يمانيون – متابعات
في عالم الدفاع البحري، يتجلّى نظام “إيجس” (Aegis) كتجسيد للتفوّق التكنولوجي والاستراتيجي الأمريكي منذ دخوله الخدمة في أوائل الثمانينيات، أثبت جدارته كعمود أساسي في أنظمة الدفاع البحري للولايات المتحدة وحلفائها، مما يضمن حماية وتأمين المهام البحرية الحساسة بكفاءة لا مثيل لها.

يواجه نظام “إيجس” اليوم تحديات معقّدة ومتزايدة لم يتمكّن خلالها من العمل بفعّالية أمام هجمات الجيش اليمني الذي يستخدم الصواريخ والطائرات غير المأهولة ضد المدمّرات والفرقاطات الأميركية والأوروبية وحتى حاملة الطائرات “آيزنهاور”.

في عالم الدفاع البحري، يعد نظام إيجس (Aegis) الدرع الحصين لأسطول البحرية الأميركي وحلفائه الأوروبيين، ومع ذلك، تأتي المفارقة الصادمة عند مواجهته للجيش اليمني الذي كشف عن هشاشة هذا النظام الدفاعي وعجزه المذهل في مواجهة هجماته المستمرة والمتطورة.

فبينما يعتمد النظام على فعّاليته في اعتراض الصواريخ الدقيقة والطائرات من دون طيار، تظهر التكتيكات البسيطة لصنعاء هشاشة هذا الدرع الضخم في الحماية، مما يثير انقلاباً على الصورة المعتادة عن قوة “إيجس” كركيزة للدفاع البحري.

لقد كانت هجمات الجيش اليمني على الفرقاطات والمدمّرات الأميركية والأوروبية ناجحة وفعّالة وصولاً إلى استهداف حاملة الطائرات “آيزنهاور”.

وفي الوقت الذي تعبّر فيه الصحافة الأجنبية عن تساؤلات منها: هل يكتب اليمن نهاية عصر حاملات الطائرات؟ نطرح سؤالاً آخر؛ كيف تمكّنت صنعاء من تهشيم فخر التقنية العسكرية المتطوّرة لأحدث نظام دفاعي بحري تستخدمه البحرية الأميركية والأوروبية؟ وكيف استطاعت صنعاء امتلاك تقنيات وتكنولوجيا مضادة أدت إلى هزيمة تقنيات “أيجس” المتقدمة؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال سنحاول معرفة ماهية نظام “إيجس” وطريقة عمله على القطع الحربية التابعة للبحرية الأميركية وحلفائها..

ما هو نظام “إيجس” الدفاعي؟
يعدّ نظام إيجس (Aegis): فخر التكنولوجيا المتقدمة في دفاع القوات البحرية الأميركية والأوروبية ورمزاً للتقنية العسكرية المتطورة، وهو نظام متكامل للدفاع الجوي والصاروخي يستخدم بشكل واسع في القوات البحرية الأميركية وتلك الحليفة لها حول العالم.
يتميّز هذا النظام بقدراته الفريدة في التحكّم والتعامل مع مجموعة متنوّعة من التهديدات، مما يجعله أساسياً في تأمين السفن وحمايتها أثناء أدائها للمهام البحرية.

تمّ تطويره بواسطة شركة “لوكهيد مارتن”، ودخل الخدمة للمرة الأولى في البحرية الأميركية في أوائل الثمانينيات، ومنذ ذلك الحين، شهد النظام تطورات مستمرة وتحسينات تكنولوجية، مما جعله اليوم أحد أكثر الأنظمة فعّالية في مجال الدفاع البحري.

مكوّنات وقدرات “إيجس”
رادار SPY-1: يعدّ هذا الرادار أساسياً في نظام “إيجس”، حيث يتميّز بتقنيته المتقدمة. ويمكنه تحديد الأهداف الجوية والبحرية على مسافات بعيدة، ويعمل على توجيه الصواريخ بدقة عالية.
نظام التحكّم في إطلاق النار AWS: يُعدّ من الأنظمة الرئيسية في “إيجس”، حيث يدير عمليات إطلاق الصواريخ والتفاعل مع التهديدات بشكل فعّال. يتميّز بقدرته على التعامل مع تهديدات متعددة في وقت واحد وفقاً لأولويات محددة.

نظام إدارة القتال: يقوم بتحليل المعلومات وتقديم قرارات فورية للتعامل مع التهديدات المتزايدة. يتيح التفاعل السريع والفعّال للسفن التي تحمل نظام “إيجس”.

الصواريخ الدفاعية (SM-2 و SM-3 و SM-6): تتميّز هذه الصواريخ المستخدمة في نظام “إيجس” بقدرتها على مهاجمة واعتراض الأهداف المتنوعة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والطائرات والسفن المعادية.

وكذلك صواريخ RIM-7 Sea Sparrow وهي من نوع سبارو، صواريخ دفاعية موجّهة تُستخدم ضد الطائرات والصواريخ المهاجمة بمدى قصير إلى متوسط.

نظام فالنكس: هو نظام الدفاع الأخير، وهو عبارة عن مدفع رشاش مضاد للطائرات والصواريخ، سداسي الفوهات من عيار 20 ملم، يعمل عادة بمعدل يصل إلى 4,500 طلقة في الدقيقة ويستخدم مع الأهداف القريبة جداً.

وبفضل تطويره المستمر، يعزّز نظام “إيجس” قدراته للتكيّف مع التهديدات الجديدة والتكنولوجيا الناشئة، كما يتمّ تحسين أداء النظام وزيادة قدراته ليبقى في طليعة الابتكار التكنولوجي في المجال البحري.

نظام “إيجس” ليس مجرّد تكنولوجيا، بل هو جزء لا يتجزّأ من استراتيجية الدفاع البحري الحديثة، حيث يساهم في حماية السفن والمنشآت البحرية من التهديدات المتعدّدة، ويضمن السيطرة الجوية والبحرية الفعّالة خلال العمليات العسكرية والتدريبية.

تعدّ المدمّرات والفرقاطات الأميركية والأوروبية من بين الأكثر تطوّراً على مستوى العالم، مستفيدة من نظام أيجس (Aegis) المتكامل للدفاع الجوي والصاروخي.

مع كل التقنيات المستخدمة والتطوير الذي يخضع له إلا أن هذا النظام فشل في صدّ صواريخ ومسيّرات الجيش اليمني في البحرين الأحمر والعربي؟

التشويش الإلكتروني اليمني سلاح فعّال
في ظلّ التطوّرات الحديثة في القتال البحري، أصبحت تقنيات مسيّرات الجيش اليمني والصواريخ والزوارق تمثّل تحدياً كبيراً للدفاعات البحرية الأميركية والتكنولوجيا التي تستخدمها، فما هي التقنيات المتقدّمة والمضادة لأنظمة التوجيه التابعة للقوات الأميركية في أسلحة الجيش اليمني المختلفة المستخدمة؟
1 – الطائرات المسيّرة
يستخدم الجيش اليمني طائرات مسيّرة متطورة مجهّزة بتقنيات تشويش إلكتروني متقدمة. هذه التقنيات تؤدي دوراً حاسماً في زيادة فعّالية هجمات الطائرات المسيّرة من خلال تعطيل أنظمة التوجيه والرصد الخاصة بالدفاعات البحرية الأميركية.

والتشويش الإلكتروني هو استخدام إشارات إلكترونية لتعطيل أو تقييد أداء الأنظمة الإلكترونية المعادية، وفي سياق الطائرات المسيّرة، يعني هذا إرسال إشارات مشوّشة تؤثّر على أنظمة الرادار، الاتصالات، وتوجيه الصواريخ للطرف المعادي.

لذا فإن الطائرات المسيّرة المجهّزة بأنظمة تشويش إلكتروني يمكنها إرسال إشارات إلكترونية قوية على الترددات نفسها المستخدمة من قبل رادارات السفن الأميركية، هذه الإشارات تغمر إشارات الرادار الحقيقية وتمنعها من الحصول على صورة دقيقة للأهداف.

بالإضافة إلى إرسال إشارات تشويش، يمكن أن تستخدم الطائرات المسيّرة تقنيات تضليل راداري مثل توليد أهداف وهمية أو تغيير توقيعها الراداري، وهذا يجعل من الصعب على الرادارات التمييز بين الأهداف الحقيقية والوهمية.

كما يمكن للطائرات المسيّرة أيضاً استهداف أنظمة الاتصالات البحرية، مما يعيق تبادل المعلومات بين السفن والمراكز القيادية، ويجعل من الصعب تنسيق الدفاعات.

تقنيات التشويش الإلكتروني آنفة الذكر تفرض تحديات كبيرة على البحرية الأميركية كونها تعطّل قدرة الرادارات على اكتشاف الطائرات المسيّرة، مما يسمح لها بالاقتراب من السفن من دون أن يتم اكتشافها.

2 – الصواريخ البالستية والمجنّحة
استخدام صواريخ باليستية ومجنّحة تضرب أهدافاً بدقة عالية، مما يجعل من الصعب على أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية التحكّم في مسارها. ربما تمتلك هذه الصواريخ تقنية التشويش الإلكتروني المباشر على أنظمة التوجيه البحرية، والتي قد تحول دون فعّالية أنظمة الدفاع البحرية الأميركية.

3 – الزوارق المسيّرة
تمتاز الزوارق المسيّرة بسرعتها العالية وقدرتها على التحرّك بسرعة بين السفن، مما يجعل من الصعب التنبؤ بها واعتراضها.

أيضاً القدرة على إطلاق عدة زوارق مسيّرة في وقت واحد، يزيد من التحدي للدفاعات البحرية الأميركية في التعامل مع عدة هجمات في وقت واحد.

4 – التوجيه الشبكي والمعلوماتي
استخدام تقنيات التوجيه الشبكي التي تسمح بتبادل البيانات والمعلومات بين الصواريخ والطائرات المسيّرة والزوارق في الوقت الحقيقي، يتيح تنسيق الهجمات بشكل أكثر فعّالية وتعقيداً على الدفاعات البحرية، ولأن الجيش اليمني شن أكثر من مرة عمليات مشتركة بين سلاح الجو المسيّر ووحدة الصواريخ وكذلك بالاشتراك مع الأسلحة البحرية، فإن هذه العمليات المشتركة تؤكد استخدام تقنية التوجيه الشبكي والمعلوماتي: أي التنسيق الجماعي وتبادل البيانات، وتقنيات التوجيه الشبكي والمعلوماتي تمثّل نقلة نوعية في كيفية تنفيذ الهجمات باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة والزوارق.

والتوجيه الشبكي والمعلوماتي هو نظام متكامل يستخدم شبكة اتصالات لتبادل البيانات والمعلومات بين مختلف الأنظمة العسكرية مثل الصواريخ، الطائرات المسيّرة، والزوارق.

الفشل الأميركي
لقد عملت الولايات المتحدة الأميركية على تطبيق أنظمة دفاعية متعدّدة الطبقات تتضمّن قدرات اعتراض متقدمة للصواريخ والمسيّرات والزوارق في مختلف المراحل، وتحسين التكامل بين مختلف أنظمة الدفاع لتوفير استجابة شاملة وفعّالة ضدّ التهديدات المتعددة ومع ذلك فشلت فشلاً ذريعاً.
نظام إيجس (Aegis) كان عموداً فقرياً في استراتيجية الدفاع البحري للولايات المتحدة وحلفائها، ولكن مواجهته للهجمات اليمنية كشفت عن تحديات كبيرة لهذه التكنولوجيا المتقدمة.

فبينما يعتمد إيجس على القدرات المتطورة لاعتراض الصواريخ الدقيقة والطائرات من دون طيار، فإن هجمات اليمن أظهرت كفاءة التكتيكات البسيطة في هزيمة هذا النظام الدفاعي البحري.

إن تقنيات الطائرات المسيّرة المتقدّمة التي يستخدمها الجيش اليمني، بالإضافة إلى تقنيات التشويش الإلكتروني، أدّت دوراً حاسماً في استهداف النظام الراداري الحساس لإيجس وإحباط قدرته على اعتراض الهجمات.

هذا السيناريو يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل التكنولوجيا البحرية وقدرة الأنظمة المتقدّمة على مواجهة التهديدات المتنوّعة في المياه الدولية.

وبالتالي، تظهر الهجمات اليمنية على الأسطول البحري الأميركي والأوروبي كنقطة تحوّل في تكنولوجيا الحروب البحرية، وإجمالاً تجسّد هجمات اليمن على البحرية الأميركية نقطة تحوّل حقيقية في تاريخ الحروب البحرية الحديثة، حيث يعبّر القادة العسكريون الأميركيون عن مخاوفهم وإحباطهم العميق نتيجة لمواجهتهم “أشرس حرب بحرية” منذ الحرب العالمية الثانية.

هذه التجربة أظهرت بشكل واضح تحديات كبيرة لقدرات الدفاع البحري الأميركي، مع تعقيد الإجراءات والتكتيكات المطلوبة لمواجهة تكنولوجيا الهجمات المتطوّرة التي تعتمدها اليمن، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيّرة المتقدّمة وتقنيات التشويش الإلكتروني.

* كامل المعمري – صحافي يمني متخصص في الشأن العسكري.
* المصدر : الميادين نت

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الأمیرکیة والأوروبیة البحریة الأمیرکیة البحریة الأمیرکی الدفاع البحری الجیش الیمنی أنظمة الدفاع هجمات الیمن هذا النظام من الصعب هو نظام

إقرأ أيضاً:

هل تفلح مجموعة “بريكس” في التأسيس لنظام عالمي متعدد الأقطاب

يمانيون – متابعات
على خلاف أولويات القمم السابقة لمجموعة “بريكس” تحولت قمة قازان التي احتضنتها روسيا مؤخرا إلى تظاهرة سياسية بعد أن سجلت مشاركة زعماء 20 دولة تمثل أكثر من 45 % من سكان العالم، في خطوة منحت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفرصة لتوجيه رسالة قوية إلى أميركا والغرب بفشل محاولاتهم عزل روسيا والعزم على المضي قدما بتحويل هذا التكتل إلى قوة صاعدة يعتمد عليه كرافعة دولية للانتقال من عالم متعدد الأقطاب.

لم تتوقف موسكو خلال سنوات المواجهة مع الغرب عن الرهان على مجموعة “بريكس” في تحقيق خطوات متقدمة بتوجهاتها لوضع أسس لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، بعد أن صار الخمسة الكبار في المجموعة ينظرون إلى هذا التكتل كحامل مثالي للمشروع رغم الشعور الجماعي بأن الوصول إلى تحقيق هذه الهدف لا يزال بعيد المنال وتنتظره الكثير من التحديات.
سعت روسيا الدولة المؤسس للمجموعة إلى تحويل قمة “بريكس” بمدينة قازان الروسية إلى تظاهرة دولية سياسية واقتصادية بعد أن تمكنت من حشد 20 رئيس دولة بما فيهم الخمسة الكبار فضلا عن ممثلين من 36 دولة وقيادات 6 منظمات دولية على رأسها الأمم المتحدة.
هذا الأمر برز إلى الواجهة في وصف الكرملين للقمة بانها “من أضخم أحداث السياسة الخارجية على الإطلاق” ونموذج أولي لتعددية الأقطاب، بالنظر إلى ما حققته من نتائج في التوافق الأولي على آليات توسيع عضوية التكتل الذي تتقاسم دوله هدفا مشتركا بالانتقال إلى عام متعدد الأقطاب ينهي نظام القطب الواحد في ظل مساعيه إلى توحيد شطري العالم الجنوبي والشرقي على مبادئ السيادة والاحترام المتبادل تحت مظلة نظام عالمي جديد أكثر ديمقراطية وعدلا.
وعلاوة على الدلالة الرمزية التي مثلها ترأس الرئيس بوتين لهذه القمة بعد أن أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة توقيف بحقه العام الماضي فقد كان حضوره قويا بالمشاريع التي حملها للقمة لمواجهة هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة الدولية وإنشاء نظام مدفوعات خاص بمجموعة “بريكس” منافسا لنظام سويفت وتطوير آليات الاعتماد على العملات المحلية في التبادل التجاري، واستخدام الأصول الرقمية في التجارة ناهيك عن مشروع العملة الموحدة رغم الصعوبات البالغة التي تعترض هذا المشروع.
أبعاد سياسية
لم يكن خفيا أن موسكو أرادت من خلال الحشد الكبير لزعماء العالم في قمة قازان أثبات فشل السياسات الأميركية والغربية لعزل روسيا عن العالم، وأكثر من ذلك أثبات أن لديها حلفاء دوليين لديهم الحافز في دعم مشروعها بالانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب وإنهاء نفوذ الهيمنة الغربية الأحادية على العالم.
ويمكن القول إن القمة نجحت في كسر هذه العزلة، بعد أن شارك في القمة زعماء من دول ذات نفوذ اقتصادي كبير مثل الصين والهند والبرازيل، وهي المشاركة التي أعطت لموسكو فرصة ذهبية لطرح مشاريع توسيع عضوية الاتحاد ومشاريع مالية جديدة عابرة للحدود تستطيع أن تمكن موسكو ومعها دول المجموعة من إعادة بناء العلاقات بينها والعالم على مبادئ الشراكة الندية المتعددة الأطراف.
وخلال أيام القمة كان ملاحظا أن روسيا حاولت استثمارها كمنصة دولية لمناقشة آليات جديدة للتجارة الدولية ضمن مشاريع اقتصادية استهدفت تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في معاملات التجارة الدولية، وتطوير بدائل للنظام المالي العالمي، يتماشى مع مصالحها في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بما يلبي مصالحها ومصالح دول المجموعة التي أبدت تأييدا واسعا لمثل هذه المشاريع.
يشار في ذلك إلى المواقف المؤيدة لدول المجموعة المشاركة في القمة على مشروع نظام المدفوعات البديل لنظام “سويفت” ودعم الصين لمشروع إنهاء هيمنة الدولار، من خلال اعتماد عملة خاصة لكتلة “بريكس” ووقوفها بكل ثقلها الاقتصادي لدعم مبادرة العملة المشتركة.
ورغم عدم حسم الخلاف الحاصل بشأن العملة الجديدة الموحدة لدول “بريكس” نظرا لصعوبة التخلص من الدولار على المدى القريب فقد تمكنت القمة من قطع شوط بهذا المشروع، كما أفلحت في تعزيز نظام التبادل التجاري بالعملات المحلية، كما هو الحال الحاصل اليوم بين روسيا والصين والسعودية والإمارات والهند ودول أخرى.
ملفات اقتصادية
حجم الكتلة البشرية الكبيرة لدول “بريكس” التي تمثل حاليا 45 % من سكان العالم (3.25 مليار نسمة) وما تمثله من نسبة كبيرة في حجم الاقتصاد العالمي نحو 32 % من حجم الاقتصاد العالمي، كان كافيا لممثلي دول التكتل لبحث الملفات الاقتصادية الكبيرة التي كانت موسكو وضعتها كأولويات خلال فترة ترأسها المجموعة، بتطوير نظام مالي مستقل للتسويات المالية مع وصول حجم التبادل بالعملات المحلية إلى نحو النصف في بعض دول المجموعة.
هذه العوامل ساعدت في تعزيز الحافز لدى دول “بريكس” للتسريع في جهود الانتقال لهذا النظام ليكون منافسا للنظام الغربي المهيمن على المدفوعات المالية “سويفت” أملا في ان تتجاوز دول المجموعة تبعات العقوبات الأميركية التي منحت الولايات المتحدة حق استبعاد العديد من النبوك في دول العالم من نظام “سويفت”.
والخطوات السابقة التي اتخذها الغرب حيال العقوبات الامريكيا اثارت مخاوف ليس لدى خصوم امريكا بل ولدى حلفائها الذين ابدو مخاوف من احتمال تعرضها لعقوبات كتلك التي استبعدت فيها روسيا من النظام العالمي للمدفوعات وجمد فيها الغرب على روسيا نحو 282 مليار دولار من أصولها في الخارج، كما دفع العديد من الحكومات إلى النظر في اعتمادها على التمويل الأمريكي بما في ذلك الصين الذي تعتبر هذا النظام واحد من أكبر نقاط ضعفها الاقتصادية.
هذا الامر ساعد موسكو في أن تجعل إمكانية نجاح مشروعها في نظام مدفوعات بديل لدول “بريكس” أمرا محتمل التحقق كما ساعدها بطرح مشاريع جديدة في إنشاء وكالة تصنيف ائتماني لمنافسة الوكالات الغربية الرئيسية التي ترى روسيا أنها “عُرضة للتسييس” وإنشاء شركة إعادة تأمين لتجنيب الوكالات الغربية التي تُمنع من إعادة التأمين للناقلات التي تنقل النفط الروسي، ونظام مدفوعات ليحل محل “فيزا وماستركارد” فضلا عن بحث اعتماد عملة موحدة لمجموعة “بريكس” ترتكز على سلة من الذهب بدلا عن الدولار.
وعلى أن القمة التي حملت عنوان “بريكس والجنوب العالمي لبناء عالم أفضل بشكل مشترك” نجحت في تجاوز ملفات الأمن الغذائي والطاقة، وتحسين بنية العلاقات الدولية، وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة، مع إيلاء اهتمام للشرق الأوسط والتوجه نحو توسيع التكتل ليشمل بلدانا أخرى، إلا أنها وقفت أمام عقبات لا تزال قائمة في مشروع النظام البديل للمدفوعات، وفي المقدمة تصدر البنوك الأميركية مركز القيادة لنظام المدفوعات العالمي في ظل هيمنة الدولار على نحو 58 % من احتياطات النقد الأجنبي في العالم.
نظام عالمي متعدد
رغم أن الغايات الاقتصادية كانت طاغية على جدول أعمال قمة قازان لتجمع “بريكس” إلا أن ذلك لم يخف التطلعات السياسية لدول المجموعة بالانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب، وإنهاء هيمنة أمريكا على النظام العالمي الذي هيمنت فيه الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ساعد على ذلك التحولات المتسارعة التي قللت نسبيا من شأن ميزان القوى الاقتصادية الذي تأسس منذ عقود على مركزية نفوذ مجموعة السبع بقيادة الولايات المتحدة وما خلفته الأزمات العالمية من تغييرات على نظم العلاقات الدولية أفضت إلى ظهور مجموعة “بريكس” التي عززت الحافز للانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، اعتمادا على الكتلة البشرية الواسعة والكتلة الاقتصادية الكبيرة التي تمثلها الدول المناهضة لنظام القطب الواحد.
يشار في ذلك إلى الإمكانيات البشرية والاقتصادية التي تملكها مجموعة “بريكس” التي تنتج أكثر من 30 % مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات، وتستحوذ على ما قيمته 4 تريليونات دولار من إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي المشترك وأصبحت بعد انضمام السعودية والإمارات وإيران اليها مسيطرة على 80 % من إنتاج النفط العالمي، ناهيك عن تحكمها بأكثر من 50 % من احتياطي الذهب والعملات واستحواذها على 28 % من إجمالي الاقتصاد العالمي.
وعلاوة على ميزة التكامل الاقتصادي المتوفرة بين دول “بريكس” في قطاعات الطاقة والمعادن والتكنلوجيا والكفاءات البشرية والثروات الزراعية، فقد شكل وجود الصين ضمن المجموعة عنصر جذب، على الصعد الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية في حين شكل وجود روسيا على رأس المجموعة عنصر جذب إضافي باعتبارها القوة العسكرية الكبيرة والمصدر الأساسي للسلاح.
عوامل قوة
نجاح روسيا في حشد جميع أصدقائها الذين يمثلون بشعوبهم 45 %من إجمالي سُكان العالم، في قمة قازان ساعد بوتين على توجيه رسائل عدة إلى الولايات المتحدة والغرب.
أول هذه الرسائل أن محاولات الغرب لعزل روسيا قد فشلت، وثانيا أن مشاريع إنهاء هيمنة الدولار على المعاملات المالية وهيمنة الولايات المتحدة على المشهد السياسي والأمني العالم صار يحظى بتأييد عدد من دول العالم التي تمتلك الإمكانيات الاقتصادية والتكنلوجية والمالية التي يمكنها تقويض هيمنة الدولار الأميركي وتقويض الهيمنة السياسية للولايات المتحدة على العالم.
الأهم من ذلك نجاحه في تقديم مجموعة “بريكس” كلاعب رئيسي في الانتقال نحو نظام عالمي جديد متعدد الاقتطاع ينهي حالة الأحادية القطبية التي تهيمن عليها القوى الغربية، اعتمادا على ما تملكه دول المجموعة من تنوع سياسي واقتصادي يتوقع أن يتح لها تشكيل تكتل يضم قوى متنوعة تدعم التعددية على الساحة الدولية، والتصدي لكل محاولات إبقاء نظام الأحادية القطبية.
يشار في ذلك إلى المساعي الجماعية الجادة التي اظهرتها دول “بريكس” في تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي والعمل بصورة مشتركة على تطوير آليات جديدة للتجارة، مثل استخدام العملات المحلية للتبادل التجاري ومساعي الانتقال إلى العملة الموحدة واعتماد أنظمة المدفوعات الرقمية، وهي أمور قد تضعف من مركزية الدولار ويمكنها ان تؤسس لنظام مالي أكثر تنوعا قد يطيح بالهيمنة الأميركية.
ومع ذلك فإن القمة التي قادتها روسيا سجلت بعض الاخفاقات التي تحتاج إلى الكثير من الجهود لتجاوزها وفي المقدمة عدم قدرتها على إزالة التباينات القائمة بين الدول، كما أخفقت في تجاوز الكثير من الخلافات الاقتصادية التي تواجه المشاريع الاقتصادية لنظام المدفوعات البديل، في حين أن نحاجها مستقبلا في تجاوز ذلك سيعني أن مجموعة “بريكس” صارت قاب قوسين من قيادة مشروع للانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.
تحديات ومعوقات
رغم توفر الكثير من عناصر القوة لدى دول مجموعة “بريكس” إلا أن نقاط الضعف تبدو ماثلة في التفاوت الواضح في مستويات التنمية الاقتصادية بين الدول الأعضاء واختلاف الأنظمة السياسية والمصالح الوطنية كما هو الحال في الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، التي تمتلك أنظمة سياسية واقتصادية مختلفة قد تعرقل التنسيق واتخاذ القرارات الموحدة والتي قد تعيق محاولات اتخاذ قرارات موحدة.
يشار في ذلك إلى التوترات الحدودية بي الصين والهند والتباينات الصينية – الهندية في العديد من الملفات الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، وكذلك الخلافات بين الأعضاء حول قضايا إقليمية كالخلاف المصري – الإثيوبي، والتباينات العربية – الإيرانية، وهي مؤشرات يُرجح أن تُعرقل القرارات الجماعية وستطرح أسئلة عن جدوى المضي في مسار توسيع عضوية المجموعة.
يضاف إلى ذلك تباين الرؤى بشأن التوترات الجيوسياسية، مثل الصراع في أوكرانيا والصراع المحتمل بين الكوريتين، وبين الصين وتايوان، وهي قضايا قد تجعل من توافق هذه الدول على خطط مشتركة أمر صعب التحقق على المدى القريب.
————————————-
الثورة / أبو بكر عبدالله

مقالات مشابهة

  • ‏‎عقوبات صينية تسبب أزمة لأكبر شركة أمريكية لتصنيع الطائرات المسيّرة
  • أكبر شركة أميركية لتصنيع المسيّرات تواجه أزمة بسبب عقوبات صينية
  • “القمامة” على الطريق إلى البيت الأبيض الأمريكي
  • غواصة “القارعة”.. سلاح استراتيجي جديد يعزز من قوة الردع البحرية لليمن
  • هل تفلح مجموعة “بريكس” في التأسيس لنظام عالمي متعدد الأقطاب
  • أندريس إنييستا: مونديال 2030 سيكون نسخة “فريدة” يمكن أن تمثل “نقطة تحول كبيرة” لكرة القدم العالمية
  • “موان” يعلن عن تحديثات في نظام التراخيص والتصاريح
  • الكرملين يرفض التعليق على دعم تكنولوجيا الصواريخ لكوريا الشمالية
  • توقيع عدة اتفاقيات شراكة في مجال صناعة الطيران على هامش “مراكش إير شو 2024”
  • صنعاء تكشف عن مخزون استراتيجي كبير لها من الطائرات المسيّرة متعدد الأجيال