لجريدة عمان:
2025-02-05@12:41:27 GMT

القصيدة الحقيقية تكمن وراء المعنى

تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT

داخل كُلِّ شاعر عربي ثمَّة المتنبي

ثورة غزَّة أعادت فلسطين إلى مسارها الأوَّل

اخترتُ أن أكونَ مع الناس حُرًّا مُستقِلًّا بقصيدتي

الأدب ليس ردَّ فعل بل فعلٌ له قوانينُهُ الخاصة

"الثمانينيات" العصر الذهبي لثقافتنا المعاصرة

الحوار مع شاعر وزميل إعلامي يبدو مختلفاً عن كل الحوارات الثقافية التي أعتدت عليها، حيث يجب أن تضبط قوافي الأسئلة على بحور الإبداع المتلاطمة الأمواج.

والحديث مع الشاعر السوري عبد الله الحامدي الذي رحب بأن يكون ضيف صحيفة "عُمان" يأخذك إلى قلب الحركة الشعرية العربية وأسئلتها المعاصرة، وعلى الرَّغم من أنَّه مقلٌّ في عدد إصداراته وحواراته مقارنةً بتجربته الشعرية الممتدة إلى نحو أربعين عامًا، إلَّا أنَّه يحضر بين حين وآخر، في أوقات تبدو "مضبوطة تمامًا"، تاركًا أثراً لافتًاً وموقفاً مميزاً، ويتواجد شاعراً وأديباً في مختلف المنابر الإعلامية حيث تتلمس أثره هناك.

في هذا الحوار يكشف الحامدي عن رؤيته الحداثية المستمدة من التراث، مشيراً إلى المكانة الاستثنائية للشاعر المتنبي الذي لم يَسلمْ من تأثيره شاعرٌ بلغة الضاد، مؤكداً في الوقت نفسه أن حقبة الثمانينيات من القرن الماضي جسَّدت العصر الذهبي للثقافة العربية المعاصرة في كُلِّ المجالات، كما تطرَّق الحوار إلى العديد من القضايا ذات الصلة بتجربته، مثل استجابة الشاعر للأحداث الآنية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وانحسار الشعر وتصدُّر الرواية، وثيمة المكان التي تبدو أساسية في قصيدته.

يقيم الشاعر عبد الله الحامدي في دولة قطر منذ عقود، مُشرفًا على الصفحات الثقافية في عدد من صحفها اليومية، إضافةً إلى إسهاماته في تأسيس وإدارة ملاحق ومجلات ثقافية مرموقة مثل "أعناب" و"فنار"، فضلًا عن مؤلفاته المهمَّة في النقد التشكيلي، ومشاركاته في ندوات فكرية وورش فنية، عربية ودولية.

التقيته أثناء تواجدي في قطر، فكان الحوار التالي:

نبدأ من قصيدتك الأخيرة عن غزَّة، برأيك ما هو تأثير الكلمة في مواجهة المُعتدي، وكيف يُمكن للكلمة أن تكون مُؤثِّرة؟

سؤالٌ مهمٌّ جدًّا، بل هو السؤال الشعري الأهم: لماذا نكتب؟ صرتُ أطرحه على نفسي قبل الشروع بأي قصيدة، فما الجدوى من كتابتها إِنْ كانت لا تُؤثِّر؟ وأنا أعلم أنَّها لن تُؤثِّر في الواقع، لكنَّ سرَّ القصيدة ليس في تأثيرها المباشر؛ فالقصيدة الحقيقية تكمن وراء المعنى، بيد أنَّ الشاعر لا يستطيع الوصول إليها دون المرور بالمعنى وطريقة إبداعه، من هنا تأتي أهمية المعاني والألفاظ، أي الكلمات، وبالتالي اللغة والفكرة والموسيقى، وسلسلة هائلة من الخصائص الفنية والمعرفية والوجدانية والإنسانية التي لا بد من تَوفُّرِها في الشعر حتى يكون شعرًا، فإذا كانَ (فعل تام) فقد تحوَّلَ إلى أقوى أداةٍ للتغيير، لأنَّه يُغيِّر الإنسان نفسه، وإلَّا فلا! وعودة إلى سؤالك عن قصيدتي الأخيرة "كتابُ غزَّة وغلافُها" أقول: لو لم أكتبها لاختنقتُ ممَّا أراهُ – ونراهُ جميعًا – ونعيشهُ لحظيًّا من قتلٍ يوميٍّ عَمْدٍ للإنسان في هذه المدينة المفجوعة بلا أدنى حسابٍ لأيِّ قَدْرٍ من الأخلاق والمبادئ التي تعارفَ عليها البشر.

دور الأدب

والحال كذلك، هل قال الأدب العربي – بأجناسه المختلفة من شعر ورواية وقصة – كلمتَه، بما يوازي بطولات فلسطين وصمود أهلها، وما هو الدور المطلوب منه؟

أعتقد أنَّهُ سيقول كثيراً، وإنْ جاء ذلك لاحقاً، فالأدب ليس ردَّ فعل بل هو فعلٌ له قوانينُهُ الخاصة، والمعجزة الفلسطينية التي تحققَّتْ بصمود أهل هذه الأرض الحقيقيين، على الرَّغم من كلِّ ما جرى ويجري منذ عشرات السنين حتى الآن، لم تَعُدْ حكرًا على العرب فحسب، بل أصبحتْ أمثولة لكُلِّ الشعوب الحُرَّة الرافضة للذل واليأس والاستسلام للطغيان، وأحد أهم تجليات هذه المعجزة التظاهرات التي اندلعت في العواصم الأجنبية والجامعات العالمية، ثم موجة الاستقالات والاحتجاجات الصارخة لكثير من المسؤولين والنواب في العديد من بلدان العالم، والتي تُذكِّرنا بما حدث في التاريخ القريب مع حركات التحرُّر العربية والعالمية خلال حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، هذا النَفَسُ الحرُّ الأبيُّ، لا تَجِدُه إلَّا في الشعر، وعَبْرَ الشعر، الذي ينتفض حتَّى على ذاته، وهو ما عبَّر عنه الشاعر العربي الكبير نزار قباني بالقول: "عندما تبدأُ البنادقُ بالعزفِ / تموتُ القصائدُ العصماءُ"؛ لقد أثبتت الوقائع أن الحلول الافتراضية طوال ستة وسبعين عاماً من الاحتلال لم تفضِ إلَّا إلى مزيد من التعقيد السياسي والمعاناة اليومية للشعب الفلسطيني. ما حدثَ في غزة بكل اختصار هو حصارٌ خانق أدى إلى انفجارٍ مُتوقَّع، رُبَّما لم يتوقَّعْ الكيان الإسرائيلي حدوثه، وفق حسابات القوة لديه، لكن لأهل الأرض الحقيقيين حسابٌ آخر هو الثورة، سوف يُسجِّل التاريخ هذه اللحظة الفارقة بأنَّ ثورة غزَّة عام 2023 أعادت فلسطين إلى مسارها الأوَّل، بعد عقود من محاولات التزييف والتدليس لإضاعة الحق عبر توقيع الاتفاقات العابرة من فوق الطاولات ومن تحتها دون جدوى، وسوف يبقى الفلسطيني الثائر الحُرَّ – ومعه كلُّ العرب والمسلمين والأحرار في العالم – صاحبَ الكلمة الفصل في قضيته التي لن يتنازل عنها، وعن وطنه.

الفجيعة السورية

كتبت قصائد عن فجائع عديدة مرَّت بنا، لكن الفجيعة السورية كانت الأشدَّ إيلاماً في قصائدك، وأنت من هذه الأرض، كيف قاربتَ ما مرَّت بهِ البلاد على مدى عقدٍ ونيف شعريّاً؟

المفارقة أنني كنتُ قد أخذتُ قراراً شعريًّا قبل نشوب الحرب، فحواهُ التحرُّر من الموضوعات، أو ما كان النقاد والأساتذة في الجامعات يسمُّونه "الأغراض الشعرية"، وذلك من أجل كتابة قصيدة صافية وجديدة، يتقوَّى بها الموضوع وليس العكس، فكلُّ الموضوعات التي سادتْ في تلك المرحلة كانتْ قد تحوَّلتْ بمرور الزمن إلى قضايا مكرورة ومستعصية على الحلِّ، تنتقل من جيل إلى جيل تلقائيًّا، منذ نكبة فلسطين 1948، إلى النكسة العربية 1967، ثم الاجتياح الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية 1982، وكنَّا حينها طلبةً في المرحلة الإعدادية، إلى الأحداث التالية، ولكن لم أتخيَّل يومًا أنْ يصبحَ بلدي ذاتُه ساحةً مفتوحة لحرب أهلية طاحنة بدءًا من عام 2011، لقد بِتْنا بين عشية وضحاها ميدانًا لصراعٍ كَوْنِي بالوكالة عن كلِّ القوى العالمية والإقليمية على الأرض السورية، وعَبْرَ الإنسان السوري البسيط الذي وجد نفسه في لحظةٍ حالمةٍ بالحرية والكرامة والثورة المسالمة في جحيم حقيقية، لم يعهدْها ولم يعتدْها من قبل، وسطَ وحوش مُتعَدِّدة الأوجه والأهداف، فهل تتوقَّع من أي شاعر ينتمي إلى هذه الأرض الطيبة أنْ يتنكَّر لجُرحِها النازف تحت الذَّبح؟ أو هل سينجرُّ بعد معايشته عشرات السنين حُمَّى الشعارات الكذَّابة، أنْ يغدو بوقًا لهذه الجهة أو تلك؟! ببساطة اخترتُ أن أكونَ مع الناس، حُرًّا مُستقِلًّا بقصيدتي وموقفي، وفيًّا لكبرياء الشخصية السورية ونبلها منذ فجر التاريخ، وصولًا إلى اللحظة الراهنة، على الرَّغم من فداحة المأساة التي أسهمتِ الأطرافُ كافَّة في صناعتها.

فرادة الشعر

الشعر بنبرتِهِ الخِطابيَّة المعروفة كان مُحرِّكًا للشعوب فيما مضى، عبر المَنابِر التقليديَّة، هل تراجع هذا الدَّور أمام كثرة المنصَّات التي توفرها السوشيال ميديا، فأصبح الشعر "عاديّاً" نظراً للوفرة فيما يُكتب ويُنشر؟

وسائل التواصل الاجتماعي غيَّرتْ حياتَنا كلَّها، من نمطٍ إلى نمط، بصراحة هي لا تعجبُني إطلاقاً، وأكاد أكافحها يوميّاً من أجل تحاشِيْها من جهة، والاستفادة من توحُّشِها – إذا جاز التعبير – من جهة أخرى، إنَّها أحد المنجزات التكنولوجية الفذَّة لنظام العولمة وعصر ما بعد الحداثة؛ لا يستطيع حتَّى الشعر بما يمتلكه من فَرَادَة وخُصوصِيَّة في حدِّها الأعلى الفكاكَ من سطوتها على كُلِّ مفاصل الحياة، وهنا المشكلة، سِيولتُها وسُهولتُها في الاستخدام والوصول إلى درجة الابتذال الذي يُفقِد حتَّى الإبداعات العظيمة قيمتها لدى الجمهور، ولو أدركَ المتهافتون على قارعة الصفحات الزرقاء (الفيسبوك) وسواها ما يرتكبونه من فظائع بحقِّ الشعر، لكفُّوا وانصرفوا إلى ما هو أكثر نفعاً، بدلاً من إضاعة الوقت، وإضافة المزيد من الزبد إلى البحر.

ما بين ديوانك الأول "وردة الرمل" الصادر عام 1995، والثاني "نشرة غياب" الصادر عام 2005، والثالث "الرهوان" الذي صدر عام 2015 سنوات طويلة، أي بمعدل عشر سنوات لكل ديوان، هل تعمَّدتَ بأن تكون مُقِلًّا، أم أنَّ الأمرَ يتعلق بأوقات الوحي الشعري؟

أنا نفسي فوجئت بهذه الأوقات المضبوطة تماماً دون قصد، ومبعث استغرابي هو إيقاع الفوضى التي أملتْها قواعد الشعر وحساسيته العالية على جوانب عديدة من حياتي، وربُّما دفعتُ ثمناً لا بأس به جرَّاء ذلك في كثير من الأحيان، فتجدُني أُنشِدُ مع المتنبي: "وإذا كانتِ النفوسُ كِباراً / تَعِبتْ في مُرادِها الأجسامُ"، وبالمناسبة لدي قناعةٌ راسخة بأنَّ داخلَ كُلِّ شاعر عربي ثمَّة المتنبي؛ والسبب لغتُهُ التي اشتَّقها من روح اللغة العربية، والتي قبل أن تكونَ لغةَ اتصالٍ واستدلال هي لغةُ جمالٍ وجلال، أمَّا فيما يخصُّ قلة النشر فالأمرُ يتعلق بدقة الاختيار، حيث الشعر عمل نوعيٌّ وليس كميّاً، وهناك الكثير من القصائد التي كتبتُها وبقيت حبيسة الأدراج، ولم تتضمنها دواويني المطبوعة.

حداثة صارمة

تكتب الشعر، وتميل إلى الحداثة الصارمة بقيودها الشعرية، وليس المنفلتة من عقالها، كيف تتعاطى مع القصيدة، وكيف يكون المخاض والولادة؟

أشكرك على وصف الحداثة بالصرامة، فأنت ترفعُ عنها ذلك الحيفَ الهائل من تُهمة الهشاشة والتسيُّب والفوضى غير المفهومة بالنسبة إلى المُتلَقِّين أحيانًا، فالفوضى الحداثية تعني هدمَ النظام القديم من أجل إبداع شعري جديد يوازي البناء التراثي الضخم في تجارب إبداعية معاصرة، وليس تحطيم النماذج الخالدة في ذائقتنا العربية، وفق هذه الرؤية سوف نكتشف حداثة خلَّاقة وسبَّاقة في تراثنا الشعري العربي، وسوف تكون أكثر تطوُّراً من نصوص كثيرة تدَّعي الانتماء إلى الحداثة في عصرنا الحالي.

يكادُ الجدلُ لا ينتهي ما بين الشعراء العرب، فيما يتعلق بالشعر العَموديِّ والشعر الحُرِّ، ولكل منهما مريدُوه وقراؤُه، برأيك هل تراجع الأول لمصلحة الثاني لصعوبة قرضه، أم تسيد الثاني لسهولته وسرعة انتشاره، بما يُجاري الزمن وتسارعه؟

علينا أنْ نفصلَ بين طرفَي الفن والجمهور عند تقييم الشعر، فقد يسبق الفن عصره إبداعيّاً، وتُقدِّرُهُ الأجيال اللاحقة من الجمهور، كما حدث في العديد من التجارب الشعرية الرائدة، وقد تسقط الكثير من التجارب الرائجة في حقبة ما فور انقضائها، لأنها تفتقر إلى الإبداع الأصيل الذي يصمد بمرور الزمن، الشعر الجميل هو جميل دائماً، سواءً أكان حُرّاً أم عَموديّاً، أو موشَّحاً ثائراً على نظام البيت ذي الشطرَين، تمهيداً لمجيء قصيدة التفعلية، أو قصيدة النثر، وكلُّها أسماءٌ لذلك الكوكب البعيد المتلألئ في فضاء الشعور الإنساني العميق بألغاز الوجود.

ثيمة المكان

المكانُ ثيمةٌ أدبية ملازمة للشاعر، وقد وردت الأماكن في قصائد كثيرة لك، منها مسقط رأسك "عامودا" شرق سوريا، أي الأماكن أكثر إلهامًا بالنسبة إليك؟

عامودا حبيبتي ومدينتي وقصيدتي التي لا تفارقني، حتَّى أولئك الذين زاروها مرَّة واحدة تركتْ فيهم أثراً لا يُمحى غالباً، بعضُ مثقفيها أطلق عليها وصف "ماكوندو"، قرية العجائب للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في رائعته "مئة عام من العزلة"، ربما يحتاجُ الحديثُ عن عامودا لقاءً مستقلًّا ومطوَّلاً؛ هي ليست مدينة ولا قرية، وهي ليست كبيرة مثل لندن أو موسكو أو باريس التي سمَّاها الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي "الوليمة المتنقلة"، لكنَّها بسحرِها الغامض تجعلك تحبُّ كل المدن، من فرط أُلفَتِها وفائض محبَّتِها، وهكذا تعلَّقتُ بحلب ودمشق والدوحة وطنجة والقاهرة وماردين ومشهد ومومباي، ومدن أخرى كثيرة – على الرَّغم من مروري العابر بها – صارتْ جزءاً أصيلاً من نسيج تجربتي الشعرية.

بعد سطوة الرواية وشعبيَّتها، وتهافت الناشرين عليها، وربما القُرَّاء كذلك، برأيك هل ما يزال الشعر ديوان العرب؟

لن يفقد الشعر مكانته لدى العرب، لأنَّه مُتأصِّل فيهم، نحن نتحدَّث عن لحظة قصيرة في عُمْر الشعرية العربية، حتَّى لو طالتْ واختلفتِ المعطيات، أرى أن الشعر هو المادة الخام لكُلِّ الفنون الأخرى، من قصة ورواية وموسيقى ومسرح وسينما ورسم، قد توحي مفردة "الخام" بمعنى البدائية، فليَكُن، الشعر هو البداية في أرقى أشكالها وأكثرها خيالًا وجمالًا.

مهنة المتاعب

ليس الشعر وحده شغفك، بل الصحافة لها نصيبٌ وافر في مسيرتك الكتابية، ألا تخشى أحيانًا أن تتخلَّى القصيدة عنك لصالح مهنة المتاعب؟

لا، الحقيقة بقيتِ القصيدة وفيَّةً لي على الدَّوام، ممَّا زادَ من صعوبة مهنة المتاعب لديَّ وضاعفتها، يعلمُ زملائي المقرَّبون – وربَّما العديد من القرَّاء المُتابعين – ذلك، صحيح أن الصحافة استنزفتِ الكثير من الوقت والجهد والطاقة، لكنَّها في المقابل منحتني الكثير على صعيد العلاقة اليوميَّة بالجمهور، فيما ظلَّتِ القصيدة مستشارتي الأولى في ضبط تلك العلاقة من حيثُ اللغة أولاً وأخيراً، وهل يوجد أهم من اللغة في بلاط صاحبة الجلالة.

عملك في الصحافة الثقافية على مدار ثلاثة عقود تقريبًا قرَّبَك من العديد من التجارب الإبداعية العربية، كيف ترى المشهد الثقافي العربي الآن؟

يصعب تقييم المشهد الثقافي العربي الراهن، من قِبَلي أو حتَّى من قِبَل فِرَق مُتخصِّصَة بأكملها، لكنَّه سؤال مشروع ومطروح علينا جميعًا.

النقد التشكيلي

تهوى الفن التشكيلي، وتقرأُ الصورة بعين ثاقبة، وتكتبُ نقداً يوازي الشعر، وقد أصدرتَ عددًا من المؤلفات في هذا المجال، ما الذي أخذكَ إلى هناك، وما الذي استهواكَ فيه؟

كنتُ أرسم عندما كنتُ طفلًا، ثمَّة لوحاتٌ ما زالت تداعبُ مُخيِّلَتي حتى الآن، مثل قصائدَ تنتظرُ دورها في الهطول حينَ يتَّفقُ البرقُ مع الرَّعدِ في لحظة التوتُّر العالي إذا امتلأتِ السماءُ بالغيومِ المُعتمة وثمَّة عطرٌ من ألفِ عام وراء النافذة، الرسم مثل الكتابة ومثل الغناء، أشكالٌ متعدَّدة للتعبير عمَّا يحيط بنا ونحيط أنفسنا به، لعلَّ ما جعلني أتَّجه إلى النقد التشكيلي في بداية عملي بالصحافة، هو صداقتي مع فنانين مبدعين، بدءاً من أخي الأكبر الفنان فواز الحامدي، وصولاً إلى كبار الفنانين السوريين، ثم القطريين والعرب والأجانب لاحقًا، وما جعلني أنخرط نقديّاً بصورة أكبر هو التكليف الذي يردُني عادةً من جهات ثقافية وفنية مرموقة لإنجاز كتاب، فكانت الحصيلةُ المؤلفاتِ التي أشرتَ إليها.

بِمَن تأثَّرْتَ في بدايتك الشعرية؟

أعدُّ نفسي محظوظًا بولادتي في بيئة عائليَّة دينيَّة مثقَّفة، مهتمَّة بالأدب والفكر والفن، فكان تأثُّري الأوَّل بجدَّتي التي كانت تحفظُ الكثير من الأشعار، ولا أنسى ما كانت تُردِّدُه من قصائدَ وأبيات للإمام الشافعي، مثل هذا البيت السلسبيل: "دعِ الأيامَ تفعلُ ما تشاءُ / وطِبْ نفسًا إذا حكمَ القضاءُ"، ثم جاءت النقلة المهمَّة في بداياتي الشعرية عبر أستاذي الشاعر جميل داري الذي يَرجِعُ الفضل إليه في الأخذ بيدي وأيدي جيل من الشعراء الشباب في مدينتنا الصغيرة النائية نحو الحداثة الشعرية العربية وأبرز رموزها، فضلًا عن تدريسه الرائق للغة العربية وتراثنا الأدبي القديم، وكذلك اطلاعنا على الآداب العالمية المعاصرة في تلك المرحلة المبكرة من ثمانينيات القرن العشرين، والتي كانت العصر الذهبي للثقافة العربية المعاصرة على كُلِّ الأصعدة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العدید من الکثیر من على الر الذی ی

إقرأ أيضاً:

ما وراء زيارة نتنياهو إلى أمريكا؟.. خبراء يجيبون

تشهد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأمريكية تطورات لافتة، حيث قرر تمديدها حتى مساء السبت بدلًا من العودة يوم الخميس، وذلك وفقًا لما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية، التي أرجعت السبب إلى طلبات العديد من المسؤولين الأمريكيين لعقد اجتماعات إضافية.

وتأتي هذه الزيارة في توقيت بالغ الحساسية، حيث يلتقي نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليكون أول زعيم أجنبي يجتمع به بعد فوزه بولاية ثانية.

وتتصدر الملفات الساخنة أجندة المباحثات، وعلى رأسها الهدنة في قطاع غزة، والتطبيع مع الدول العربية، والملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى مخططات ضم الضفة الغربية، التي تسعى إسرائيل إلى فرضها كأمر واقع بدعم أمريكي.

 

تصريحات ترامب

 

أكد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن هناك إمكانية لإبرام صفقة والتوصل إلى اتفاق بشأن الوضع في غزة، مشددًا على أن الجميع في الشرق الأوسط يرغبون في تحقيق السلام وإنهاء العنف.

وأشار ترامب إلى أن مصر والأردن لم يوافقا على أي خطط لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، مؤكدًا أن القطاع بات غير صالح للحياة بسبب الدمار الذي حل به.

وفيما يتعلق بالملف الإيراني، شدد ترامب على ضرورة منع طهران من امتلاك سلاح نووي، مشيرًا إلى أن إيران لا تزال ضعيفة.

تصريحات نتنياهو 

 

أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال لقائه بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، دعمه لإطلاق سراح جميع المحتجزين وتحقيق أهداف الحرب في قطاع غزة.

وأعرب نتنياهو عن تقديره لجهود ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط في السعي لوقف إطلاق النار، مشددًا على استمرار العمل لإعادة كافة المحتجزين من غزة.

كما شدد على ضرورة استبعاد حركة "حماس" من أي خطط مستقبلية تتعلق بالقطاع، في ظل استمرار العمليات العسكرية والتوترات القائمة في المنطقة.

أهداف الزيارة

يرى محللون سياسيون أن زيارة نتنياهو إلى واشنطن تحمل أبعادًا استراتيجية خطيرة، خاصة فيما يتعلق بجهوده للحصول على اعتراف أمريكي بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، على غرار ما حدث في عام 2018 عندما اعترف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل.

وفي هذا السياق، يؤكد عمرو حسين، الكاتب والمحلل السياسي، أن هذه التحركات تأتي ضمن مخطط إسرائيلي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا.

وأضاف حسين في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن تصريحات ترامب بشأن "صغر مساحة إسرائيل" بمثابة ضوء أخضر لنتنياهو للمضي قدمًا في توسيع حدود إسرائيل، ليس فقط في الضفة الغربية، ولكن أيضًا في لبنان وسوريا.

كما لفت إلى أن هذه الرؤية تتماشى مع تصريحات بتسلئيل سموتريتش، التي تحدث فيها عن امتداد "محافظة القدس" حتى دمشق، ما يعكس نوايا اليمين الإسرائيلي لإنهاء حل الدولتين وتقويض أي فرص للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

اليمين الإسرائيلي وتعزيز مشروع "خطط الحسم"

من جانبه، يرى الدكتور حسين الديك، الخبير في الشؤون الأمريكية الإسرائيلية، أن حكومة نتنياهو الحالية تسعى، بالتنسيق مع اليمين الأمريكي، إلى فرض سيادتها على المستوطنات في الضفة الغربية، وخاصة المناطق المصنفة "C"، والتي تشكل نحو 62% من مساحة الضفة الغربية.

أضاف الديك في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن الكنيست الإسرائيلي بدأ في تمرير تشريعات جديدة تسهّل فرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات، وإلغاء القانون الأردني الذي كان معمولًا به هناك، بما يسمح للمستوطنين الإسرائيليين بالتملك في الضفة الغربية.

واختتم الخبير في الشؤون الأمريكية الإسرائيلية، أن هذه التحركات تعكس التحالف الوثيق بين اليمين الإسرائيلي واليمين الأمريكي، حيث يسعى نتنياهو من خلال هذه الزيارة إلى تأمين دعم إضافي لمشاريعه السياسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، التي قد تستخدم فيها إدارة ترامب هذا الملف لتعزيز موقفها بين الدوائر الداعمة لإسرائيل.

مخاطر إقليمية وموقف عربي مطلوب

ويرى محللون أن هذه التطورات تشكّل تهديدًا مباشرًا لحل الدولتين، وتفرض تحديات جديدة على الدول العربية والمجتمع الدولي، وفي هذا الإطار، شدد عمرو حسين على ضرورة وجود موقف عربي موحد وقوي لمواجهة هذه المخططات، مؤكدًا أن تصفية القضية الفلسطينية يجب أن تواجه بتضامن عربي واسع وإجراءات حاسمة لمنع تنفيذ هذا المشروع الإسرائيلي، الذي يهدد الاستقرار الإقليمي وفرص السلام العادل في المنطقة.

في النهاية مع تمديد زيارة نتنياهو إلى واشنطن، تتزايد التساؤلات حول ما قد تسفر عنه هذه الاجتماعات من قرارات قد تغير مسار الصراع في الشرق الأوسط. 
فبينما يسعى نتنياهو إلى تحقيق إنجازات سياسية تعزز موقفه الداخلي، تبدو القضية الفلسطينية أمام مفترق طرق خطير يتطلب تحركات دبلوماسية عاجلة للحيلولة دون تكريس واقع جديد على الأرض يخدم المصالح الإسرائيلية على حساب الحقوق الفلسطينية.

مقالات مشابهة

  • مقتل قادة الدعم السريع.. ما وراء العمليات المباغتة؟
  • ما وراء زيارة نتنياهو إلى أمريكا؟.. خبراء يجيبون
  • الخضيري: عصابة احتيال وراء إعلان علاج للسرطان .. صورة
  • دياكو إيلامي.. حين يتواءم الشعرُ والشاعر
  • الدفاع المدني السوري: مجزرة مروعة راح ضحيتها 14 امرأة ورجل واحد، وإصابة 15 امرأة بعضها بليغة ما يرشح عدد الوفيات للارتفاع، وجميعهم من عمال الزراعة، في حصيلة أولية لانفجار السيارة المفخخة بجانب السيارة التي كانت تقلّ العمال المزارعين، على أطراف مدينة منبج
  • سبب صادم وراء تشييع جنازتي حسن نصر الله وهاشم صفي الدين معا.. ماذا قال حزب الله؟ 
  • 5 أسباب وراء ثقة ترامب بإمكانية تهجير سكان غزة لمصر والأردن
  • جريمة فاريا... توقيف والدة المرتكب والفتاة التي كانت برفقته
  • السوداني: بغداد اليوم مثل ما كانت عبر محطاتها التأريخية
  • أمن الدولة ألقت القبض على من كانت برفقة صديقها الذي دهس الشاب في فاريا (صورة)