أفضل العيش مع 50 مليون سوري.. نائب تركي سابق يهاجم المناهضين للاجئين
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
شن البرلماني التركي السابق أيدن أونال، هجوما لاذعا ضد المحرضين على وجود اللاجئين السوريين في تركيا، وذلك في أعقاب أعمال عنف طالت منازل وممتلكات تعود لسوريين مطلع الشهر الجاري في ولاية قيصري وسط البلاد، قبل أن تنتشر الاعتداءات في عدد من الولايات المختلفة.
وقال أونال مخاطبا الرافضين للوجود السوري في تركيا، "أفضل العيش ليس مع 5 سوريين فقط، بل مع 50 مليون سوري بدلا من العيش معك في هذا البلد"، مضيفا "هل تقول إنهم (السوريين) يشكلون عبئا اقتصاديا، ويسلبوننا وظائفنا؟ ألست أنت من يشغل السوريين يوميا مقابل بضع ليرات وبشروط قاتلة؟".
وتابع في مقال نشره في صحيفة "يني شفق" التركية، "ألست أنت من يوظفهم بدون تأمين وبدون ضرائب وبدون ضمانات ثم يرميهم في الشوارع كما يشاء؟ بينما تجلس خلف لوحة المفاتيح متظاهرا بالبطولة. يوجد عرق السوريين، وعملهم ، وحتى دمهم في اقتصاد بلدك!".
وتطرق أونال في حديثه إلى الأسباب التي يطرحها مناهضو اللاجئين السوريين في تركيا من أجل إعادتهم إلى سوريا، قائلا: "هل تقول السوريون ليسوا متكيفين (مع المجتمع التركي وقوانين البلاد)؟ حقا؟ هل أنت متكيف؟ ألست من يبصق في الطرقات؟ ألست من يلقي القمامة حولك؟ أليس أنت من يعبر عن تعاطفه مع الإرهاب والإرهابيين، ويصبح عدوا للسلام والهدوء؟".
وأضاف "تقول يجب على السوريين أن يعودوا إلى بلادهم ليحاربوا هل لديك أي فكرة ضئيلة عن الحرب؟، تعطي السوريين النصائح بكل غطرسة، وكأنك تعطي هذه النصائح بجانب الجندي التركي الذي يكافح الإرهاب".
واختتم مقاله بالقول: "ارحل أنت، من أين تأخذ الحق في أن تقول يجب على السوريين أن يرحلوا؟ هل سند ملكية البلد باسمك؟ ماذا فعلت لهذا البلد حتى ترى نفسك متحدثا باسمه؟ إن كان ينبغي لأحد أن يغادر هذا البلد فهو أنت".
وفي الأول من تموز /يوليو الجاري، شهدت تركيا موجة من أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين في عدد من الولايات ترافقت مع تسريب بيانات ما يزيد على الثلاثة ملايين سوري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في أعقاب اعتداءات نفذها عشرات الأتراك بحق سوريين بولاية قيصري.
وكان وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، زار ولاية قيصري وعقد مؤتمرا صحفيا تحدث فيه عن توقيف أكثر من ألف شخص في عموم تركيا على خلفية الهجمات العنصرية، قبل أن يجتمع بعدد من سكان المدينة ويغادر دون لقاء المتضررين من اللاجئين السوريين، الأمر الذي أثار انتقادات بحق الوزير.
وتزامنت تلك الأحداث مع عودة مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة والنظام السوري إلى الواجهة مجددا، حيث صرح الرئيس رجب طيب أردوغان برغبته في لقاء بشار الأسد في تركيا أو بلد ثالث، الأمر الذي يثير مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا من إعادتهم إلى بلادهم في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية جراء الحرب.
وتعاني سوريا من صراع داخلي منذ انطلاق الثورة السورية في 15 آذار/ مارس 2011، التي تحولت بفعل العنف والقمع الوحشي الذي قوبلت به من قبل النظام السوري إلى حرب دموية، أسفرت عن مقتل مئات الآلاف ودمار هائل في المباني والبنى التحتية، بالإضافة إلى كارثة إنسانية عميقة لا تزال البلاد ترزح تحت وطأتها، وسط تقارير حقوقية ودولية تفيد بعدم وجود بيئة آمنة لعودة اللاجئين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد تركي منوعات تركية تركيا قيصري سوريا أردوغان الأسد سوريا الأسد تركيا أردوغان قيصري سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اللاجئین السوریین فی فی ترکیا
إقرأ أيضاً:
لمواجهة البطالة.. الوظيفة أم كسب العيش؟!
في نظريته التي أحدثت نقلة نوعية لدراسة الفضاء الاجتماعي كون المجتمع ما هو إلا حقل رمزي تتفاعل فيه البُنى ليتأسس حضورها ويتكامل موقعها لكن ليس عبر عمليات من التعيين والترسيم، بل هو ذاك التمثيل الرمزي للنشاط القادر على تفسير خطابات القوة والهيمنة، لذا يقول عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1930-2002م) في كتابه «التمييز الاجتماعي - 1979م» إن أشكال العمل ليست متساوية في توزيعها عبر الحقول الاجتماعية، بل ترتبط بأرصدة غير مادية تمنح أصحابها سلطة تنظيم التقدير الاجتماعي لمجمل الفاعلين. والحقيقة أن بورديو يشير إلى معنى أوسع لفكرة العمل، معنى يغاير ما كان مطروحا قبله وهو التقسيم الشهير لدوركايم في كتابه (تقسيم العمل - 1883م) وهو بحث أصيل في التجليات الاجتماعية لمعنى العمل، وقد انتهى إلى القول بأن العمل فاعلية تحقق معنى التعاون في بين الأفراد، وهو ما ينتهي إلى تحقيق تضامن عضوي في المجتمعات الحديثة، ودوركايم كان يرى في العمل آلية لتنظيم المجتمع وتحقيق فكرته المركزية بأنه جمع وظائف الأفراد لصالح تمتين التماسك للجماعة البشرية، أما بورديو فإنه يفكك فضاء التمثيل لهذه الوظيفة داخل البنية الاجتماعية وما ينتج عنها من أُطر للاستحواذ. ومن ذلك نفهم أن فكرة العمل في سياقها الغربي ترافقت مع التحولات في اتجاهات عديدة، وأن كل تقدّم في هذا الحقل بلحظة من لحظات الارتقاء الاجتماعي في أوروبا « سياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا، بل ودينيًا كذلك» وهو أمر انتهى كما أشرنا إلى الانتقال من وصف العمل في إطاره المادي كما عند دوركايم إلى اعتباره لحظة أوسع تعبر عن تطابق التمثيل مع السلطة، أو ما يصفه بورديو بالممارسة الاجتماعية التي تجري داخل «حقل» معيّن، وتتحدد قيمتها عبر تجسيد رمزي يتخذ أشكالا تتحدد وفق طبيعة رأس المال الذي يمتلكه الفاعل (اقتصادي، ثقافي، اجتماعي...إلخ).
هذا عندهم، أما في حالتنا العربية فالأمر على العكس من ذلك، إذ ظلت فكرة العمل عندنا تتصل بفكرة الرعاية والمسؤولية، كون الدولة في تركيبها العربي يتوجب عليها أن تلعب أدوارا كلية تمتد إلى كل حيز في الظاهرة الاجتماعية، وهذا زعم من يريد أن يدك الماء بالمنخل كم يقال في عاميات الشام، ولأن الفقر هو واحد من المخاوف المُستقطبة كل سياق نشاط الدولة والمجتمع، فإنه اقترن مع البنى الخفية للوعي العربي، ولنقل أن توكيد وصف اجتماعنا البشري يعود في أصله إلى تمثيل يستند إلى المكونات الأولية للتكوين الاجتماعي، إذ أن الفقر في ثقافتنا ينتمي أكثر إلى بنية اللاشعور من كونه حقيقة مادية، كيف؟، أقول لك: مجتمعاتنا قائمة على سلطان الهوية التي تصدر عنها ليس فقط أفعالنا الاجتماعية بل رايات تمثيلها داخل البنية الشاملة، وهو تمثيل ساكن في أبنيته العتيقة (القبيلة، العائلة، الطائفة، المؤسسة..) ومن عجيب أن الأمر رغم ذلك له جانب مغالط تماما في واقعنا العربي، فرغم أنها مجتمعات (الأمة - القبيلة - الطائفة...إلخ) إلا أنه ولتطور عكسي جرى ويجري في الظاهرة العربية فإن السياسات التي تتحدث عن خطط لمحاربة البطالة، وهو مفهوم فرداني للغاية ولا يتصل بالجمعي في سياق النشاط الاجتماعي العام، نراها محكومة بطبيعة الحال بالثقافة الجمعية التي تدير عبرها مجمل نشاطها، وهي ثقافة غير واعية بالبعد الاجتماعي لمفهوم العمل، فالدولة وعبر مؤسساتها التعليمية تُصَدِّر خريجين ليملؤوا دواوين الدولة فتنقطع الصلة بين حواضنهم (=الخريجون) التي ينتمون إليها وبين موقعهم الجديد في الظاهرة، والنتيجة عدد متضاعف من طالبي العمل مع وظائف محدودة، ومحدوديتها هذه ليست ناتجة عن فشل سياسات التوظيف بل هي منطقية للغاية كون الدولة لا تحتاج بحكم وظائفها الأساسية إلى هذا العدد، فالأدوار الجوهرية للدولة ذات طابع تنظيمي، ولا يراد بها أن تهمس بحضورها في أذن كل فرد، إذ أنها مؤسسة اجتماعية ذات طبيعة وظيفية، هذا هو تعريف الدولة الحديثة، لكننا والحال كذلك نعيش مراحل متأرجحة لفكرة الدولة بين الوظائفية والرعائية، والنتيجة عدد كبير من الموظفين ليست بحاجة إليهم بل للإجابة عن سؤال التمثيل الاجتماعي وليس وفقا لاقتصاد الوعي، والدولة وهي تفعل ذلك تترهل ومع مرور الوقت تصبح الوظيفة عبئًا اقتصاديًّا عليها بدلا عن أن تكون موردًا إنتاجيًّا. فرغم كثرة هذه الجامعات إلا أن استيعاب السوق لهذا العدد من الخريجين لا يمثل إلا نسبة ضئيلة جدا، وهنا يبدو أن للأزمة وجها آخر، وهو ما نراه خلطاً بين مفهومي (الوظيفة) و (كسب العيش)، فماذا نقصد؟ وهل يكمن حل مشكلة البطالة في إيجاد فلسفة جديدة حول فكرة العمل؟ وهل نحتاج إلى إزالة التمثيل الضدي للفردي والجماعي في سياق ظاهرتنا؟ لنبحث في إجابات هذه الأسئلة..
يشير تقرير المنتدى العربي للتنمية المستدامة (الإسكوا) 2023م إلى أن «المنطقة العربية تسجل أعلى معدل بطالة بين الشباب في العالم، ما يعادل نسبة 25%، مقابل 12% عالميًا.» وبحسب تصريح أمين عام اتحاد الجامعات العربية عمرو عزت سلامة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) في 2023م «فإن 28% من خريجي الجامعات في الدول العربية عاطلون عن العمل».. هذه الأرقام تعبير سطحي يتصل بموضوع متطلبات سوق العمل ونُظم التعليم، لكن الإشكال اجتماعي في أصله، فالوظيفة كآلية لمحاربة الفقر وتحقيق اقتصاد الكفاية، هي حل متواضع لمشكلة ينظر إليها من الزاوية المؤقتة، والدليل على تواضعها أنها لم تنتج حلولا (أزمة تشغيل الخريجين) فلم تنجح هذه الخطط الموضوعة لحل مشكلة المجتمع وتكتفي بتعظيم حجم دولاب الدولة فيتكدس هذا العدد الهائل من الخريجين قليلي الخبرة ومنبتِّي الصلة عن أصل الكسب بمعناه الواسع. والسبب هو الخلط الذي ساهمت السياسات الثقافية في تجذيره وعيا بالقوة في ذهن الخريج بأن له حقوقا غير قابلة للمساومة، وأن السبيل الوحيد لكسب عيشه أن يجد وظيفة في الدولة، وبدون ذلك فإنه صاحب مظلمة، والحقيقة أن موضوع تقييم العمل من زاوية طبائعه واحدة من متاعب التفكير في المجتمعات العربية، والدليل على تجذرها هو عدم القبول ببعض التخصصات ظنا أنها ستدفع صاحبها إلى العمل في مهن مثل «النجارة والحدادة والميكانيكا...» وهي مهن حاطَّة من قيمة الفرد في الوعي العام، وهنا تجليات الأزمة الكبرى، أن تمنح بعض الوظائف امتيازا عن الأخرى.
إن فكرة التمثيل الاجتماعي مشوشة في سياقنا العربي، والعجيب أننا ما زلنا نعتقد أن قيمة المرء ليس فيما يحسنه، بل فيما يمنح له، وهذا عين ما أشار إليه أمارتيا سِن بأن «الدخل والثروة مهمَّان، لكنَّ قيمتهما تكمن فيما يتيحهما للفرد من قدرة على تحقيق خيارات حياتية ذات معنى. وليست المسألة في مقدار ما تملكه، بل فيما يمكنك أن تكونه وأن تفعله بما تملكه» - سِن. (التنمية بوصفها حرية.1999م،ص14) وجوهر مقولة أمارتيا أن كسب العيش لا يعني الحصول على مورد مادي كالدخل مثلا، بل القدرة على الفعل؛ الفعل بما يحقق الكرامة، ولذا لا نفهم كيف تراجعت القطاعات الإنتاجية في المنطقة العربية مثل الزراعة أو الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالتعدين وصيد الأسماك وهي قطاعات ذات إنتاجية عالية في غالب الدول العربية، والسبب هو سياسات التوظيف كونها لم تشجع من هذه الأشغال وتركتها للوعي الجمعي الذي يراها ذات طبيعة متواضعة، ومكلفٌ هذا الأمر ليس فقط في عدم توسيع دوائر كسب العيش لدينا، بل فيما يستنزفه من خزائن الدولة بالصرف على الوظيفة العامة من مرتبات وبدلات وغيرها من حقوق العاملين ما يفوق قدراتها المالية.
إن المطلوب هو الارتفاع بقيمة العمل باعتباره جهدا لا موقعا يوفر تمثيلا اجتماعياً لصاحبه، وبطبيعة الحال ليس لمقال أن يناقش القضية من كل زواياها ويقترح حلولا لها، لكن الدعوة هي العمل على فك الارتباط بين مفهوم (الوظيفة) وأساليب (كسب العيش) وهذا ما سيعين ليس فقط صُنَّاع القرار على تحقيق العدالة الاجتماعية، بل سيجعل من الوظيفة العامة آخر خيارات الخريج في أي مجال تخصص فيه، إذ سيضرب في الأرض، ويطور من حصائله الدراسية لصالح كسب عيشه الخاص. هي دعوة لربط العمل بالجهد، ويالبلاغة شاعرنا الجاهلي لبيد بن ربيعة حين قال: «ولا بدّ دونَ الشهدِ من إبرِ النحلِ»..
غسان علي عثمان كاتب سوداني