جوهر اقتصاد السوق تحركه آلية المنافسة من أجل السيطرة والاستحواذ والهيمنة على الفضاءين الاقتصادي والسياسي لزوماً، وهذه المنافسة تدفع المتنافسين إلى تحويل كل شيء في الحياة بلا استثناء لمادة استعمالية بما فيها القيم بهدف زيادة التربح.
وهذا النوع من الاقتصاد يصطدم مع قيم ومبادئ الإسلام، وعليه فإنه من المستحيل أن تصلح مجتمع وفق التعاليم الإسلامية وفي الوقت نفسه تطبق نظاماً اقتصادياً يتعارض مع جوهر الدين وثقافة المجتمع.
اقتصاد السوق الذي زحف على مختلف ميادين حياتنا في الثلاثة العقود الماضية شمل الصحة والتعليم، هذا الاقتصاد خلّف تشوهات كبيرة وأفرز معضلات كثيرة.
على سبيل المثال في التعليم الجامعي صار الملتحقون بالتعليم يتسابقون على التخصصات ذات الفائدة والجدوى في سوق العمل، وهناك عزوف أو ندرة التحاق في معظم تخصصات العلوم الإنسانية كالجغرافيا والتاريخ والآثار الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس واللغة العربية …إلخ.
وزاد الطين بلة إجراءات اتخذتها قيادات الجامعات المهووسة باقتصاد السوق، اشترطت أن يكون عدد الملتحقين بالقسم 15 طالباً أو يغلق القسم.
ولدينا كلية للإعلام يتخرج منها مئات الطلاب في مختلف التخصصات الإعلامية من صحافة وتلفزيون وإذاعة وغيرها، بينما لا يوجد لدينا توسع في السوق الإعلامية، لكي تستوعب كم الخرجين سنوياً، هذا سيؤدي مع تراكم عدد الخريجين العاطلين عن العمل إلى عزوف عن الالتحاق بهذه الكلية وفي نهاية المطاف ستغلق هذه الكلية لا محالة والأمر ينطبق على مثيلاتها من الكليات.
إذا ظلت عقلية اقتصاد السوق تتحكم بالقرارات المتخذة في الجامعات من دون أن تضع بالحسبان المعضلات المستقبلية لهذا النوع من الاقتصاد الذي يفضي إلى انعدام فرص العمل في مجالات لا نمو فيها ولا اتساع، فإننا سنجد الجامعات اليمنية تتقلص وتضيق وتغلق كلياتها الواحدة بعد الأخرى، ولن تبقى إلاّ كليات الطب والصيدلة والأسنان والهندسة، أي الكليات التي يشعر فيها الملتحقون بأنها ذات جدوى مستقبلية وتوجد فيها فرص عمل.
نحن أمام معضلة حقيقية، لا خيار إلاّ الخلاص من نظام اقتصاد السوق ونذهب إلى الاقتصاد الموجه والمخطط تقوم الدولة بواجباتها وتوقف هذا الهدر البشري وتستفيد من كل طاقات الناس وتحدث توازن اجتماعي بين القيم المادية والروحية للمجتمع، لأن أي مجتمع سوي وطبيعي بحاجة إلى الطبيب، والمهندس كما هو بحاجة للإعلامي والصحفي والأديب والمؤرخ والفيلسوف والمختص بالأثار والعالم اللغوي وغيرهم من المتخصصين في العلوم الإنسانية.
والاقتصاد الموجه يضع نسباً من مختلف التخصصات بالنسبة لعدد السكان كم طبيباً لكل ألف مواطن وكم مهندساً وكم قاضياً وكم محامياً وهكذا دواليك. بينما اقتصاد السوق لا يضع هذا الأمر نصب عينيه يعطي حرية اختيار وعينه على الربح والفائدة من وراء التعليم حتى لو كان السوق لن يستوعب مخرجاته مستقبلاً، فإنه يفضي إلى تعطيل قدرات وطاقات الناس وينتهي إلى بطالة فائضة فيها.
اقتصاد السوق يحتاج إلى حرية منفلتة لن تتمكن من ضبطها وستتعارض مع قيم ديننا وثقافتنا، وبالتالي يكرس تبعية البلد للاقتصاد العالمي، ولذا أرى أن الاقتصاد المبرمج والمخطط هو السبيل للخروج من هذه الدوامة على أن تكون غاية هذا الاقتصاد تحقيق عدالة اجتماعية وإنصاف، وترشيد وعقلنة في إنفاق مقدرات البلد.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
العمل: نقدم توصيات للمؤسسات الأكاديمية حول التخصصات الأكثر طلبا في سوق العمل
مسقط- الرؤية
قال إبراهيم بن عبدالله بن خميس الهنائي مدير دائرة سجل القوى العاملة بوزارة العمل، إن الوزارة تسعى إلى تقديم أفضل الممارسات لتطوير الخدمات التي تقدمها للمواطنين من خلال جميع منافذ الوزارة المتاحة، بالإضافة إلى توفير البيانات التي تحتاجها القوى العاملة الوطنية من خلال المنصات المختلفة، ومنها موقع الوزارة الإلكتروني وتطبيق معاك ومكاتب سند، حيث تسهم هذه السجلات في رفد ملف الباحثين عن عمل والإسهام في دفع عجلة التشغيل في القطاعين العام والخاص وتعزيز التكامل بين التعليم العالي واحتياجات سوق العمل والإسهام في تحقيق تنمية مستدامة قائمة على تنمية الكفاءات الوطنية بما يتواكب مع رؤية عمان 2040.
وأضاف أن دائرة سجل القوى العاملة تبذل جهودا حثيثة لإعداد تقارير دورية توضح التخصصات الأكثر طلبًا في سوق العمل، وتقديم توصيات للمؤسسات الأكاديمية حول التخصصات الجديدة أو تطوير البرامج الحالية، كما توفر الدائرة بيانات وتحليلات دقيقة للجهات الحكومية والخاصة لتسهيل اتخاذ القرارات المستقبلية، وتحديد الفجوات بين العرض والطلب في الوظائف، وتصميم برامج تدريبية وتأهيلية موجهة تلبي احتياجات القطاعات المختلفة، وتقديم استشارات مهنية للباحثين عن العمل لتوجيههم نحو التخصصات والمجالات الأكثر توافقًا مع قدراتهم في سوق العمل.
وأضاف الهنائي أنه تم إطلاق برنامجا مستحدثا لسجل القوى العاملة بهدف تطوير الخدمات المقدمة، كما توفر الوزارة مجموعة من الخدمات الإلكترونية وذلك لتسهيل الإجراءات والوصول للخدمة المطلوبة بطريقة ميسرة وسلسة، مبينا: "تعتبر دائرة سجل القوى العاملة إحدى الدوائر المعنية بتقديم خدمات لمجموعة من الجهات منها المؤسسات الأكاديمية والجامعات والكليات والمعاهد المهنية، والقطاعات الحكومية، والقطاع الخاص، والأفراد الباحثين عن العمل والطلاب المقبلين على التعليم العالي".
وتابع قائلا: "أظهرت الأرقام والإحصائيات المسجلة خلال عام 2023 جهود الدائرة في تعزيز التحول الرقمي، حيث تم تسجيل وتحديث 148,000 معاملة إلكترونية، وتم استخراج 99,000 رسالة (سيرة ذاتية ورسائل "لمن يهمه الأمر")، كما تم تسجيل وتحديث 100,000 معاملة يدوية بمقر الوزارة.
وأكد أن الوزارة تعمل على تحقيق أهداف استراتيجية تشمل توحيد البيانات لجميع موظفي الدولة (القطاعين العام والخاص) عبر الربط مع نظام "موارد بلس" وتعزيز التعاون مع الجهات الحكومية لتحليل بيانات الباحثين عن عمل، وتشجيع المجتمع على الاعتماد الكامل على الخدمات الإلكترونية لتقليل الحاجة إلى المراجعة الحضورية.