تركيا والتطبيع مع نظام الأسد.. إلى الواجهة من جديد
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
في الأسبوع الأخير من شهر يونيو الماضي، أطلق الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عدداً من التصريحات المتعلّقة بتطبيع العلاقة مع نظام الأسد في سوريا، مشيراً إلى أنّه لا يوجد ما يمنع من إقامة علاقات بين أنقرة ودمشق، ومذكّراً بانعقاد لقاءات عائلية مع الأسد سابقاً قبل الثورة السورية. وفي هذا السياق، لفت الرئيس التركي إلى أنّه لا يستبعد تجدد مثل هذه اللقاءات في المستقبل وأنّ تركيا لا تريد التدخّل في الشأن الداخلي السوري.
وقبل أيام، أعلن الرئيس التركي أنه قد يدعو نظيره السوري بشار الأسد إلى تركيا في أي وقت، وقال أردوغان للصحفيين وهو على متن طائرة قادمة من برلين، سنوجه دعوتنا للأسد، مشيراً الى أنّ بلاده تريد إعادة العلاقات التركية ـ السورية إلى نفس المستوى الذي كانت عليه في الماضي، أي قبل الثورة السورية. وألحق الرئيس التركي هذه التصريحات بأخرى جديدة قال فيها إنّه أصدر تعليمات لوزير خارجيته هاكان فيدان للقاء مع نظام الأسد لبحث العلاقات المقطوعة بين الدولتين. ونقلت وكالة الأناضول خبراً مفاده أنّ الرئيس التركي وجّه دعوة لبشار الأسد لزيارة تركيا أو لبحث لقاء ثنائي في دولة ثالثة.
وقد أثارت هذه التصريحات زوبعة من التعليقات والتحليلات حول الخلفية والأهداف والتوقيت. ومع أنّه لا يوجد مؤشرات بارزة حول دوافع الجانب التركي لإطلاق مثل هذه التصريحات في مثل هذا الوقت، فإنّ عدداً من التقارير كانت قد تحدّثت عن تجدّد وساطة روسية وأخرى عراقية للجمع بين الطرفين وردم الفجوة القائمة بينهما، تجنّباً لإمكانية حدوث تصعيد مؤخراً. وبغض النظر عمّا يجري خلف الكواليس فيما يتعلق بمثل هذه الجهود، فإنّ السؤال الأساسي يتعلّق بمدى إمكانية حصول مثل هذا التطبيع وبأي ثمن وتحت أي شروط أو مسمّيات.
من الناحية النظرية، فإنّ التطبيع ممكن إذا ما أخذنا بعين الإعتبار التحوّلات الإقليمية والدولية التي سمحت للأسد ليس فقط بالبقاء وإنما وبتطبيع وجوده علاوةً على الوضوع التركي الداخلي شديد الحساسية والتعقيد بخصوص موضوعين أساسيّين هما اللاجئين السوريين والاقتصاد. لكن من الناحية العملية، فإنّ التطبيع يحتاج إلى أرضية مشتركة فضلاً عن تحقّق بعض المطالب التي لا يمكن تجاوزها.
لاشك أنّ الوضع الاقتصادي الصعب في تركيا والسيء جداً في مناطق نظام الأسد قد يمهّد الطريق لأرضية مشتركة في الملف الاقتصادي بشكل يسمح للطرفين من الاستفادة من خطوات محدودة لتحسين وضعهما الاقتصادي والمالي. لكنّ الاقتصاد ليس العنصر الأساسي في المشكلة القائمة بين تركيا والنظام السروي منذ أكثر من عقد من الزمن، وهناك عدّةّ مشاكل أو ملفّات أساسية يقتضي الحديث عن أي تطبيع حلّها.
لاشك أنّ الوضع الاقتصادي الصعب في تركيا والسيء جداً في مناطق نظام الأسد قد يمهّد الطريق لأرضية مشتركة في الملف الاقتصادي بشكل يسمح للطرفين من الاستفادة من خطوات محدودة لتحسين وضعهما الاقتصادي والمالي. لكنّ الاقتصاد ليس العنصر الأساسي في المشكلة القائمة بين تركيا والنظام السروي منذ أكثر من عقد من الزمن، وهناك عدّةّ مشاكل أو ملفّات أساسية يقتضي الحديث عن أي تطبيع حلّها.من هذه المشاكل، مشكلة حماية الحدود الجنوبية لتركيا من الجماعات الإرهابية التي تتّخذ من شمال سوريا منطلقاً لأعمالها كحزب العمال الكردستاني، وإيقاف جهود إنشاء دولية لهذه الجماعات على حدود تركيا. لو إفترضنا جدلاً أنّ النظام السوري تعهدّ بحل هذا الموضوع في أي تفاهم قادم، فانّه لا يمتلك ما يكفي من قوات عسكرية لنشرها. وفضلاً عن ذلك، فانّ القوات الأمريكية لا تزال موجودة. هناك من يفترض أنّ التفاهم هو تمهيد لإنسحاب امريكي محتمل عقب فوز ممكن لترامب في الانتخابات الأمريكية القادمة، لكن مثل هذا الانسحاب لا يحل مشكلة عدم وجود قوات كافية لدى نظام الأسد، ومن المستبعد ان تقوم روسيا بهذا الدور، على الأقل خلال فترة إنخراطها في الحرب مع أوكرانيا.
المشكلة الأخرى التي لا تقل أهمّية عن الأولى هي مشكلة اللاجئين. خلال السنوات القليلة الماضية، تحوّل موضوع اللاجئين السوريين في تركيا الى مادة دسمة للجدل، والى ورقة سياسية لتهشيم الحكومة والإطاحة بها، ثم إنتقل العبث بهذا الموضوع الى المستوى الاجتماعي حيث بدأ يفرز سموماً تؤثر على الوضع ا لسياسي والإقتصادي والإجتماعي والأمني. الحديث عن تطبيع محتمل يتطلب حل مشكلة اللاجئين. نظام الأسد لن يقبل بإعادة اللاجئين وإعطاء ضمانات لهم، لكن إذا ما إفترضنا جدلاً أنّه فعل ذلك، كيف سيتم إعادة أكثر من 6 مليون لاجئ سوري؟ وأين هي البينية التحتيّة القادرة على إستيعابهم؟ ومن سيقدم لهم الخدمات من ماء وكهرباء وطعام؟ ومن أي سيأتي النظام السوري بالمال اللازم لذلك؟
مثل هذا التساؤل يفترض وجود تفاهم دولي يؤمّن المال اللازم لاسيما من الأوروبيين لبناء البنية التحتية المطلوبة لاستيعاب اللاجئين مقابل تنازلات أو ضمانات يقدمها نظام الأسد. حتى هذه اللحظة، لا شيء في الأفق يوحي -ولو من الناحية الشكلية- بوجود مثل هذا التفاهم. وفي غياب معادلة المال والبنية التحتية والخدمات، فانّ الحديث عن حل لمشكلة اللاجئين يبدو غير ممكن، هذا إذا ما إفترضنا أنّهم قرروا العودة طوعاً وبدون ضمانات دولية بعدم تعرّض نظام الأسد لهم.
وهناك مشكلة وجود النظام السياسي نفسه، وعدم رغبته في التعديل أو الإصلاح، وغياب توافق دولي على خلعه أو التطبيع معه، ممّا يشل الوضع ويمنع حقيقةً من حل كل المشاكل الأخرى. لذلك، الحديث عن تطبيع بدون التفكير بهذه المشاكل يعني انّع لن يكون هناك تطبيع حقيقي في نهاية المطاف. ولو إفترضنا جدلاً أنّ ظروفاً قاهرة دفعت الطرفين الى التطبيع، فانّ السؤال حول مدى قدرة مثل هذا التطبيع على حل المشاكل التي أثرناها أعلاه تبقى قائمة في ظل الظروف الإقليمية والدولية القائمة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا علاقات تركيا سوريا تركيا علاقات رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الرئیس الترکی نظام الأسد الحدیث عن مثل هذا
إقرأ أيضاً:
على مدى عقود.. كيف طوّر السوريون لغة مشفّرة خوفا من نظام الأسد؟
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرًا، سلّطت فيه الضوء على اللغة المشفرة التي كان السوريون يستخدمونها، على مدى عقود، خوفًا من أجهزة نظام بشار الأسد المخلوع، التي كانت تزرع الرعب في المجتمع.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنّ: "السوريين توارثوا الخوف من النظام وأجهزته الأمنية جيلا بعد جيل، في المقاهي وسيارات الأجرة والأسواق، ولم يكن بإمكان معظمهم التحدث بحرية خوفًا من أن تتنصت عليهم مخابرات الأسد".
وأضافت أنّ: "النظام السابق عمل على زرع الخوف في المجتمع، إذ امتدّت جذوره إلى كل جانب من جوانب الحياة المدنية للحفاظ على قبضته، وأي شخص كان يُحتمل أن يكون مخبرًا".
يقول أيمن رفاعي (26 سنة)، وهو من سكان دمشق: "وصل الخوف في البلاد إلى درجة أنك تشعر أنه لا يمكنك أن تثق بأفراد عائلتك".
وحسب الصحيفة، فإنّ: "حالة الخوف جعلت السوريين يبتكرون طرقًا للتكيف مع هذا المناخ من المراقبة؛ حيث طوروا لغة مشفرة سمحت لهم بمناقشة كل المواضيع، بدءًا من التجارة اليومية إلى المخاوف الشخصية، وصولا للانتقادات المبطّنة للنظام، وكانت هذه الشيفرة تُستخدم بين العائلة والأصدقاء الموثوق بهم".
"خطه جميل"
تقول مؤلفة كتاب "الوطن الذي كان وطننا: مذكرات عن سوريا"، علياء مالك، إنه: "كان لا بد من وجود لغة مشفرة بين السوريين لأنه لم يكن هناك حرية تعبير حقيقية. لم يكن بوسعك أن تعرف من الذي يستمع إليك، بغض النظر عن مكانك". ووصفت النظام المخلوع، بالقول: "حتى في غيابه، كان حاضرًا".
وقالت ميسون (49 سنة)، والتي طلبت عدم ذكر اسمها كاملا خشية من انتقام أنصار الأسد: "لم نكن نتحدث إطلاقًا عن النظام. إذا أردنا التذمر من شيء ما، كنّا نستخدم أصابعنا ونشير للسقف الذي يعني الحكومة".
وأضافت ميسون التي عاشت في لبنان وفرنسا بعد أن هاجرت من سوريا، أنه عندما كان السوريون يشكّون في أن شخصا قريبا يعمل كمُخبر، يقولون: "هذا الشخص خطه جميل"، مشيرة أنها لم تشعر أبدًا بالأمان حتى خارج البلاد.
وأوضحت أنها كلما قابلت مجموعة كبيرة من السوريين، كانت تتساءل إن كان أحدهم "خطه جميل". هربت ميسون مع عائلتها من دمشق نحو بيروت سنة 2012، وهناك بدأت ابنتها البالغة من العمر 7 سنوات تسمع من الجيران قصصا عن فظائع الأسد، رغم أن والدها ووالدتها قد بذلا جهدًا كبيرًا حتى لا تسمعها.
بعد مرور سنة، قرروا العودة إلى سوريا متشبثين ببصيص الأمل في مستقبل أفضل، لكن سرت شائعات بأن الحراس عند نقاط التفتيش كانوا يسألون الأطفال عن القائد السياسي المفضّل، كحيلة لقياس ميول الوالدين.
قبل مغادرتهم إلى سوريا، جذبت ميسون ابنتها الصغرى جانبًا وقالت لها: "لا تصدقي ما قاله جيراننا عن الأسد. هو رجل جيد".
البقدونس والنعناع
تابعت الصحيفة، أنه عندما أطاح الثوار بالأسد هذا الشهر، بعد هجوم مفاجئ، شعر السوريون أنهم أصبحوا قادرين على التحدث بحرية.
وأوضح رفاعي: "نحن نقول للناس لماذا تخفضون أصواتكم؟"، مضيفًا أنه لم يصدق أنه يمكنه استخدام اسمه الكامل أثناء حديثه مع الصحفي، وتابع: "ليس هناك ما يدعو للخوف".
وقال ثابت برو، (60 سنة)، وهو عالم حاسوب نشأ في دمشق ويعيش في دبي: "الآن يمكنني استخدام اسمي الحقيقي". على مدار سنوات، كان يستخدم أسماء مستعارة للتعبير عن آرائه على الانترنت.
وأضاف برو أنه أثناء إقامته في سوريا، لم يكن يقول كلمة "دولار" في الأماكن العامة، مضيفًا: "كان الناس يشيرون إليه بالأخضر. وبمجرد أن اكتشفت السلطات تلك الشيفرة، قاموا بتغييرها إلى أسماء أخرى تشير إلى اللون الأخضر، مثل البقدونس أو النعناع".
ولم يكن الاتجار بالعملات الأجنبية قانونيا في معظم فترة حكم الأسد، حيث يُعاقَب عليه بالسجن لسنوات، وذلك بهدف السيطرة على سعر صرف الليرة.
كذلك، كان الخوف من الاعتقال قد سيطر على أذهان السوريين منذ بداية حكم حافظ الأسد، والد بشار. منذ ذلك الحين، كانوا يشيرون إلى الذهاب إلى السجن على أنه "الذهاب إلى بيت خالتك"، مثلما روى العديد من السوريين.
حفل استقبال وفنجان قهوة
حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد تعرّض أكثر من 110,000 معتقل "للاختفاء القسري" على يد النظام منذ سنة 2011، وتوفّي أكثر من 15,000 بسبب التعذيب.
اعتُقل عبد الوارث لحام (45 سنة) لمدة يومين في كانون الثاني/ يناير 2012؛ حيث تم اعتقاله أثناء مشاركته في مظاهرة مناهضة للحكومة خلال الانتفاضة الشعبية ضد الأسد.
قال لحام إنه تعرّض للضرب لساعات باستخدام السياط والقضبان المعدنية، مضيفًا: "لقد فوجئت بمدى قدرة الجسم البشري على التحمل".
يتذكر لحام تجربة الاعتقال، قائلا إنه كان يُطلق على الضرب الذي يتعرض له السجين في بداية اعتقاله "حفل استقبال". بعد ذلك، يلقى الحراس محاضرة على السجناء عن "المعنى الحقيقي للحرية".
وذكرت الصحيفة أنّ: اللغة المشفرة لم تقتصر على المدنيين، فقد استخدم نظام الأسد معجما خاصا به. قالت علياء إنه عند استدعاء شخص ما للاستجواب، كانت الشرطة السرية أو المخابرات تدعوه إلى "كوب من الشاي"، بينما أوضح لحام أن ذلك يُطلق عليه : "فنجان قهوة، إذا كان الأمر أكثر شدة".
ومن عبارات التهديد التي كان أتباع النظام السابق يستخدمونها: "هل تعرف مع من تتحدث؟"، في إشارة إلى أن الشخص قريب من آل الأسد، وقال لحام: "لقد عانينا من هذه العبارة. أنّها تنهي أي محادثة".
وختمت الصحيفة أنه رغم سقوط نظام الأسد وعودة آلاف السوريين إلى وطنهم، فإن عقودًا من الخوف لا تزال آثارها راسخة في نفوسهم. إذ عبّر برو عن ذلك بالقول: "لا تزال الكوابيس تراودني بأن هذا الأمر برمته مجرد حلم، وأنهم سيأتون في النهاية ليعتقلوني".