جنوب لبنان- لم تعد مهمة سائق الأجرة طارق إسماعيل الذي يسكن الضاحية الجنوبية في بيروت سهلة كما كانت في الماضي، فبعد التشويش على تطبيق "خرائط غوغل" باتت مهمته بنقل الركاب داخل المدينة وخارجها أكثر تعقيدًا وتستغرق وقتًا أطول.

ورغم معرفته بالطرق الرئيسية، يحتاج إسماعيل الاعتماد على الركاب لتوجيهه إلى العنوان المقصود بدقة، ويزداد الوضع تعقيدا عندما يكون الهدف هو الوصول إلى المناطق الجنوبية الحدودية، حيث تكثر المخاطر والتحديات.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول إسماعيل "اليوم أريد أن أوصل ركابًا من بيروت إلى منطقة مرجعيون، لكن خرائط غوغل تقدم لي معطيات خاطئة، تُقدر مدة الوصول في نصف ساعة والموقع في صيدا، بينما في الوضع الطبيعي يستغرق الوصول ساعتين تقريبًا".

قوات الاحتلال الإسرائيلي سبق أن أعلنت أن تل أبيب عطّلت نظام "جي بي إس" بشكل استباقي في لبنان (الجزيرة) تكنولوجيا التشويش

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تبعه من تصعيد عسكري على حدود لبنان الجنوبية، يعاني سكان العاصمة بيروت من تحديات متفاوتة في استخدام تطبيق "خرائط غوغل" (Google Maps) بسبب التأثيرات الناجمة عن تشويش إشارات نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" (GPS).

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت في بداية الحرب أن تل أبيب عطّلت نظام "جي بي إس" بشكل استباقي، وعزت ذلك إلى ما سمّته "متطلبات تشغيلية مختلفة".

ويشرح الخبير في الأمن السيبراني والتحول الرقمي رولاند أبي نجم للجزيرة نت، أن نظام تحديد المواقع العالمي هو تكنولوجيا مستخدمة في عدة تطبيقات مهمة مثل "خرائط غوغل"، حيث يعتمد على الأقمار الصناعية لتوفير معلومات دقيقة عن مواقع معينة، حيث من الضروري وجود 3 أقمار صناعية على الأقل في المكان المراد تحديد موقعه، وإذا توفر 4 أو 5 أقمار صناعية يكون مستوى الدقة أكبر.

وعن آلية التشويش الحالي يشير الخبير إلى أنه يتم عن طريق إرسال إشارات إلى الأقمار الصناعية، تؤثر في دقة الإشارات التي تصل منها، تكون نتيجتها تحديد مواقع غير دقيقة عند استخدام التطبيقات.

ويؤكد أبي نجم أن معظم التطبيقات التي تعتمد على نظام "جي بي إس" لتحديد الموقع، تكون عرضة للتأثيرات السلبية في حال التشويش، "كما حدث في لبنان مع بداية العدوان عندما تم استخدام التشويش على النظام لمنع استخدامه لأغراض عسكرية.

ويقول إن مخاطر التشويش تؤثر على جميع الأجهزة الإلكترونية وما يتعلق بها من جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك المطارات وحركة الطيران وخدمات تحديد المواقع عبر الهواتف وغيرها.

تعقيدات البديل

ويرى الخبير أبي نجم أن البديل لا يشكل حلا عمليًا وهو مكلف أيضًا، "فكما توجد أجهزة للتشويش هناك أيضًا أجهزة يمكنها كشف التشويش، ويمكن استخدام تقنيات متطورة أكثر لتقليل تأثير التشويش، ويمكننا استخدام التشفير لمنع تأثير تشويش أي جهة على النظام".

ويشير إلى أن هناك عدة عوامل يجب أخذها في الاعتبار عند التفكير بالاستغناء عن نظام "جي بي إس"، فمن الممكن الانتقال إلى نظام عالمي آخر مثل "غلوناس" الروسي، ولكن المشكلة تكمن في أنه غير مستخدم في كل من أميركا وأوروبا.

ويلفت الخبير إلى ضرورة تطابق النظام مع الأجهزة الإلكترونية، مع ملاحظة أن تكلفة شراء الأجهزة المتوافقة مع أنظمة جديدة تعد مرتفعة في حال اتخذ قرار بالتحول إليها، كما يجب مراعاة جانب الأمان عند الانتقال إلى أي نظام جديد.

بدأ الطيارون في الاعتماد على أجهزة الملاحة الأرضية كخيار أساسي بدل الاعتماد على نظام "جي بي إس" (الجزيرة) تشويش على الحياة

يعمل ياسر مقلد كعامل توصيل طلبات في بلدة عدشيت قضاء مرجعيون، حيث يعتمد بشكل كبير على "خرائط غوغل" للتوجه إلى وجهات التسليم، لكن معاناته تزداد يوما بعد يوم منذ بداية العدوان الإسرائيلي بسبب التشويش المستمر على هذه الخرائط، حيث يتلقى إحداثيات خاطئة تؤدي به إلى طرق مغلقة أو وجهات غير صحيحة.

يقول مقلد للجزيرة نت "إن هذا الأمر لا يعرقل عملي ويؤخرني فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى خسارة الزبائن، الذين هم أصلا ليسوا بالعدد الكثير، بسبب الأوضاع الصعبة وقصف الطرقات، فالطلبات قليلة والعمل تراجع".

ويستذكر ياسر أحد الأيام عندما اضطر إلى التوقف مرارًا للسؤال عن الطريق الصحيح، وهو ما أضاع عليه وقتًا وأثر سلبًا على عمله، فلم تعد شركة التوصيل تعتمد عليه بتنفيذ طلبات كثيرة، واكتفت بالطلبات داخل البلدة التي يمكنه الوصول إليها دون استخدام "خرائط غوغل"، فبات في معركة يومية للبقاء على الطريق الصحيح وخدمة زبائنه، والابتعاد عن المخاطر.

رفع لبنان شكوى إلى مجلس الأمن الدولي تندّد بتشويش إسرائيل على أنظمة الملاحة (الجزيرة)

كما يعاني لبنان أيضا من تأثير التشويش على الملاحة الجوية، حيث رفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي في 22 مارس/ آذار الماضي ندد فيها باعتداءات إسرائيل على السيادة اللبنانية، من خلال التشويش على أنظمة الملاحة وسلامة الطيران المدني في أجواء مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت منذ بداية الحرب على غزة.

ونتيجة لهذا التشويش المستمر، أصدرت المديرية العامة للطيران المدني تعميمًا في مارس/آذار الماضي شددت فيه على أهمية الاعتماد على التجهيزات الملاحية الأرضية بدلا من الاعتماد على إشارات "جي بي إس"، وهو ما صرح به سابقا المدير العام للطيران المدني فادي الحسن، حيث قال إن "هذه الخطوة تأتي لحفظ السلامة، في ظل التحديات التي يفرضها التشويش على الأنظمة الجوية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاعتماد على التشویش على خرائط غوغل جی بی إس

إقرأ أيضاً:

الطيران الإسرائيلي يحلق على علو منخفض خلال تشييع جنازة حسن نصر الله

خرق الطيران الإسرائيلي، الأحد، جدار الصوت على علو منخفض في سماء بيروت، تزامناً مع بدء حزب الله حفل تأبين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، الذي قاد حزب الله لمدة أسبوع بعد اغتيال نصر الله قبل أن تقتله إسرائيل أيضًا.

نشأة حسن نصر الله

وُلد حسن نصر الله في أغسطس 1960 في أحد الأحياء الفقيرة شرق بيروت، كان والده يملك محل بقالة صغيرًا، وكان نصرالله هو الابن الأكبر بين 9 أبناء.

عند اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية كان عمره 15 عامًا، في بداية الحرب، قرر والد حسن نصرالله مغادرة بيروت والعودة إلى قريته الأصلية في جنوب لبنان «البازورية» التي ينتمي سكانها إلى الطائفة الشيعية مثل العديد من القرى في مدينة صور في محافظة الجنوب، وهناك تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي.

وانضم حسن نصر الله في سن الـ 15 إلى أهم مجموعة سياسية عسكرية شيعية لبنانية في ذلك الوقت إلى «حركة أمل»، وهي جماعة مؤثرة وناشطة أسسها موسى الصدر، ورغم أن «نصرالله» درس في النجف بالعراق لمدة عامين فقط ثم اضطر إلى مغادرتها، إلا أن وجوده في النجف كان له تأثير عميق على حياته، حيث التقى في النجف برجل دين آخر يُدعى عباس الموسوي والذي كان يكبر حسن نصر الله بـ8 سنوات، وسرعان ما أصبح مدرسًا صارمًا ومرشدًا مؤثرًا في حياة نصرالله، وبعد عودتهما إلى لبنان، انضم الاثنان إلى القتال في الحرب الأهلية.

كان «الموسوي» يُعتبر أحد طلاب موسى الصدر في لبنان، وتأثر بقوة بالأفكار السياسية لروح الله الخميني الذي سيصبح المرشد الأعلى للثورة الإيرانية فيما بعد.

تأسيس حزب الله

قرر قادة الحرس الثوري الإسلامي في إيران الذين كانوا يمتلكون خبرة في الحروب التقليدية، إنشاء مجموعة في لبنان تتبع بالكامل لإيران، واختاروا الاسم الذي كانوا معروفين به في إيران ليكون اسم هذه المجموعة «حزب الله».

وفي عام 1985، أعلن حزب الله رسميًا عن تأسيسه، انضم حسن نصرالله وعباس الموسوي، مع بعض الأعضاء الآخرين في حركة أمل، إلى هذه المجموعة التي تم إنشاؤها حديثًا.

عندما انضم نصرالله إلى جماعة حزب الله، كان عمره 22 عامًا فقط وبمعايير رجال الدين الشيعة، كان يُعتبر مبتدئًا، وكان يقودها شخصية أخرى تُدعى صبحي الطفيلي، وسرعان ما تركت بصمتها من خلال تنفيذ أعمال مسلحة ضد القوات الأمريكية في لبنان.

التواصل مع إيران

في منتصف الثمانينيات، ومع تعمق علاقة نصرالله مع إيران، قرر الانتقال إلى مدينة قم لمواصلة دراسته الدينية، وخلال فترة وجوده في الحوزة العلمية في قم، أصبح نصرالله متمكنًا من اللغة الفارسية وأقام علاقات صداقة وثيقة مع العديد من النخب السياسية والعسكرية في إيران.

عندما عاد إلى لبنان، نشأ خلاف كبير بينه وبين عباس الموسوى، في ذلك الوقت، كان الموسوي يدعم زيادة النشاط السوري والنفوذ في لبنان تحت قيادة حافظ الأسد، في حين أصر نصرالله على أن تركز الجماعة على الهجمات ضد الجنود الأمريكيين والإسرائيليين.

موقفه تجاه إسرائيل

وجد نصرالله نفسه في الأقلية داخل حزب الله، وبعد ذلك بوقت قصير، تم تعيينه «ممثلًا لحزب الله في إيران»، أعادته هذه الوظيفة إلى إيران وأبعدته في الوقت نفسه عن الساحة اللبنانية.

تصاعد التوتر بين الحزب وإيران، إلى درجة أنه في عام 1991 تم عزل صبحي الطفيلي من منصب الأمين العام لحزب الله بسبب معارضته لارتباط الجماعة بإيران، وتم تعيين عباس الموسوي بدلًا منه.

بعد عزل الطفيلي، عاد حسن نصرالله إلى بلاده، بعدما بدت مواقفه حول دور سوريا في لبنان قد تعدلت، وأصبح فعليًا الرجل الثاني في جماعة حزب الله.

توليه قيادة حزب الله

اغتيل عباس الموسوي على يد عملاء إسرائيليين (الموساد) بعد أقل من عام من انتخابه أمينًا عامًا لحزب الله، وفي العام نفسه 1992، انتقلت قيادة الجماعة إلى حسن نصرالله في ذلك الوقت والذي كان يبلغ وقتها 32 عاما.

اقرأ أيضاًحزب الله يستعد لإقامة جنازة حسن نصر الله بالضاحية الجنوبية لبيروت الأحد المقبل

حزب الله يعلن اغتيال مسؤول قطاع البقاع الغربي

قبل انتهاء مدة الهدنة.. «حزب الله» يطالب بانسحاب المحتل الإسرائيلي من لبنان

مقالات مشابهة

  • الطيران الإسرائيلي يحلق على علو منخفض خلال تشييع جنازة حسن نصر الله
  • علّان .. هذا سبب إدراج الذهب عيار 14 ضمن نشرة التسعيرة اليومية
  • بالفيديو.. آلاف اللبنانيين يحتشدون لتشييع «حسن نصرالله» و«هاشم صفي الدين»
  • مصدر ديبلوماسي يقرأ في السياسة الأميركية تجاه لبنان: مقاربة الاحتواء المشروط
  • عون: لا استقرار بجنوب لبنان من دون الانسحاب الإسرائيلي
  • رسالة تصل إلى اللبنانيين.. تهديد قبل التشييع!
  • طريقة تحديد موعد ظهور هلال رمضان 2025 وفق الحسابات الفلكية (خرائط)
  • عاجل| إذاعة الجيش الإسرائيلي عن الصليب الأحمر: سلمنا جثمانا إلى إسرائيل ولا نستطيع تحديد هويته
  • غوغل تكشف في يومين لغزاً عن الجراثيم استغرق سنوات
  • تفاقم معاناة اللبنانيين العائدين إلى الجنوب بسبب بطء الإعمار