المسافة بين امتثال الفعل والندم عليه مسافة قصيرة جدا، فلا يكاد أحدنا يعي ما أحدثه في نفسه في لحظة زمنية فارقة، ظانا منه أنه أصاب كبد الحقيقة، فإذا به يعود مسترجعا حجم الخطأ الذي ارتكبه، فيبقى الألم هو سيد الموقف، فماذا هو فاعل حينها، خاصة عندما يتعلق الأمر بآخرين من حوله؟ وما أكثر ما نرتكب من أخطاء في حق من حولنا، سواء أنزلناهم منزلة مباركة -بحكم الود الذي بيننا- أو سواء بحكم القاسم المشترك بيننا، وأكبر قاسم مشترك هو الإنسانية، حيث لا يمكن إنكاره كفاعل مشترك بين جميع البشر، نعم؛ قد تكون هناك قسوة في جانب من الممارسات اليومية، وقد يكون هناك تصالح في جانب آخر، وقد تكون هناك مقايضات متنوعة في جانب ثالث، ومع ذلك لا يمكن أن تفارق الإنسانية تموضعاتها في مختلف هذه التشابكات القائمة بين البشرية جمعاء، وفي خضم هذه التشابكات تتباين الأفعال والممارسات، ويحدث ما يحدث من أخطاء؛ بعضها خاضعة للحظة ضعف، وبعضها الآخر تحت بند «ما سبق الإصرار والترصد» وهذه الأخيرة أخطرها؛ لأنها موسومة بالضرر بالآخر، وهذه ما يصاحبها الندم أكثر.
والندم حالة إنسانية بامتياز، قد يتسطح تأثيره في لحظة غضب، أو لحظة زعل، أو لحظة جنون يفقد العقل اتزانه، ولكنه حاصل حاصل، فلسنا راضين عن كل تصرفاتنا، ونقر مع أنفسنا بكثير من لحظات الندم، والسبب في ذلك أننا عاقلون، ومفكرون، وإنسانيون، ومن خلال هذه المرجعيات الفطرية/ البشرية- خاصة- يحاصرنا الندم في كثير من تصرفاتنا، وهذا يدل على أنه ليس كل تصرفاتنا صحيحة، وليس كل انفعالاتنا مبررة، وليس كل ردات فعلنا واقعية، حيث تسود مجموعة من المبالغات المستفزة في هذه التصرفات، ومن هنا يُسْتَلُّ سيف الندم من غمده كلما جنح السلوك عن مساره الصحيح، حيث تعود النفس إلى حقيقتها الفطرية؛ متخلصة من كل تجاذباتها الخاصة التي تحفزها بصورة مستمرة على الاندفاع، وعلى الانفصال، وعلى الصدام، وردات الفعل هذه كلها من الفطرة البشرية، ولكن المعاب فيها هو تجاوزها لحدود أصحابها الخاصة، والدخول إلى مساحات الآخرين، حيث تحصل الأذية، والظلم، فيرتفع مستوى الندم، حيث يبدأ أحدنا في البحث عن ملطفاته هنا أو هناك، ولكم يسعدنا عندما نجد الطرف الآخر قد استطاع هضم ما عاناه منا في لحظة الضعف هذه، هاشا باشا، تتسابق على محياه معززات الود، والإخاء، والنبل والشهامة، على الرغم من قسوتنا عليه، عندها قد تتلاشى قسوة الندم قليلا، ولكن؛ ستظل آثارها تحفر في النفس، وتعلي سهم تأثيرها تحت مسمى «يقظة الضمير».
هناك علاقة عضوية بين الندم والغضب وكلاهما يضعاننا أمام امتحان لا هوادة فيه، ومعنى ذلك أن من يستطيع أن يخفف من فورة الغضب، يستطيع -في المقابل- أن يحد من قسوة الندم، والغضب كما يقال من الشيطان، بينما الندم من الإيمان، ولا يمتثل الندم إلا من كانت نفسه أقرب إلى الرضا، والتصالح والتسامح، فالأفعال الشيطانية لا تقترفها إلا الأنفس المتمردة على ذواتها الإنسانية، ولا تتصحر الأنفس إلا من توالي هذه الأفعال، ولذلك يأتي الندم كعملية تطهيرية لها، حيث تعيدها إلى فطرتها الموسومة بالرضا، وبالتسامي إلى أفعال الخير والصلاح، وهذا ليس بالأمر الهين، حيث يحتاج إلى كثير من السمو الخلقي، وإلى كثير من تجربة الحياة. فكبت النزعات الشريرة في الأنفس لا يروضها العقاب فقط، بل تحتاج إلى كثير من الندم، ولذلك فمن محددات التوبة «الندم على ما فات».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کثیر من
إقرأ أيضاً:
من الخلايا البشرية والخنازيز.. تطور مرعب عن أسنان حيوية
نجح فريق من العلماء في تطوير أسنان مهندسة بيولوجيًا باستخدام خلايا بشرية وخلايا خنازير، في تقدم قد يُحدث ثورة في مجال طب الأسنان.
تم اختبار هذه الطريقة على فكوك خنازير مصغرة، ويمكن أن تقدم حلاً مبتكرًا لملايين الأشخاص الذين يعانون من فقدان الأسنان، مع تجنب المشكلات الصحية المرتبطة بالغرسات المعدنية.
من المعروف أن الأسنان اللبنية تُستبدل بأسنان دائمة عندما تتساقط، ولكن عند فقدان الأسنان الدائمة، تكون الخيارات محدودة على الغرسات التيتانيومية أو ترك الفراغ فارغًا، أما الآن فقد نجح الباحثون في كلية طب الأسنان بجامعة تافتس في إنشاء أسنان مهندسة بيولوجيًا عن طريق دمج خلايا أسنان بشرية وخلايا أسنان خنازير، مما يوفر إمكانية استبدال الأسنان المفقودة بأنسجة حية بدلاً من التيتانيوم الاصطناعية.
ووفقا لنتائج الدراسة المنشورة في مجلة Stem Cells Translational Medicine، تم زرع أنسجة معدلة بيولوجيا في فكي الخنازير التجريبية وتطورت لتشكل هياكل تشبه الأسنان، وقال الباحثان ويبو تشانغ وباميلا يليك من جامعة تافتس: "إن القدرة على إنشاء أسنان وظيفية من الأنسجة الحية، مع خصائص مشابهة للأسنان الطبيعية، ستكون بمثابة تقدم كبير مقارنة بزراعة التيتانيوم المستخدمة حاليًا". وأضافوا: «ولتحقيق هذا الهدف، ركزنا جهودنا على تطوير حلول بيولوجية لاستبدال الأسنان».
وذكرت المجلة أن الباحثين استخرجوا في التجربة خلايا من مينا أسنان الخنازير وخلايا لب الأسنان البشرية، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الخلايا البشرية، ثم قاموا بزرعها على سقالة قابلة للتحلل مصنوعة من أسنان الخنازير، حسبما ذكرت المجلة.
تم اختيار خنازير يوكاتان بسبب التشابه في حجم وبنية فكوكها مع تلك الخاصة بالبشر.
بعد فترة النمو، لاحظ الباحثون تكوين الأنسجة السنية، بما في ذلك طبقات صلبة تشبه المينا والسمنتوم، مما يعزز الأمل في تطوير أسنان حية قابلة للاستخدام البشري في المستقبل.
المصدر: entrevue.