بعد إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على وسط دارفور، وبث فيديوهات لقادة الدعم من داخل مدينة زالنجي عاصمة الولاية، وعلى الرغم من إنكار الجيش لسيطرة المتمردين على الولاية، إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد أن الكلمة الغالبة في مناطق دارفور المختلفة هي لقوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي"، والمتحالفين معها من القبائل العربية الأخرى، حيث أعلن عدد كبير من زعماء الإدارات الأهلية داخل ولاية وسط دارفور تأييدهم للدعم السريع، وتضمن الإعلان أبرز وأهم هؤلاء القادة ومنهم ممثلون عن قبيلة الرزيقات والفلاتة، علاوة على قبيلة السلامات، فيما لم يوقع عليه الدمنقاوي سيسي فضل سيسي، وهو أعلى سلطة أهلية في المنطقة ويتبع لقبيلة الفور إحدى أكبر قبائل المنطقة.
ومن أبرز الموقعين على بيان التأييد محمود صوصل أمير الرزيقات المهرية وهو قيادي بارز في حزب المؤتمر الوطني، تولى في عهد البشير منصب معتمد محلية “ام دخن” في الحدود مع دولة أفريقيا الوسطى وتلاحقه اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد قبيلة الفور في مناطق “مكجر وبندسي ودليج” بولاية وسط دارفور.
ودعا القادة الأهليون أبناءهم في القوات المسلحة ومن أسموهم بشرفاء الجيش السوداني للانسحاب الفوري مما يطلقون عليه "جيش البرهان"، وحثوا الحركات المسلحة على مناصرة الدعم السريع.
ويلاحظ المراقبون أن قوات الدعم تتحرك بحرية مطلقة داخل ولايات دارفور، وترتكب جرائم حرب، وجرائم إبادة جماعية دون أن يتحرك ما يسمى بالمجتمع الدولي ضد هذه القوات التي أبادت أكثر من أربعة آلاف مواطن من أبناء قبيلة المساليت في ولاية غرب دارفور، كما أفرغت العاصمة الجنينة من سكانها وهجرتهم وشردتهم إلى داخل الحدود التشادية، ونقلت وسائل التواصل الاجتماعي عمليات المطاردة التي قامت بها عناصر الدعم السريع إلى داخل الأراضي التشادية وقتل عدد كبير من رجال وشباب المساليت الذين حاولوا الهروب والاحتماء بالقوات والأراضي التشادية ولكنهم قتلوا تحت أعين الجميع.
وبالحديث عن سيطرة الدعم السريع على ولاية وسط دارفور وغرب دارفور، يصبح "حميدتي" الآن الأقوى في غرب السودان، حيث تشكل الولايتان المساحة الكبرى في الإقليم كما أن قواته لا زالت تحتشد بالقرب من الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وهو ما يعني قرب دخولها، وتشريد سكانها أيضًا. وكان ضمن سيناريوهات الحرب التي أشعلها التمرد في 15 أبريل الماضي ضد الجيش السوداني هو انتقال الحرب إلى إقليم دارفور بغرب السودان عندما يطبق الجيش سيطرته على العاصمة الخرطوم، حيث تعود قوات الدعم السريع إلى حاضنتها من القبائل العربية في ولايات دارفور المختلفة وإلى المناطق الحدودية التي تجلب إليها القبائل العربية من مختلف دول الجوار.
ويرى المراقبون أن الإعلانات المتتالية لقوات الدعم في السيطرة على مدن وولايات في دارفور، يؤكد أن هذه القوات تتلقى دعما عسكريا ولوجيستيا بالتدريب والعمل الاستخباري لتقسيم البلاد، وخلق جيش آخر، ودولة ثانية في دارفور بقيادة الدعم السريع والقبائل العربية، بعد تطهير تلك الولايات من القبائل الإفريقية، وطردهم إلى خارج السودان، أو إلى داخل المدن التي تقع تحت سيطرة الجيش السوداني، وهو ما يعني بداية صراع أهلي وقبلي طويل وممتد، قد لا ينتهي خلال السنوات القادمة، كما أنه يؤسس لفكرة تقسيم السودان، وقطع غرب السودان كله ليكون التقسيم الثاني بعد انفصال الجنوب. كما أن تحركات الدعم السريع تسير بسرعة متوازية مع تحركات عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان الذي خالف ونقض تعهداته بالهدنة مع الحكومة، واستغل انشغال الجيش بالحرب في الخرطوم لتنقض قواته على عدد من مدن ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهو ما يعني أن تحركًا أيضًا بدعم إقليمي ودولي يقوده "الحلو" لفصل المناطق الجنوبية خاصة ولايتيْ جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتشكيل دويلة ثالثة في السودان.
مخطط تقسيم السودان بدا واضحا ويتحقق بشكل سريع على الأرض، وسط مطامع إقليمية متمثلة في إثيوبيا التي تسعى إلى استعادة إقليم الفشقة الكبرى، والذي يضم قرابة مليونيْ فدان من أجود أراضي السودان، إضافة إلى تحالف غير معلن ما بين الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، ودولة جنوب السودان، لاستعادة كل المناطق التي تزعم دولة الجنوب أنها تتبع لها، وهي ما أطلق عليها بمناطق النزاع الحدودي. كما أن دولة دارفور الجديدة هي الفكرة الأسطورية القديمة التي تداعب خيال القبائل العربية في دول غرب إفريقيا مثل النيجر وتشاد والكاميرون وإفريقا الوسطى، وهي القبائل التي تسعى إلى تشكيل دولة خالصة للقبائل العربية القديمة التي دخلت تلك البلاد مع بدايات الفتح الإسلامي.
ومن المتناقضات التي نجح الاستعمار الجديد في خلقها، هذا العداء الكبير بين تلك القبائل، ومثيلتها من القبائل العربية التي تعيش في وسط السودان، وشماله، وهو استبدال لحالة العداء التي كانت قائمة بين المكون العربي في دارفور والمناطق الحدودية، والمكون الإفريقي إلى العداء مع المكون العربي في داخل ووسط السودان.
ويرى المراقبون أن خلق هذه العداءات بين عرب وعرب، وعرب وأفارقة، ووسط السودان وجنوبه، ووسط السودان وغربه، إضافة إلى بعض الإرهاصات التي ظهرت في الشرق، يؤكد أن تقسيم البلاد إلى خمس دويلات أمر واقع في الغرب والشرق والوسط والجنوب والشمال، حيث تزعم أيضًا بعض قبائل النوبة في أقصى شمال السودان أن لها خصوصيتها الثقافية والجغرافية التي تسمح لها بتشكيل دويلة خاصة بها.
ووفقا للتوجهات الأمريكية والأوروبية التي تسير نحو تفتيت الدول الكبرى إلى دويلات صغيرة، وهو المخطط الذي حاولت تنفيذه في العراق، فإن السودان الهش، الذي لم ينجح في تشكيل رؤية وطنية موحدة حول دولة مركزية واحدة، قد سمح لصناع القرار في العواصم الغربية بتحقيق طموحاتهم نحو تفتيت هذا البلد الكبير، الذي بدأ مبكرًا باقتطاع الجنوب منه في العام 2011، وهو الآن يبدأ التقسيم الفعلي بقوة السلاح، وبتشكيل ميليشيات تعمل على حراسة مصالح تلك الدول، وتنفذ إرادتها مقابل منحها دويلات صغيرة وهمية لا تصلح أبدًا لتشكيل دولة منفردة، ولكنها تصلح أن تكون أداة دائمة بيد قوى الاستعمار الجديد.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: السودان حميدتي قوات الدعم السريع وسط دارفور القبائل العربیة الدعم السریع وسط السودان وسط دارفور من القبائل کما أن
إقرأ أيضاً:
قائد قوات الدعم السريع: سنبقى في الخرطوم ولن نخرج من القصر الجمهوري
دبي- الشرق/ قال قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو "حميدتي"، السبت، إن قواته لن تخرج من العاصمة الخرطوم أو من القصر الجمهوري الذي تسيطر عليه منذ اندلاع الحرب مع الجيش في 15 أبريل 2023، في وقت أعلنت القوات المسلحة تطويقها للقصر وتقدمها نحو بسط السيطرة على كامل وسط الخرطوم.
وأضاف حميدتي في خطاب مسجل بثته "الدعم السريع" على قناتها بتليجرام: "الوضع الآن مختلف جداً الحرب الآن داخل الخرطوم ولن نخرج من القصر الجمهوري ومنطقة المقرن".
وتوعد الجيش السوداني بأن يكون 17 رمضان الجاري الذي قال إنه "يصادف ذكرى معركة بدر الكبرى وذكرى تأسيس قوات الدعم السريع" يوم "حسرة" على الجيش، مشيراً إلى أن قواته ستنتصر في نهاية المطاف.
وتأتي تصريحات حميدتي وسط احتدام المعارك بين قواته والقوات المسلحة السودانية في محيط القصر الجمهوري مع إعلان الجيش عن تقدمه في وسط العاصمة الخرطوم.
وفي 25 يناير الماضي أعلن الجيش إكمال المرحلة الثانية من العمليات الحربية في الخرطوم بربط قواته القادمة من أم درمان وشمال بحري بجنوده الموجودين في مقر سلاح الإشارة أقصى جنوب مدينة بحري وهي خطوة أنهت رسمياً حصار القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم، كما بسط الجيش سيطرته على كامل محليتي بحري وشرق النيل.
"الدستور الجديد"
وأعلن حميدتي عن ترحيبه بما اسماه "الدستور الجديد"، في إشارة إلى الإعلان الذي وقعته قوات الدعم السريع وحلفائها خلال الأيام الماضية في العاصمة الكينية نيروبي.
وفي 5 مارس وقعت قوات الدعم السريع، وجماعات متحالفة معها دستوراً انتقالياً، ما يمهد لإنشاء حكومة موازية، وينذر بتقسيم البلاد، على أن يحل محل الدستور الذي تم توقيعه بعد أن أطاح الجيش وقوات الدعم السريع بالرئيس السابق عمر البشير خلال انتفاضة عام 2019.
ومن بين الموقعين على الوثيقة الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، وهي حركة نافذة ذات توجه علماني تسيطر على مناطق شاسعة من ولاية جنوب كردفان السودانية، وتنشط تحت مظلتها جماعات أخرى أصغر حجماً.
وتوجه حميدتي خلال خطابه، السبت، بالشكر لكينيا على استضافتها للحدث، مشيراً إلى أنها دولة ديمقراطية نموذجية ظلت "أبوابها مفتوحة لكل المهمشين"، مشيراً إلى أن التاريخ سيسجل مواقف نيروبي تجاه السودانيين.
واعتبر أن ما اسماه بـ"الدستور الجديد" عالج قضايا كانت تصنف ضمن المسكوت عنه منذ استقلال السودان، مشيراً إلى أنهم في قوات الدعم السريع كانوا "مخدوعين" حول مفهوم "العلمانية" لكنهم الآن أصبحوا حلفاء للحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو ذات التوجه العلماني، معلناً عن ترحيبه بالتحالف مع الحلو.
وزعم حميدتي أن الدعم السريع يتمتع الآن بـ"أكبر تحالف سياسي وعسكري"، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة تماماً بالنسبة لقواته، متوعداً الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش بـ"السحق" والهزيمة في إقليم دارفور غربي البلاد.
وقال إن قواته ترصد عن كثب تحركات الحركات المسلحة نحو إقليم دارفور وإنها في انتظارها لإلحاق الهزيمة بها، وأضاف قائلاً: "نحن سننتصر بالتأكيد ونعد الشعب السوداني أن تكون هذه آخر الحروب".
واستنكرت وزارة الخارجية السودانية في بيان سابق، موقف الحكومة الكينية، و"تبنيها الحكومة الموازية التي تنوي مليشيا الإبادة الجماعية وتابعيها إعلانها في بعض الجيوب التي تبقت لها"، على حد تعبيرها.
وشدد البيان، على أن الحكومة السودانية ستمضي في اتخاذ الخطوات الكفيلة بالرد على هذا "السلوك العدائي غير المسؤول"، ووصفته بأنه "سابقة خطيرة، وخروج كامل على ميثاق الأمم المتحدة، والأمر التأسيسي للاتحاد الإفريقي، وتهديد بالغ للأمن والسلم الإقليميين".
البرهان: عازمون على تحرير البلاد
والخميس الماضي، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن الجيش عازم على تحرير البلاد من "المرتزقة والعملاء والقضاء على الدعم السريع".
وجاءت تصريحات البرهان خلال كلمة مقتضبة بمدينة أم درمان غربي الخرطوم، خلال تأدية واجب العزاء في اللواء الركن بحر أحمد بحر، الذي لقى مصرعه في حادثة تحطم طائرة عسكرية في أم درمان في 25 فبراير الماضي، وفق بيان للجيش السوداني.
وأكد البرهان أن "القوات المسلحة السودانية ستظل سداً منيعاً ضد كل من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار السودان" .
وأضاف: "نجدد العزم على تحرير البلاد من المرتزقة والعملاء والقضاء على مليشيا الدعم السريع الإرهابية".