غزة تحت التهديد الجغرافي الإسرائيلي
تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT
تتضمن خطة إسرائيل لإنشاء منطقة عازلة في غزة هدم المباني داخل منطق يبلغ عرضها كيلومترا واحدا على طول الحدود بين غزة وما يسمى بمستوطنات الغلاف. وقد أثارت هذه المبادرة جدلا وانتقادات كبيرة، حيث إن المنطقة العازلة هذه يمكن أن تستولي بشكل فعال على حوالي 16 في المئة من أراضي غزة المحدودة بالفعل، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وربما جعل أجزاء من غزة غير صالحة للسكن.
وتتلاءم هذه المنطقة العازلة مع نمط أوسع من السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى التوسع الإقليمي وتقليص الأراضي الفلسطينية. منذ إنشائها بشكل متوحش في عام 1948، انخرطت إسرائيل في مجموعة من الأنشطة التي أدت إلى تقليص الأراضي الفلسطينية بشكل منهجي، بما في ذلك التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وضم القدس الشرقية. وغالبا ما يتم تبرير هذه الإجراءات لأسباب أمنية، ولكن كان لهذه السياسات التوسعية تأثير تراكمي يتمثل في تفتيت الأراضي الفلسطينية، مما يجعل إنشاء دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة أمرا صعبا بشكل متزايد.
وتتميز الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية بتكتيكاتها العدوانية، وفي مقدمتها التدمير المتعمد والممنهج للمناطق السكنية. ولا يؤدي هذا النهج إلى تسوية أحياء وشوارع بأكملها بالأرض فحسب، بل يغير أيضا بشكل أساسي المعالم الجغرافية لقطاع غزة. ومن خلال القيام بذلك، تهدف القوات الإسرائيلية إلى ممارسة سيطرة أكبر على أجزاء كبيرة من هذه الأراضي، وتحويلها لخدمة مصالحها الاستراتيجية.
تتلاءم هذه المنطقة العازلة مع نمط أوسع من السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى التوسع الإقليمي وتقليص الأراضي الفلسطينية. منذ إنشائها بشكل متوحش في عام 1948، انخرطت إسرائيل في مجموعة من الأنشطة التي أدت إلى تقليص الأراضي الفلسطينية بشكل منهجي، بما في ذلك التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وضم القدس الشرقية
فبالإضافة إلى 16 في المئة من أراضي القطاع التي سيتم اقتطاعها لإنشاء منطقة عازلة، سلطت وسائل إعلام إسرائيلية الضوء على محاولة الجيش الإسرائيلي السيطرة على نحو 26 في المئة من مساحة غزة. ولا يقتصر هذا الاحتلال على الاستيلاء على الأراضي فحسب، بل يتضمن أيضا تطويرا كبيرا للبنية التحتية لخدمة إسرائيل، حيث يجري تمهيد الطرق، وإنشاء قواعد عسكرية واسعة النطاق، مما يدل على مساعي طويلة الأمد بالحفاظ على السيطرة على هذه المناطق. وذكرت صحيفة "هآرتس"، وهي صحيفة إسرائيلية بارزة، أن هذه الأعمال يُنظر إليها على أنها خطوة استراتيجية أقرها القادة السياسيون، مما يعكس نية استمرار الاحتلال لقطاع غزة وربما تصعيده.
فضلا عن ذلك، سيطر الجيش الإسرائيلي على ممر فيلادلفيا، وهو منطقة بالغة الأهمية، لمنع حماس من إقامة روابط مع مصر. إن تدمير المباني في هذا الممر وإنشاء ما لا يقل عن أربع قواعد عسكرية على طول ممر نتساريم يؤثر بشكل كبير على المشهد الجغرافي والعملياتي. ويقسم هذا الممر الاستراتيجي الأجزاء الشمالية والجنوبية من قطاع غزة، مما يعقد جهود التنسيق والتعبئة التي تبذلها حماس.
وبالإضافة إلى هذه الإجراءات، أقام الجيش الإسرائيلي نقاط مراقبة على طول الطريق الساحلي وقاعدة رئيسة أخرى على طريق صلاح الدين، وتوفر هذه المنشآت نقاط مراقبة استراتيجية وتعزز قدرة الجيش على مراقبة الحركة والسيطرة عليها في جميع أنحاء قطاع غزة. وتوضح هذه الإجراءات استراتيجية شاملة لا تهدف إلى تأمين الأراضي فحسب، بل تهدف أيضا إلى احتلالها بشكل دائم.
وبينما تحاول إسرائيل توسيع سيطرتها على مناطق أكبر من قطاع غزة، مرددة صدى جرائمها السابقة في القدس والضفة الغربية، يبدو أن المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية، يظل سلبيا، وغير مبال تقريبا بالأزمة المتفاقمة. ونحن ندرك بشكل واعٍ أهمية وقف إطلاق النار؛ ومع ذلك، يجب تسليط الضوء أيضا على مشاريع التهجير الممنهجة التي تنفذها إسرائيل، وتقليص مساحة غزة لصالح التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ومنع السكان الفلسطينيين الأصليين من العودة إلى ديارهم. إن هذا التعدي المتواصل يهدد وجود وهوية أكثر من مليوني فلسطيني يقيمون في القطاع.
ويؤكد هذا الصراع الحاجة إلى وسطاء مثل قطر ومصر بضغط عربي إضافي لتحويل الانتباه إلى محاولات إسرائيل لتقليص حجم القطاع. ويبدو أن العرب، الذين يدافعون بقوة عن كل شبر من أراضيهم في نزاعات أخرى، يتغافلون عن الاحتلال المنهجي والسيطرة على الموارد التي تحدث في غزة.
ومن الأمثلة الصارخة على اليقظة العربية الانتقائية بشأن النزاعات الإقليمية، الخلافات الحدودية المستمرة بين الدول العربية نفسها. لنتأمل هنا النزاع الحدودي حول الجرف القاري بين ليبيا وتونس، وهو الصراع المعقد الذي أشعل شرارته احتياطيات النفط الغنية في المنطقة، حيث سعت تونس إلى الحصول على قرار من خلال محكمة العدل الدولية في أواخر السبعينيات لفرض السيادة على المنطقة الغنية بالنفط. وبالمثل، فإن النزاع على جزر الياسات بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يسلط الضوء على المنافسة الشديدة على المناطق الوفيرة بالموارد مثل النفط والشعاب المرجانية والشواطئ الرملية. فبحسب مسؤول سعودي، وافقت المملكة على نقل السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية إلى الإمارات مقابل حقوق تجارية ونقل الشركات العالمية إلى الرياض وجدة.
وبحسب وثيقة الأمم المتحدة فإن الإمارات أعلنت أنّ "محمية الياسات" تقع في المياه الإقليمية التابعة لها، مؤكدة أنها لا تعترف للسعودية بأي مناطق بحرية أو حقوق سيادية أو ولاية بعد خط الوسط الفاصل بين البحر الإقليمي لدولة الإمارات والبحر الإقليمي للسعودية المقابل لمحافظة العديد.
تنطوي الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة على نهج محسوب ومتعدد الأوجه للسيطرة على الأراضي. ومن خلال التدمير المنهجي للبنية التحتية وإنشاء قواعد عسكرية واسعة النطاق، يهدف الجيش الإسرائيلي إلى إعادة تشكيل المشهد الجغرافي والسياسي للمنطقة
وفي اتفاقية جدة عام 1974، تنازلت الإمارات عن حقها في امتلاك شاطئ طوله 50 كيلومترا يفصل بين قطر والإمارات، وجزيرة الحويسات، وحقل الشيبة النفطي الضخم الذي يمتد إلى الإمارات. ويبدو أن الإمارات تحاول إضفاء الطابع الرسمي على ملكيتها لمنطقة الياسات، وهذا كله يدلل بأن الصراعات العربية-العربية مستمرة بالنسبة للحدود والسيطرة الجغرافية وهم غير آبهة لما تتعرض له فلسطين وقطاع غزة بشكل خاص.
والمثال الأبرز على الخلاف المهم بين الدول العربية وإسرائيل والذي لم يتم التغاضي عنه أبدا؛ هو الخلاف على مزاع شبعا بين إسرائيل ولبنان وسوريا. وعلى الرغم من دعوات إسرائيل المتكررة لترسيم الحدود، على أمل ضم مزارع شبعا من خلال المفاوضات، فإن لبنان وسوريا يرفضان التنازل بإصرار.
تسلط هذه الأمثلة الضوء على عدم الاتساق في النهج الذي يتبعه العالم العربي في التعامل مع النزاعات الإقليمية، وتؤكد الحاجة إلى إعطاء الأولوية للحفاظ على سلامة أراضي غزة في أي مفاوضات. يجب أن يبقى قطاع غزة سليما، خاليا من الاحتلال أو التقليص الجغرافي. ويتعين على المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية، أن يكثف جهوده لمعالجة ومواجهة التهجير الاستراتيجي والمنهجي الذي تقوم به إسرائيل للفلسطينيين، بما يضمن استقرار المنطقة والحفاظ على هوية شعبها.
خلاصة القول، تنطوي الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة على نهج محسوب ومتعدد الأوجه للسيطرة على الأراضي. ومن خلال التدمير المنهجي للبنية التحتية وإنشاء قواعد عسكرية واسعة النطاق، يهدف الجيش الإسرائيلي إلى إعادة تشكيل المشهد الجغرافي والسياسي للمنطقة. وتعكس هذه الاستراتيجية هدفا أوسع يتمثل في الهيمنة على المدى الطويل وتصفية الوجود والهوية الفلسطينية في غزة.
x.com/fatimaaljubour
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة المنطقة العازلة الاحتلال إسرائيل غزة الاحتلال المنطقة العازلة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأراضی الفلسطینیة الجیش الإسرائیلی الدول العربیة قواعد عسکریة قطاع غزة من خلال
إقرأ أيضاً:
تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
قالت صحيفة عبرية إنه مع تراجع الصراعات مع حماس وحزب الله تدريجيا، تتجه إسرائيل الآن إلى التعامل مع الهجمات المستمرة من الحوثيين في اليمن.
وذكرت صحيفة "جيرزواليم بوست" في تحليل لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه مع تدهور حزب الله بشكل كبير، وإضعاف حماس إلى حد كبير، وقطع رأس سوريا، يتصارع القادة الإسرائيليون الآن مع الحوثيين، الذين يواصلون إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على إسرائيل.
وأورد التحليل الإسرائيلي عدة مسارات لردع الحوثيين في اليمن.
وقال "قد تكون إحدى الطرق هي تكثيف الهجمات على أصولهم، كما فعلت إسرائيل بالفعل في عدة مناسبات، وقد يكون المسار الآخر هو ضرب إيران، الراعية لهذا الكيان الإرهابي الشيعي المتعصب. والمسار الثالث هو بناء تحالف عالمي - بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - لمواجهتهم، لأن الحوثيين الذين يستهدفون الشحن في البحر الأحمر منذ السابع من أكتوبر لا يشكل تهديدًا لإسرائيل فحسب، بل للعالم أيضًا.
وأضاف "لا توجد رصاصة فضية واحدة يمكنها أن تنهي تهديد الحوثيين، الذين أظهروا قدرة عالية على تحمل الألم وأثبتوا قدرتهم على الصمود منذ ظهورهم على الساحة كلاعب رئيسي في منتصف العقد الماضي ومنذ استيلائهم على جزء كبير من اليمن".
وأكد التحليل أن ردع الحوثيين يتطلب نهجًا متعدد الجوانب.
وأوضح وزير الخارجية جدعون ساعر يوم الثلاثاء أن أحد الجوانب هو جعل المزيد من الدول في العالم تعترف بالحوثيين كمنظمة إرهابية دولية.
دولة، وليس قطاعاً غير حكومي
وحسب التحليل فإن خطوة ساعر مثيرة للاهتمام، بالنظر إلى وجود مدرسة فكرية أخرى فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الحوثيين، وهي مدرسة يدعو إليها رئيس مجلس الأمن القومي السابق جيورا إيلاند: التعامل معهم كدولة، وليس كجهة فاعلة غير حكومية.
وقال إيلاند في مقابلة على كان بيت إن إسرائيل يجب أن تقول إنها في حالة حرب مع دولة اليمن، وليس "مجرد" منظمة إرهابية. ووفقاً لإيلاند، على الرغم من أن الحوثيين لا يسيطرون على كل اليمن، إلا أنهم يسيطرون على جزء كبير منه، بما في ذلك العاصمة صنعاء والميناء الرئيسي للبلاد، لاعتباره دولة اليمن.
"ولكن لماذا تهم الدلالات هنا؟ لأن شن الحرب ضد منظمة إرهابية أو جهات فاعلة غير حكومية يعني أن الدولة محدودة في أهدافها. ولكن شن الحرب ضد دولة من شأنه أن يسمح لإسرائيل باستدعاء قوانين الحرب التقليدية، الأمر الذي قد يضفي الشرعية على الإجراءات العسكرية الأوسع نطاقا مثل الحصار أو الضربات على البنية الأساسية للدولة، بدلا من تدابير مكافحة الإرهاب المحدودة"، وفق التحليل.
وتابع "ومن شأن هذا الإطار أن يؤثر على الاستراتيجية العسكرية للبلاد من خلال التحول من عمليات مكافحة الإرهاب إلى حرب أوسع نطاقا على مستوى الدولة، بما في ذلك مهاجمة سلاسل الإمداد في اليمن".
ويرى التحليل أن هذه الإجراءات تهدف إلى تدهور قدرات اليمن على مستوى الدولة بدلاً من التركيز فقط على قيادة الحوثيين - وهو ما لم تفعله إسرائيل بعد - أو أنظمة الأسلحة الخاصة بها. ومع ذلك، هناك خطر متضمن: تصعيد الصراع وجذب لاعبين آخرين - مثل إيران. وهذا ما يجعل اختيار صياغة القرار مهمًا.
وأشار إلى أن هناك أيضًا آثار إقليمية عميقة. إن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من شأنه أن يناسب مصالح دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تنظر إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا والتي قاتلتهم بنفسها.
إعلان الحرب على اليمن يعقد الأمور
أكد أن إعلان الحرب على اليمن من شأنه أن يعقد الأمور، حيث من المرجح أن تجد الإمارات العربية المتحدة والسعوديون صعوبة أكبر في دعم حرب صريحة ضد دولة عربية مجاورة.
وقال إن الحرب ضد منظمة إرهابية تغذيها أيديولوجية شيعية متطرفة ومدعومة من إيران شيء واحد، ولكن محاربة دولة عربية ذات سيادة سيكون شيئًا مختلفًا تمامًا.
وطبقا للتحليل فإن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يتماشى مع الرواية الإسرائيلية الأوسع لمكافحة وكلاء إيران، ومن المرجح أن يتردد صداها لدى الجماهير الدولية الأكثر انسجاما مع التهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب. ومع ذلك، فإن تصنيفهم كدولة يخاطر بتنفير الحلفاء الذين يترددون في الانجرار إلى حرب مع اليمن.
بالإضافة إلى ذلك حسب التحليل فإن القول بأن هذه حرب ضد منظمة إرهابية من الممكن أن يعزز موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في حربها ضد الحوثيين، في حين أن القول بأنها حرب ضد اليمن من الممكن أن يضفي الشرعية عن غير قصد على سيطرة الحوثيين على أجزاء أكبر من اليمن.
وأكد أن ترقية الحوثيين من جماعة إرهابية إلى دولة اليمن من الممكن أن يمنحهم المزيد من السلطة في مفاوضات السلام والمنتديات الدولية. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع دول أخرى، وتغيير طبيعة التعامل الدولي مع اليمن.
يضيف "قد يؤدي هذا الاعتراف إلى تقويض سلطة الحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة عدن ومنح الحوثيين المزيد من النفوذ في مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن بشكل دائم".
ولفت إلى أن هناك إيجابيات وسلبيات في تأطير معركة إسرائيل على أنها ضد الحوثيين على وجه التحديد أو ضد دولة الأمر الواقع في اليمن.
وتشير توجيهات ساعر للدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا بالضغط على الدول المضيفة لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى أن القدس اتخذت قرارها.
وخلص التحليل إلى القول إن هذا القرار هو أكثر من مجرد مسألة دلالية؛ فهو حساب استراتيجي له آثار عسكرية ودبلوماسية وإقليمية كبيرة.