بوابة الوفد:
2024-12-22@08:08:38 GMT

بطولات الكادحين على أرصفة »لقمة العيش«

تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT

تحت لهيب الشمس صامدون، ساعات طويلة يقضونها على الأرصفة، يجوبون الشوارع بحثًا عن الرزق، بطولات خاصة يحققونها يوميًا ويعودون فائزين بـ«لقمة العيش» التى بالكاد تسد رمقهم وحاجة أسرهم، ومع ذلك فهم راضون قانعون، حتى أصبحوا نماذج مضيئة فى حياتنا. 
«الوفد» تنقل صوراً حية لـ«الشقيانين» فى عز حر الصيف، الذين يعملون تحت لهيب الشمس الحارقة، استمعنا منهم لقصص من واقع الحياة المريرة، حكايات سردتها قلوب يسكنها الإيمان بـ«لا يضيع الله أجر من أحسن عملاً».


منهم رجال تجاوزوا الخمسين إلا أنهم ما زالوا يحاربون معركتهم مع الحياة، ظروف الحياة لم تمنحهم رفاهية العيش فى راحة، يعملون فى ظروف يعجز الكثير من الشباب عن تحمّلها، مؤكدين أنهم ما زالوا قادرين على التحدى.
عايش مسعود.. 6 ساعات فى انتظار عمل لا يأتى
الساعة تشير إلى الثانية بعد الظهر، أشعة الشمس حارقة، الجميع يسرعون هربًا من لهيب الحر إلى منازلهم، بينما يجلس هو على الرصيف وأمامه عدته منتظراً أن يطلبه أحد فى عمل. 
فى منطقة رمسيس جلس صاحب لـ48 عامًا منتظراً، يومه يبدأ من السابعة صباحًا، ومع ذلك فقد انتصف النهار دون أن يأتيه عمل، شعر بالتعب وأجبره الحر على أخذ غفوة قليلة، انتزعته منها أبواق السيارات المتسارعة فى الشارع الواسع، استيقظ العامل البسيط منتظراً أن يأتيه الفرج.
اقتربنا من «عايش» شيئًا فشيئًا، وجه شاحب تركت سنوات الشقاء ملامحها على عينيه وجسده المنهك، بشرة سمراء أحرقتها نيران الشقاء تحت أشعة الشمس. 
عايش مسعود، الرجل الصعيدى الذى جاء من محافظة قنا للعمل فى القاهرة، يقطن فى منطقة المرج برفقة عدد من العمال الآخرين «بلدياته». 
بلهجة صعيدية قال إنه جاء للقاهرة للعمل منذ سنوات طويلة، واستطاع أن يزوج ابنه واثنين من بناته، وتابع: «فاضل البنت الصغيرة تتجوز ويبقى كده أديت رسالتى معاهم». 


«ربنا مش بيضيع تعب حد وبروح مجبور الخاطر».. يستكمل «مسعود» حديثه ويقول إنه يظل لساعات طويلة فى الشارع حتى يحترق جسده من نار الشمس، وقبل الغروب يعود مجبوراً لمنزله، مضيفاً: «ربنا ما بينساش حد». 
ما بين 100 جنيه إلى 150 جنيهاً يومية العامل الشقيان، سواء فى تكسير حوائط أو حمل الرمل، وغيرها من الأعمال التى تحتاج لعضلات، وقال: «ربنا بيدينى الصحة على قد الشقى.. ساعات بقول مش هقدر أكمل اليوم وبلاقى نفسى خلصت الشغل بدرى». 
يصمت الرجل الأربعينى قليلاً ويعود حديثه بنبرة حزينة، قائلاً: «تسوى إيه لما تبقى منتظر 6 ساعات فى الشمس النار وتقول يارب أجبر بخاطرى علشان عيالى وتلاقى حد مد ليك 200 جنيه ويقلك ربنا معاك». 
يشير العامل إلى أنّ هناك الكثير من أصحاب القلوب الرحيمة، حينما يجدونه بهذا المنظر التعيس على الرصيف فى انتظار عمل، يجىء له أحد ليعطيه مبلغاً من المال ويعود سعيدًا لمنزله ويتابع: «فرحة الدنيا كلها لما بكسب صحتى اليوم ده وببعت الفلوس على طول لعيالى وبقضى اليوم معاهم فى التليفون». 
«طبعاً مش بقدر أتكلم معاهم زى الأول طول ما أنا فى غربة عنهم».. يستكمل العامل حديثه ويقول إن اليوم الذى يعطف عليه أحدًا بالمال يكون اليوم من حق أبنائه، إلا أنه فى باقى الأيام يعود منهكًا فلا يستطيع الحديث ويعود للنوم فقط. 
بائع الملوخية.. أشغال شاقة على رصيف التوفيقية. 


على بعد خطوات من مترو جمال عبدالناصر، يجلس صبرى عمار، بائع الملوخية، الذى يقطن فى منطقة العشرين «فيصل»، جاء مع أسرته منذ عام 2008 إلى القاهرة بعد بيع ميراثه فى الأقصر. 
«أنت على طول بتكون هنا يا عم صبرى؟».. يرد صاحب الخمسين عامًا قائلاً، إنه يتجول فى مناطق متعددة ما بين أسواق وسط القاهرة وأسواق المناطق الشعبية.
200 جنيه هى مكسب عم صبرى، الذى يظل على الرصيف قرابة 10 ساعات حتى يستطيع أن يسد احتياجاته، ويقول: «ربنا مش بيضيع تعب حد والحر ده ثواب لما أشتغل فيه». 
يشير بائع الملوخية إلى أنّ هناك الكثير من الشباب لا يستطيعون قضاء ساعة واحدة عمل وانتظار للرزق تحت لهيب الشمس بهذه الطريقة، وتابع: «كتير من شباب اليومين دول عايزين يقبضوا على مكاتب فى التكييف». 
الرجل الخمسينى يهاجم الكثير من سلوكيات الشباب، ويقول إنّ الحياة لا تحتاج الرجل الكسول، والوظيفة الحكومية، وميرضاش يقف ساعة واحدة فى الحر علشان لقمة العيش. 
حالة الانفعال التى تحدث بها الرجل الخمسينى دعانا نسأله عن أحوال أبناؤه معه، ليرد قائلاً: «طالع عينى على شاب عنده 20 سنة عديم المسؤولية.. وبتخانق معاه علشان ينزل الشغل وعايز ينقى الوظيفة». 
«يا حاج مهى العيشة صعبة برضو على الشباب واليأس والاكتئاب ساكن قلوبهم».. نحاول قليلاً أن نعيد الحديث مع بائع الملوخية الذى توقف عن الحديث، اعتراضًا منه على حياة «شباب اليومين دول» على حد وصفه، ليعود قائلاً: «ما تظلمش الكل فيه شباب شقيانة برضو وتعبانين وبيبنوا نفسهم». 
بنبرة حديث مزيج بين الخوف والغضب، يقول بائع الملوخية، إن ابنه يحلم أن يلتحق بكلية السياسة والاقتصاد، للعمل فى السلك الدبلوماسى، وكثيرًا ما يضغط عليه نفسيًا بسبب طبيعة عمله كـ«بائع ملوخية»، الأمر الذى أثار سؤالاً، كيف يعمل فى السلك الدبلوماسى، شاب من أسرة بسيطة لأب بائع ملوخية، ليرد صاحب الخمسين عامًا قائلاً، إنه من عائلة كبيرة فى الصعيد وغنية جدًا، وكثير من أفراد العائلة تم توظيفهم فى مراكز مرموقة ولكن هو رفض العيش معهم بسبب فقره، وتابع: «أنا الفرع الفقير اللى فى العيلة ومش هقدر أعيش وسطهم وعيالى يكبروا ويقارنوا نفسهم بغيرهم». 
سنية عبدالعال.. نار المسئولية أقوى من حر الصيف
12 عامًا من الشقاء على أرصفة منطقة المطرية، تجوب الشوارع من السابعة صباحًا حتى الثامنة مساءً، رغم تجاوز عمرها الـ45 عامًا فقد أجبرتها الحياة على مواصلة رسالتها مع أبنائها الـ3، بعد وفاة زوجها فى حادث سيارة. 
سنية عبدالعال، دائمًا ما تجدها تجلس وبجوارها ابنها الصغير حسام، تضع على رأسها قماشًا مبللاً حتى تقاوم ألسنة نيران الشمس الحارقة، وفى يديها شمسية تحاول أن تحمى بها ابنها الصغير حتى لا يتعرض لضربات الشمس. 
ما إن اقتربنا منها حتى استقبلتنا بوجهها البشوش، وقالت «أؤمر يا بيه بخور ولا توكة للبنات؟»، وجه شاحب وأيدٍ متشققة من كثرة العمل لسنوات طويلة تركت فيها أنوثتها وأرتدت ثوب الرجال حتى تستطيع مواجهة أهوال الحياة. 
بسؤالها عن تفاصيل يومها وكيف لها أن تتصدى لأشعة النار الحارقة، ردت قائلة: «النار اللى جوايا أقوى من نار الشمس.. ونار المسؤولية مش بتخلينى أحس بالحرارة». 
حالة من القلق تعيش فيها السيدة بحسب ما سردته لنا بسبب المصروفات الدراسية لأبنائها الاثنين فى المرحلة الإعدادية، وقالت: «تعبت ومش قادرة أتحمل لوحدى ومحتاجة السند.. المصاريف تقلت عليا أوى وخايفة من الإحساس بالذنب لو خليتهم يتركوا المدرسة». 
بحسب حديث السيدة يقوم أبنائها بمعاونتها فى فترة الإجازة بالعمل وتقديم المال، وأيام الدراسة يعملون ليلاً، حتى يستطيعوا مواصلة الحياة.
بائعة الخضراوات.. الحياة صعبة والموت أهون من السؤال 
كُلما تجولت فى شوارع المحروسة، تجد ألوانا من المتناقضات شابًا عشرينى يسير بسيارته الفارهة، يرفض عشرات الوظائف حفاظا على «برستيجه» الاجتماعى، رغم تخرجه منذ سنوات يعيش مع والده الذى يتكفل به، حتى الزواج، فيما تجد آخرون رغم تجاوز أعمارهم الـ50 عامًا ما زالوا يواصلون الشقاء مع الحياة، من هؤلاء امرأة عجوز تجلس قرابة 10 ساعات على الرصف لتعود إلى منزلها بعد غروب الشمس ببعض الجنيهات التى تمكنها من شراء متطلباتها بعيدًا عن سؤال الغير وطلب المساعدة.
جسد نحيل وجلباب فضفاض وملامح ترسمها سنوات الشقاء الـ55 بالتجاعيد، إلا أنّ ابتسامتها ما زالت تملأ وجهها، تقول فوزية خلف الله، إنها ترفض الاعتماد على ابنها الوحيد الذى يعيش مع زوجته وأطفاله، وفضلت استكمال مشوار حياتها ببيع الخضراوات، حتى لا تكون عبئاً عليه وهى تعلم مدى معاناته لتوفير لقمة العيش لأسرته المكونة من 4 أبناء فى مراحل تعليمية مختلفة. 
تقطن السيدة العجوز فى منطقة السبتية وتأتى للعتبة من الساعة السابعة صباحًا لتبدأ يومها الشاق تحت أشعة الشمس الحارقة، وقالت: «جايبة معايا مية ساقعة وبحط فيها القماشة وأضعها على رأسى حتى تهون حرارة الشمس ومرارة الأيام.
تستكمل بائعة الخضراوات حديثها قائلة: إنها لا تستطيع العيش بمفردها داخل شقتها بالبدروم، وتواصل العمل حتى يعلم الجميع أحوالها وقالت بصوت حزين: «على الأقل لو مت الناس تعرف وتشوفنى فى الشارع ببقى مرعوبة لما ببقى لوحدى فى البيت».
وبسؤالها عن ابنها الوحيد هل يسأل عنها ردت قائلة، إنه يعيش فى المرج الجديدة، ومصاعب الحياة أخذته ولا يراها لأيام طويلة، وتابعت: «ساعات بتحايل عليه علشان يجيلى يوم ويقضيه معايا». 
«بيتابع معايا بالتليفون.. وده كفاية عليا مش عايزة حاجة تانية».. تستكمل السيدة العجوزة حديثها، وتقول إن الحياة أصبحت شاقة مقارنة بالسنوات الماضية، فمكسبها فى اليوم لا يتجاوز 150 جنيهًا ولا تستطيع أن تأكل سوى عيش وجبنة وأحياناً البيض، وتظل لأسابيع طويلة لا تتناول اللحمة حتى تستطيع أن توفر بعض المال حتى تجد ما يكفيها فى حالة المرض، وتابعت: «أنا عندى أجوع ولا أقول لحد عايزه فلوس علشان أجيب علاج.. هكفى نفسى.. بس الجو بقى نار والموجة الحارة بتخلينى أروح بدرى مش بقدر أكمل يومى».

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: لقمة العيش الرزق حر الصيف الحياة لقمة العیش الکثیر من فى منطقة

إقرأ أيضاً:

«إكسترا نيوز» تبرز تبرز تقرير «الوطن» اليوم.. «إعلان القاهرة» لقمة الدول الثماني النامية

سلط برنامج «الصحافة» الذي تقدمه الإعلامية مريم حسن على قناة إكسترا نيوز، الضوء على أهم الموضوعات الصادرة في عدد اليوم من جريدة «الوطن»، ومنها «سياسيون: «إعلان القاهرة» لقمة الدول الثماني النامية يرسم خارطة للتنمية.. وفرصة ذهبية لتأكيد ريادة مصر الإقليمية»، و«وسائل الإعلام العالمية ترصد أصداء القمة.. وإشادة بجهود الدول الأعضاء في دعم «غزة» ومساندة سوريا».

وعلق الكاتب الصحفي، زكي القاضي، على موضوع «إعلان القاهرة» لقمة الدول الثماني النامية، التي تُعد بمثابة خارطة طريق للتنمية الإقليمية، مؤكدًا أنها تمثل فرصة ذهبية لتأكيد ريادة مصر الإقليمية في مختلف المجالات.

وأوضح أن الواقع الإقليمي الراهن يفرض على الدولة المصرية إعادة صياغة ملفاتها الخارجية بما يتماشى مع أهدافها الاستراتيجية، ويحقق تطلعات الشعب المصري في تعزيز التعاون والتنمية مع الدول العربية الشقيقة.

 مصر قدمت العديد من المبادرات المبتكرة

ولفت إلى أن مصر قدمت العديد من المبادرات المبتكرة في هذا السياق، مشيرًا إلى أهمية مشاركة مختلف الأطراف، مثل المصنعين ورواد الأعمال، في تطوير آليات تفاعلية تساهم في تحقيق النمو المشترك، متابعًا أن كل دولة من الدول الثماني النامية تتمتع بتخصصات فريدة في مجالات مثل الأمن الغذائي والصناعة، ما يُسهم في تعزيز التعاون بين هذه الدول.

القمة ستفتح آفاقًا واسعة للمستثمرين

وأشار إلى أن القمة ستفتح آفاقًا واسعة لرجال الأعمال والمستثمرين، حيث ستحقق لهم تسهيلات كبيرة لاستثماراتهم في مختلف القطاعات، فضلا عن أنها تشكل فرصة كبيرة لرجال الأعمال المصريين للنظر إلى الفرص المتاحة في الدول النامية بنظرة موضوعية ومدروسة، بهدف الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية لهذه الدول وتعزيز التعاون المشترك.

مقالات مشابهة

  • حلوى دمشق تصبح ”حلوى أردوغان“!
  • هيئة الأرصاد: الليلة هي الأطول في العام
  • «إكسترا نيوز» تبرز تبرز تقرير «الوطن» اليوم.. «إعلان القاهرة» لقمة الدول الثماني النامية
  • فلكيًا.. اليوم بداية فصل الشتاء فى مصر
  • أقصر نهار في السنة.. غدًا بداية فصل الشتاء رسميًا
  • غدا السبت أقصر نهار في السنة وبدء فصل الشتاء.. النهار 10 ساعات فقط
  • غدًا أقصر نهار في السنة.. تعرف على عدد ساعات سطوع الشمس
  • لنا أوطاننا ولكم أرصفة الغرب
  • الآلاف من أهالي الرجدية بطنطا يودعون شهداء لقمة العيش.. القصة الكاملة
  • رحلة كفاح 4 شباب.. جاءوا من الغربية بحثا عن لقمة العيش وانتهت حياتهم في بيارة صرف بالمنوفية