوع إلى بيانات المصرف المركزي، فإن العجز بالدولار يمكن أن يكون كبيرا خلال العام 2024م، فقد بلغ نحو 9 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من العام الجاري.
إقرار الميزانية لا يعني أنها صارت تحصيل حاصل، لكن هناك مؤشرات على إمكان السير في تنفيذها، من ذلك أن اعتمادها جاء بعد لقاء بين رئيس مجلس النواب ومحافظ المصرف المركزي، كما أكد عدد من أعضاء المجلس أن المحافظ تعهد بتغطية الميزانية، يضاف إلى ذلك عدم تعليق حكومة الوحدة الوطنية عليها، وهي التي تسبق دوما في الاعتراض والاحتجاج بشكل سريع على سلوك مجلس النواب والمصرف المركزي عندما يكون مرفوضا من قبلها، خصوصا وأن الميزانية قدمت لحكومة الوحدة ما يرضي، وهي الحكومة المنتهية الولاية الغارقة في الفساد حسب موقف رئيس البرلمان وأعضائه خلال العامين الماضيين.
علاوة على ما سبق، فإن الميزانية تتوافق ورؤى وخيارات الأطراف الدولية المتدخلة في الأزمة الليبية والتي صار الحديث عن توزيع الموارد المالية بعدالة مؤخرا أساسي في خطابات ممثليها، وهذا ربما كان العامل الحاسم في قبول المحافظ بهذه الميزانية، ذلك أن موقف الأطراف المحلية لا يؤثر على خياراته، وهذا معلوم من سيرته خلال العشر أعوام الماضية.
في حال تم تنفيذ الميزانية فإن تداعياتها لن تكون هينة، فالتضخم سيتجه إلى أعلى بلا أدنى شك، وفي الاتجاه المعاكس ستكون وجهة الدينار الليبي، في مقابل ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في سوق الموازية، وهو مؤكد ليس لأن الميزانية كبيرة والعجز في الإنفاق بالدولار كبير فحسب، فمجلس النواب والمصرف المركزي لن يتراجعا عن قرارهما بفرض نسبة 27% على بيع العملات الأجنبية، فالميزانية الجديدة تتطلب ذلك وليس العكس، لذا سيكون الضغط على الاحتياطي النقدي كبير، والنتيجة النهائية أن الاقتصاد لن يخرج من حلقة التأزيم المفرغة، وسيكون المتضرر الرئيسي من هذا التوجه هو المواطن.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ميزانية الاقتصادي ليبيا اقتصاد ميزانية رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه المیزانیة السیطرة على ملیار دینار
إقرأ أيضاً:
رغم مضاعفة الميزانية: واشنطن تفشل في زيادة أسطولها البحري
يمانيون../
في تقريرٍ لموقع Defense News، نُشِرَ، الثلاثاء، أشار إلى انتهاجِ ترامب سياسةً جديدةً، هدفُها استعادةِ الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل شعورها بتراجع هيمنتها وتسيُّدها على البحار لحساب الصين.
التقرير هو من إعدادِ ثلاثة كتاب أمريكيين (رايلي سيدر-مراسل مليتيري تايمز، وزيتا بالينجر فليتشر، وَجيه دي سيمكينز -رئيس التحرير التنفيذي لـ ديفينس نيوز)… وفي ما يلي نص التقرير:
إن اللغة المستخدمة في الأمر التنفيذي، والتي تشير إلى الحاجة إلى تعزيز “قدرة بناء السفن التجارية والقوى العاملة البحرية”، تعكس العديد من المخاوف التي أعرب عنها نظراء الدفاع في الصناعة.
في جلسة استماع عقدت في الثامن من إبريل/نيسان 2025م، أمام قيادة البحرية، أمام اللجنة الفرعية للقوات المسلحة في مجلس الشيوخ المعنية بالقوة البحرية، أعرب مسؤولون في الخدمة عن مخاوفهم بشأن ركود بناء السفن وما قد يعنيه ذلك بالنسبة للنجاح في صراعات القوى العظمى.
وفي مارس/آذار 2024، أعلن مسؤولون في البحرية أن هدف الخدمة يتمثل في زيادة أسطولها من سفن القوة القتالية إلى 381 سفينة على مدى السنوات الثلاثين المقبلة، وهي الخطة التي تتطلب استثمار ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنويًّا على مدار مدة الجهد المبذول، وَفْــقًا لمكتب الميزانية بالكونجرس.
يوجد حَـاليًّا أقل من 300 سفينة حربية في الأسطول، ومن المتوقع أن ينخفض هذا العدد.
وتشير التوقعات الحالية إلى أن البحرية ستُحيل قرابة اثنتي عشرة سفينة أُخرى إلى التقاعد بحلول عام 2027، وهو ما يزيد عن العدد المتوقع لدخولها الخدمة.
في بيان سياسي صدر في فبراير/شباط، أكّـد مسؤولون من رابطة البحرية غير الربحية على الحاجة إلى توسيع أسطول الخدمة بينما دعوا الكونجرس إلى زيادة التمويل لأحواض بناء السفن العامة وكاسحات الجليد التابعة لخفر السواحل.
ويقدر ما يجب توظيفه من عمال ماهرين أَو ذوي أجور جيدة على مدى العقد المقبل لتحقيق أهداف بناء السفن وصيانتها، وَفْــقًا لما قاله ماثيو سيرمون، مدير برنامج التقارير المباشرة لبرنامج القاعدة الصناعية البحرية للبحرية (الأمريكية).
وَأَضَـافَ سيرمون، الذي تحدث في جلسة الاستماع في التاسع من إبريل، أن البحرية تتطلع إلى توسيع قدرة سلسلة التوريد، والشراكة مع الحكومة والمنظمات الخَاصَّة ومعالجة تحديات القوى العاملة في ما وصفه بأنه “جهد شامل من شأنه جذب وتدريب والاحتفاظ بالعمال الأمريكيين في مجال التصنيع والهندسة”.
ببساطة، نحتاج إلى تسليم المزيد من السفن في الموعد المحدّد وضمن الميزانية، ونواجه تحديات في كلا المجالين، كما صرّح الدكتور بريت سيدل، القائم بأعمال مساعد وزير البحرية للبحث والتطوير والاستحواذ، للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الشهر الماضي.
وأضاف: “التكاليف ترتفع بوتيرة أسرع من التضخم، وتتأخر جداول برامج متعددة لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات”.
وفي اليوم نفسه الذي أدلى فيه سيدل بشهادته، أصدر مكتب المحاسبة الحكومي تقريرًا يدعو إلى إدخَال تغييرات شاملة على بناء السفن في الولايات المتحدة إذَا أردنا أن نحقّق هدفنا المتمثل في بناء 381 سفينة على الإطلاق.
أفاد التقرير بأن البحرية الأمريكية فشلت في زيادة أسطولها خلال العشرين عامًا الماضية، رغم مضاعفة ميزانية بناء السفن خلال تلك الفترة. في الوقت نفسه، يتأخر برنامج الفرقاطات التابع للبحرية الأمريكية ثلاث سنوات عن موعد التسليم.
وقال شيلبي أوكلي، أحد مدراء مكتب المحاسبة العامة، في بيان أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ: “لقد وجدنا أن السفن البحرية تكلف مليارات الدولارات أكثر وتستغرق سنوات أطول في البناء مما هو مخطّط له، في حين أنها غالبًا ما تكون أقل من توقعات الجودة والأداء”.
في مناقشة ترامب في أمر صناعة وصفها مكتب المحاسبة العامة بأنها عالقة في “حالة دائمة من الفرز”، ندّد الرئيس ترامب “بعقود من الإهمال الحكومي، مما أَدَّى إلى تراجع قاعدة صناعية قوية في السابق وفي الوقت نفسه تمكين خصومنا وتآكل الأمن القومي للولايات المتحدة”.
استجابة لتكليف 9 إبريل، كُلِّف مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي مايك والتز، بتقديم خطة عمل إلى الرئيس خلال 210 أَيَّـام. ومن المتوقع أَيْـضًا أن يستعرض وزير الدفاع بيت هيجسيث، سبل استثمار رأس المال الخاص في قدرات بناء السفن التجارية والدفاعية، وسلاسل التوريد، والبنية التحتية للموانئ، وتعزيز القوى العاملة، وإصلاح السفن.
التداعيات العالمية:
في هذه الأثناء، يسعى قادة البحرية الذين يقيّمون طموحات بناء السفن، من بين أمور أُخرى، إلى تحقيق إنتاج سنوي قوي من الغواصات الباليستية والسريعة الهجوم لمواجهة التهديدات القريبة في مناطق الصراع المحتملة مثل منطقة المحيطين الهندي والهادئ والقطب الشمالي.
في الوقت الحاضر، لا تؤثر حالة بناء السفن في الولايات المتحدة على تسليم السفن الأمريكية فحسب، بل تؤثر أَيْـضًا على الطلب على الغواصات من فئة فرجينيا من قبل أستراليا كجزء من اتّفاقية الأمن الثلاثية AUKUS – أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وتتزامن هذه المطالب مع (مشاكل) الإنتاج المُستمرّة التي تواجهها البحرية فيما يتصل بالغواصة المستقبلية يو إس إس ديستريكت أوف كولومبيا، وهي أول غواصة من فئة كولومبيا تابعة للبحرية -والتي من المقرّر أن تحل محل غواصات فئة أوهايو- والتي كانت تتعثر في الإنتاج وتأخر إنتاجها حَـاليًّا لمدة تصل إلى 18 شهراً.
وقد أثار تباطؤ معدل إنتاج الغواصات والسفن السطحية الأمريكية مخاوف بشأن ما إذَا كانت الولايات المتحدة ستتمكّن من استبدال السفن المعطلة أَو الغارقة في بيئة قتالية قريبة من نظيرتها الأميركية.
قال السيناتور تيم شيهي (جمهوري من مونتانا) خلال جلسة الاستماع: “عندما يكون هناك صراع ونخسر سفنًا – أي تُدمّـر وتُغرق – فَــإنَّ قدرتنا على استبدالها بمعدل أعلى من العدوّ [أمر حيوي]”. وأضاف: “يجب أن يحدث أمران – أحدُهما أَو كلاهما: يجب أن نكون قادرين على البقاء على قيد الحياة بشكل كبير في أية ظروف قتالية، أَو أن نكون قادرين على استبدال [السفن]. وفي الوقت الحالي، لا يمكننا الاستبدال”.
لقد ظلت الولايات المتحدة لسنوات عديدة تحت ضغط المسؤولين العسكريين والمشرعين لتخصيص المزيد من الموارد للبيئة القطبية الشمالية سريعة التطور، ولكن التعاون الإقليمي الأخير بين الصين وروسيا هو الذي أَدَّى إلى نشوء شعور جديد تمامًا بالإلحاح.
حذّر مسؤولون في البنتاغون في ديسمبر/كانون الأول من أن بكين تنظر بشكل متزايد إلى القطب الشمالي كساحةٍ لتعزيز نفوذها ومواردها الاقتصادية. وقد تفاقمت هذه المخاوف بفعل النشاط العسكري المكثّـف في المنطقة. ورغم أن روسيا تخوض عامها الثالث من الحرب بعد غزوها أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، إلا أنها لا تزال ملتزمةً بتوجيه مواردها العسكرية والاقتصادية إلى المنطقة، وفي بعض الأحيان بدعمٍ من الصين.
وفي استراتيجيتها للقطب الشمالي لعام 2024، أشَارَت وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن “المنطقة التي أصبحت أكثر سهولة في الوصول إليها وأصبحت مكانًا للمنافسة الاستراتيجية، في إشارة للصين عبر روسيا.