قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة - محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، (6- 15)
تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة، الموزع: دار الأجنحة للنشر والتوزيع، الخرطوم.. ناشر الطبعة الثانية: دار بدوي للنشر، كونستانس، ألمانيا، 2022

بقلم بدر موسى
ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000)، جامعة أيوا، الولايات المتحدة
يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم، جامعة أيوا، الولايات المتحدة
bederelddin@yahoo.

com

لقاء العقول الكبيرة
تحت العنوان أعلاه يقول عبدالله إن العقول الكبيرة، المشغولة بالإنسان وكرامته، والساعية في سبيل إقامة السلام، وأنسنة الحياة وتعميرها، تلتقي في أطروحاتها أو بعضها، حتى ولو اختلفت المنطلقات والمناهج والمرجعيات الثقافية والفكرية. وأضاف، قائلاً: إن اللقاء بين العقول الكبيرة هو الوضع الطبيعي، طالما ظلت الإنسانية هي هويتها ومرجعيتها وغايتها، ويكون من غير الطبيعي ألا تلتقي. ولكن ليس شرطاً أن يكون الاتفاق التام. فلقد التقى طه وسن في رؤيتهما تجاه التنمية، مع اختلاف المناهج والمرجعية الثقافية والفكرية، وفي ظل اتفاق على الغاية، وهي الإنسان وكرامته. ومثل هذا اللقاء، في تقديري، يجب أن يكون موضعاً للشراكة في الاحتفاء والاهتمام. كون اللقاء بين العقول الكبيرة في ساحة الإنسانية، يُرفع من مستوى الحوار، ويُخصّب الحياة، ويثري التراث الإنساني، من خلال اتاحته لفرص التعارف بين العقول، والتلاقح بين الثقافات، والتصاهل بين الأفكار والأطروحات، إلى جانب أنه يُهيئ للناس أن يجتمعوا على الأصول الإنسانية، فضلاً عن تنمية الوعي بوحدة المصير المشترك.
ويذكر عبدالله، قائلاً: هنا لابد من الإشارة إلى الدعوة النبيلة التي قدمها سن للتداول الصريح حول كتابه. ففي مقدمة كتابته أكد على أهمية دور المناقشات العامة كونها أداة التغيير الاجتماعي والتقدم الاقتصادي، وأوضح، قائلاً: واتساقاً مع هذه النظرة، فإنني "أقدم كتابي هذا أساساً للتداول الصريح في الرأي وللدراسة النقدية الفاحصة". وعن شعوره إذا ما أثارت دراسته هذه أي اهتمام، وأفضت إلى المزيد من النقاش العام، أعرب، قائلاً: "فإنني هنا يكون لي كل الحق بأن أشعر بأنني كوفئت بخير الجزاء". ولهذا فإن هذه المقاربة تجيء استجابة لدعوة سن هذه، على الرغم من اختلاف المنطلقات والمناهج والمرجعيات بين سن، الذي يتقفى أثر العلم المادي التجريبي، وطه الذي يقدم الفهم الجديد للإسلام.

الفهم الجديد للإسلام: مستوى ما بعد العقيدة حيث يبدأ العلم

إنطلق سن، كما يقول عبدالله تحت العنوان أعلاه، في رؤيته تجاه التنمية من تخصصه العلمي وخبرته الطويلة التي تمتد لأكثر من ستة عقود، في مجال الاقتصاد والتنمية والفلسفة، والعمل في المؤسسات الدولية، مستخدماً المناهج العلمية الحديثة، بينما أنطلق طه في رؤيته من مرجعية الفهم الجديد للإسلام، الذي طرحه عام 1951، وهي القرآن في مستوى آيات الأصول (الآيات المكية)، وقد وسمه بـ الرسالة الثانية من الإسلام. وأوضح عبدالله بإن الفهم الجديد للإسلام يقوم، كما بيَّن طه، على ما بعد العقيدة، حيث يبدأ العلم، بينما يقوم الفهم السائد للإسلام، على مستوى العقيدة. وفي هذا أورد عبدالله حديث الأستاذ محمود، حيث كتب، قائلاً: يقول الأستاذ محمود: "حين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي (علمية) القرآن". وأوضح عبدالله، قائلاً: إن ما خرجنا به في هذا الكتاب يؤكد ويثبت علمية طرح الرسالة الثانية من الإسلام تجاه التنمية، إذ جاء الطرح متوافقاً مع آخر أطروحات الفكر التنموي في العالم، بل زاد عليه. فقلد كانت التنمية موضوعاً مركزياً في مشروع طه، وقد تناولها في العديد من كتبه، منها: قل هذه سبيلي (1952)، وأسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية (1955)، والإسلام (1960)، ورسالة الصلاة (1966)، والرسالة الثانية من الإسلام (1967)، وتطوير شريعة الأحوال الشخصية (1971)، والثورة الثقافية (1972)، وتعلموا كيف تصلون (1972)، والدين والتنمية الاجتماعية، (1974)، وغيرها، إلى جانب أحاديثه ومحاضراته، فضلاً عن العديد من المقالات التي نُشرت في الدوريات (الصحف والمجلات) خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي. يُذكر أن آخر مقال نشره طه كان في مجلة صوت المرأة، يناير 1969، وتناول فيه موضوع المرأة في حلقتين.

"الحرية هي روح الحياة.. فحياة بلا حرية إنما هي جسد بلا روح"

يقول عبدالله إن الشرط المركزي لنجاح عملية التنمية، عند الأستاذ محمود، هو الحرية. كون الحرية، عنده، هي روح الحياة، فحياة بلا حرية، كما يقول، إنما هي جسد بلا روح، كما أن الحرية هي الفيصل بين حياة الحيوان، وحياة الإنسان. ويرى بأن هدف التنمية هو تحرير الإنسان ونهضة المجتمع، وغايتها الإنسان. وأي تنمية بدون إعطاء العناية بالفرد وكرامته واحترام خياراته وضمان مشاركته بفعالية، مكان الصدارة، منخذلة، ومنهزمة، لأن الفرد هو الثروة الحقيقية. فالأصل، عنده، الفردية، ولكي ما يحقق كل فرد فرديته لا بد من الحرية. كما أن الحرية الفردية تتطلب الحرية من الخوف الموروث، وهو ما لم يرد عند سن، والمترسب في أغوار النفس بسبب البيئة الطبيعية. وتقوم على الحرية من الخوف، كما يرى طه، حريتان اثنتان هما: الحرية من الفقر، والحرية من الجهل. والخوف، من حيث، هـو، كما يرى طه، هو الأب الشرعي لكل آفات الأخلاق ومعايب السلوك، فهو رأس كل الرذائل، وسبب الفتك، والعنف، عند القوي، وهو سبب الخديعة، والغش، عند الضعيف. ولا سبيل إلى التحرير من الخوف، كما يقول، إلا بالعلم. فالخوف، عنده، جهل والجهل لا يحارب إلا بالعلم. العلم بحقيقة البيئة الطبيعية التي عاش، ويعيش فيها، والتي عن الجهل بها، نشأ الخوف في صدور الرجال والنساء، أول الأمر. ولا يكون التحرير من الخوف إلا بالعلم الذي يقود إلى اكتمال التـواؤم بين البيئـة الطبيعية، وبيـن الحيـاة البشرية.
إن تحرير الفرد من جميع صور الخوف الموروث، عبر العلم بدقائق حقيقة البيئة الطبيعية، يحقق للفرد الاتساق والتواؤم والتكيف مع البيئة، فينتفي الجهل. كما يستطيع أن يعيش في سلام من العداوات، والمجاعات والكوارث البيئية. ولذلك وجب، كما يرى طه، الاهتمام بإعطاء الفرد صورة كاملة، وصحيحة، عن علاقته بالمجتمع والكون. إن العلاقة بين الإنسان والكون، كما يقول طه، ظلت مادة التعليم والتعلم، من لدن فجر الحياة البشرية وإلى يوم الناس هذا. ولا ينفصل التعليم وفائدته ووظيفته عن البيئة وعناصرها. فالتعليم هو تمليك الحي للقدرة، وتَكمُن فائدته، كما يرى، في مقدرة المتعلم أن يوائم بين نفسه وبين بيئته، كما أن وظيفة التعليم هي أن يأخذ المتعلم صورة كاملة وصحيحة عن البيئة التي يعيش فيها. ولكن من هو المعلم عند طه؟ هو المعلم الواحد، الله، الله هو المعلم الأصلي، بينما المعلـم المباشر هو العناصر المتعددة في البيئة‏. والمادة التي يعلمها المعلم الواحد، الله، عند طه، هـي المقدرة على التواؤم بين الحي وبيئته. ويرى طه بأن كل عناصر البيئة حية، ولكنها حياة فوق إدراك العقول، ولا تصبح حيـاة في إدراك العقول حتى تخرج، من المادة غـير العضوية، المادة العضوية، وهـي ما تسمي، اصطلاحـاً، بالحياة. ولهذا فهو يقول: “الحياة أصدق من العلم".
نواصل في الحلقة القادمة.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحریة من کما یقول من الخوف کما یرى ما بعد

إقرأ أيضاً:

الصائم إذا شتمه أحد يقول إني صائم سراً أم جهرا ؟..سليمان الماجد يجيب..فيديو

الرياض

‏أوضح الشيخ سليمان الماجد بماذا يرد الصائم في حال شتمه أو جادله أحد.

وقال الماجد:”هذا الأمر فيه قولان ، الأول أن يستشعر الانسان حالة الصيام فلا يرد على من أغضبه ، والقول الثاني أن يقول اللهم إني صائم حتى يقطع الجدال”

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/03/a8z9fxxcyPLIwNwE.mp4

مقالات مشابهة

  • «الفعاليات الاقتصادية بالدقم» رافد استثماري وأداة فعالة في التنمية المستدامة
  • مركز التنمية المستدامة بجامعة أسيوط يطرح برامج تدريبية ويعزز الشراكات المحلية والدولية
  • التنمية المحلية: مشروعات النظافة وتحسين البيئة مستمرة في المحافظات
  • الصائم إذا شتمه أحد يقول إني صائم سراً أم جهرا ؟..سليمان الماجد يجيب..فيديو
  • بعد قراءة الفاتحة على روح محمود بكري.. بدء استقبال المدعوّين لـ حفل إفطار أبناء الصعيد والقبائل العربية
  • محمد بن راشد: المرأة سر الحياة ومربية الأجيال وصانعة الأبطال
  • على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (3 – 20)
  • مقابلة مع الأستاذ عبدالله محمود المدير الإداري لمشفى بانياس الوطني، يروي ما فعلته فلول النظام البائد بلمشفى
  • محمد العارضة .. حفرنا طريقنا نحو الحرية..لأنها خيارنا وقرارنا / فيديو
  • موقف محرج لـ أصايل محمد عند قراءة أرقام جوائز مالية على الهواء.. فيديو