التهريب الحلال.. غزيون يبتكرون فرصا للحياة والعمل
تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT
غزة– بفرح شديد تلقى "أبو هاني" خبرا بأن البضائع في محله التجاري بمدينة غزة سليمة ولم ينل منها تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي أو أيدي اللصوص والعابثين، وقد قرر نقلها على دفعات إلى جنوب القطاع حيث ينزح مع أسرته منذ بضعة شهور.
كيف ستنقلها؟ سألت الجزيرة نت أبو هاني، وهو اسم مستعار لدواعٍ أمنية. قال "بالتهريب طبعا" واستدرك سريعاً "إنه تهريب حلال، هذه بضاعتي، ونحن نعيش أوضاعاً معيشية مريرة هنا في خان يونس، وقد افتتحتُ وأسرتي بسطة صغيرة لنعتاش منها".
ينحدر أبو هاني من بلدة بيت حانون شمال القطاع المحاصر، ونزح مع أسرته (7 أفراد) مراراً منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، ويقيم حالياً في مدرسة حكومية بمدينة خان يونس لجأ إليها وأسرته إثر نزوحهم الأخير من مدينة رفح المجاورة على وقع عملية عسكرية إسرائيلية برية بدأت في 6 مايو/أيار الماضي.
نزوح متكرر في قطاع غزة (الفرنسية) جهود مضنيةعلى مقربة من المدرسة في شارع البحر الرئيسي والمدمر وسط مدينة خان يونس، أقام أبو هاني بسطة صغيرة لبيع أدوات النظافة الشخصية ومستحضرات التجميل ومستلزمات نسائية أخرى، ويتعاون مع زوجته وبناته في إدارتها منذ ساعات الصباح الباكر وحتى ما بعد مغيب الشمس.
وكانت هذه الأسرة تمتلك محلاً تجارياً في حي الرمال الراقي الشهير غربي مدينة غزة، والذي تعرض لتدمير هائل منذ الأيام الأولى للحرب، لكن أبو هاني كان محظوظاً لأن الأضرار التي لحقت بالمبنى الذي يقع به محله التجاري لم تنل من بضائعه ومحتوياته.
خلال الشهور الستة التي قضاها أبو هاني وأسرته نازحين في مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في حي تل السلطان غربي مدينة رفح، اعتمدوا على ما لديهم من مال وما يتلقونه من مساعدات إغاثية لتأمين احتياجاتهم الحياتية اليومية.
ويقول هذا الرجل الأربعيني "لقد طالت الحرب وأوشك مالنا على النفاد، وفكرنا في استثمار ما تبقى لدينا بعمل نعرفه ونجيده، وقد بذلت جهوداً مضنية من أجل جمع هذه الكمية القليلة من مواد النظافة والتجميل من مخيم النصيرات ومدينة دير البلح (وسط القطاع) قبل أن يرشدني صديق إلى آلية لتهريب كمية من بضاعتنا في مدينة غزة".
مصلحة وطنية
رفض أبو هاني بشدة الحديث عن تفاصيل طريقة التهريب ووسائله للتعمية على قوات الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة على "محور نتساريم" جنوب مدينة غزة ويفصل القطاع إلى نصفين، أو حسب التسمية الإسرائيلية لمنطقتين جنوب وادي غزة وشماله.
وليس بمقدور أحد الاقتراب من هذا المحور من دون تنسيق مسبق مع قوات الاحتلال التي ارتكبت غير مرة جرائم إعدام ميداني بحق فلسطينيين نازحين، أثناء محاولتهم العودة إلى منازلهم في مدينة غزة وشمال القطاع.
ويبرر أبو هاني رفضه الكشف عن طريقة التهريب بالخشية على سلامته وأسرته من الاستهداف الإسرائيلي، إضافة إلى أن كشفها يساعد الاحتلال على منعها ويضر بالمصلحة العامة.
وتقتصر حركة التنقل المحدودة جداً بين شمال القطاع وجنوبه على سيارات تابعة لمنظمات دولية، أو شاحنات تحمل مساعدات إنسانية، وذلك بعد التنسيق المسبق والحصول على أذونات إسرائيلية بالتحرك سواء عبر شارع صلاح الدين، أو شارع الرشيد الساحلي، ويربط بينهما محور نتساريم العسكري.
ويقول أبو هاني إن "الأصدقاء يخدمون بعضهم البعض مجاناً في نقل البضائع بكميات قليلة بين شمال القطاع وجنوبه" غير أن العملية تكلف غالباً مبالغ باهظة نظير نقلها، ويشترط ناقلها أن تصله حيث يوجد في مدينة غزة لتهريبها جنوباً، وهو ما يفسّر ارتفاع الأسعار الجنوني للمنتجات التي تصل جنوب القطاع أحيانا.
وبينما لا تزال تتوفر أصناف من السلع والبضائع في مناطق شمال القطاع، ومعظمها موجودة في مخازن ومحال تجارية منذ ما قبل اندلاع الحرب وسلِمت من التدمير، فإن مئات آلاف الغزيين هناك يعانون من مجاعة حقيقية، بحسب تأكيد "المكتب الإعلامي الحكومي" جراء شُح الأسواق من الخضراوات والمواد الغذائية، ومنع الاحتلال دخول المساعدات منذ 66 يوماً عقب احتلال معبر رفح البري مع مصر، وفرض قيود مشددة على معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد.
دمار المنازل والأسواق جراء القصف الإسرائيلي على مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع (الجزيرة) اختراق العزلة والحصاروبعدما أضناه البحث عن لوحة طاقة شمسية لتوليد الكهرباء لمنزله المدمر جزئياً في خان يونس، تلقى "أبو سائد" وعداً من قريب له (تحفظ على جهة عمله) بأن يجلب له واحدة من مدينة غزة، عندما يتلقى الإذن الإسرائيلي بالمرور.
وللشهر العاشر على التوالي، لا توجد كهرباء في القطاع، بموجب قرار اتخذته إسرائيل مع بداية الحرب "بقطع الكهرباء والماء والغذاء والدواء". وتعتمد فئة من الغزيين على الطاقة الشمسية لتوليد كهرباء محدودة تساعد في الإنارة وشحن الهواتف والأجهزة المنزلية البسيطة.
ورغم ما تعرض له أبو سائد من تدمير لمنزله، واستشهاد عدد كبير من أقاربه وأصدقائه، إلا أنه لا يزال يتمتع بمعنويات عالية ويقول للجزيرة نت "مهما فعلوا سنبقى متمسكين بالحياة على هذه الأرض، ونضرب الصخر للبحث عن سبل الحياة واختراق حصارهم وعزلتهم".
ويعمل أبو سائد البالغ (36 عاماً) في مصنع للخياطة بمدينة غزة وانقطع عن عمله منذ اندلاع الحرب. وله صديق يقول إن الله رزقه بمولود قبل 3 شهور ولا يجد له حليب أطفال شمال القطاع، وقد وفر له عبوتين وسيرسلهما له مع قريبه.
"الاحتلال ينتهج أساليب لخنقنا وقتلنا، ونحن شعب حي لا يعدم الخيارات ونستحق حياة أفضل" -يقول أبو سائد- الذي عاد وأسرته (6 أفراد) لمنزله في مدينة خان يونس المدمرة، بعد رحلة نزوح وتنقل بين الخيام استمرت 5 شهور.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات شمال القطاع مدینة غزة فی مدینة أبو هانی خان یونس
إقرأ أيضاً:
حصيلة شهداء العدوان على غزة تقترب من الـ44 ألفا إثر استمرار المجازر
تقترب حصيلة العدوان على قطاع غزة من 44 ألف شهيد، على وقع مجازر وحشية يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين العزل، خصوصا بحق أولئك الذين يرفضون النزوح من مناطق شمال قطاع غزة.
وقالت وزارة الصحة في بيان لها الاثنين، إن حصيلة الشهداء جراء عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة ارتفعت إلى 43 ألفا و922 شهيدا، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فيما بلغ عدد المصابين إلى 103 آلاف و898، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإنقاذ الوصول إليهم.
وأشارت إلى أن قوات الاحتلال، ارتكبت 4 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها إلى المستشفيات 76 شهيدا، و158 مصابا، خلال الساعات الـ24 الماضية.
وفي مجزرة جديدة، استشهد 17 فلسطينيا وأصيب آخرون، الاثنين، في قصف إسرائيلي استهدف منزلا لعائلة بدران بمحيط مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة.
وفي أبرز تطورات اليوم الـ409 من العدوان، استشهد 4 أشخاص بينهم طفلان إثر قصف إسرائيلي استهدف خيمة تؤوي نازحين في منطقة المواصي الساحلية غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، عقب ساعات قليلة من استهداف منزل يعود لعائلة الصفدي بحي التفاح شرق مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من سكانه.
وواصلت قوات الاحتلال عمليات نسف المنازل وتدمير الأحياء السكنية في مخيم جباليا شمالا، والبريج وسط القطاع، في محاولة لمنع عودة النازحين إليها.
وتأتي هذه التطورات عقب يوم دام من العدوان، استشهد فيه أكثر من 111 مواطناً، بينهم نساء وأطفال، منذ فجر الأحد، جراء غارات مكثفة شنتها قوات الاحتلال على مناطق مختلفة في القطاع، وخصوصا مناطق شمال القطاع.