الأقصر"د.ب.ا": تدلنا المصادر التاريخية على أن المؤرخين واجهوا في أزمنة سابقة، صعوبات في التأريخ للحياة الإجتماعية في مصر القديمة، وأن الاستكشافات الأثرية المتوالية بمدن مصر التاريخية بوجه عام، وفي جبانة طيبة القديمة - عاصمة مصر القديمة على مدار قرون – بوجه خاص، وما سجّلته المعابد والمقابر من تفاصيل عن حياة قدماء المصريين وما عُثر عليه من أثاث وأدوات، وتلك الجداريات التى تُزين مقابر الملوك والنبلاء مثل مقابر وادي الملوك، ومقابر وادي الملكات، ومقابر الأشراف، ومقابر العمال التي نحتها المصري القديم في جبل القرنة غربي مدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر، سهّل على المؤرخين معرفة أولئك الناس الذين أسسوا أحد أقدم وأعرق الحضارات الإنسانية على الأرض، وما عرفه المصريون القدماء من نعيم وشقاء، إضافة إلى ما روته تلك النصوص التي وجدت مكتوبة على المئات من أوراق البردي وقطع الأوستراكا، حيث ساهم كل ذلك في معرفة الكثير عن الحياة الإجتماعية في مصر القديمة.

ويرى الآثاريون وعلماء المصريات، أن جبانة طيبة القديمة الواقعة في البر الغربي من مدينة الأقصر، والتي تضم مئات المقابر لملوك وملكات ونبلاء ونبيلات وفناني وعمال مصر القديمة، تُعد "مستودع أسرار الحياة اليومية لقدماء المصريين".

وفي الجزء السابع من "موسوعة مصر القديمة"، يرى عالم المصريات سليم حسن، أن أوراق البردي، والآلاف من قطع الأوستراكا، كشفت الغطاء إلى حد لا بأس به عن كثير مما كان يجري في قصور الفراعنة وأكواخ العامة في مصر القديمة، وأن جبانة طيبة لعبت دوراً مهما في الأوراق البردية التي كُشف عنها في عهد الأسرة العشرين، وهي الخاصة بأحوال معيشة الشعب، وعن سير الأعمال والمعتقدات الدينية والشعبية.

وبحسب كتاب "موسوعة مصر القديمة"، والكثير من مؤلفات علماء المصريات الأجانب والمصريين، فإن جبانة طيبة، التي عُرفت في النصوص المصرية باسم " الجبانة العظيمة النبيلة لملايين السنين للفرعون في غربي طيبة"، والذي جرى اختصاره ليكون "جبانة الفرعون"، نقلت لنا جوانب مهمة من الحياة اليومية للمصري القديم، حيث احتوت تلك الجبانة – التي تُعد اليوم من أهم المزارات السياحية المصرية – على قبور الملوك والعظماء الذين حكموا مصر قديماً، كما ضمت بين جنباتها سكن العمال والفنانين الذين عملوا في نحت مقابر ومعابد الملوك والنبلاء في تلك الجبانة التي كانت من بين مكونات العاصمة المصرية في طيبة القديمة (الأقصر حالياً).

ويقول الأثري المصري على رضا، مدير منطقة وادي الملوك الأثرية غربي الأقصر، إن ذلك المستودع الذي يحتوي على الكثير من أسرار الحياة اليومية لقدماء المصريين في جبانة طيبة القديمة، يتنوّع ما بين مقابر للملوك تقع فيما يعرف بـ "وادي الملوك"، ومقابر وادي الملكات الذي جاء ذكره في النصوص المصرية القديمة باسم "مثوى الجمال"، وكذلك مقابر وجهاء القوم الموزعة على مناطق عدة في الجبانة، حيث مثّلت نقوش ورسوم تلك المقابر بجانب المعابد المتاخمة لبعضها سجلاً ضخماَ وثّق لنا جوانب مهمة من الحياة اليومية لقدماء المصريين.

وفي كتاب "مقابر طيبة في العصر المتأخر"، لمؤلفه ديتلهم آيجنر، والذي ترجمه لنا حسن نصر الدين، - والصادر عن المركز القومي للترجمة في عام 2015 – نتعرف على أن جبانة طيبة اشتملت على عدة جبانات صغيرة، اعتبرت جميعها مستودعاً لأسرار الحياة اليومية في مصر القديمة.

وبحسب الكتاب، فإن سلسلة تلك الجبانات الصغيرة - التي كوّنت في مُجملها جبانة طيبة القديمة – تبدأ من جبانة ذراع أبوالنجا الواقعة في الشمال، والتي تمتد ما بين الطريق الصاعد إلى منطقة وادي الملوك، والطريق المؤدي إلى معبد الدير البحري (معبد الملكة حتشبسوت )، ثم جبانة العساسيف وتمتد قُرب معبد الدير البحرى، ثم جبانة علوة الخوخة وتقع إلى الجنوب الشرقي من العساسيف بالقرب من الحوزة السفلى لجبانة الشيخ عبد القرنة، ثم جبانة الشيخ عبد القرنة أو علوة الشيخ عبد القرنة، وتنقسم إلى الحوزة العليا والحوزة السفلى، ثم جبانة دير المدينة وتقع خلف جبانة تل قرنة مرعى، وهى فى أقصى الجنوب من جبانات الأشراف، وتعرف جبانة دير المدينة باسم "مكان الصدق"أو "المكان الحق".

وتحدثنا دراسة أكاديمية نوقشت بجامعة المنصورة، وأعدها الباحث المصري مصطفى محمود عبدالحميد الصاوي، وحملت عنوان "العمارة والفن في مقابر الأفراد بمقابر طيبة: دراسة مقارنة بين الأسرة الثامنة عشرة وعصر الرعامسة"، عن مقابر الأفراد في جبانة طيبة التي اعتبرتها الدراسة سجلاً تاريخياً حافلاً يروى تفاصيل كل مظاهر الرقى والتقدم التى وصل إليها قدماء المصريين.

واحتوت الدراسة على الكثير من التفاصيل التي تؤكد على أن جبانة طيبة القديمة هي مستودع لأسرار الحياة اليومية في مصر القديمة، وحصرت الدراسة ستة جبانات تتشكل منها الجبانة وهي: "الشيخ عبد القرنة- ذراع أبو النجا- دير المدينة –العساسيف- قرنة مرعى- الخوخة".

وبيّنت الدراسة أن جبانة طيبة القديمة، احتوت على 457 مقبرة معلومة التأريخ والموقع، و49 مقبرة غير محددة الموقع ويشار إاليها بأحرف، منها ما يؤرخ الى عهد ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وأخرى تؤرخ الى عهد الأسرة الثامنة عشرة بشكل عام، بجانب مقابر تشترك فى تأريخها مع الأسرة الثامنة عشرة، ومقابر تؤرخ لعهد الأسرة التاسعة عشرة، وعصر الرعامسة، وأنه كان يوضع مع كل ملك أو نبيل يُدفن بتلك المقابر ما يحتاجه في حياته اليومية، ويشمل الأسلحة والعربات والأوانى والثياب الموشاة والصناديق وغيرها من قطع الأثاث.

ووفقاً للمصادر التاريخية، فإنه منذ أن بدأ ملوك الأسرة الحادية عشرة يدفنون فراعينهم في غربي طيبة كانت تُكلف طائفة من الناس بحراسة هذه المدافن والسهر على العناية بها، وما تحتاج إليه من خدمات وفي عهد الأسرة السابعة عشرة توسعت الجبانة وأخذت تشغل مساحة عظيمة.

وتستقطب مقابر جبانة طيبة في كل يوم الآلآف من السياح الذين يفدون من أنحاء متفرقة من العالم، للتعرف على أسرار وتفاصيل الحياة اليومية لقدماء المصريين، والتي سجلتها تلك الجداريات والنقوش والرسوم التي تُزين جدران وأسقف المعابد والمقابر التي أقامها المصري القديم في تلك المنطقة، والتي تحتفظ بألوانها الزاهية حتى اليوم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی مصر القدیمة وادی الملوک عهد الأسرة التی ت

إقرأ أيضاً:

“ماتت وهي تتألم”.. كشف سر مومياء “المرأة الصارخة” في مصر

المناطق_متابعات

رجّح علماء آثار أن مومياء امرأة مصرية عثر عليها في رحلة استكشاف أثرية عام 1935 في الدير البحري بالقرب من مدينة الأقصر المصرية تبدو على وجهها علامات صراخ، “ماتت وهي تتألّم”.

وتوصل العلماء الآن إلى تفسير لمومياء “المرأة الصارخة” التي ماتت منذ نحو 3500 عام بعد استخدام الأشعة المقطعية لإجراء “تشريح افتراضي”. واتضح أنها عانت من نوع نادر من تصلب العضلات، يسمى تشنج الجثث ويحدث في لحظة الوفاة.

وقالت سحر سليم، الأكاديمية المتخصصة في علم الأشعة بجامعة القاهرة التي قادت الدراسة التي نُشرت، الجمعة، في دورية “فرونتيرز إن ميديسين”، إن الفحص يوضح أن المرأة كانت تبلغ من العمر نحو 48 عاما عند وفاتها، وكانت تعاني من التهاب خفيف في العمود الفقري وفقدت بعض أسنانها.

مكونات باهظة الثمن

كما أضافت سحر أن جسدها حظي بعملية حفظ جيدة أثناء تحنيطه منذ نحو 3500 عام خلال عصر المملكة الحديثة في مصر القديمة باستخدام مكونات مستوردة باهظة الثمن مثل زيت العرعر ومادة الراتنج، وفق ما نقلته “رويترز”.

وقالت سحر “في مصر القديمة كان المحنطون يهتمون بجثة الميت حتى تبدو جميلة في الحياة الآخرة، ولذا كانوا يحرصون على إغلاق فم الميت بربط الفك بالرأس لمنع سقوط الفك الطبيعي بعد الوفاة”.

كذلك، أضافت أن جودة مكونات التحنيط “تستبعد أن تكون عملية التحنيط قد تمت بإهمال وأن المحنطين أهملوا ببساطة إغلاق فمها. حنطوها في الواقع جيدا وأعطوها ملابس جنائزية باهظة الثمن تضمنت خاتمين باهظي الثمن مصنوعين من الذهب والفضة وشعر مستعار طويل مصنوع من ألياف النخيل”.

ومضت تقول “فتح هذا الطريق أمام تفسيرات أخرى للفم المفتوح على اتساعه، منها أن المرأة ماتت وهي تصرخ من الألم وأن عضلات وجهها تقلصت للحفاظ على هذا المظهر وقت الوفاة بسبب تشنج الجثة… التاريخ الحقيقي أو الظروف المحيطة بوفاة هذه المرأة غير معروفين، وبالتالي لا يمكن على وجه اليقين تحديد سبب شكل وجهها الصارخ”.

معاناة شديدة

وأضافت أن تشنج الجثة، وهو حالة غير مفهومة بشكل جيد، يحدث بعد معاناة جسدية أو عاطفية شديدة، حيث تصبح العضلات المتقلصة متيبسة بعد الوفاة مباشرة.

ومضت تقول “على عكس تيبس الجثة بعد الوفاة، لا يؤثر تشنج الجثث إلا على مجموعة واحدة من العضلات، وليس الجسم بأكمله”.

وحين سُئلت عن احتمال تحنيط المرأة وهي على قيد الحياة، قالت سحر “لا أعتقد أن هذا ممكن”.

ولم تستطع سحر تحديد سبب وفاة المرأة، قائلة “في كثير من الأحيان لا نستطيع تحديد سبب الوفاة في المومياء ما لم يكن هناك دليل من الأشعة المقطعية على إصابة قاتلة”.

من هي المرأة الصارخة؟

وعُثر على “المرأة الصارخة” في موقع مدينة طيبة القديمة أثناء حفر قبر مسؤول رفيع المستوى يدعى سنموت، المهندس المعماري والمشرف على الأعمال الملكية الذي يعتقد أنه كان حبيبا للملكة حتشبسوت التي حكمت مصر بين عامي 1479 و1458 قبل الميلاد.

وكانت المومياء داخل تابوت خشبي في حجرة دفن أسفل مقبرة عائلة سنموت. ولم يتم تحديد هويتها، لكن وضعها الاجتماعي والمالي يكشف عنه الخاتمان الذهبي والفضي بما يحليهما من جعرانين، مصنوعين من حجر اليشب. وكان الجعران رمزين للبعث.

وقالت سحر “من المرجح أنها كانت من أفراد العائلة المقربين نظرا لدفنها ومشاركتها في مثواهم الأبدي”.

وكشفت الدراسة عن تفاصيل شعرها المستعار حيث عولجت ضفائرها الملتفة بمعادن الكوارتز والمغنتيت والألبيت لإكسابها الصلابة ومنحها اللون الأسود الذي يدل على الشباب. وصُبغ شعرها الطبيعي بالحناء وزيت العرعر.

وتم العثور على عدد من المومياوات القديمة، في مصر والأميركيتين، اكتست وجوهها بتعبير يبدو أنه صراخ ويشبه بشكل غريب لوحة “الصرخة” للرسام النرويجي إدوارد مونش.

مقالات مشابهة

  • هدم مقابر وعقارات.. 25 صورة ترصد خريطة الإزالات الجارية في القاهرة
  • محافظ البحيرة تقرر غلق مستودع غاز بكوم حمادة..لهذا السبب
  • الكشف عن أسرار مومياء “المرأة الصارخة” التي حيّرت العلماء
  • تقنيات بسيطة وفعالة للتعامل مع التوتر والقلق في الحياة اليومية
  • وزير الخارجية: مؤتمر المصريين في الخارج أصبح احتفالا وطنيا تجتمع فيه الأسرة
  • حياة على القمر.. علماء يقترحون إنشاء عالم جديد نتيجة مخاطر التغير المناخي
  • علماء يتوصلون إلى تفسير لمومياء المرأة الصارخة
  • علماء يكشفون عن أسرار مومياء المرأة الصارخة المصرية.. فما هي؟
  • “ماتت وهي تتألم”.. كشف سر مومياء “المرأة الصارخة” في مصر
  • 6 نصائح لتجنب اللجوء إلى محكمة الأسرة.. تعرفى عليها